صالح البلوشي

 

 

جاءت تصريحات فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قبل عدة أيام، حول الخلاف بين المذاهب الإسلامية، في إطار موقف الأزهر التاريخي حول أهمية الحوار والتعارف بين المذاهب الإسلامية والتحذير من الخطابات المتشددة التي تروجها بعض الأوساط المعروفة بتوجهاتها الطائفية.

 

ولقد قال شيخ الأزهر في ثاني حلقات برنامجه الرمضاني "الإمام الطيب": "إن الخلاف بين السنة وإخوانهم الشيعة لم يكن خلافا حول الدين، وعلى كل من يتصدى للدعوة أن يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: 'من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلكم المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته'، ويتقن فهمه الفهم الصحيح"، مؤكدا "أن الأمة الإٍسلامية حاليا في أشد الحاجة إلى الوحدة في القوة والرأي لمجابهة تحديات العصر والانتصار على أعداء الأمة، فهناك كيانات عالمية اتحدت دون وجود ما يوحدها، كما اتحدت دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، ليس لشيء سوى أنها رأت ذلك ضرورة من الضرورات الحياتية العملية، ونحن أولى منهم بذلك بكل ما بيننا من مشتركات".

 

وقد كان لشيوخ الأزهر وعلمائها دور كبير في دعم دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تأسست في القاهرة عام (1368هـ / 1947م) على يد نخبة من العلماء المسلمين من السنة والشيعة وضم عند تأسيسها 20 عضوا من كبار العلماء من مختلف المذاهب.

 

ولكن من يتابع مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية في العصر الحديث يجد أنها مرتبطة بالأجواء السياسية في المنطقة، فدار التقريب بين المذاهب الإسلامية- مثلًا- تم تجميد عملها بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران سنة 1980، كما يجد أن الخطابات المتشددة والطائفية تخفت في لحظات الهدوء وتظهر بدلا منها الخطابات التي تدعو إلى وحدة الصف والمصير، وأن هذه الأمة يجب أن تقوم من غفوتها وتعيد أمجادها وأن ذلك لن يتحقق إلا بوحدة الأمة ووقوفها صفا واحدا أمام الأعداء، وفي هذه اللحظات تتكرر مشاهد العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية وهم يلقون الكلمات العصماء والخطب الرنانة حول أهمية الوحدة وترك الخلافات الفرعية جانبا، ولكن ما أن تظهر مشكلة سياسية حتى تصحو الطائفية مجددا من غفوتها فإنها تعيد إنتاج خطاباتها السابقة ولكن بثوب جديد يلائم الوضع الحاضر.

 

من يقرأ الصفحات الدامية من التاريخ الإسلامي يجد بوضوح أن الطائفية هي سلاح سياسي تستخدمه الأنظمة والحكومات وحتى أحزاب المعارضة أيضا عندما تجد نفسها في خطر أو تريد تحقيق غاية سياسية معينة، وقد استخدمت في السنوات الأخيرة بالحرب الأهلية السورية من جميع أطراف الصراع بدون استثناء، ومنهم مثقفون وأدباء محسوبون على الفكر العلماني، مما يؤكد بأن الطائفية من الممكن أن تُستخدم ثقافيًا وأدبيًا أيضًا وليس دينيًا فحسب، ولذلك لا يمكن القضاء عليها بقرار سياسي أو فتوى دينية أو ندوة ثقافية أو مؤتمر للتقريب بين المذاهب أو صلاة مشتركة؛ وإنما بثورة معرفية تنويرية تفصل ما بين السياسة والقضايا الدينية وتؤكد أن المذاهب الدينية ليست وحيا من السماء وإنما اجتهادات بشرية ظهرت في سياقات زمكانية معينة، وأنها جميعها تنبع من منبع واحد وهو الكتاب والسنة، فليختلف السياسيون ما شاؤا أن يختلفوا فالسياسة في طبيعتها تقوم على الاختلاف ولكن دون أن يزجوا باسم الدين أو المذاهب في خلافاتهم من أجل شرعنتها للقضاء على الآخر المختلف.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية: بناء الأوطان يرتبط ببناء الإنسان عقيدةً وأخلاقًا وعلمًا

أكد الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، خلال كلمته اليوم بالمؤتمر العلمي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن بناء الأوطان لا يتحقق إلا ببناء أركان البنيان، وهو الإنسان، وذلك عبر تعزيز الجوانب العقدية والأخلاقية والعقلية، محذرًا من مخاطر الانسياق وراء المادية المُفرطة وتجاهل القيم الروحية.  

