القدس المحتلة – في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وتراكم الأدلة بشأن الإخفاق الاستخباراتي والعسكري في منع عملية "طوفان الأقصى"، يُكشف عمق الأزمة بين المستوى السياسي والعسكري بإسرائيل، والتي تحولت إلى أزمة ثقة بين الجانبين.

وتشكلت ملامح أزمة الثقة تلك مع شروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/شباط 2023 في تنفيذ ما أسمتها الحكومة "إصلاحات في الجهاز القضائي"، في حين وصفتها المعارضة بأنها محاولة لـ"الانقلاب على الديمقراطية"، حيث تأثر الجيش بالاضطرابات والشرخ في المجتمع الإسرائيلي.

وانعكس زخم الاحتجاجات بالشارع الإسرائيلي بإعلان شرائح واسعة من قوات الاحتياط بجيش الاحتلال عن عدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء للخدمة العسكرية، احتجاجا على إمعان الحكومة في تقويض صلاحيات المحكمة العليا، ومواصلة التعديلات القضائية الهادفة لمنح المستوى السياسي صلاحيات واسعة بالتدخل والنفوذ بمختلف مفاصل الحكم ومواقع اتخاذ القرار، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية.

تداعيات

وتعمق السجال الداخلي بشأن الإخفاق الاستخباراتي والعملياتي في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذلك حول فشل الجيش الإسرائيلي وحكومة نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.

إعلان

وتفاقمت الأزمة خلال الحرب حين تكشّف حجم الخسائر بصفوف جيش الاحتلال والنقص في القوات والحاجة إلى تجنيد نحو 10 آلاف جندي إضافي، إذ تعالت الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي الداعية إلى تجنيد "الحريديم"، في حين طالب حزبا "شاس" و"يهوديت هتوراة" بالمصادقة على قانون يعفي "الحريديم" من الخدمة العسكرية شرطًا لضمان استقرار حكومة نتنياهو ومنع تفككها.

ووسط هذه الاضطرابات، حذرت قراءات وتقديرات المحللين ومراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية من تداعيات هذه الأزمة على مستقبل إسرائيل "كدولة يهودية ديمقراطية ذات مؤسسات تحكم بشكل هرمي".

ورجحت قراءات الباحثين أن التوازن المضطرب في العلاقات بين الساسة والعسكر سيخلق تداعيات على مستقبل الحروب وجولات القتال التي تخوضها إسرائيل، "تحديدا ضد الشعب الفلسطيني الذي يشكل الجبهة الأكثر سخونة في هذه المرحلة".

كما حذر الباحثون من التحولات الحاصلة على المستوى السياسي للهيمنة والسيطرة على الجيش، وتحييد تأثيره وإخضاعه لرغبات وتطلعات هذا المستوى الممثل في هذه المرحلة في نتنياهو ومعسكر "اليمين المتطرف وتيار الصهيونية الدينية".

نتنياهو (يسار) يقلد رئيس هيئة الأركان العامة الجديد إيال زامير (وسط) وسام منصبه (مكتب الصحافة الحكومي) فشل وتقويض

في تقدير موقف صادر عن معهد "يروشاليم" للإستراتيجية والأمن، استعرض العقيد في جيش الاحتياط الإسرائيلي غابي سيبوني هذه التحذيرات والتحولات، وأكد أن العلاقات بين السياسيين والعسكريين كانت متوترة حتى قبل حرب "السيوف الحديدية" (معركة طوفان الأقصى)، وكذلك الضجة العامة الكبرى التي أعقبت التعديلات بالجهاز القضائي التي قادتها حكومة نتنياهو.

ويقول سيبوني إنه خلال الاحتجاجات التي كرست الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي "غرق الجيش في الأزمة عندما هدد الطيارون والجنود في الاحتياط، والذين كانوا من بين المحتجين، بالتوقف عن التطوع للخدمة الاحتياطية. لقد فشل المستوى العسكري في إدارة الحدث، وتم تحديده من قبل المستوى السياسي باعتباره مؤيدا للاحتجاج ورافضا للخدمة العسكرية، ونشأت أزمة ثقة حقيقية بينهما".

