كيف تؤثر أزمة الثقة بين الساسة والعسكر على مستقبل إسرائيل؟
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
القدس المحتلة – في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وتراكم الأدلة بشأن الإخفاق الاستخباراتي والعسكري في منع عملية "طوفان الأقصى"، يُكشف عمق الأزمة بين المستوى السياسي والعسكري بإسرائيل، والتي تحولت إلى أزمة ثقة بين الجانبين.
وتشكلت ملامح أزمة الثقة تلك مع شروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/شباط 2023 في تنفيذ ما أسمتها الحكومة "إصلاحات في الجهاز القضائي"، في حين وصفتها المعارضة بأنها محاولة لـ"الانقلاب على الديمقراطية"، حيث تأثر الجيش بالاضطرابات والشرخ في المجتمع الإسرائيلي.
وانعكس زخم الاحتجاجات بالشارع الإسرائيلي بإعلان شرائح واسعة من قوات الاحتياط بجيش الاحتلال عن عدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء للخدمة العسكرية، احتجاجا على إمعان الحكومة في تقويض صلاحيات المحكمة العليا، ومواصلة التعديلات القضائية الهادفة لمنح المستوى السياسي صلاحيات واسعة بالتدخل والنفوذ بمختلف مفاصل الحكم ومواقع اتخاذ القرار، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية.
تداعياتوتعمق السجال الداخلي بشأن الإخفاق الاستخباراتي والعملياتي في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذلك حول فشل الجيش الإسرائيلي وحكومة نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
إعلانوتفاقمت الأزمة خلال الحرب حين تكشّف حجم الخسائر بصفوف جيش الاحتلال والنقص في القوات والحاجة إلى تجنيد نحو 10 آلاف جندي إضافي، إذ تعالت الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي الداعية إلى تجنيد "الحريديم"، في حين طالب حزبا "شاس" و"يهوديت هتوراة" بالمصادقة على قانون يعفي "الحريديم" من الخدمة العسكرية شرطًا لضمان استقرار حكومة نتنياهو ومنع تفككها.
ووسط هذه الاضطرابات، حذرت قراءات وتقديرات المحللين ومراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية من تداعيات هذه الأزمة على مستقبل إسرائيل "كدولة يهودية ديمقراطية ذات مؤسسات تحكم بشكل هرمي".
ورجحت قراءات الباحثين أن التوازن المضطرب في العلاقات بين الساسة والعسكر سيخلق تداعيات على مستقبل الحروب وجولات القتال التي تخوضها إسرائيل، "تحديدا ضد الشعب الفلسطيني الذي يشكل الجبهة الأكثر سخونة في هذه المرحلة".
كما حذر الباحثون من التحولات الحاصلة على المستوى السياسي للهيمنة والسيطرة على الجيش، وتحييد تأثيره وإخضاعه لرغبات وتطلعات هذا المستوى الممثل في هذه المرحلة في نتنياهو ومعسكر "اليمين المتطرف وتيار الصهيونية الدينية".
في تقدير موقف صادر عن معهد "يروشاليم" للإستراتيجية والأمن، استعرض العقيد في جيش الاحتياط الإسرائيلي غابي سيبوني هذه التحذيرات والتحولات، وأكد أن العلاقات بين السياسيين والعسكريين كانت متوترة حتى قبل حرب "السيوف الحديدية" (معركة طوفان الأقصى)، وكذلك الضجة العامة الكبرى التي أعقبت التعديلات بالجهاز القضائي التي قادتها حكومة نتنياهو.
ويقول سيبوني إنه خلال الاحتجاجات التي كرست الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي "غرق الجيش في الأزمة عندما هدد الطيارون والجنود في الاحتياط، والذين كانوا من بين المحتجين، بالتوقف عن التطوع للخدمة الاحتياطية. لقد فشل المستوى العسكري في إدارة الحدث، وتم تحديده من قبل المستوى السياسي باعتباره مؤيدا للاحتجاج ورافضا للخدمة العسكرية، ونشأت أزمة ثقة حقيقية بينهما".
إعلانوأضاف "لقد قوضت أزمة الثقة أسس الحوار بين المستويات، ووصلت إلى حد رفض نتنياهو السماح لرئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية وغيرهما من كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة، بالاجتماع معه ومع وزراء المجلس السياسي الأمني (الكابينت) لتقديم تقييمهم للمخاطر الأمنية التي يفرضها استمرار العملية التشريعية للإصلاح القضائي".
وحسب سيبوني، يتحمل المستوى السياسي، وبمقدمته نتنياهو، مسؤولية كبيرة في هذه الأزمة، ويضيف "في عملية استمرت سنوات عديدة، سمح هذا المستوى للجيش بدخول مجالات ليست خاصة به؛ السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية وما إلى ذلك من إدخال الاعتبارات الأجنبية في التخطيط والأنشطة العسكرية، وهذا يشكل فشلا ذريعا لنتنياهو".
ويعتقد أن رئيس الأركان الجديد إيال زامير يواجه تحديا بالغ الأهمية بما يتعلق بتسريع عملية التصحيح وفرض سيطرته على الجيش، مشيرا إلى أن دوره سيتلخص في العمل على تطبيع العلاقات بين المستويات وإعادتها إلى التوازن الصحيح، مع تركيز الجيش على مجالات مسؤوليته المهنية، ومنع قادته من التعامل مع القضايا غير العسكرية، والتركيز على إعادة هيكلته.
