رفع سن التقاعد.. تعزيز للصندوق أم عبء على الخزانة العامة؟
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
فـي تصريح لافت، قال معالي وزير الطاقة والمعادن، ورئيس مجلس إدارة صندوق الحماية الاجتماعية، سالم العوفـي، فـي ملتقى «معا نتقدم»: إن السن المناسب للتقاعد لم يخضع لدراسة بعد. مما يشير إلى أن الموضوع لا يزال يحتاج إلى تقييم دقيق قبل اتخاذ أي قرارات. لكن بعد أيام، صرح الرئيس التنفـيذي لصندوق الحماية الاجتماعية، الدكتور فـيصل الفارسي، بلهجة حاسمة، فـي برنامج «حوار التواصل» قائلا: «إن أكثر شيء يضر صناديق التقاعد هو التقاعد المبكر، وهذا التقاعد المبكر لا يوجد إلا فـي عُمان وغيرها من دول الخليج، والآن كل الدول تتجه إلى التخلص منه لأنه تسبب فـي خسائر مليارية للصناديق».
هذا التفاوت فـي التصريحات يثير بعض التساؤلات المهمة. إذا لم تكن هناك دراسة واضحة تحدد السن المناسب للتقاعد، فكيف يمكن الجزم بأن التقاعد المبكر هو السبب الأكبر فـي تضرر صناديق التقاعد؟ ولماذا يوجد خيار التقاعد المبكر فـي سلطنة عمان ودول الخليج إذا كان يشكل عبئا؟ وهل من الضروري إلغاؤه فقط لأن دولا أخرى تخلت عنه؟ وأخيرا، إذا كان المتقاعدون يعودون إلى سوق العمل، فهل هذا يعد أمرا سلبيا كما ألمح الدكتور فـيصل الفارسي؟
إذا كان التقاعد المبكر هو أكبر ما يضر صناديق التقاعد فهل رفع سن التقاعد هو الحل؟ رفع سن التقاعد قد يبدو حلا سريعا لمشكلة استدامة الصندوق، لكنه ليس بالضرورة الحل الأكثر كفاءة على المدى الطويل. فبدلا من اللجوء إلى رفع سن التقاعد، ربما توجد بدائل أكثر توازنا يمكن أن تحقق الاستدامة المالية دون أن تفرض أعباء إضافـية على الخزانة العامة وسوق العمل.
قد يكون أحد هذه البدائل هو إعادة ضبط مزايا التقاعد المبكر، بحيث يتم تقليل الامتيازات الممنوحة لمن يتقاعد مبكرا، مما يقلل من تكلفته دون إلغائه تماما. على سبيل المثال، يمكن تخفـيض نسبة المعاش التقاعدي للمبكرين أو تعديل آلية احتساب السنوات التقاعدية، بحيث يصبح خيارا أقل تكلفة على الصندوق، لكنه يظل متاحا لمن يرغب باختياره.
إضافة إلى ذلك، يجب الاهتمام بتعزيز استثمارات الصندوق، بحيث لا يعتمد فقط على الاشتراكات الشهرية، بل يستفـيد من العوائد الاستثمارية لتنويع مصادر تمويله. من خلال استثمارات مدروسة، يمكن تقليل الضغط على موارد الصندوق، مما يحد من الحاجة إلى رفع سن التقاعد كإجراء رئيسي.
لماذا يوجد خيار التقاعد المبكر فـي سلطنة عمان؟ أكد الدكتور فـيصل الفارسي أن التقاعد المبكر لا يوجد إلا فـي عمان ودول الخليج. ومع ذلك، وبصرف النظر عن مدى دقة هذا الطرح بشأن غياب سياسات التقاعد المبكر فـي بقية دول العالم، يمكن تفسير اعتماد هذا النظام بأن التقاعد المبكر لم يكن مجرد سياسة مالية، بل كان أداة لمعالجة تحديات سوق العمل فـي دول الخليج، ومنها سلطنة عمان. لفترات طويلة، كان التوظيف فـي القطاع العام يمثل أداة أساسية فـي توزيع الثروة الوطنية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. ومع تزايد أعداد الخريجين، أصبح من الضروري إيجاد طرق لخلق فرص عمل جديدة، وكان التقاعد المبكر من الحلول التي ساعدت على ذلك.
إلى جانب ذلك، فإن رفع سن التقاعد فـي بعض الدول جاء استجابة لمشكلات مختلفة عن تلك الموجودة فـي سلطنة عمان. بعض الدول التي رفعت سن التقاعد تعاني من نقص حاد فـي القوى العاملة بسبب شيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد، مما يعني أن عدد الداخلين إلى سوق العمل أقل من عدد المتقاعدين. لهذا، إبقاء الموظفـين لفترة أطول كان ضرورة اقتصادية لتعويض النقص فـي الأيدي العاملة، ولتقليل الضغط على صناديق التقاعد التي لم يعد فـيها عدد كافٍ من المشتركين الجدد لدعم المتقاعدين.
أما فـي سلطنة عمان، فالتحدي مختلف تماما. هناك أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل، وإذا تم رفع سن التقاعد، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الفرص المتاحة لهم. كما أن نظام التمويل مختلف، حيث تعتمد صناديق التقاعد فـي دول كثيرة على اشتراكات العاملين فـي القطاع الخاص، بينما فـي سلطنة عمان، يتم تمويل نسبة كبيرة من الاشتراكات من الخزانة العامة. وهذا يطرح تساؤلا مهما: إذا تم رفع سن التقاعد، فهل سيؤدي ذلك إلى تحسين الوضع المالي، أم أنه سينقل الأعباء من صندوق التقاعد إلى الخزانة العامة للدولة؟
هل من الضروري إلغاء التقاعد المبكر لمجرد أن دولا أخرى فعلت ذلك؟ أوضح الدكتور فـيصل الفارسي أن الدول تتجه إلى التخلص من التقاعد المبكر لأنه تسبب فـي خسائر مليارية للصناديق. هذه التصريح يقوم على افتراض أن التجربة العالمية تشير إلى أن التقاعد المبكر سياسة غير مستدامة، لكن المقارنة هنا قد تكون غير دقيقة. فإلغاء التقاعد المبكر فـي بعض الدول، لا يعني ذلك بالضرورة أنه الخيار الصحيح لكل بلد. السياسات التي تناسب دولة ما قد لا تكون مناسبة لدولة أخرى ذات ظروف اقتصادية وسكانية مختلفة. بعض الدول رفعت سن التقاعد لأنها تعاني من نقص فـي الأيدي العاملة، بينما فـي سلطنة عمان، هناك عدد كبير من الشباب الباحثين عن عمل، وهو ما يجعل رفع سن التقاعد قد يؤدي إلى تفاقم أعداد الباحثين عن عمل.
قبل اتخاذ قرار بإلغاء التقاعد المبكر، من الضروري دراسة تأثيره على سوق العمل والمالية العامة، وليس فقط على صندوق التقاعد. يجب أن يكون القرار جزءا من رؤية متكاملة تضمن تحقيق الاستدامة المالية دون التأثير سلبا على التوظيف والاقتصاد الوطني.
ذكر الدكتور فـيصل الفارسي أن المتقاعدين لا يخرجون من سوق العمل تماما، بل يحصلون على معاشاتهم التقاعدية ثم يعودون إلى العمل. لكن هل هذا أمر سلبي؟ الواقع يشير إلى أن وجود متقاعدين نشطين اقتصاديا قد يكون له تأثير إيجابي. فالكثير من المتقاعدين لا يعودون إلى الوظائف العامة، بل يساهمون فـي الاقتصاد بطرق أخرى. بعضهم ينتقل إلى القطاع الخاص، حيث يقدمون خبراتهم لشركات تحتاج إلى مهاراتهم. آخرون يؤسسون مشاريعهم الخاصة، مما يخلق فرص عمل جديدة، بينما يعمل البعض كمستشارين وخبراء، مما يساعد فـي نقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة.
إضافة إلى ذلك، بعض المتقاعدين الذين يعودون إلى العمل يختارون ضم خدمتهم السابقة إلى خدمتهم الجديدة، مما يعني أن معاشهم التقاعدي يتوقف مؤقتا، ويستأنفون دفع الاشتراكات مجددا. فـي هذه الحالة، لا يشكل التقاعد المبكر عبئا على الصندوق، بل يصبح المتقاعد مساهما فـيه مرة أخرى، ويحصل لاحقا على معاش محسن بسبب فترة الخدمة الأطول.
إذا كان التقاعد المبكر يؤدي إلى خروج الموظفـين من القطاع العام، لكنه يسمح لهم بالبقاء منتجين فـي مجالات أخرى، فهذا قد يكون جزءا من الحلول الاقتصادية، وليس بالضرورة مشكلة يجب التخلص منها.
التباين فـي التصريحات حول التقاعد المبكر يؤكد الحاجة إلى دراسة متأنية قبل اتخاذ أي قرارات نهائية. الاعتقاد بأن تأخير التقاعد يحقق وفورات مالية قد يكون مبنيا على رؤية غير شاملة. ففـي القطاع الخاص، رفع سن التقاعد يمكن أن يعزز الصندوق التقاعدي لأنه يزيد الاشتراكات دون أن تتحمل الدولة تكلفة مباشرة. أما فـي القطاع العام، فإن استمرار الموظفـين لفترة أطول يعني استمرار دفع الخزانة العامة لرواتبهم الكاملة، بالإضافة إلى استمرار تحملها لتكاليف العلاوات، والترقيات، وغيرها من التكاليف التشغيلية التي تزيد من قيمة المعاش المستقبلي للموظف عند تقاعده، مما يبقي العبء المالي على الخزانة العامة دون تحقيق توفـير حقيقي.
لذا، فـي ظل استمرار الحكومة فـي التوظيف بغض النظر عن الحاجة الفعلية، فإن رفع سن التقاعد قد يؤدي إلى تضخم وظيفـي وزيادة الأعباء المالية، بينما يكون التقاعد المبكر خيارا أكثر كفاءة، حيث يحقق خفضا تدريجيا فـي التكاليف، ويفسح المجال أمام الشباب، ويدعم النشاط الاقتصادي عبر تحفـيز مشاركة المتقاعدين فـي القطاع الخاص.
وقبل اتخاذ أي قرار برفع سن التقاعد، يبقى السؤال الأهم: هل نحن بصدد حل المشكلة، أم أننا فقط ننقلها من صندوق التقاعد إلى الخزانة العامة للدولة والشباب الباحثين عن عمل؟
سليمان بن سنان الغيثي كاتب وقانوني عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التقاعد المبکر فـی الباحثین عن عمل صنادیق التقاعد الخزانة العامة فـی سلطنة عمان رفع سن التقاعد صندوق التقاعد القطاع الخاص دول الخلیج من الضروری یعودون إلى فـی القطاع بعض الدول سوق العمل إذا کان قد یکون
إقرأ أيضاً:
اجتماع في وزارة الاقتصاد والصناعة لمناقشة تحديات الصناعة السورية وكيفية النهوض بها
دمشق-سانا
ناقش وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار، مع عدد من مديري المؤسسات والشركات والمعامل التابعة للوزارة، ومديري المدن الصناعية، ومديري الصناعة في المحافظات التحديات التي تواجه العمل وسبل تجاوزها، ما يعزز من قدرات الصناعة الوطنية على تلبية احتياجات السوق المحلية والمنافسة في الأسواق الخارجية.
وشدد الوزير الشعار خلال اجتماع اليوم في مبنى الوزارة على ضرورة تجاوز كل العقبات، وإيجاد بيئة تشريعية مناسبة للاستثمار وتبسيط الإجراءات، ومعالجة مكامن الفساد، والترهل، وإدارة الموارد بالشكل الأمثل، للنهوض بالواقع الصناعي في سوريا.
وجرى خلال الاجتماع عرض للنظام الاستثماري الجديد الذي يتم العمل عليه، والخاص بالمدن الصناعية في سوريا، ما يضمن الاستثمار الأمثل لها، ويعود بالنفع على الصناعيين والوزارة بشكل عام.
وتحدث الحضور عن واقع المعامل والمنشآت الصناعية في سوريا المتوقفة عن العمل، أو التي تعمل بطاقة منخفضة، كقطاع الغزل والنسيج والصناعات الدوائية والكيميائية والغذائية والأسمدة والدهانات والبلديات والأحذية نتيجة قلة اليد العاملة، والحاجة للتدريب والتأهيل والتحديث بشكل دوري، وعن الخطط والمقترحات الكفيلة بمعالجة كل الثغرات، والانطلاق بعجلة الإنتاج بشكل حقيقي ومثمر.
وناقشوا الجدوى الاقتصادية من وجود عدد من الشركات والمنشآت المتعثرة، والديون المتراكمة عليها، ووجود آلات متهالكة، وعمالة فائضة، واقترحوا إعفاء هذه الشركات من الديون لتخفيف الأعباء عنها، وتمكينها من الانطلاق من جديد.
ولفت المجتمعون إلى التكاليف العالية لتحديث الآلات في الشركات والمنشآت العاملة حالياً، والمنشآت المتوقفة عن العمل، وضرورة دراسة وتحليل تلك التكاليف، وتجديد العقود مع الوزارات والجهات العامة.
كما تم استعراض واقع عمل هيئة المواصفات والمقاييس السورية، إضافة إلى ضرورة تدريب الكوادر الفنية للارتقاء بعملها، لما لها من أهمية كبيرة في توفير الحماية الصحية والبيئة والسلامة العامة للمواطنين.
وتناول الاجتماع عمل مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية، وأعمال إعادة الهيكلية الإدارية، وحصول المركز على الشهادة الخاصة بمتطلبات نظام كفاءة مختبرات الفحص والمعايرة وفق المواصفة القياسية الدولية ISO 17025، واعتماد المركز كجهة مانحة للشهادات، والاعتراف بها دولياً، وأهمية العمل على تحديث المخابر في المركز، لضمان الجودة بحسب المعايير والمواصفات المعتمدة.
وعن جانب التدريب والتأهيل في الوزارة، جرى استعراض واقع المنشآت التعليمية التابعة لها، والمناهج المعتمدة فيها، وضرورة تغييرها وتحسين التدريب فيها بما يتوافق مع متطلبات السوق، وتفعيل مراكز التدريب المتوقفة عن العمل.
كما تم بحث الخطط التي يتم العمل عليها للمساهمة في حماية المنتج الوطني، وتسويقه بشكل مناسب، ووضع معايير ومواصفات حقيقية للمنتجات المستوردة.
وبخصوص عمل الهيئة العامة للمعادن الثمينة في سوريا وآلية عملها، تم التركيز على ما يتعلق بضبط النظام المالي والرقابي على الأسواق والمعادن الثمينة المعروضة فيها، وإتلاف غير المطابق منها للمواصفات، وضبط آلية عمل الجمعيات والنقابات العاملة في هذا الشأن.