ماذا يعني لجوء ترامب إلى التفاوض المباشر مع حماس؟
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
يعدّ إجراء الولايات المتحدة مفاوضات مباشرة مع حركة حماس تطورًا ذا دلالات وتداعيات هامة على مسار التفاوض بشأن وضع نهاية للحرب في قطاع غزة، إذ يفتح مسارًا تكون قدرة التأثير الإسرائيلي فيه أقل مما كان عليه الوضع سابقًا. وهو ما يفسّر التحفظ الإسرائيلي الظاهر تجاهه.
في حين ظهر استقبال دولة الاحتلال هذا التطور بتحفظ وتخوف، إذ أكد مكتب نتنياهو، في بيان، علمه بإجراء واشنطن محادثات مباشرة مع حماس، وقال إن إسرائيل أعربت للأميركيين عن رأيها بشأن تلك المباحثات.
وهي صيغة تشير إلى عدم رضا مكتوم تجاه هذا الأمر. وفي ذات السياق، نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مصدر مطلع قوله إن "إسرائيل قلقة للغاية من المحادثات المباشرة لإدارة ترامب مع حماس".
الفرق بين التفاوض المباشر وغير المباشرحرصت الإدارة الأميركية تقليديًا على تفادي الخوض في محادثات مباشرة مع حركة حماس؛ لأنها تصنفها حركة إرهابية منذ العام 1997، ويردد الساسة الأميركيون شعار: "نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين"، منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك بذريعة عدم تعزيز شرعية هذه المنظمات، وإن كانوا قد خرقوا هذه القاعدة مرارًا.
فقد دعا ترامب ممثلين عن طالبان إلى كامب ديفيد في عام 2019، في محاولة للوصول إلى اتفاق سلام، لكنه ألغى الاجتماع بعد استمرار هجمات طالبان. كما تفاوضت إسرائيل، بدعم أميركي، مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال اتفاقيات أوسلو في عام 1993. أدى ذلك إلى الاعتراف بمنظمة التحرير ككيان شرعي، رغم تصنيفها سابقًا كمنظمة إرهابية.
إعلانوفي هذا السياق، كانت الإدارة الأميركية تتواصل مع حركة حماس من خلال المسؤولين الأوروبيين، أو من خلال مسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية، كالرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، والدبلوماسي "روبرت مالي"، في فترات تواجده خارج العمل الحكومي.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذا التكتيك أيضًا إلى تفادي تقديم أي التزامات أو مواقف ذات طبيعة ثابتة، فما يقوله الوسطاء أو المسؤولون المتقاعدون غير ملزم للإدارة الأميركية على العموم.
وفي حالة الحرب الحالية، يوفر التفاوض المباشر فرصة زيادة فاعلية التفاوض، خصوصًا في ضوء تمييز إدارة ترامب مصالح الولايات المتحدة عن مصالح إسرائيل.
سياق الحدثويظهر في سياق الحدث دور مجموعة من المعطيات؛ منها:
1- توجّه إدارة ترامب بإعطاء الأولوية للمصالح الأميركية المباشرة، سواء على صعيد الأسرى، أو على صعيد النظرة إلى الحرب في غزة وتداعياتها الأوسع.
ويظهر هذا التوجه في تبرير المتحدثة باسم الأبيض للمفاوضات المباشرة بقولها: "إن الحوار والتحدث مع الناس في جميع أنحاء العالم لتحقيق أفضل مصالح للشعب الأميركي"، هو ما أكده الرئيس ترامب، الذي يعتقد أن ذلك "جهد بحسن نية للقيام بما هو صحيح للشعب الأميركي".
2- مخاوف الإدارة الأميركية من مساعي نتنياهو لتوريطها في حروب لا تراعي المصلحة الأميركية. إذ وضع التصعيد الإسرائيلي المنطقة في العام الماضي على شفير حرب إقليمية، بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وما تلاه من تبادل للضربات الجوية بين البلدين.
في حين تتفادى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة الانخراط في مواجهات عسكرية واسعة في المنطقة، لما في ذلك من استنزاف لمواردها وإشغال لها عن مواجهة التهديد الأهم لها، وهو الصعود الاقتصادي والعسكري الصيني، الذي يدفع باتجاه تراجع مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي.
ويؤكد موقف ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا هذه النزعة الانعزالية والحذرة في الإنفاق على الحروب البعيدة عن الولايات المتحدة.
