ستراتفور: الخلافات بين فرنسا والجزائر تتعمّق بسبب الهجرة
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
رجّح موقع ستراتفور أن تؤدي مراجعة فرنسا المحتملة على اتفاقية الهجرة لعام 1968 مع الجزائر إلى تفاقم التوترات بين البلدين، وبالتالي فرض عقوبات كتقييد التجارة وتوقف مفاوضات الطاقة.
ورأى الموقع في تحليله أن الضغط على الحكومة الجزائرية لاستئناف التعاون بشأن عمليات الترحيل لن يؤتي أكله، رغم إعلان رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو أن فرنسا ستعيد النظر في اتفاقية عام 1968، التي تسهل على الجزائريين الهجرة إلى فرنسا، إذا لم تستأنف بلادهم التعاون في ترحيل من صدرت ضدهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية.
غير أن الحكومة الجزائرية أدانت إعلان بايرو، ووصفته بأنه أحدث "استفزاز" في "سلسلة طويلة من التهديدات والمضايقات" التي تقوم بها فرنسا، في إشارة إلى إعلان فرنسا في يوليو/تموز 2024 أنها تدعم مطالبات المغرب بالسيادة على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، في مقابل دعم الجزائر حركة جبهة البوليساريو التي تقاتل من أجل استقلال الإقليم.
وتدهورت العلاقات الفرنسية الجزائرية -حسب الموقع- بعد أن اعترفت باريس بمطالبات المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، فعلق مجلس الشيوخ الجزائري علاقاته مع مجلس الشيوخ الفرنسي، وفرضت فرنسا قيودا على دخول بعض كبار الشخصيات الجزائرية، بعد أن قام مواطن جزائري، حاولت فرنسا ترحيله إلى الجزائر 10 مرات، بقتل شخص وجرح 3 آخرين، مما أثارت مشاعر معادية للجزائر وسط ردود فعل أوسع نطاقا ضد الهجرة.
إعلانوردا على اعتراف فرنسا بمطالبات المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، نددت الجزائر بموقف فرنسا، وسحبت سفيرها من باريس، وأوقفت التعاون بشأن عمليات الترحيل، واستبعدت فرنسا من عطاءات القمح.
عقوبات متبادلةوقد أدت حوادث أخرى، كاعتقال الجزائر وسجنها للكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بتهمة تتعلق بالأمن القومي، إلى زيادة التوتر بين البلدين، وذلك في وقت تصاعدت فيه مشاعر معادية للجزائر في فرنسا، واعتقل بعضهم بتهمة التحريض على أعمال العنف ونشر معاداة السامية.
ومع ذلك من غير المرجح أن تتعاون الجزائر في ترحيل الجزائريين -حسب الموقع- مما يعني أن فرنسا قد تمضي قدما في مراجعتها لاتفاقية الهجرة لعام 1968، ولكن دون إلغائها أو تعليقها، كما صرح بذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علما أن التعديل يتطلب اتفاقا ثنائيا ليس ممكنا حاليا وسط العلاقات المتوترة والمقاومة الجزائرية المتوقعة.
ومن المرجح أن تتخذ فرنسا خطوات إضافية للضغط على الجزائر لاستئناف التعاون في عمليات الترحيل، مثل فرض عقوبات مالية على الخطوط الجوية الجزائرية، وفرض قيود على تأشيرات الدخول على العسكريين والسياسيين الجزائريين المؤثرين، وتعزيز ضوابط الروابط البحرية، واستدعاء القناصل العامين الجزائريين.
ومن جانبها، قد تفكر الجزائر في فرض قيود تجارية على فرنسا والتهديد بتقييد صادرات النفط والغاز الرئيسية، وقد تحد من الواردات من فرنسا بشكل رسمي أو غير رسمي، وقد تبطئ الصفقات التجارية الكبرى مع شركات فرنسية، وقد تزيد جهودها لتنويع شركاء النفط والغاز الدوليين بعيدا عن فرنسا.
ورغم احتمال ان يلجأ كل من البلدين إلى مزيد من الخطوات لمعاقبة الآخر، يرى الموقع أن الجزائر قد تصبح في نهاية المطاف أكثر انفتاحا على التحديثات الفرنسية للاتفاقية إذا تحسنت العلاقات، كما فعلت في الماضي مع إسبانيا التي خاصمتها إثر اعترافها بمطالبات المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان ترجمات المغرب بالسیادة على الصحراء الغربیة
إقرأ أيضاً:
بين استحضار الذاكرة الثورية وإلهام الحاضر المقاوم.. دراسات في الثورة الجزائرية
الكتاب: دراسات في ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)المؤلف: مجموعة من المؤلفين
تحرير: ناصر الدين سعيدوني وفاطمة الزهراء قشي
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
في لحظة تاريخية تتسم بتجدد المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وسط حرب إبادة غير مسبوقة تذكّر بفظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، يكتسب كتاب "دراسات في ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)" أهمية مضاعفة، ليس فقط لكونه يعيد فتح ملفات أكبر ثورة تحررية عرفها العالم العربي في القرن العشرين، بل لأنه يربطها، بوعي أو بدونه، بنبض التاريخ الذي لا ينقطع في معارك الشعوب ضد الطغيان والهيمنة.
