سودانايل:
2025-04-10@18:51:05 GMT

مصر والأزمة السودانية- دلالات تحرير الأسرى

تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT

على ضفاف النيل الذي يربط بين ضفتي التاريخ والجغرافيا، تتشابك المصائر بين مصر والسودان كوشائج النهر الخالد. لم تكن العلاقة بين البلدين يومًا مجرد جوار جغرافي، بل هي تداخل في المصير، حيث تتداخل السياسة بالأمن، والتاريخ بالمستقبل. واليوم، مع احتدام الأزمة السودانية، تجد القاهرة نفسها في معادلة دقيقة، حيث الاستقرار هناك يعني الأمان هنا، والانهيار هناك يعني اضطرابًا في قلب المعادلة الإقليمية.



في ظل الأزمة السودانية، لا تواجه مصر تحديات داخلية فحسب، بل أيضًا تدخلات إقليمية ودولية تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة، مما يجعل الموقف المصري أكثر تعقيدًا وحساسية. ففي لحظة فارقة، أُطلق سراح الأسرى المصريين الذين احتجزتهم قوات الدعم السريع، مشهد حمل أكثر من مجرد رمزية الإفراج، بل كشف عن تعقيدات المشهد السوداني وتوازناته. فهل يعني ذلك بداية تحول في موقف القاهرة؟ وهل تقبل مصر بحل وسط مع قوات الدعم السريع إذا كان ذلك هو الثمن لمنع تفكك السودان؟ أم أن رهاناتها ستظل رهينة دعم الجيش السوداني باعتباره الحصن الأخير لوحدة البلاد؟

في هذا المقال، نحاول تفكيك خيوط السياسة المصرية تجاه الأزمة السودانية، ونرصد الخيارات التي قد تتبناها القاهرة في مواجهة هذا المشهد المتشابك، حيث لا مجال للحلول السهلة، ولا رفاهية التردد.

أولًا: الأمن القومي المصري
الحدود المشتركة والاستقرار الإقليمي:
تشترك مصر والسودان في حدود طويلة، مما يجعل استقرار السودان أمرًا بالغ الأهمية لمصر. أي اضطرابات في السودان قد تؤدي إلى تدفق اللاجئين، أو انتشار الجماعات المسلحة، أو تهريب الأسلحة عبر الحدود، مما يهدد الأمن الداخلي المصري. بالإضافة إلى ذلك، فإن القبائل الحدودية التي تربطها علاقات عائلية واقتصادية عبر الحدود قد تتأثر سلبًا بأي اضطراب في السودان، مما قد يؤدي إلى توترات قبلية تهدد استقرار المناطق الحدودية المصرية.

حوض النيل والبحر الأحمر:
السودان يعد شريكًا استراتيجيًا لمصر في ملفات المياه والأمن البحري. أي تغيير في بنية الدولة السودانية قد يؤثر على التوازنات الإقليمية، خاصة في ظل التنافس على الموارد المائية مع إثيوبيا. كما أن السودان يلعب دورًا محوريًا في التعاون العسكري والأمني بين مصر والسودان في منطقة البحر الأحمر، خاصة في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة.

ثانيًا: المخاوف من التدخلات الخارجية
التنافس الإقليمي:
مصر تراقب بقلق التدخلات الإقليمية في السودان، خاصة من دول مثل تركيا وقطر (اللتين تدعمان قوات الدعم السريع)، والإمارات وروسيا (اللتين تدعمان الجيش السوداني). هذه التدخلات قد تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية وتؤثر على نفوذ مصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخلات الخارجية قد تؤثر على الاقتصاد السوداني، مما قد يؤثر سلبًا على المصالح الاقتصادية المصرية في السودان، خاصة في مجالات الزراعة والاستثمارات البنية التحتية.

البحر الأحمر كممر استراتيجي:
السودان يطل على البحر الأحمر، الذي يعد ممرًا حيويًا للتجارة العالمية والأمن القومي المصري. أي تغيير في موازين القوى في السودان قد يؤثر على السيطرة على هذا الممر. كما أن ميناء بورتسودان يعد ميناءً استراتيجيًا، وأي تغيير في موازين القوى في السودان قد يؤثر على السيطرة على هذا الميناء.