وهو موقف فريقه اليميني أيضًا، إذ كان نائبه فانس واحدًا من 15 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ، صوّتوا ضد حزمة المساعدات الأميركية لإسرائيل في 24 أبريل/ نيسان 2024، والتي قاد ترامب، في حينه، حملة لتأخيرها إلى حين إقرار رِزْمة أخرى تتعلّق بالحدود.
إعلان3- فشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وصمود المقاومة الفلسطينية رغم مختلف التكتيكات التي استخدمها الاحتلال، ورغم الغطاء السياسي الأميركي غير المسبوق، والذي يسبب استنزافًا سياسيًا وماليًا، مما يدفع الإدارة الأميركية إلى البحث عن طرق جديدة لتحقيق مصالحها، وتفادي إضاعة المزيد من الوقت بانتظار حلّ تعجز إسرائيل عن تحقيقه بنفسها.
4- وفي سياق تاريخي أوسع، ينسجم هذا السلوك مع تاريخ أميركي وإرث أوروبي في احتواء الصراع في فلسطين من خلال التفاوض مع طرفيه. منذ الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى الوقت الحاضر.
المعنى السياسي والتداعياتالمعنى السياسي الأهم للتفاوض المباشر، هو فك ارتباط المسارين الأميركي والإسرائيلي بشأن الأسرى؛ إذ أصبح هناك مساران يمثلان طرفين ذوَي مصالح متباينة.
وفي ظل هذا التباين فإن الأولوية المعلنة هي للمصالح الأميركية وليس المصالح الإسرائيلية، وإن كان هناك العديد من المصالح المشتركة بين الطرفين.
أما التداعيات الأبرز لهذا التطور فيمكن إجمالها بما يلي:
إضعاف الموقف التفاوضي الإسرائيلي، إذ إن تفاوض الإدارة الأميركية مع طرفي الصراع، يقلل من وزن إسرائيل في تحديد المسار السياسي والعسكري للحرب.وفي هذا السياق، لا تغير تصريحات ترامب المتشددة تجاه حماس من حقيقة تراجع الموقف الأميركي، بل هي تعبير عن تفاعل مع الموقف التفاوضي الجديد، والسعي إلى نيل مكاسب من خلال المبالغة في التهديدات.
وهو أمر حصل سابقًا، ثم تم التراجع عنه، وذلك في إعطائه مهلة قصيرة لحماس للإفراج عن جميع الأسرى، في 10 فبراير/ شباط الماضي، ثم إحالة رد الفعل إلى الطرف الإسرائيلي.
ومن ناحية أخرى، قد يكون هدف هذه التصريحات هو نفي ترامب عن إدارته تهمة الضعف، في الوقت الذي تضطر فيه إلى التفاوض مع منظمة تعدها إرهابية، وهو سلوك يعزز المكانة السياسية للحركة.
وكان ترامب قد هدّد حركة حماس، الأربعاء، فيما سمّاه "التحذير الأخير لها" بإنهاء أمر الحركة إذا لم تطلق فورًا سراح جميع الأسرى الإسرائيليين لديها، وتعيد الموتى منهم.
إعلانوكتب ترامب على منصة تروث سوشيال: "هذا هو التحذير الأخير لكم! بالنسبة للقيادة، حان الوقت لمغادرة غزة، إذ إنه لا تزال لديكم فرصة. وأيضًا، لشعب غزة؛ هناك مستقبل جميل ينتظر، ولكن ليس إذا احتجزتم رهائن. إذا فعلتم ذلك، فأنتم أموات!". وقال ترامب إنه سيكون هناك "جحيم" لاحقًا إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى.
زيادة فرصة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة طويلة نسبيًا، بفعل تكريس عدم ارتهان هذا الأمر بتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف. تعزيز الشرعية السياسية لحركة حماس، كطرف يقود النضال الفلسطيني، وتتفاوض معه الإدارة الأميركية، وإن كان التفاوض متركزًا على قضايا ميدانية، إلا أنه يفتح الباب لتُقدم الحركة كممثل للشعب الفلسطيني، يعبر عن تمسك هذا الشعب بحقوقه وحريته، وصموده في وجه محاولات إخضاعه وتصفية قضيته. زيادة خطر الصدام المباشر مع الإدارة الأميركية، مع ما يتصف به سلوك ترامب من بُعد شخصي مرتفع، ومبالغة في ردود الفعل.وفي العموم يبقى أثر هذا المتغير محدودًا على المدى الطويل، بفعل وجود موقف أميركي- إسرائيلي مشترك تجاه تصفية القضية الفلسطينية عمومًا، وتقويض حركة حماس خصوصًا. وإن كان يفتح ثغرة في جدار التنسيق الأميركي- الإسرائيلي، الذي كان خلف استمرار الحرب لخمسة عشر شهرًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإدارة الأمیرکیة الولایات المتحدة حرکة حماس من خلال وإن کان
إقرأ أيضاً:
ترامب يعتبر الرسوم الجمركية دواء ويرفض التفاوض مع أوروبا قبل دفع تعويضات ضخمة
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن فرض الرسوم الجمركية على واردات بلاده قد دفع قادة أوروبا إلى الرغبة في التفاوض.