الكتاب، الذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، هو عمل جماعي شارك فيه خمسة عشر باحثًا عربيًا من مجالات معرفية متعددة تشمل التاريخ، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع. وقد أشرف على تحريره الأكاديميان ناصر الدين سعيدوني وفاطمة الزهراء قشي، في محاولة لتقديم قراءة منهجية نقدية ومعمّقة لثورة ما زالت –رغم مرور أكثر من ستين عامًا على انتهائها– موضوعًا حيًّا في الذاكرة الوطنية الجزائرية والعربية.
ثورة أكبر من أن تُختزل
منذ الاستقلال، لطالما عانت الثورة الجزائرية من محاولات اختزالها أو تشويهها، خاصة في الأدبيات الفرنسية التي حرصت على تسميتها بـ"أحداث" أو "حرب الجزائر"، في محاولة لمحو بعدها التحرري والإنساني، ووضع الضحية والجلّاد على قدم المساواة. في مواجهة هذا التزوير التاريخي، يضع الكتاب نفسه كرافعة أكاديمية توثق الثورة كما عاشها الجزائريون، وتفكك تعقيداتها الفكرية والسياسية والاجتماعية.
أربعة محاور.. وفلسفة الثورة
ينقسم الكتاب إلى أربعة محاور رئيسية، تبدأ بـ "فلسفة الثورة الجزائرية وبعدها الأيديولوجي"، حيث تتناول الفصول الأولى الطابع الفكري والرمزي للثورة، خاصة عبر مقاربة مفهوم "التحرر" من زاوية فلسفية واجتماعية. ويتوقف أحد الفصول عند مؤتمر الصومام كمحطة مركزية جمعت بين الرؤية الاستراتيجية والتأطير الأيديولوجي للنضال المسلح.
تُعيد اللحظة السياسية الراهنة ـ في ظل المجازر الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ـ تسليط الضوء على النموذج الجزائري، لا بوصفه ماضيًا تمجيديًا، بل كذاكرة مقاومة حيّة، ومنظومة مفاهيم قابلة للتجديد: رفض أنصاف الحلول، التنظيم الشعبي، مركزية الهدف، واعتبار الكفاح جزءًا من كرامة الإنسان لا مجرّد أداة لتحقيق استقلال جغرافي.المحور الثاني يعالج السرديات التاريخية والروايات الشفوية، مسلطًا الضوء على التوتر بين الذاكرة والتاريخ، وبين ما كُتب وما لم يُكتب بعد، حيث يتم تحليل المذكرات والشهادات التي تركها الفاعلون في الثورة، دون أن تخلو الفصول من قراءة نقدية لطريقة تأريخ هذه التجربة في المدارس الأكاديمية الجزائرية نفسها.
أما المحور الثالث، فيستعرض التفاعل الإقليمي والدولي للثورة الجزائرية، موضحًا كيف تجاوزت الثورة حدود الجزائر، لتصبح نموذجًا عالميًا لحركات التحرر، خاصة من خلال تحليل مظاهرات أكتوبر 1961 في باريس وتداعياتها على الرأي العام الفرنسي.
ويأتي المحور الرابع والأخير ليكشف العلاقة الشائكة بين السياسي والعسكري داخل الثورة، والتحديات التي ظهرت بعد الاستقلال، بما في ذلك صيف 1962 وأزمة بناء الدولة، مبرزًا الصراعات بين المؤسسات المنبثقة عن جبهة التحرير الوطني ومآلات اتفاقيات إيفيان.
الكتاب كأفق بحثي
ما يميز هذا الإصدار ليس فقط غِنى مواده وتعدد وجهات النظر فيه، بل دعوته الصريحة إلى تجاوز الروايات الرسمية والحماسية نحو قراءة علمية نقدية للثورة الجزائرية، بوصفها تجربة تحررية معقدة ومركبة. ففي خاتمته، يشير ناصر الدين سعيدوني إلى أن الثورة ما زالت تمثل "لحظة لم تنقضِ"، إذ تشكّل الأساس الذي لا تزال الدولة الجزائرية تُبنى عليه، وهي حاضرة في المخيال الجمعي العربي، لا كرمز فقط، بل كدرس نضالي قابل للتجدد.
صدى الجزائر في فلسطين.. والعكس
تُعيد اللحظة السياسية الراهنة ـ في ظل المجازر الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ـ تسليط الضوء على النموذج الجزائري، لا بوصفه ماضيًا تمجيديًا، بل كذاكرة مقاومة حيّة، ومنظومة مفاهيم قابلة للتجديد: رفض أنصاف الحلول، التنظيم الشعبي، مركزية الهدف، واعتبار الكفاح جزءًا من كرامة الإنسان لا مجرّد أداة لتحقيق استقلال جغرافي.
