جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-29@05:35:55 GMT

مافيا الـ"pay pal"

تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT

مافيا الـ'pay pal'

 

 

الطليعة الشحرية

 

مشهد الولايات المتحدة الآن بقيادة الرئيس دونالد ترامب يُمثل مسرحية هزلية ساخرة لانحدار القوة المطلقة التي سيطرت عقودًا على العالم، نحن أمام أمريكا جديدة وعالم ترامبي ملكي جديد ومهزوز يحكمه مافيا الباي بال.

تلك السياسية الفوضوية وجملة التصريحات الرعناء التي يتشدق بها الملك ترامب بضم كندا وجيرنلاند وقناة بنما والمريخ، وتحولت تلك التصريحات من رأي شخصي يتصدر الترند على منصات التواصل الاجتماعي إلى أجندة سياسية مدعومة من أباطرة وادي السيليكون.

ولا تزال صور اصطفاف أباطرة وادي السيليكون في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاضرة في الأذهان وتعطي مؤشرات ودلالات على حجم ما يحظون به من تقدير فائق، إنهم أصحاب شركات التكنولوجيا الأغنى والأكبر في العالم، جمعتهم صورة مُعبّرة، ظهر فيها كل من جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون، وسوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، وإيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا وسبايس إكس"، ومارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة ميتا (المالكة لواتساب وفيسبوك وإنستجرام)، إضافة لحضور كل من سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة Open Ai (المالكة لتطبيق تشات جي تي بي)، وشوو زي تشو الرئيس التنفيذي "لتيك توك"، ومستثمرين عدة في المجال التكنولوجي.

إنها صورة للجنود الملتزمين بقضيه ترامب الأزلية: "إعادة أمريكا عظيمة مجددًا"، الذين اتخذوا طريقهم نحو هذه الغاية بمساندتهم ترامب، وتعبيد الطريق له ماليًا وتقنيًا للفوز بولايته الثانية. غير أن ترامب يظهرهم في المقدمة ليس لشكرهم فحسب، وإنما ليخبر الجميع أن هؤلاء جزء من الطاقم الموسّع الذي سيحكم معه في ولايته هذه، وهم أيضًا سلاحه الذي سيتحكم من خلاله في الأخبار والمعلومات وصناعة المستقبل.

تلك الصورة الجماعية لعُصبة مافيا الباي بال والرئيس السمسار لأكبر قوة مهيمنة يعلنون رسميًا صناعة عالم جديد الغلبة فيه للفاشية التكنولوجيّة وأفول العصر الذهبي للولايات المتحدة التي وضع أُسسها فرانكلين روزفلت في مؤتمر يالطا في 1945م؛ حيث انعقد اجتماع في منتجع روسي في شبه جزيرة القرم أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي يالطا، اتخذ الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ورئيس الوزراء السوفييتي جوزيف ستالين قرارات مهمة بشأن التقدم المستقبلي للحرب والعالم بعد الحرب، وعلى إثرها بزغ عالم "البترودولار" وربط النفط بعُملة الدولار الأمريكية وإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة، وهنا تم الإعلان الضمني لصعود وهيمنة قوة استعمارية جديدة ونظام اقتصادي أحادي القطب.

لم تستخدم أمريكا نظرية الاستعمار المعهودة بالاستيلاء على الأرض واستغلال الثروات على غرار الإمبراطورية الإمبريالية البريطانية، بل استحدثت نظرية جديدة للاستيلاء على العالم وذلك بالاستيلاء على الممرات المائية العالمية البحرية، لذا نجد اليوم انتشار أكثر من ألف قاعدة بحرية أمريكية في أهم الشواطئ العالمية. لقد حكمت الولايات المتحدة على العالم بالبترودولار وصندوق النقد الدولي والسيطرة على الممرات المائية. وسيطرت المنظومة الأمريكية أحادية القطب على الاقتصاد العالمي إلى أن طرق جورج بوش الابن مسمار الانحدار الحقيقي لهذه المنظومة بحروب عبثية وهمية على الإرهاب المدعوم من لوبي مجمع تصنيع السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتؤدي جماعات الضغط المعروفة بـ"اللوبيات" دورًا حاسمًا في رسم ملامح السياسات العامة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. كما تمثل أنها مؤسسات من قطاعات مختلفة مثل الشركات الكبرى والجمعيات المهنية والمنظمات غير الربحية، التي تسعى لفرض سيطرتها على صناعة القرار باستعمال قوة المال بدرجة أولى، وعبر وسائل التأثير على الرأي العام. ولهذا السبب، منذ فترة طويلة، وصف الرئيس دوايت أيزنهاور، الذي كان جنرالًا بخمس نجوم قبل توليه الرئاسة، الإنفاقَ العسكرية بأنه سرقة، وهم القوة التدميرية الأكثر تجاهلًا في العالم، أنها القوة التي سببت العديد من المشاكل الكبرى في الولايات المتحدة والعالم اليوم. وقد حذّر أيزنهاور الأمريكيين منها في خطبة وداعه في العام 1961، حين أطلق عليها للمرة الأولى اسم "المجمع الصناعي العسكري".