وأكد ترامب أنه لن يبدأ أي مفاوضات مع الدول الأوروبية إلا بعد أن تدفع مبالغ ضخمة تعويضًا عن استغلال الولايات المتحدة لعقود.
كما أشار إلى أن الرسوم الجمركية هي "دواء" لمعالجة مشكلات الاقتصاد الأمريكي.
وأضاف ترامب: "من الجنون أن تنفق الولايات المتحدة أموالاً ضخمة لحماية أوروبا من خلال حلف الناتو في وقت تقوم فيه أوروبا باستغلالنا"، مشدداً على أنه تم انتخابه بهدف استعادة الأموال التي تُنفق على أوروبا.
وخلال عودته إلى واشنطن مساء أمس بعد عطلة نهاية الأسبوع التي قضاها في منتجعه في مارالاغو بفلوريدا، تم سؤاله عن التراجع الذي شهدته الأسواق المالية عقب إعلانه فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الأقل على جميع الواردات الأميركية.
ورد ترامب قائلاً إن الولايات المتحدة أصبحت "أقوى بكثير" بعد اتخاذ هذه الإجراءات، مشيراً إلى أن الانخفاض في الأسواق لم يكن قراراً متعمداً منه، بل يسعى لإيجاد حل "للعجز لدينا مع الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى".
وأشار إلى أنه لا يرغب في حدوث أي تراجع في الأسواق، لكن أحياناً "يجب تناول الدواء للشفاء"، مؤكداً أن "الطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي الرسوم الجمركية".
وأكد ترامب أنه تحدث خلال عطلة نهاية الأسبوع مع العديد من الأوروبيين والآسيويين، بالإضافة إلى دول أخرى، مشيراً إلى أنهم جميعاً يرغبون بشدة في التوصل إلى اتفاق.
ورداً على سؤال حول إمكانية التفاوض بشأن منطقة خالية من الرسوم الجمركية مع أوروبا، كما اقترح مستشاره إيلون ماسك، كرر ترامب قوله: "أوروبا حققت ثروة على حسابنا وعاملتنا بشكل سيئ للغاية". وأضاف: "هم يريدون التفاوض، لكن لن يكون هناك أي نقاش حتى يدفعوا لنا الكثير من المال سنوياً... لا أريد أن ينخفض شيء، ولكن أحياناً يتطلب الأمر تناول الدواء لإصلاح الأمر".
الاضطرابات المالية
أثارت تصريحات ترامب مزيداً من الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية، حيث سجلت الأسهم الآسيوية خسائر كبيرة في التعاملات المبكرة، وانخفضت العقود الآجلة للأسواق الأميركية بشكل حاد. وأبدى المستثمرون مخاوفهم من أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة الأسعار، وضعف الطلب، وانخفاض الثقة، وربما ركود اقتصادي عالمي.
كان إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية قد أربك اقتصادات العالم، ما دفع الصين إلى فرض رسوم مضادة وأثار مخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية وركود اقتصادي.
وما زال المستثمرون والقادة السياسيون في حالة من الترقب لمعرفة ما إذا كانت الرسوم الجمركية ستظل قائمة أو إذا كانت جزءاً من نظام تجاري جديد دائم أو مجرد تكتيك تفاوضي للحصول على تنازلات من دول أخرى.
من جهته، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن أكثر من 50 دولة بدأت مفاوضات مع الولايات المتحدة منذ إعلان الرسوم الجمركية. في حين صرح وزير التجارة هوارد لوتنيك بأن الرسوم ستظل سارية "لبضعة أيام وأسابيع".
كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيطلب إعفاء من الرسوم الجمركية بنسبة 17% على السلع الإسرائيلية خلال اجتماع مرتقب مع ترامب اليوم الاثنين.
وفي إيطاليا، تعهدت رئيسة الوزراء جورجا ميلوني بحماية الشركات المتضررة من الرسوم الجمركية بنسبة 20% المفروضة على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي.