الطاهر ساتي يكتب: هذا الذي ..!!
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
:: من كتاب أخبار الحمقى لابن الجوزي، يُحكي أن أعرابياً بال في بئر زمزم أمام الحجاج، فانهالوا عليه ضرباً ولعناً، ثم سألوه عن السبب، فقال : (حتى يعرفني الناس فيقولون هذا الذي بال في بئر زمزم)..!!
:: ياسر عرمان يُمكن أن يفعل فعل الأعرابي لكي يبقى في الحياة شيئاً مذكوراً ..وناهيكم عن تقليد الاعرابي بالتبول في بئر زمزم، فان عرمان – ليصبح تِرند – يُمكن أن ينتحر أيضاً.
:: بالأمس، بعد غياب طويل، راج اسم عرمان في خبر يزعم أن السلطات الكينية أوقفته بمطار نيروبي بناءً على مذكرة توقيف صادرة من السلطات السودانية عبر الإنتربول، ثم أطلقت سراحه بعد ساعات ..!!
:: الملاحظة الأولى هي أن عرمان من وزّع خبر القبض عليه و إطلاق سراحه وذهابه إلى الفندق، وهذا غير طبيعي.. فالطبيعي هو أن ترصد وسائل الإعلام الكينية – أو رويترز – لحظة القبض بالمطار ثم تنفرد بالنشر .. !!
:: و الملاحظة الثانية، ذكر عرمان أن توقيفه تم في الواحدة ظهراً، وتم اطلاق سراحه عند التاسعة مساءً ..(٩ ساعات) فترة كافية جداً لتنشر وسيلة اعلام الحدث، وهذا ما لم يحدث، بل نشره عرمان بنفسه ..!!
:: و الملاحظة الثالثة، كاثرين هورليد، مديرة مكتب واشنطن بوست بشرق إفريقيا، غردت على منصة إكس بالنص : (مصدر في الإنتربول يؤكد عدم إصدار نشرة حمراء بحق الناشط السياسي السوداني ياسر عرمان )..!!
:: و الملاحظة الرابعة، كل جنجويد المليشيا و تقدم صدرت بحقهم مذكرات توقيف عبر الإنتربول، وكلهم كانوا بنيروبي لتشكيل حكومة دقلو الديمقراطية، فلماذا يتم توقيف عرمان وحده؟..هل أخذوه – كعَينَة من المطلوبين – للفحص والتحليل ..؟؟
:: وهكذا، كل الوقائع تُشير إلى أن عرمان لم يترك عادة أن يكون – هو شخصياً – جوهر الحدث، وليس أفكاره و أعماله..فالساسة يصنعون الأحداث المؤثرة في حياة الناس، ولكن عرمان تعجبه إشارة الناس إليه : ( هذا الذي أُعتقل)، كذاك الذي بال ..!!
:: المهم .. لو كنت المسؤول بالحكومة السودانية لما اهدرت الزمن و المال في ملاحقة عرمان أو اعتقاله حتى لو كان يسكن بجوار سجن كوبر .. وخير للحكومة والشعب و البلد أن يكون عرمان حُراً طليقاً..!!
:: فالشاهد، لم تبحر سفينة قادها عرمان في هذه البلاد إلا نحو القاع؛ ولم ينج من ركابها أحد..يغرق الرُكاب ويخرج عرمان سالماً.. تابعوا مسيرة الرجل البارع في اغراق السفن بمن فيها..!!
:: أغرق سفينة الحركة الشعبية قطاع الشمال بحماقته وتطرفه وديكتاتوريته؛ وشتت شمل الحلو و عقار وجلاب؛ ثم ذهب لجناح عقار ..وكاد ان يغرق سفينة حركة عقار لو لم يطردوه سريعاً.. !!
:: ثم التحق بحكومة حمدوك مستشاراً؛ و قبل أن يصرف راتب الشهر؛ تلاشت تلك الحكومة؛ و غادر حمدوك مستقيلاً و تاركاً البلد – بما حمل – لعرمان والنشطاء و العساكر ..!!
:: فالتحق بالدعم السريع مستشاراً لحميدتي و عبد الرحيم..و نجح في التأثير عليهما ليحوّلا وحدة عسكرية مستقرة وتابعة للجيش الي مليشيا متمردة.. وهي التي تحترق حالياً بكل عدتها وعتادها و أوغادها..!!
:: وكالعهد به في إنقاذ نفسه بعد إغراق الآخرين، قفز عرمان من سفينة المليشيا المحترقة؛ ليقود سفينة تقدم مستغلاً ضعف حمدوك .. ثم غادرها بعد أن أوصل حال سفينة تقدم الى ما آل عليه حال سفينة تايتانك ..!!
:: رجل بهذه القوة التدمرية الموجهة للمتمردين والمعارضين والُعملاء، لماذا تلاحقه الحكومة و تعتقله؟..بالعكس، على الحكومة تخصيص ميزانية لعرمان، ليُمزّق المليشيات المتمردة وحواضنها السياسية إرباً إرباً ..!!
الطاهر ساتي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مصطفى الشيمي يكتب: شبه أبيه
اسمي حمزة... أبعث بهذه الكلمات إلى كل من عرفني أو غاب عني؛ علّها تصل إلى من نسيته، أو من غيبه الزمن عن حياتي. لعل في قصتي ما يلمس شيئًا دفينًا في نفوسكم، فما مررت به لم يكن يومًا حكايتي وحدي.