ومُواكبة للمجمع الصناعي العسكري الثورة الاصطناعية والذكاء الاصطناعي، وَقَع تحالف وتعاون بين شركات صناعة الأسلحة وشركات التكنولوجيا في وادي السيلكون لإنتاج أنظمة وأسلحة أكثر تقدمًا، تشمل روبوتات وحوسبة سحابية وتحليل البيانات الضخمة وأسلحة ذاتية التشغيل وذلك نتيجة لزيادة المنافسة مع الصين وروسيا على امتلاك تقنيات متطورة وثورية؛ مما دفع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" للاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة وتقاطعت المصالح مع حاجة وداي السيليكون لتمويلات ضخمة.

لذا يمكن لنا أن نفهم دلالات إعلان الرئيس ترامب عن استثمار القطاع الخاص ما يصل إلى 500 مليار دولار لتمويل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في ثاني يوم من استلامه منصبه. كما قام الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية بنسبة %25 على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة دون استثناءات أو إعفاءات.

ورغم أن الولايات المتحدة تحصل على معظم وارداتها من الصلب من كندا والبرازيل والمكسيك، إلّا أن الرسوم الجمركية تستهدف الصين إلى حد كبير، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. وفرض جمركية جديدة بنسبة10% على الصادرات الصينية؛ مما دفع الصين إلى اتخاذ تدابير انتقامية شملت تحقيقات لمكافحة الاحتكار، وفرض رسوم على واردات أمريكية، وتشديد قيود التصدير على معادن حيوية والتي تُسيطر الصين على 90% منها.

منع الولايات المتحدة الصين من الحصول على النانو تكنولوجي والذكاء الاصطناعي، دفع الصين الى الرد بالمثل ومنعت المعادن النادرة التي تمثل عصب التصنيع في التكنولوجيا المتطورة. وسنجد هذه المعادن النادرة في جرينلاند، وجنوب أفريقيا، والكونجو، وزيمبابوي، وأوكرانيا. وهذا ما يفسر تصريحات غير منطقية بضم جرينلاند والاستيلاء على مخزون أوكرانيا من المعادن النادرة مقابل فاتورة الحرب مع روسيا، والتلويح باتهام جنوب أفريقيا بالعنصرية ضد البيض.

كل من يطوق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واللوبي الرئيسي الداعم في الانتخابات الأمريكية وصاحب اليد العليا في وضع الأجندة السياسية الجديدة، هم أعضاء مافيا الـpay pal (باي بال) والتحالف الخفي بين عمالقة وادي السيليكون و"المجمع الصناعي العسكري".

وشراكة المؤسسة العسكرية القديمة مع أباطرة وادي السيلكون الشريان الأكثر نبضًا وحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية وتحالف أباطرة التكنولوجيا مع ترامب الملك العائد بروح المنتصر المنتقم، تمخض كل ذلك في مشهد هزلي ساخر لملك سمسار نرجسي استعراضي يثير الجدل ويُحقق أطماع وجشع أباطرة التكنولوجيا الفاشيين وتجار المصنع الدموي العسكري.

لم تكن رؤية إيلون ماسك في غرفة الرئيس الأمريكي البيضاوي بقبعته المُميزة وملابسه غير الرسمية، وابنه المشاغب متدلٍ من عنقه، تجعل منه الرمز الأكثر إثارة في هذا المشهد، عندما تم إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقف ماسك أمام الصحافة بنبرة متعجرفة ساخرة ليؤكد أن إغلاقها كان قرارًا صائبًا، وبينما كان ابنه "إكس" يمازح الرئيس ترامب قائلًا: "أنت لست الرئيس، عليك المُغادرة"، لم يجد ترامب إلا أن يبتسم ابتسامة متكلفة أثناء توقيعه على مرسوم إغلاق الوكالة.