اضطراب وشرخالطرح ذاته تبناه كوبي ميخائيل الجنرال في الاحتياط والباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" بجامعة تل أبيب، الذي أوضح أن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كرست هذه الأزمة، بينما فاقمت الحرب على غزة وملف المحتجزين الإسرائيليين الاضطراب والشرخ بين المستويين السياسي والعسكري، حيث تجلت بقرار رئيس الأركان وكبار المسؤولين الآخرين في هيئة الأركان العامة بمواصلة خدمتهم بعد فشل 7 أكتوبر.
ولفت الباحث إلى أن الأزمة اتضحت أكثر من خلال تصريحات المتحدث باسم الجيش بعدة مناسبات ضد نهج المستوى السياسي بشأن ملف المحتجزين وصفقة التبادل، وقضية المساعدات الإنسانية، وفيما يتعلق بفرض حكومة عسكرية مؤقتة في قطاع غزة، وتحديد أولويات أهداف الحرب التي لا تتوافق مع تعريفات هذا المستوى و"النصر المطلق" الذي وعد به نتنياهو.
إعلانوبرأيه، فإن المحور الأبرز للأزمة والعلاقات المضطربة بين السياسيين والعسكريين هو تقديم الجيش إطلاق سراح المحتجزين باعتباره الهدف الأهم للحرب، في حين سعى الساسة لمنع التوصل لاتفاق من شأنه أن يضر بتحقيق كل أهداف الحرب، بما في ذلك تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الناحية العسكرية والحكومية.
ويختم الباحث ميخائيل أن التهديد برفض التطوع لخدمة الاحتياط، والذي عاد مجددا للواجهة بعد 15 شهرا من الحرب، "يشير إلى انقلاب إبداعي، فالجيش ليس بإرادة المستوى العسكري العليا وليس بمبادرة منه، ولكن نتيجة لسوء إدارة التطورات داخله، أصبح هو نفسه لاعبا سياسيا، حيث أثبت تهديده أنه مؤثر للغاية في واقع النقاش المدني السياسي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان المستوى السیاسی
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: مصر وغزة بين الدعم الإنساني والدور السياسي
يشهد قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق خلّف آلاف الضحايا ونزوح مئات الآلاف، وَسَط صمت دُوَليّ نسبي ومواقف متباينة من القِوَى الإقليمية والدولية. في هذا السياق، يبرز الموقف المصري كأحد أكثر المواقف العربية وضوحًا وتوازنًا، يجمع بين التحرك السياسي والدعم الإنساني، وبين تأكيد السيادة الوطنية والحفاظ على الدور التاريخي لمصر كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية.
الدور الدبلوماسي المصري في أزمة غزة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تحركت القاهرة دبلوماسيًا لاحتواء التصعيد، وقدمت عدة مقترحات لهدنة إنسانية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. كما نسّق وفد أمني مصري مع الأطراف الفاعلة، خصوصًا قطر والولايات المتحدة، للتمهيد لمرحلة تهدئة جديدة.
ولعل الأهم أن مصر رفضت بشكل قاطع المقترحات الإسرائيلية التي تدعو لتوليها إدارة غزة بعد الحرب، معتبرة ذلك انتقاصًا من سيادتها، وتجاوزًا لحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
التحرك الإنساني وخطة الإعمار
على الجانب الإنساني، أعلنت مصر خِطَّة شاملة لإعادة إعمار غزة، حظيت بدعم من القمة العربية في القاهرة، وتشمل إعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد المحلي في القطاع.
هذا الدور الإنساني لم يكن مجرد عمل إغاثي، بل خطوة استراتيجية تعزز مكانة مصر لدى الفلسطينيين وتربطها إيجابيًا بحياتهم اليومية ومستقبلهم بعد الحرب.
تأثير الموقف المصري على الداخل الفلسطيني
* تعزيز الثقة بين مصر والفصائل الفلسطينية: رفض مصر تولي إدارة غزة، وحرصها على دعم فلسطيني خالص، يعزز مصداقيتها أمام حماس وباقي الفصائل.
* تخفيف الاحتقان الشعبي: التحركات المصرية الأخيرة ساعدت في ترميم العِلاقة ب الشارع الفلسطيني الذي طالما شكك في حياد القاهرة.
* إمكانية رعاية المصالحة الفلسطينية : قد تُوظف مصر رصيدها السياسي للعب دور أكبر في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني داخليًا بعد انتهاء الحرب.
الموقف المصري في السياق الدُّوَليّ
* تعزيز الشراكة مع الغرب: الدور المصري كوسيط فعّال يمنحها أوراق قوة في علاقاتها ب الولايات المتحدة وأوروبا، ويزيد من الاعتماد الدُّوَليّ عليها.
* التوازن مع إسرائيل: رغم التنسيق الأمني، ترفض مصر الانصياع لأي دور وظيفي في خدمة أهداف تل أبيب، ما يثبت استقلالية موقفها.
* تحسين الصورة الإقليمية: مصر تُعيد تقديم نفسها كقوة إقليمية عقلانية، تتعامل مع الأزمات بحنكة سياسية بعيدًا عن الخطاب الشعبوي أو الانفعال.
الموقف المصري من حرب غزة الحالية يُعد نموذجًا نادرًا في المشهد العربي، إذ يمزج بين الدبلوماسية الهادئة، والالتزام بالقضية الفلسطينية، والحرص على المصالح الوطنية. مصر لا تسعى لفرض نفوذ على غزة، بل لتثبيت استقرار يُرضي الجميع دون التفريط في الحقوق أو الوقوع في فخ الاستغلال السياسي.
هذا الموقف قد يفتح لمصر آفاقًا أوسع في المستقبل، سواء عبر الإشراف على عملية إعادة الإعمار، أو المشاركة في أي ترتيبات سياسية لما بعد الحرب، بما يُعيد للقاهرة مكانتها كقلب العالم العربي النابض.