منذ نعومة أظافري، عشت مع أمي وأخي بعد أن افترق والداي؛ انفصالًا بدا وديًّا في ظاهره، لكنه كان عاصفًا في أعماقه. لم يكن زواجهما طبيعيًا، فقد جمعهما دم القرابة، وكم قيل إن زواج الأقارب يحمل معه اضطرابات لا تُحتمل، وقد كان نصيبي أن أعيش في ظل ذلك الاضطراب.
بعد الطلاق، تحولت أمي إلى كتلة من القسوة لا تعرف اللين. كنت أحتمل صمتها وغضبها، وأحتسب ألمها عند الله، مستذكرًا وصايا البر وطاعة الوالدين. ظننت أنني السبب، أنني ربما كنت عاقًّا دون أن أدري، أو عبئًا أثقل روحها. لكنني كنت، كلما نظرت إلى أخي شريف بما يصدر عنه من عقوق، أدرك أنني أمامه كنت كالملَك الطاهر.
كان لشريف الغرفة المُطلة، ولي الغرفة الداخلية. له الثياب الجديدة، ولي ما ضاق عليه. كان يتلذذ بطعام طازج، بينما كنت أبحث في بقايا المطبخ عن فتات الأيام. حاولت مرارًا الهروب إلى أبي، لكن زوجته كانت ترفضني خشية أن أكون جسرًا يعود به إلى أمي.
شريف كان الابن المدلل، والأكثر شبهًا بأمي. أدمن المخدرات، وكانت أمي تعلم لكنها لم تعترض. أما أنا، حين شمّت رائحة السجائر على ملابسي ذات يوم، انهالت عليّ ضربًا وسبابًا ودعاءً ثقيلًا. لم يكن التمييز مقتصرًا على الهدايا، بل تعداه إلى المشاعر. كانت تمنحه القطعة الكبرى من اللحم، وتجلب له أثمن الثياب والعطور، فيما كانت ملابسي من سوق الجملة، وكأنني لقيط لا يمت لها بصلة. وحين أصاب شريف المرض ورسب في امتحاناته، كانت تردد دون ملل او رحمة : "كان أحقّ منك بمقعدك في الجامعة."
تحملت... وصبرت بصمت. ظننت أنني أدفع ثمن الوحدة، ثمن الطلاق، ثمن الغياب الذي خلّفه والدي في حياتها.
أتذكر يوم كسرتُ فنجان قهوتها المفضل؟ لم يكن القصد، كانت يداي المرتعشتان أضعف من أن تحمل ثقل الخزف. نظرت إليّ كمن يرى فيّ وصمة عار، لا مجرد خطأ. صفعتني أمام الزوار، ثم ألقت بي إلى البرد القارس خلف الباب، أطرق وأبكي حتى ابتلت ثيابي.
وفي عيد ميلادي، لم تهنئني. لم تنسَ التاريخ، لكنها تعمدت أن تنساني. أما يوم ميلاد شريف، صنعت له كعكة وزينت البيت قبل شهر من يومه. أما يومي فمرّ كأنه لعنة سقطت سهواً في تقويمها. لم أسمع "كل سنة وأنت طيب" إلا من جارة طيبة القلب.
حين مرضتُ ذات شتاء، واشتدت عليّ الحمى، توسلت إليها أن تجلس بجانبي. قالت ببرود: "أنا مش فاضية لدلّعك." تركتني أرتجف وحدي، بينما كانت تطهو حساءً دافئًا لشريف وتضحك معه خلف الأبواب المغلقة.
وذات يوم، في السابعة عشرة من عمري، سُرق هاتفي في المدرسة. عدت مرتجفًا، لا خوفًا على الهاتف، بل من ردّة فعلها. جلست أمامها أشرح، لكنها صرخت في وجهي: "أكيد انت اللي بعته! زيّك زي أبوك، كذاب وبتاع حِيَل!" ثم ألقت حذاءها تجاهي، وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح، وتركتني محبوسًا لساعات.
وفي مرة أخرى، تعرضت لمضايقة من أحد الصبية في الشارع. دافعت عن نفسي، وعدت بعين دامية. لكنها لم تسأل عن الجاني، بل حكمت عليّ بجفاء ، وقالت : "عمر الطيبين ما حد يمد إيده عليهم." لم تكن تبحث عن الحقيقة، كانت تبحث فقط عن ذنب تثبت به أنني لا أستحقها.
وذات ليلة، بعد مشادة مع شريف، نظرت إليّ وقالت، بهدوء يخترق العظام: “أنتوا الاتنين ولادي، بس هو ابني اللي بجد. أما أنت، فكلما نظرت إليك، شعرت أنك باقٍ مني غصبًا عني.”
ثم جاءت الجملة التي كشفت لي ظلام السنين، حين قالت لي، كمن يزيح عن كاهله سرًا ثقيلًا: “لو لم يكن شريف موجود ، فأنا متأكدة أنك كنت ستفعل بي كما يفعل أبناء دور المسنين... أنت تشبه أباك في الملامح، في الطباع، في كل شيء. وكلما نظرت إليك، تذكرت كل ما كسرني.”
حينها فهمت ما ذنبي ! لا شيء... سوى أن ملامحي تشبه أبًا كرهته، فصرتُ أدفع الثمن كل يوم . كنت مرآتها، ترى فيّ هزيمتها، فكسرتني كي لا ترى كسرها.
وربما جاءت هذه السطور لتبوح بألمي، لأن كثيرين مثلي يكتمون صرخاتهم. فما لا يُقال، يظل ينخر أرواحنا بصمت. فإن كنت مررت بما يشبهني، فاعلم أنك لست وحدك. وإن لم تمر، فادعُ لحمزة... ذاك الذي كان “شبه أبيه”