هذا المشهد يُعلن بزوغ عُصبة ونظام عالمي جديدة جشع احتكاري مُتخبِّط وفوضويّ ويعلن بكل جدارة انهيار العصر الذهبي الذي بناه روزفلت وظهور فرصة ذهبية يجب اقتناصها وكسر الحصار والاحتكار الاقتصادي والتحرر من المنظومة المُنحدرة المُنشغلة بحروب داخلية مع مُؤسساتها وأذرعها وخلق تحالفات وتكتلات اقتصادية ومؤسسات نقدية وعسكرية تكاملية تخترق الطوق والحصار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حين تطلق النار على نفسك: ثمن الحرب الاقتصادية على الصين

ترجمة: نهى مصطفى

في تغريدة شهيرة عام 2018، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «عندما تخسر دولة مثل الولايات المتحدة مليارات الدولارات في التجارة مع معظم شركائها، فإن الحروب التجارية تكون مفيدة وسهلة الفوز».

وعندما فرضت إدارة ترامب مؤخرًا رسومًا جمركية تتجاوز 100% على الواردات الأمريكية من الصين، مما فجّر حربًا تجارية جديدة وأكثر حدة، قدّم وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، مبررًا مشابهًا لتبرير هذا التصعيد، قائلًا: «أعتقد أن التصعيد الصيني كان خطأً جسيمًا، فهم يلعبون بأوراقهم المحدودة. ماذا سنخسر إذا رفعت الصين الرسوم علينا؟ نحن نصدر إليهم خمس ما يصدرونه إلينا، لذا فالخسارة الكبرى من نصيبهم».

تعتقد إدارة ترامب أنها تمتلك ما يصفه خبراء نظرية الألعاب بـ«هيمنة التصعيد» على الصين وأي اقتصاد آخر تعاني معه من عجز تجاري. و«هيمنة التصعيد» تعني، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة راند، أن «الطرف المقاتل يملك القدرة على تصعيد الصراع بطرق تضر بالخصم أو تكبّده تكاليف، في حين لا يملك الخصم الوسائل للرد بالمثل».

وإذا صحّ هذا المنطق، فإن الصين وكندا وأي دولة أخرى ترد على الرسوم الأمريكية تكون خاسرة. لكن هذا المنطق خاطئ: فالصين هي من تملك فعليًا هيمنة التصعيد في هذه الحرب التجارية. إذ تعتمد الولايات المتحدة على واردات حيوية من الصين لا يمكن استبدالها قريبًا أو تصنيعها محليًا دون تكلفة باهظة.

ورغم أن تقليل هذا الاعتماد قد يكون هدفًا مشروعًا، فإن الدخول في حرب تجارية قبل تحقيق ذلك يُعدّ وصفة شبه مؤكدة لهزيمة مُكلفة. أو لنستخدم تعبير بيسنت: واشنطن، لا بكين، هي من تراهن بكل شيء على يد خاسرة.

تفتقر رواية الإدارة الأمريكية إلى الدقة لأمرين: أولًا، الحروب التجارية تُلحق الضرر بالطرفين، لأنها تحرم كل منهما من الوصول إلى ما يحتاجه اقتصاداهما ويطلبه مواطنوهما وشركاتهما. وكما في الحروب التقليدية، تتعرض قوات الطرف المهاجم وجبهته الداخلية للخطر؛ فلا يُتوقع من الطرف المدافع أن يستسلم ما لم يكن الرد مستحيلًا أو غير ذي جدوى.