إعلان

وأضاف "لقد قوضت أزمة الثقة أسس الحوار بين المستويات، ووصلت إلى حد رفض نتنياهو السماح لرئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية وغيرهما من كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة، بالاجتماع معه ومع وزراء المجلس السياسي الأمني (الكابينت) ​​لتقديم تقييمهم للمخاطر الأمنية التي يفرضها استمرار العملية التشريعية للإصلاح القضائي".

وحسب سيبوني، يتحمل المستوى السياسي، وبمقدمته نتنياهو، مسؤولية كبيرة في هذه الأزمة، ويضيف "في عملية استمرت سنوات عديدة، سمح هذا المستوى للجيش بدخول مجالات ليست خاصة به؛ السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية وما إلى ذلك من إدخال الاعتبارات الأجنبية في التخطيط والأنشطة العسكرية، وهذا يشكل فشلا ذريعا لنتنياهو".

ويعتقد أن رئيس الأركان الجديد إيال زامير يواجه تحديا بالغ الأهمية بما يتعلق بتسريع عملية التصحيح وفرض سيطرته على الجيش، مشيرا إلى أن دوره سيتلخص في العمل على تطبيع العلاقات بين المستويات وإعادتها إلى التوازن الصحيح، مع تركيز الجيش على مجالات مسؤوليته المهنية، ومنع قادته من التعامل مع القضايا غير العسكرية، والتركيز على إعادة هيكلته.

اضطراب وشرخ

الطرح ذاته تبناه كوبي ميخائيل الجنرال في الاحتياط والباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" بجامعة تل أبيب، الذي أوضح أن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كرست هذه الأزمة، بينما فاقمت الحرب على غزة وملف المحتجزين الإسرائيليين الاضطراب والشرخ بين المستويين السياسي والعسكري، حيث تجلت بقرار رئيس الأركان وكبار المسؤولين الآخرين في هيئة الأركان العامة بمواصلة خدمتهم بعد فشل 7 أكتوبر.

ولفت الباحث إلى أن الأزمة اتضحت أكثر من خلال تصريحات المتحدث باسم الجيش بعدة مناسبات ضد نهج المستوى السياسي بشأن ملف المحتجزين وصفقة التبادل، وقضية المساعدات الإنسانية، وفيما يتعلق بفرض حكومة عسكرية مؤقتة في قطاع غزة، وتحديد أولويات أهداف الحرب التي لا تتوافق مع تعريفات هذا المستوى و"النصر المطلق" الذي وعد به نتنياهو.

إعلان

وبرأيه، فإن المحور الأبرز للأزمة والعلاقات المضطربة بين السياسيين والعسكريين هو تقديم الجيش إطلاق سراح المحتجزين باعتباره الهدف الأهم للحرب، في حين سعى الساسة لمنع التوصل لاتفاق من شأنه أن يضر بتحقيق كل أهداف الحرب، بما في ذلك تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الناحية العسكرية والحكومية.

ويختم الباحث ميخائيل أن التهديد برفض التطوع لخدمة الاحتياط، والذي عاد مجددا للواجهة بعد 15 شهرا من الحرب، "يشير إلى انقلاب إبداعي، فالجيش ليس بإرادة المستوى العسكري العليا وليس بمبادرة منه، ولكن نتيجة لسوء إدارة التطورات داخله، أصبح هو نفسه لاعبا سياسيا، حيث أثبت تهديده أنه مؤثر للغاية في واقع النقاش المدني السياسي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان المستوى السیاسی

إقرأ أيضاً:

هآرتس: خسائر الجيش تكشف مأزق إسرائيل عسكريا وسياسيا

كشفت صحيفة هآرتس الغطاء عن الوضع الإسرائيلي المتأزم بعد الخسائر التي تعرض لها جيش الاحتلال في قطاع غزة في الأيام الأخيرة بعد أكثر من شهر على استئناف العدوان عليه.