في ظل التراجع العربي العام، يبقى هذا الكتاب دعوةً ملحّة إلى الباحثين العرب لإعادة بناء سردياتهم التحررية بعيدًا عن مركزية الغرب ومقولاته، مستفيدين من ما أصبح اليوم في متناولهم من أرشيف وشهادات وأدوات بحث، ليقرأوا تاريخهم بأعينهم، ويرووا ثوراتهم بلغتهم.
يقول الناشر: "لا تقِلُّ الثورةُ الجزائرية أهميةً عن الثورات العالمية الكبرى، لكنّ إجحافًا متعمَّدًا لحقها من الكتّاب والمؤرخين الفرنسيين، تمثَّلَ في فصلها عن تاريخ الجزائر الأشمل وعَدِّها "أحداثًا"، أو "حربًا" تجري من خلالها المساواة بين الضحية والجلّاد، متجاهلين بُعدَها التحرري".
وأشار أن "الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي (1962-1954) مثلت حدثًا رئيسًا في تفكيك المشروع الاستعماري في الشرق والغرب، فتجربتها النضالية ضد الهيمنة الاستعمارية الممتدة منذ القرن التاسع عشر كرست قطيعة مع أساليب النضال السابقة؛ إذ جعلت هدفها الاستقلال التام، اعتمادًا على طلائع ثورية مصممة على إنهاء الواقع الاستعماري مهما بلغت التضحيات، مع قلة الوسائل المادية واختلال موازين القوى. وما كان لهذه الثورة أن تحقق ما حققته إلا بخصائص مطموسة، يُذكَر منها: نزعتها الإنسانية، والشدة والذكاء في التعامل مع الظاهرة الاستعمارية، ووضوح هدفها، وتنظيمها المحكم، ورفضها أنصاف الحلول، واستمرار حملها المشروع التحرريّ حتى بعد الاستقلال... وغيرها من الخصائص، التي تضع على عاتق الباحثين العرب مهمة إطلاق مشاريع بحثية نقدية لتوثيق الثورة الجزائرية، وبحثها ودراستها واستكشاف مقاربات جديدة تعيد النظر في ما نعرفه إلى غاية اليوم، خاصة في أدبيات التأريخ الفرنسي لتلك الفترة من عمر الاستعمار الفرنسي.
هذا الكتاب دعوةً ملحّة إلى الباحثين العرب لإعادة بناء سردياتهم التحررية بعيدًا عن مركزية الغرب ومقولاته، مستفيدين من ما أصبح اليوم في متناولهم من أرشيف وشهادات وأدوات بحث، ليقرأوا تاريخهم بأعينهم، ويرووا ثوراتهم بلغتهم.وتقدم خاتمة الكتاب جملة من التأملات بشأن آفاق البحث التاريخي، العابر لاختصاصات العلوم الاجتماعية، في الثورة الجزائرية في ذكرى انتصارها الستين. ويبرز فيها ناصر الدين سعيدوني أن موضوعات الكتاب، في مجملها، تظهر تنوع الإشكاليات المتعلقة بهذه الثورة وتشعبها، وغنى المقاربات والمنهجيات. فدراسة أحداث الثورة تمثل فضاءً بحثيًّا واسعًا لا يزال في حاجة إلى جهود المؤرخين خصوصًا والباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية عمومًا، خاصة بعد مرور أكثر من ستين عامًا على انتهائها وتوافر المدى الزمني الكافي الذي يتيح للباحثين من الأجيال التي لم تعش أحداثها تناول مواضيعها بمنهجية علمية مجدّدة بعيدًا عن الخطاب الحماسي والتسييس، لتقدم وجهة النظر الجزائرية الوطنية الأصيلة، وتخلق نوعًا من التوازن بين الإنتاج الأكاديمي في ضفتَي المتوسط كمًّا ونوعًا؛ إذ لا تزال الكفّة حتى الآن لفائدة الضفة الشمالية.
ويشير سعيدوني إلى أن الأمل معقود على ظهور جيل من المؤرخين الجزائريين والعرب يضطلع بهذه المهمة، ويستفيد من الكمّ الهائل من وثائق الأرشيف والكتابات والشهادات المتعلقة بهذه الثورة، والتي أصبحت في متناول الباحثين لسهولة الوصول إليها وتطور تقنيات جمعها والاستفادة منها، ليُقرأ تاريخ الثورة الجزائرية قراءةً علمية متزنة لا تتوقف عند البطولات الفردية والحساسيات الشخصية، بل تتناولها بصفتها تجربة إنسانية تحررية فريدة، تجاوز صداها حدود الجزائر والعالم العربي والإسلامي إلى العالم كلّه، وباعتبارها لحظة تاريخية لم تنقضِ بعد لأنها ما زالت الأساس الصلب الذي تشيّد فوقه الدولة الجزائرية الحديثة، وحاضرة في المخيّلة الجماعية للشعب الجزائري والشعوب العربية، على الرغم من الانتكاسات التي تلت انتصارها.