وتشبيه بيسنت بلعبة البوكر مضلل وسطحي، لأن البوكر لعبة محصلتها صفر: أحدنا يربح فقط إذا خسر الآخر. أما التجارة، فعلى العكس، لعبة محصلتها غير صفرية؛ غالبًا ما يعني تحسّن وضع أحد الطرفين تحسّن وضع الآخر أيضًا. في البوكر، لا تحصل على شيء مقابل ما تراهن به إلا إذا فزت. أما في التجارة، فتحصل على مقابل رهانك مباشرة، على هيئة سلع وخدمات. وتفترض إدارة ترامب أن ارتفاع حجم الواردات يقلل من المخاطر. وبما أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري مع الصين، أي تستورد منها أكثر مما تصدّر، فإنها أقل عرضة للخطر، بحسب هذا التصوّر. لكن هذه الفرضية ببساطة خاطئة، وليست موضع خلاف أو رأي. فحظر التجارة يُضعف الدخل الحقيقي للدولة ويقيد قدرتها الشرائية؛ إذ إن الدول تُصدّر لتحصل على المال الذي يمكنها من شراء ما لا تستطيع إنتاجه، أو ما يتطلب تصنيعه محليًا تكلفة مرتفعة.

علاوة على ذلك، حتى عند التركيز فقط على الميزان التجاري الثنائي، كما تفعل إدارة ترامب، فإن المؤشرات لا تبشّر بالخير للولايات المتحدة في حال نشوب حرب تجارية مع الصين. ففي عام 2024، بلغت صادرات الولايات المتحدة من السلع والخدمات إلى الصين 199.2 مليار دولار، بينما بلغت الواردات من الصين 462.5 مليار دولار، مما أسفر عن عجز تجاري قدره 263.3 مليار دولار. وعندما يُستخدم الميزان التجاري الثنائي كمؤشر على الطرف «الفائز» في الحرب التجارية، فإن الكفة تميل لصالح الدولة ذات الفائض التجاري، لا الدولة ذات العجز. الصين، باعتبارها دولة ذات فائض، تتخلى عن أموال فقط، أي عن عائدات المبيعات؛ أما الولايات المتحدة، الدولة ذات العجز، فتتخلى عن سلع وخدمات لا تنتجها داخليًا بكفاءة، أو لا تنتجها أصلًا.

الأموال قابلة للتعويض: في حال فقدان الدخل، يمكن خفض النفقات، أو البحث عن أسواق جديدة، أو توزيع الخسائر على مستوى الدولة، أو السحب من المدخرات، مثل اللجوء إلى التحفيز المالي. الصين، كحال معظم الدول ذات الفائض التجاري، تدّخر أكثر مما تستثمر، ما يمنحها فائضًا ادخاريًا يمكن استخدامه. لذا سيكون التكيف بالنسبة لها أسهل نسبيًا، إذ لن تواجه نقصًا حادًا، ويمكنها تعويض الكثير من صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر السوق المحلية أو أسواق أخرى.

في المقابل، الدول ذات العجز التجاري العام، مثل الولايات المتحدة، تنفق أكثر مما تدّخر. وفي الحروب التجارية، تتخلى هذه الدول عن حاجات يصعب تعويضها، لأن الرسوم الجمركية ترفع أسعارها وتجعلها أقل توفرًا في الأسواق. وبالتالي، تتأثر صناعات وأماكن وأُسر محددة بنقص حقيقي، أحيانًا في سلع أساسية، وبعضها لا يمكن تعويضه على المدى القصير، كما أن الدول ذات العجز تستورد رأس المال، ما يجعلها أكثر عرضة لتقلبات الثقة في حكوماتها وجاذبيتها كوجهة استثمار. ومع القرارات المتقلبة لإدارة ترامب بفرض ضرائب مرتفعة وإرباك سلاسل التوريد، يتراجع الاستثمار في الولايات المتحدة، وترتفع أسعار الفائدة على ديونها.

وباختصار، سيواجه الاقتصاد الأمريكي صعوبات شديدة في حرب تجارية شاملة مع الصين، كما يتضح من الرسوم الجمركية الحالية التي فرضها ترامب، والتي تجاوزت 100%، خاصة إذا استمرت دون تغيير. في الواقع، ستتضرر الولايات المتحدة أكثر من الصين، وسيتفاقم الضرر إذا صعّدت واشنطن إجراءاتها. ورغم أن إدارة ترامب قد ترى نفسها حازمة، فإنها عمليًا تضع الاقتصاد الأمريكي في موقع هش أمام ردود الفعل الصينية.