وقال المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل إن ما يجري الآن يعيد الإسرائيليين إلى واقع الحرب الدامي، مشيرا إلى ما سماه "موجة الإحباط داخل المؤسسة العسكرية"، وسط استمرار الحكومة في ترديد "كليشيهات فارغة"، معتبرا أن الشخص الوحيد القادر على تغيير صورة الحرب جذريا هو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب.

خسائر تقلق جيش الاحتلال

ويلفت هرئيل الانتباه إلى أنه بعد أن كانت العمليات العسكرية الأخيرة تمرّ دون اهتمام شعبي، مادام أنه لم تسجل إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين، ورغم مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، فقد عادت الأمور إلى سابق عهدها مثلما كانت قبل الهدنة الأخيرة، ويقول: "لقد حدث الأمر بالطريقة المعتادة، إصابات. هكذا تعود الحرب إلى البيت الإسرائيلي".

ويؤكد المحلل العسكري أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اختارت في معظم الحالات تجنب المواجهة المباشرة، وأجلت مقاتليها نحو مناطق اللجوء الإنساني، خاصة في رفح. في المقابل، ظل الساسة والجنرالات الإسرائيليون يكررون أن الضغط العسكري سيؤدي إلى إطلاق سراح المزيد من المحتجزين، لكن "في الواقع العملي لم يحدث ذلك"، وفي المقابل، يعاني سكان غزة من تجدد الحرب ونقص الغذاء والمخاوف من القتل.

إعلان

وشهد الأسبوع الأخير تطورا نوعيا مقلقا للجيش الإسرائيلي، حيث قُتل 4 جنود وأصيب أكثر من 10 آخرين، وهو أول حدث من نوعه منذ استئناف العدوان على غزة. ويشير هرئيل إلى أن الاشتباكات الأعنف وقعت في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حيث قتل ضابط في سلاح المدرعات وجندي من حرس الحدود، وأصيب 3 آخرون خلال معركة معقدة لإنقاذ قوة تعرضت لإطلاق نار مكثف.

ووفق شهادات سكان من مستوطنات محاذية للقطاع، فإن "قوة القصف الإسرائيلي كانت تهز منازلهم بقوة". كما أصيب 4 جنود آخرين في حادث منفصل على محور فيلادلفيا قرب رفح.

ويذكر هرئيل باحتمال مواجهة الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة مع استمرار تكثيف الهجوم على غزة، وذلك من خلال تذكير الإسرائيليين بما بثته القناة 12 الإسرائيلية في برنامج "عوفدا" الذي أعاد تمثيل معركة سابقة في الشجاعية قُتل فيها 9 جنود من لواء غولاني، مما يضاعف من إحساس الجمهور بثقل الحرب وعجز الجيش عن تحقيق نتائج حاسمة.

"كليشيهات فارغة" وإحباط

رغم هذه الخسائر، يقول هرئيل إن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، نشر مساء الجمعة بيانا مفعما بالشعارات التقليدية حول "بسالة الجنود" و"عظمة الإنجازات"، دون التطرق بصدق لحقيقة الوضع الميداني. ويشير إلى أن "الجيش يعلم مسبقا بالوفيات، فيما كانت الشائعات تنتشر بين المدنيين".

يرى المحلل العسكري أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء المتطرفين في حكومته يفضلون مواصلة الحرب مهما كانت الكلفة، إذ أن إطالة أمد القتال تخدم أهداف نتنياهو السياسية، بتوفير غطاء لحالة طوارئ دائمة تُضعف المعارضة وتقلل من الاحتجاجات الشعبية ضده.

