حسن جلبي.. تألق فن الخط العربي في العصر الحديث
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
بوفاة الخطاط التركي الكبير حسن جلبي، في نهاية فبراير/شباط الماضي، فقد العالم الإسلامي أحد أبرز رواد فن الخط العربي المعاصر حيث رحل تاركًا إرثًا فنيًا وتعليميًا سيظل ملهمًا للأجيال القادمة من الخطاطين والفنانين.
وولد "رئيس الخطاطين" عام 1937 في قرية إينسي بقضاء أولتو في أرضروم، ونشأ في بيئة دينية حيث حفظ القرآن الكريم مبكرًا.
بدأ مسيرته المهنية كمؤذن في مسجد أسكودار مهرماه سلطان عام 1956، ثم أصبح إمامًا في مسجد نصوحي محمد أفندي بعد أدائه الخدمة العسكرية.
اهتمام جلبي بالخط العربي بدأ منذ صغره، إذ كان يقلد اللوحات الخطية في مسجد قريته. وبعد انتقاله إلى إسطنبول عام 1963، سعى للتتلمذ على يد كبار الخطاطين. بدأ دراسته الرسمية للخط في 1964 تحت إشراف حامد أيتاج، بعد فترة قصيرة من التعلم مع حليم أوزيازيجي.
لاحقًا، درس خطي التعليق والرقعة على يد كمال باتاناي، مما ساهم في صقل مهاراته بشكل كبير. حصل على إجازته في خطي الثلث والنسخ من حامد أيتاج عام 1975، وفي خطي التعليق والرقعة من كمال باتاناي عام 1981.
إعلانتميزت مسيرة جلبي بإنجازات بارزة، منها تعيينه لكتابة النصوص لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة (1981)، وتكليفه بصيانة النصوص في المسجد النبوي بالمدينة المنورة (1983). أقام معرضه الشخصي الأول عام 1982 في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (IRCICA) بإسطنبول، تبعته معارض في كوالالمبور وعمّان.
من أبرز أعماله: كتابات قبة جامع السلطان أحمد المجددة، وقبة جامع خرقة شريف، ونصوص في مسجد الجمعة ومسجد القبلتين والمسجد النبوي. كما نفذ كتابات لمركز الطب الإسلامي بالكويت ومساجد في أوروبا وأفريقيا وآسيا.
واصل جلبي تدريس الخط منذ 1976، مانحًا الإجازة لعشرات الطلاب من مختلف أنحاء العالم. شارك في تحكيم مسابقات الخط الدولية، وحصل على جائزة خدمات الفن من وزارة الثقافة التركية عام 2008 تقديرًا لإسهاماته الفنية المتميزة.
استخدم جلبي عدة أنواع من الخطوط العربية، ونال ومنح إجازة في بعضها، مثل:
خط الثلثهو أحد أصعب الخطوط العربية وأكثرها جمالًا وتعقيدًا. يتميز بأحرفه المتداخلة والممتدة، ويُستخدم عادة في كتابة العناوين والزخارف في المساجد والمخطوطات. حصل حسن جلبي على إجازة في خط الثلث من أستاذه حامد أيتاج عام 1975.
يُعرف بوضوحه وسهولة قراءته، وهو الخط المستخدم في طباعة المصاحف والكتب. يتميز بحروفه المتناسقة والمستقيمة، وهو من الخطوط التي تعلمها حسن جلبي على يد كبار الخطاطين، وحصل على إجازة فيه أيضًا من حامد أيتاج.
خط التعليق (الفارسي)يتميز هذا الخط بانسيابيته وجمال انحناءاته، وغالبًا ما يُستخدم في الكتابات الفارسية والأدبية. حصل حسن جلبي على إجازة في هذا الخط من الخطاط كمال باتاناي عام 1981.
إعلان خط الرقعةهو من أكثر الخطوط استخدامًا في الكتابة اليومية والمراسلات الرسمية نظرًا لسهولة كتابته وسرعته. يتميز ببساطته وقوة حروفه، وقد درسه حسن جلبي وأتقنه على يد كمال باتاناي.
الخط الديوانيهو خط زخرفي يتميز بالتشابك والتناسق بين الحروف، وكان يُستخدم قديمًا في المراسلات السلطانية والوثائق الرسمية في الدولة العثمانية.
الخط الكوفييعد من أقدم الخطوط العربية، يتميز بأشكاله الهندسية المستقيمة والزوايا الحادة، ويستخدم كثيرًا في الزخارف والنقوش على المباني والمصاحف.
خط الطغراءهو خط مزخرف كان يستخدم في التوقيعات السلطانية العثمانية، ويتميز بتداخل الحروف وتكوين شكل زخرفي مميز.
لم يكتف حسن جلبي بإتقان الخطوط فقط، بل عمل أيضا على ترميم نقوش المساجد التاريخية، وتعليم فن الخط لجيل جديد من الخطاطين.
فكان له دور بارز في العديد من المشاريع الخطية داخل تركيا وخارجها.