وقد تواجه الولايات المتحدة نقصًا في مدخلات حيوية، مثل مكونات الأدوية، وأشباه الموصلات الرخيصة المستخدمة في السيارات والأجهزة المنزلية، والمعادن الأساسية للصناعات المختلفة، بما في ذلك الأسلحة. وإذا تم خفض الواردات من الصين بشكل حاد أو إيقافها تمامًا، كما يلوّح ترامب، فإن النتيجة ستكون صدمة في العرض تؤدي إلى ركود تضخمي، على غرار ما حدث في السبعينيات أو خلال جائحة كوفيد-19، حيث تراجع النمو وارتفع التضخم في الوقت نفسه. وفي مثل هذا السيناريو، الأقرب مما يتصوره البعض، لن يبقى أمام الاحتياطي الفيدرالي وصناع القرار المالي سوى خيارات قاسية وفرص ضئيلة لتفادي البطالة سوى بقبول مستويات أعلى من التضخم.

عندما يتعلق الأمر بحرب فعلية، فإن استفزاز الخصم قبل الاستعداد وتسليح النفس يُعدّ مخاطرة قاتلة، خصوصًا إذا كان هناك ما يدعو للخوف من غزو محتمل. وهذا هو جوهر الخطر الذي ينطوي عليه الهجوم الاقتصادي الذي تقوده إدارة ترامب. فبما أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الصين في تأمين سلع حيوية مثل الأدوية، وأشباه الموصلات الرخيصة، والمعادن الأساسية، فإن الإقدام على قطع العلاقات التجارية دون ضمان وجود موردين بديلين أو إنتاج محلي كافٍ يُعد تصرفًا متهورًا. وبهذا النهج العكسي، ستُحدث الإدارة الضرر ذاته الذي تدّعي أنها تسعى لتجنبه.

قد يكون ما يحدث مجرد مناورة تفاوضية، بغض النظر عن تصريحات ترامب وبيسنت المتكررة وسلوكهما، إلا أن النتيجة تظل واحدة: هذه الاستراتيجية تُلحق ضررًا يفوق نفعها. وكما أشرت في مجلة «الشؤون الخارجية» في أكتوبر الماضي، تكمن المشكلة الأساسية في نهج ترامب الاقتصادي في أنه يتطلب تنفيذ تهديدات تُلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي ذاته كي يكون مُقنعًا، ما يؤدي إلى توقعات دائمة بعدم الاستقرار. ونتيجة لذلك، سيُحجم المستثمرون المحليون والأجانب عن ضخ أموالهم في الاقتصاد الأمريكي، وستضعف الثقة في التزام الحكومة الأمريكية بأي اتفاق، مما يُصعب فرص التوصل إلى تسوية أو تهدئة للتوتر.

وبالتالي، فإن القدرة الإنتاجية الأمريكية لن تتحسن كما تأمل الإدارة، بل ستتراجع، مما يمنح الصين وغيرها من المنافسين نفوذًا أكبر على الولايات المتحدة. بهذه الطريقة، تُطلق إدارة ترامب حربًا اقتصادية تشبه حرب فيتنام ــ حربًا اختيارية تنزلق سريعًا إلى مستنقع، وتُضعف الثقة داخليًا وخارجيًا في كفاءة ومصداقية الولايات المتحدة. ونحن جميعًا نعرف كيف انتهت حرب فيتنام.

مقالات مشابهة

  • سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية تزور الشلف
  • ترامب واثق من قدرة الولايات المتحدة وإيران على التوصل إلى اتفاق
  • هل تتحول اليمن إلى “مستنقع ” يستنزف الولايات المتحدة ؟! 
  • الرئيس اللبناني: على الولايات المتحدة و فرنسا تحمل مسؤولياتهما إزاء انتهاكات الاحتلال
  • مديناً استهداف الضاحية.. الرئيس عون: على الولايات المتحدة وفرنسا ان يجبرا إسرائيل على التوقف عن اعتداءاتها
  • حين تطلق النار على نفسك: ثمن الحرب الاقتصادية على الصين
  • رئيس وزراء غرينلاند: مستعدون للشراكة مع الولايات المتحدة
  • أخبار التكنولوجيا|ميتا تشن حربا على المحتوى العشوائي في فيسبوك.. آبل تخطط لتجميع هواتف آيفون الأمريكية في الهند بدلا من الصين
  • ترامب: الولايات المتحدة تقترب من إبرام اتفاق تجاري مع اليابان
  • ترامب يتوقع إبرام اتفاقات تجارية مع شركاء الولايات المتحدة خلال شهر