ويقول هرئيل إن أجواء من الإحباط المتزايد تسود داخل الجيش، في الوقت الذي يتعرض فيه رئيس الأركان إيال زامير لهجوم من وزراء اليمين المتطرف خلال اجتماع حكومي. ويوضح أن زامير في مواجهة ذلك بدأ بمحاولة إعداد الوزراء للواقع الصعب: "التقدم العسكري الجدي سيتطلب قوات كبيرة وزمنا طويلا، وليس هناك أي ضمان بالوصول إلى استسلام فلسطيني أو إطلاق جميع المحتجزين أحياء".

إعلان

كما تواجه المؤسسة العسكرية صعوبات متزايدة في تعبئة قوات الاحتياط، وسط تزايد الغضب الشعبي من إعفاء اليهود المتدينين (الحريديم) من الخدمة بدعم حكومي صريح.

يضيف هرئيل أن "إسرائيل لا تستطيع تجويع سكان غزة إلى الأبد"، مشيرًا إلى أن تفاقم الأزمة الإنسانية قد يؤدي إلى ضغوط دولية متزايدة لاستئناف إدخال المساعدات. كما يلفت إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يرغب بتحمل مسؤولية إدارة الإمدادات بدلا من المنظمات الدولية أو حركة حماس، "لأن ذلك سيتطلب وجودا عسكريا طويل الأمد ويؤدي إلى المزيد من الضحايا في صفوف الإسرائيليين".

وحسب المحلل العسكري الإسرائيلي، فإن هذه الحقيقة مفهومة لنتنياهو وبعض وزرائه، ولكنها تتعارض مع طموحات اليمين المتطرف الذي يطالب بإعادة الاحتلال الكامل لغزة و"طرد الفلسطينيين وإعادة الاستيطان في قطاع غزة".

ترامب.. عنصر الحسم المحتمل

في ختام تحليله، يشير هرئيل إلى عامل خارجي قد يكون قادرا على قلب الصورة: الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ورغم أن ترامب نادرا ما يعلق على الوضع في غزة، فقد دعا مؤخرا نتنياهو إلى زيادة إدخال الغذاء والدواء إلى القطاع. ويرى هرئيل أن "ترامب قد يسعى لوضع قيود على الحملة العسكرية الإسرائيلية".

ويلفت إلى أن زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية والإمارات وقطر منتصف الشهر المقبل قد تحمل معها ضغوطًا مباشرة على إسرائيل لوقف القتال أو تحديد أهداف واضحة للحرب.

ويختم هرئيل بالقول: "في مواجهة زيارة ترامب، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرا للإجابة عن سؤال محرج: ماذا تريد إسرائيل أن تحقق، ومتى؟".

مقالات مشابهة

  • “يديعوت أحرونوت” تكشف: أزمة غير مسبوقة في الجيش الإسرائيلي بسبب “الأمر 77”.. معنويات الجنود بالحضيض
  • حماس: نؤكد استمرار التحرك في المستوى السياسي لإنهاء حرب الإبادة وإغاثة المواطنين
  • عاجل - إلياس حنا: قرار الجيش الإسرائيلي بإلزام الجنود بالبقاء يعكس عجزه عن حسم الحرب في غزة
  • هآرتس: خسائر الجيش تكشف مأزق إسرائيل عسكريا وسياسيا
  • كيف تؤثر سجون الاحتلال على الصحة النفسية للأسرى المحررين؟
  • أزمة تجنيد في الجيش الإسرائيلي تدفع لإجراء تعديل إلزامي جديد
  • باراك: نتنياهو يقود “إسرائيل” نحو الهاوية.. وحربنا في غزة عبثية 
  • اتساع رقعة الخلافات في إسرائيل إلى أذرع الجيش / فيديو
  • إسرائيل: سد فجوات بين الجيش والمستوى السياسي بشأن مساعدات غزة
  •  خلافات داخل الجيش الإسرائيلي بشأن قصف غزة.. أزمة ثقة تلوح في الأفق