فقد شارك في ترميم وكتابة نقوش العديد من المساجد، بالإضافة إلى ذلك، كان خبيرا في الحفاظ على الخطوط الإسلامية الأصلية، حيث استخدم أساليب تقليدية للحفاظ على دقة وأصالة النقوش التي قام بتجديدها.
ومن أبرز المساجد التي عمل على ترميم نقوشها أو كتابة نقوش جديدة لها: في تركيا: مسجد السلطان أحمد (إسطنبول)، قام بترميم نقوش القبة الجانبية وتجديد كتابة أسماء الله الحسنى على المثلثات عام 1974. مسجد الخرقة الشريفة (إسطنبول)، كتب نقوش القبة. مسجد نصوحي محمد أفندي (أوسكودار، إسطنبول)، حيث عمل إمامًا وشارك في زخرفة بعض أجزائه. مسجد كلية الإلهيات بجامعة مرمرة (إسطنبول)، كتب النقوش الخاصة به عند تجديده. مسجد تي بي إم إم (إسطنبول)، عمل على نقوشه وزخارفه. مسجد أسكي شهير ريشادي (أسكي شهير)، كتب نقوشه. مسجد وان ميركيز (وان، تركيا)، كتب النقوش الداخلية والخارجية. مسجد قيصري إيكي كابيلي (قيصري)، شارك في كتابة وترميم نقوشه. مسجد ريزا ساهيليولو (ريزا)، كتب نقوشه. ضريح ملا كاظم (سيرت، تركيا)، شارك في كتابة نقوشه. مسجد سلامي علي (إسطنبول)، شارك في زخرفته. مسجد عمرانية سون دوراك (إسطنبول)، كتب نقوشه. مسجد تشاغلايان (إسطنبول)، كتب الزخارف الخطية له. مسجد جنكيز توبل (إسطنبول)، عمل على زخرفة بعض أجزائه. مسجد فنربخشة (إسطنبول)، شارك في كتابة نقوشه. مسجد مالتيبي (إسطنبول) – كتب نقوشه الداخلية والخارجية. مسجد محمد زاهد كوتكو (إسطنبول) – كتب الزخارف الخطية له. مسجد بيوك شكمجة غوزيلجي (إسطنبول) – كتب نقوشه الداخلية. مسجد ميرتر يونس أمره (إسطنبول) – شارك في زخرفته. مسجد أورتا جشمه (إسطنبول) – كتب نقوشه. مسجد شيلهانة (إسطنبول) – عمل على تجديد نقوشه. مسجد تشنغلكوي يلدريم بايزيد (إسطنبول) – كتب زخارفه الخطية. إعلان خارج تركيا: المسجد النبوي (المدينة المنورة، السعودية) – عمل على ترميم وتجديد بعض نقوشه، خاصة في الأقسام المشيدة حديثًا. مسجد قباء (المدينة المنورة، السعودية) – كتب نقوشه عند تجديده عام 1987. مسجد القبلتين (المدينة المنورة، السعودية) – كتب نقوشه عند إعادة بنائه. المركز الطبي الإسلامي (الكويت) – كتب نقوشه الداخلية والخارجية عام 1986. مسجد الجمعة (هولندا) – كتب نقوش الحزام الزخرفي له. مسجد الفاتح (فورتسهايم، ألمانيا) – كتب نقوشه عام 1991. مسجد الجمعة (جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا) – كتب نقوشه عام 1997. مسجد الجمعة المركزي (ألماتي، كازاخستان) – كتب نقوشه عام 1999. مسجد يونس أمره (جينك، بلجيكا) – كتب زخارفه الخطية. مسجد نذير أفندي (موستار، البوسنة والهرسك) – شارك في كتابة نقوشه عند إعادة ترميمه.تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في فن الخط، حصل حسن جلبي على عدة جوائز مرموقة، منها:
جائزة خدمة الفن من وزارة الثقافة التركية عام 2008. جائزة تقدير من منظمة المؤتمر الإسلامي لجهوده في الحفاظ على الخط العربي. تكريم خاص من مركز إرسيكا لدوره في تعليم الخط العربي ونشره عالميًا. جوائز وشهادات تقدير من عدة دول عربية وإسلامية لمشاركاته البارزة في المعارض والفعاليات الثقافية.ورغم تقاعده عن العمل الرسمي، فإنه استمر في تقديم دروس الخط والمشاركة في المعارض حتى وفاته، تاركا إرثا فنيا لا يقدر بثمن.
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اجتماعي شارک فی کتابة الخط العربی مسجد الجمعة إجازة فی عمل على فی مسجد فن الخط حصل على على ید
إقرأ أيضاً:
إطلاق «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»
أبوظبي (وام)
أطلقت وزارة الثقافة «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»، خلال حفل أُقيم بالمسرح الوطني التابع للوزارة في أبوظبي، بمشاركة عدد من المسؤولين والخبراء والمهتمين بالشأن الثقافي والتراثي بدولة الإمارات.
وتهدف هذه السياسة إلى وضع رؤية وتوجهات وطنية شاملة تُعنى بالتراث المعماري الحديث، تحقيقاً لاستراتيجية الوزارة نحو تعزيز الهوية الوطنية وترويج التراث الثقافي، وترسيخ القيم التاريخية والثقافية لهذا التراث، ودعم الابتكار والإبداع في هذا المجال، حيث تُشكل المعالم المعمارية جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية وعناصر التراث الثقافي المادي للدولة، كما تعكس قيماً ثقافية متعددة تُسهم في تعزيز التلاحم الوطني والتكاتف المجتمعي.
وتضمنت فعالية إطلاق السياسة الوطنية، الاجتماع الاستثنائي الأول مع الجهات الاتحادية والمحلية المعنية، لاستعراض جهودها في مجال التراث المعماري الحديث، ومناقشة سبل التعاون على تنفيذ السياسة، إضافةً إلى تحديد الأولويات للمبادرات المزمع تنفيذها خلال السنوات القادمة.
وأكد مبارك الناخي، وكيل وزارة الثقافة، في كلمته، أن السياسة تأتي في إطار الجهود المستمرة للوزارة للحفاظ على المعالم الحضارية والتاريخية التي تعكس عراقة الهوية الوطنية لدولة الإمارات.
وقال إن العمارة الحديثة ليست مجرد مبانٍ، بل هي جزء لا يتجزأ من سردية المكان وهوية الفرد، تعكس قصة تطور دولتنا ونهضتها، مؤكداً أن حماية التراث المعماري الحديث مسؤولية جماعية تتطلب تنسيق الجهود بين مختلف الجهات المعنية، للحفاظ على هذا الإرث الحيوي وضمان استمراريته للأجيال القادمة.
عرض تفصيلي
وقدمت شذى الملا، القائم بأعمال وكيل الوزارة المساعد لقطاع الهوية الوطنية والفنون، عرضاً تفصيلياً تناول أهداف «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»، مؤكدة أن هذه السياسة تهدف إلى الحماية والحفاظ على التراث المعماري الحديث، وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية، المؤسسات الأكاديمية، جمعيات النفع العام، والقطاع الخاص، ورفع مستوى الوعي المجتمعي، تعزيز الفخر بالهوية الوطنية، دعم جهود التعليم والبحث العلمي، وتعزيز المكانة العالمية لدولة الإمارات في مجال الحفاظ على التراث المعماري.
وأشارت إلى أن السياسة تسهم في تعزيز السياحة الثقافية من خلال إبراز القيمة المعمارية لهذه المباني وجذب الزوار والمهتمين بتاريخ العمارة، ودعم أجندة التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية، محلياً وعالمياً، كما تركز السياسة على دعم الابتكار عبر تشجيع الفنانين والمهندسين المعماريين الشباب على استلهام التراث المعماري في تصاميمهم المستقبلية، بما يضمن استدامة هذا الإرث الثقافي.
وأدارت الملا جلسة نقاشية بعنوان «الذاكرة المعمارية.. الحفاظ على التراث الحديث في الإمارات»، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين الذين ناقشوا مفهوم التراث المعماري الحديث في سياق دولة الإمارات، والتطرق للتحديات والفرص الموجودة في هذا المجال، كما استعرضوا الجهود الحكومية المبذولة للحفاظ على هذا التراث، وناقشوا آليات تعزيز مساهمة المجتمع في هذه الجهود.
اتفاقيات ومذكرات تفاهم
وشهد الحفل توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، منها توقيع ميثاق الحفاظ على التراث الحديث بين الجهات المعنية في الدولة، الذي يؤكد التزامها بالحفاظ على المعالم المعمارية ذات القيمة الثقافية، كذلك توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة زايد لإطلاق برنامج تمويلي لدعم الأبحاث والدراسات في مجال التراث المعماري الحديث، الذي سيوفر فرصاً للطلاب والباحثين والأكاديميين المعماريين والفنانين والمهتمين بهذا المجال، وكذلك مع «مجرى» - الصندوق الوطني للمسؤولية المجتمعية، بالإضافة إلى دعم مشروع البرنامج الوطني لمنح الثقافة والفنون، ومشروع دعم وتمكين الحرفيين الذي يهدف إلى ربط الحرفيين الإماراتيين ودمجهم مع أصحاب المصلحة والمعنيين في القطاعات الصناعية لخلق فرص استثمارية، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع جمعية التراث المعماري، لتوثيق المباني ذات القيمة الوطنية في مختلف إمارات الدولة، مما سيسهم في إنشاء قاعدة بيانات شاملة تسلط الضوء على المباني ذات الأهمية التاريخية والثقافية.
ريادة عالمية في صون التراث
يأتي إطلاق السياسة في وقت تشهد فيه دولة الإمارات تطوراً متسارعاً في مختلف المجالات، حيث تعكس الجهود المبذولة في أبوظبي، ودبي، والشارقة لحماية التراث المعماري الحديث، والتي تعد نموذجاً يُحتذى به على المستوى الوطني.
ومن خلال هذه السياسة، تعزز الدولة التزامها بحماية هويتها الثقافية وتراثها الحضاري، انسجاماً مع رؤيتها الوطنية الطموحة و«مئوية الإمارات2071»، التي تهدف إلى ترسيخ مكانة الإمارات كدولة رائدة عالمياً في صون التراث وإثرائه للأجيال القادمة.