ثالثًا: ملف سد النهضة
دور السودان في المفاوضات:
السودان يلعب دورًا محوريًا في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي. أي تغيير في موقف السودان، خاصة إذا سقطت الخرطوم تحت سيطرة قوى موالية لإثيوبيا، قد يعقد الموقف التفاوضي لمصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأزمة السودانية قد تؤثر على موقف السودان من سد النهضة، خاصة إذا سقطت الخرطوم تحت سيطرة قوى موالية لإثيوبيا.

الحفاظ على التوازن:
مصر تسعى إلى ضمان أن تبقى الحكومة السودانية قادرة على الحفاظ على موقف متوازن في ملف سد النهضة، دون الانحياز الكامل لإثيوبيا. كما أن مصر تتعامل بحذر مع السيناريوهات المحتملة لانقسام السودان وتأثير ذلك على ملف سد النهضة.

رابعًا: تحليل السياسة المصرية تجاه الجيش السوداني
دعم استقرار الجيش كمؤسسة حاكمة:
ترى مصر أن الجيش السوداني هو المؤسسة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة السودان ومنع انهيار الدولة. لذلك، تدعم القاهرة قيادة الفريق عبد الفتاح البرهان كشريك استراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تخشى من سيناريو انهيار الدولة السودانية، كما حدث في ليبيا، مما قد يؤدي إلى انتشار الفوضى وتدخلات أجنبية غير مرغوب فيها.

رفض التدخل العسكري المباشر:
مصر تفضل عدم الانخراط في صراعات عسكرية مباشرة في السودان، خاصة بعد تجربتها في ليبيا. بدلاً من ذلك، تعتمد على الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي للجيش السوداني. كما أن مصر تسعى إلى عزل قوات الدعم السريع عبر الضغط على الدول الداعمة لها، مثل الإمارات وروسيا، لإيقاف تدفق الأسلحة والتمويل.

التحرك المصري في الإقليم:
مصر تعمل بشكل وثيق مع السعودية والإمارات، اللتين تمتلكان نفوذًا كبيرًا في السودان، لدفع جهود السلام وتقليل التدخلات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تتعاون مع تشاد لمنع انفصال دارفور أو تحوله إلى بؤرة صراع.

خامسًا: انعكاسات إطلاق سراح الأسرى المصريين ومستقبل الموقف المصري
أثار إطلاق سراح مجموعة من الأسرى المصريين لدى قوات الدعم السريع تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين القاهرة والدعم السريع، ومدى إمكانية تطور الموقف المصري بناءً على هذه الخطوة. فرغم دعم مصر للجيش السوداني، إلا أن الإفراج عن الأسرى قد يكون مؤشرًا على استعداد قوات الدعم السريع لإرسال رسائل إيجابية للقاهرة، مما قد يدفع مصر إلى إعادة تقييم موقفها من الصراع.

رسائل قوات الدعم السريع إلى مصر:
قد يكون إطلاق سراح الأسرى محاولة لفتح قناة تواصل مع القاهرة وتخفيف التوتر. كما أن قوات الدعم السريع تحاول تقديم نفسها كطرف شرعي قادر على الحوار مع القوى الإقليمية.

السيناريوهات المحتملة:
استمرار الدعم الحصري للجيش: قد تبقى مصر على موقفها الداعم للجيش السوداني باعتباره الضامن الوحيد لوحدة السودان.

موقف أكثر براغماتية: قد تتجه مصر إلى انتهاج سياسة أكثر مرونة، لا سيما إذا بات واضحًا أن الحل العسكري مستبعد، مما قد يدفعها إلى البحث عن حلول سياسية تضم جميع الأطراف.

تدخل الوساطات الإقليمية قد تلعب القاهرة دورًا أكثر نشاطًا في الضغط نحو تسوية تشمل الجيش والدعم السريع، خاصة إذا تزايدت الضغوط الدولية.

سادسًا: مدى استعداد مصر لقبول حل وسط مع قوات الدعم السريع
في ظل هذه التطورات، يبرز تساؤل أساسي: هل يمكن لمصر أن تقبل بحل وسط مع قوات الدعم السريع إذا كان ذلك ضروريًا لمنع تفكك السودان؟ الإجابة تعتمد على عدة عوامل:

مدى استمرار الدعم الإقليمي والدولي للجيش السوداني.

مخاطر استمرار القتال وتأثيره على الأمن القومي المصري.

الضمانات التي يمكن أن تقدمها قوات الدعم السريع لمصر، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود وملف سد النهضة.

