عندما يطل علينا هلال رمضان، كنجمة تضيء سماء الروح، مؤذنًا بتحول مبارك في دروب حياتنا، ودخول شهر تتصفد فيه الشياطين، وتهفو فيه القلوب إلى خالقها بصفاء ونقاء ،عندما يحل شهر الغفران والعتق من النيران، تطمئن النفوس، وتستبشر القلوب، لعلمها أنها سترتوي من لذة العبادة، وتغترف من معين الطاعة.
إن الأجواء الرمضانية هي أبهى مواسم العام، لما يجده العبد من أنس في رحاب الله، وقربًا يغسل أدران الروح من الذنوب ،يبدأ يومه بصيام يزكي النفس، ثم قراءة قرآن تنير البصيرة، ثم إفطار يجمع الأحبة، ويختم يومه بصلاة تراويح ترفع الروح إلى عنان السماء، فهو طيلة اليوم يسبح في فلك العبادة، ويغدو قلبه معلقًا بخالقه، عندما يظمأ البطن، تنشط الروح للذكر والعبادة وعمل الخير، ولذلك يزداد الخير وأهله في هذا الشهر الفضيل، وكأنهم جنود مجندة لنصرة الحق والفضيلة.
إن البيت الرمضاني تتغير معالمه وبرامجه اليومية، ففي كل زاوية منه تجد قارئًا لكتاب الله، يتلو آياته بتدبر وخشوع، فتسمع دوي القرآن يتردد في جنبات البيت، حتى غير المسلمين يشعرون بتغير في نمط الحياة في هذا الشهر الفضيل، ببركة معاشرتهم للمسلمين، ويظلهم الخير والبركة ينطبق عليهم هم القوم لايشقى بهم جليسهم ، فتنالهم النفحات والأرزاق ،إن البيوت الرمضانية في هذا الشهر تتجسد فيها أسمى معاني الإيمان والاستسلام لله الواحد القهار، وتفوح منها رائحة الإخاء والتكافل.
إن من رحمة الله بعباده أن أوجد مواسم للخير، ومناسبات للطاعة، نقترب فيها منه سبحانه، ونعيش لذة العبودية الخالصة ،فإذا كانت هذه هي حلاوة الدنيا، فكيف ستكون عيشة الآخرة في جنات الخلد والنعيم المقيم؟ ولذلك وردت الأحاديث النبوية التي تلوم من دخل عليه رمضان ولم يغفر له، وذلك لأن هذا الشهر تُعتق فيه الرقاب من النيران، ويتقرب فيه البشر من الله، يدعونه خوفًا وطمعًا، ورجاءً وإنابة، ورد في حديث لأبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة، ورغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي” (سنن الترمذي).
إن مقاصد شهر رمضان هي أسمى وأجل من مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، فجوهره تقوى الله، كما ورد في قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. ولذلك أجزل الله للصائمين الأجر، وجعل حسابه عنده من العطايا والأجور العظيمة، فالعبادات الأصل فيها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، فإنه لله، وهو يجزي به، وكل بما قدمت يداه من عمل صالح، روى أبوهريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي” (صحيح مسلم)، قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفا.
إذًا، رمضان فرصة عظيمة للتغيير والتقرب إلى الله، فلنجعل من هذا الشهر بداية جديدة لحياة تفيض بالإيمان والعمل الصالح، ولنسع جاهدين لاستغلال كل لحظة فيه، بالتوبة والاستغفار، وبالدعاء والقيام، وبالإحسان إلى الناس ،عسى أن نكون من الفائزين برضا الله وعفوه، وأن نبلغ رحمته ومغفرته وعتقًا من النيران.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: هذا الشهر
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: كيف نبقي أثر شهر رمضان حيًا في حياتنا ؟
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه تعلمنا من شهر رمضان الكثير ، وما زال يحتاج منا أن نقرأه ونتعلم من نفحاته ومنحه، وأن نقف عند كل دقيقة وجليلة من روحانياته حتى نتبعها فيتربى فينا ذلك النبيل الذي أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينشأ فينا ذلك المجاهد الذي يرهب عدو الله وعدونا.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن رمضان ليس موسم للعبادة والقرب وحسب، بل ينبغي أن يكون منطلقا لسلوك قويم وحال مرضي يدوم بعد رمضان، ولا ينبغي أن يكون رمضان مدة تعلو فيه الهمة ثم تخمد بعده، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
واشار الي انه لا ينبغي أن يفتر المؤمن بانقضاء رمضان فإن رمضان من خلق الله، ولما كادت همم المسلمين تفتر بانتقال سيد الخلق وحبيب الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم الخلق على الإطلاق، قام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقال : « ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت» [رواه البخاري].
ولذا فيحسن بنا أن نقول من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ولا يقضى عليه سبحانه وتعالى، فاثبت أيها المسلم على طاعتك، ولا تترك كتاب الله فاتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ولا تترك صلاة القيام، ولا تترك حسن الأخلاق السماحة والمسامحة التي كانت في رمضان، ولا تتجرأ على المحرمات فإن الله حرم المعاصي في رمضان وفي كل زمان ومكان، فكن عبدا لله وحده، واخلص له العبادة.
ولقد فتح الله علينا أبواب خير، ومواسم شكر بعد رمضان ليصبرنا على رحيله عنا، فشرع زكاة الفطر شكرا لنعمه وتعاونا بين المسلمين، وإغناء للفقراء،
ثاني مواسم الخير والشكر مما يصبرنا على فراق شهر رمضان هو عيد الفطر المبارك.