وحدد الجندي ثلاثة مسارات رئيسية لتحقيق هدف بناء الإنسان، أولها «المسار العقدي والإيماني»، مشيرا إلى دور الأزهر التاريخي في ترسيخ العقيدة الصحيحة، مستشهدًا بجهود علماء كبار مثل السنوسي والحفني والغزالي، مؤكدًا أن منهج الأزهر العقدي يحصن الفرد من محاولات الهدم الفكري، واصفًا تلك المحاولات بـأنها "أوهن من بيت العنكبوت".  

وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن ثاني مسارات بناء الإنسان هو «المسار الروحي والأخلاقي»، محذرًا من التحديات المعاصرة التي تستهدف القيم، مثل الترويج للشذوذ وهدم كيان الأسرة،
قائلا «لا أعرف زمانًا واجهت فيه الأخلاق والقيم تحديات كهذا الزمان الذي لا تخجل فيه بعض الفئات من التصريح بالشذوذ والعوج، وغير ذلك من الدعوات الهدامة التي تستهدف القيم والأخلاق والأسرة واللغة والعادات والتقاليد»، مشيدًا بمنهج الأزهر في الربط بين العقيدة والسلوك عبر تراث علمائه، ومنهم العز بن عبد السلام وابن حجر العسقلاني، الذين رسخوا مفهوم تهذيب النفس.  

وأضاف الجندي أن «المسار العقلي والمعرفي» هو ثالث مسارات بناء الإنسان، مشددًا على أهمية بناء العقل كأداة لفهم الدين ومواجهة التحديات الفكرية، مستندًا إلى أقوال أئمة الأشاعرة مثل الجويني والفخر الرازي، الذين أكدوا أن العقل "نور يُهتدى به إلى الحقائق"، داعيًا إلى ضرورة تعزيز الابتكار العلمي، مستذكرًا إسهامات علماء مسلمين مثل ابن الهيثم والخوارزمي.  
 
وربط الجندي بين تفكك المجتمعات وإهمال بناء الإنسان، قائلًا: "هدم الإنسان نتيجة حتمية لإهمال الأخلاق والروح"، مستشهدًا بقصة قوم لوط وعقابهم الإلهي،  مشيدًا بدور الأزهر بقيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ووكيله الدكتور محمد الضويني، في دعم مشاريع بناء الإنسان عبر برامج تعزز الوعي الديني والأخلاقي والتكنولوجي، داعيًا إلى تعاون عالمي لإرساء السلام ومواجهة محاولات زعزعة الاستقرار الإقليمي.  

واختتم الجندي كلمته بتأكيد أن حماية الأوطان مرتبطة بصناعة أجيال تحفظ القيم وتتمسك بالعلم، قائلًا: "أجيال تجسّد عطاء ابن حيان والخوارزمي، وتواجه تحديات العصر بعقل واعٍ وإيمان راسخ".  

وينعقد المؤتمر العلمي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، اليوم برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تحت عنوان "بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة"، بمشاركة نخبة من العلماء والباحثين، للتباحث حول رؤى مبتكرة تعزز بناء الإنسان وتصنع الحضارة في مواجهة تحديات العصر، وإبراز دور المنظومة التشريعية في تحقيق مقتضيات بناء الإنسان وتفعيل خطط التنمية المستدامة، إضافة إلى محاولة استخلاص حلول نوعية ومبتكرة قادرة على تحقيق حياة كريمة للإنسان نابعة من رؤية الدولة المصرية.

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية: الأزهر لديه وعي كبير بقضايا الأمة وقادر على مواجهة التحديات الفكرية
  • هاني تمام: مرونة الشريعة الإسلامية تؤكد صلاحيتها لكل زمان ومكان
  • المنافقون.. الوجه الآخر للعدوان على الأمة الإسلامية
  • توقيع مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر وسلطان أجونج الإسلامية بإندونيسيا.. صور
  • أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: ‏المسجد محور مهم للتربية والثقافة وترسيخ الهوية
  • ‏وكيل الأزهر: بناء الإنسان قضية أمن قومي وهدف استراتيجي في عالم مضطرب
  • أمين البحوث الإسلامية: بناء الأوطان يرتبط ببناء الإنسان عقيدةً وأخلاقًا وعلمًا
  • وكيل الأزهر: عقول الشباب وأجسادهم مستهدفة
  • وكيل الأزهر: ذكرى تحرير سيناء تحيي آمال النصر وكسر القيود والأوهام