الخلاصة
تتعامل مصر مع الأزمة السودانية بحذر شديد، حيث تسعى إلى تحقيق عدة أهداف متشابكة:

الحفاظ على وحدة السودان كدولة قوية وموحدة، تجنبًا لسيناريوهات التقسيم أو الفوضى.

حماية مصالحها الأمنية، خاصة فيما يتعلق بملف مياه النيل والأمن البحري في البحر الأحمر.

تقليل التدخلات الخارجية التي قد تعيد تشكيل السودان بطرق تتعارض مع المصالح المصرية.

دعم الجيش السوداني كقوة استقرار رئيسية، مع تجنب التورط العسكري المباشر.

إبقاء خياراتها مفتوحة بشأن إمكانية التفاوض مع الدعم السريع إذا أصبح ذلك ضرورة استراتيجية.

في النهاية، تواجه مصر تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين دعم الجيش السوداني كضامن للاستقرار، والحفاظ على خياراتها مفتوحة للتعامل مع قوات الدعم السريع إذا أصبح ذلك ضرورة استراتيجية. وفي ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، تبقى القاهرة حريصة على حماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية، مع الحفاظ على وحدة السودان كدولة قوية وموحدة.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مع قوات الدعم السریع التدخلات الخارجیة الأزمة السودانیة بالإضافة إلى ذلک الدعم السریع إذا الجیش السودانی للجیش السودانی البحر الأحمر أی تغییر فی فی السودان الحفاظ على سد النهضة قد یؤثر خاصة فی کما أن مما قد

إقرأ أيضاً:

السودان يتهم “الدعم السريع” باستهداف سد مروي ويتحدث عن أضرار

الأناضول/ اتهم الجيش السوداني، الثلاثاء، قوات الدعم السريع باستهداف سد مَرَوي شمال البلاد بطائرات مسيرّة ما أدى إلى "بعض الأضرار"، وقالت الفرقة "19 مشاة" التابعة للجيش في بيان، إنه "في الثالثة بالتوقيت المحلي (13:00 ت.غ) تصدت المضادات الأرضية لطائرات مسيرة أطلقتها مليشيا الدعم السريع المتمردة مستهدفة سد مروي وتسببت ببعض الأضرار (دون تفصيل)".

وأوضحت أن ذلك "يؤكد استهداف المليشيا (الدعم السريع) وتكرراها المتزايد لتخريب البنية التحتية للمواطن".

وأكدت على "استعداد الجيش التام التصدي لأي تهديدات في سماء مروي والولاية الشمالية عامة".

وحتى الساعة 18:30 (ت.غ)، لم يصدر عن "الدعم السريع" تعليق على الاتهامات.

وأفاد شهود عيان للأناضول من مدينة مروي بسماع دوي انفجارات تصاعد بعدها أعمدة الدخان من محيط سد مروي.

ويعد الهجوم على السد الثاني خلال أيام، إذ أعلنت شركة كهرباء السودان السبت، أن قوات الدعم السريع استهدفت محطة مروي بطائرات مسيرة ما أدى إلى انقطاع الكهرباء بالولاية الشمالية.

وتكرر هجوم قوات الدعم السريع على "مروي" وهو سد كهرومائي يقع على مجرى نهر النيل في الولاية الشمالية بالسودان على بعد 350 كيلومترا من العاصمة الخرطوم.

ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع في ولايات السودان لصالح الجيش، وتسارعت انتصارات الأخير في الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقار أمنية وعسكرية.

وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.  

مقالات مشابهة

  • أمنستي تتهم الدعم السريع بممارسة الاغتصاب والاستعباد الجنسي ضد سودانيات
  • البرهان: شعبنا بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع لا لمؤتمرات
  • الحكومة السودانية تستدل بشهادة خبراء الأمم المتحدة على دعم الإمارات لقوات الدعم السريع
  • ما أهمية معسكر طيبة الذي استعاده الجيش السوداني من الدعم السريع؟
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 12 مدنيا وإصابة 17 في قصف مدفعي للدعم السريع
  • السودان يتهم “الدعم السريع” باستهداف سد مروي ويتحدث عن أضرار
  • قائد في الجيش السوداني يكشف عن انهيار كبير لدفاعات الدعم السريع غرب أم درمان
  • الجيش السوداني يحكم سيطرته على منطقة مهمة في النيل الأزرق ويكبد الدعم السريع خسائر كبيرة
  • الجيش السوداني ينفذ عملية عسكرية ضخمة غرب ام درمان ويطوق قوات الدعم السريع
  • قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان