بعد المحاولة الانقلابية بمدن الساحل: آفاق العلاقات العراقية السورية!
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
لم تمرّ العلاقات العراقيّة السوريّة بمرحلة هادئة طويلة الأمد، وكانت في غالبيّة العهود بعد أربعينيات القرن الماضي قائمة على التشنّج والتناحر!
وكانت علاقات البلدين، قبل احتلال العراق في العام 2003، ساكنة ولكنّها غير متوافقة، وبعبارة مختصرة كانت قائمة على مبدأ عدم الثقة وإن ظهرت في مرحلة ما بأنّها جيّدة!
وبعد الاحتلال الأمريكي، وخلال رئاسة نوري المالكي للحكومة، بين عاميّ 2006 – 2014 اتُّهِم نظام بشار الأسد صراحة "بتصدير السيّارات الملغّمة للعراق ودعم الإرهاب"! وطالب العراق في العام 2009 بتشكيل لجنة دوليّة للتحقيق في التفجيرات اليوميّة في أغلب المدن!
واللافت للنظر أنّه وبعد الثورة السوريّة في العام 2011، تغيّر الموقف العراقيّ تدريجيا، وكانت البداية بموقف بغداد المحايد تجاه قرار وزراء الخارجيّة العرب بتعليق عضويّة دمشق في جامعة الدول العربيّة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011!
صارت التصريحات المضادّة لسوريا من شخصيّات سياسيّة "ثقيلة" وإعلاميّة "مُتَملّقة ومُتَحزّبة" حالة سائدة في العراق، ولهذا حاولت حكومة محمد شياع السوداني ضبط الإيقاع لتهدئة الأمور
وأكّد الأمين العامّ السابق للجامعة حينها "نبيل العربي" أنّ القرار اتّخذ "بموافقة 18 دولة، واعتراض سوريّا ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت"! وبالتدقيق في الدول المعترضة والممتنعة نجد بأنّها تعكس ما قالته إيران لاحقا من أنّها "تُسيطر على أربع عواصم عربيّة"!
الموقف العراقيّ "المحايد" فتح الباب لترطيب الأجواء، ولاحقا، وبعجالة واضحة وتوجيهات خارجيّة، وصلت العلاقات لمرحلة التلاحم الاستراتيجيّ والدعم المفتوح على كافّة المستويات السياسيّة والاقتصاديّة واللوجستيّة! وصارت حدود العراق مُشْرَعة أمام الفصائل "الشيعيّة" للقتال مع النظام، وأبرزها لواء أبو الفضل العباس، وحزب الله العراقيّ، وغيرهما من الفصائل!
واستمرّ الدعم الرسميّ والشعبيّ العراقيّ للنظام لأكثر من عشر سنوات، وبقي تواجد غالبيّة الفصائل المسلّحة لمرحلة سقوط الأسد في 8 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024.
وخلال مرحلة المواجهات الأخيرة بين المعارضة السوريّة وقوّات النظام نهاية العام 2024 كانت الحدود العراقيّة- السوريّة (600 كلم) في حالة إنذار تامّ وجهوزيّة عالية من طرف القوّات الرسميّة والحشد الشعبيّ، ولكنّ تلك القوّات لم تدخل سوريّا، ولاحقا صارت أمام الأمر الواقع الجديد المتمثّل بنهاية النظام وتغييره!
والذي يعنينا هنا شكل علاقات بغداد ودمشق بعد تغيير النظام وقيام حكومة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع!
المتابع للشأن العراقيّ يَجد أنّه وبعد التغيير في سوريّا توالت التصريحات المتشنّجة، وخصوصا من نوري المالكي، زعيم الإطار التنسيقيّ، الذي اتّهم القيادة الجديدة "بعدم القدرة على حكم بلد متنوّع مثل سوريّا"!
وصارت التصريحات المضادّة لسوريا من شخصيّات سياسيّة "ثقيلة" وإعلاميّة "مُتَملّقة ومُتَحزّبة" حالة سائدة في العراق، ولهذا حاولت حكومة محمد شياع السوداني ضبط الإيقاع لتهدئة الأمور، فأوفدت رئيس المخابرات "حميد الشطري" لدمشق بعد عشرين يوما من التغيير!
زيارة الشطري لَفّها الكثير من الغموض، وكانت لغة الجسد خلال لقائه الرئيس الشرع، الذي ظهر حاملا لمسدسه الشخصيّ، تُوحي بتعقيدات كبيرة في المفاوضات!
وبعد شهر من الزيارة قال الشطري، يوم 23 شباط/ فبراير 2025، إنّه أوصل أربع رسائل إلى الشرع، ومنها أنّ بغداد لم تكن حريصة على بقاء الأسد في الحكم وبأنّها "متخوّفة من البديل، وليس حبّا بالأسد"!
والثانية أنّ بغداد مع تطلّعات الشعب السوريّ، ولكنّ "الحكومة لديها بعض النقاط، ومنها ملفّ داعش، وكيف ستتعامل الإدارة السوريّة الجديدة معه"، وخصوصا مع وجود نحو 30 ألف نازح في المخيّمات في شمال شرق سوريا من 60 جنسيّة، وتسعة آلاف داعشيّ مُحْتَجز في سجون الحسكة بينهم 2000 عراقيّ، وكيف "ستتعامل الإدارة السوريّة الجديدة مع هذا الملفّ"!
والرسالة الثالثة مفادها أنّ العراق "قلق من ذهاب سلاح الجيش السوريّ إلى عناصر مسلّحة، وكيف ستتعامل الإدارة السوريّة مع "الكرد والشيعة والعلويّين"!
والرسالة الأخيرة تتعلّق بشكل النظام الذي "سيقوده الشرع بعد استقرار أوضاع سوريّا"!
الحكمة السياسيّة تُوجب على بغداد التعامل الواضح والسليم مع دمشق، لأنّ العراق لديه حدود طويلة وهواجس أمنيّة كبيرة تستدعي ترطيب الأجواء والابتعاد عن التدخلات والخطابات الطائشة والمهاترات السياسيّة والإعلاميّة! وتَذكّروا بأنّ أمْنَ العراق مُرْتبط بأمْن سوريا!
وغالبيّة هذه رسائل تُعَدّ تدخّلا في الشأن السوريّ، ويبدو أنّها لم تجد آذانا صاغية في دمشق!
وبعد زيارة الشطري، والحديث عن قمّة عربيّة ببغداد في أيّار/ مايو المقبل، قال وزير الخارجيّة العراقيّ فؤاد حسين منتصف شباط/ فبراير 2025 إنّ العراق وجّه دعوة رسميّة للرئيس الشرع لحضور قمّة بغداد، نافيا "وجود أيّ شروط مسبقة لإعادة العلاقات مع دمشق"!
ومع هذه التطوّرات أرجأ وزير الخارجيّة السوريّ أسعد الشيباني زيارته المقرّرة لبغداد يوم 23 شباط/ فبراير 2025، دون بيان أسباب تأجيلها! وكشفت لجنة العلاقات الخارجيّة البرلمانيّة العراقيّة أنّ من أسباب تأجيل زيارة الشيباني "رفض السوداني اللقاء به، وتهديدات الفصائل المسلّحة باغتيال الشرع، في حال حضوره قمّة بغداد المقبلة"!
وبعد المحاولة الانقلابيّة في مناطق مدن الساحل السوري ليلة أمس الخميس، واتّهام بعض المصادر الأمنيّة السوريّة بأنّ "المجلس العسكريّ بقيادة غياث دلا تلقى دعما ماليّا من حزب الله اللبنانيّ والمليشيات العراقيّة"، فهذا يعني أنّ الأبواب ستبقى مُشْرَعة للعديد من السيناريوهات لمستقبل وشَكْل العلاقات العراقيّة- السوريّة!
الحكمة السياسيّة تُوجب على بغداد التعامل الواضح والسليم مع دمشق، لأنّ العراق لديه حدود طويلة وهواجس أمنيّة كبيرة تستدعي ترطيب الأجواء والابتعاد عن التدخلات والخطابات الطائشة والمهاترات السياسيّة والإعلاميّة! وتَذكّروا بأنّ أمْنَ العراق مُرْتبط بأمْن سوريا!
x.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العلاقات العراق سوريا العراق سوريا علاقات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة السوری ة العراقی ة السیاسی ة الخارجی ة سوری ا
إقرأ أيضاً:
تحالف عسكري سوري-تركي يُرعب تل أبيب: وإسرائيل تهدد باغتيال أحمد الشرع وقصف القصر الجمهوري
أثار التحول السياسي الذي شهدته سوريا في 8 ديسمبر والتطورات التي تلته قلقاً عميقاً لدى إسرائيل، خاصة مع استعداد تركيا لتوقيع اتفاق تعاون عسكري وأمني مع القيادة السورية الجديدة. وكشفت مصادر أن الكيان الصهيوني، الساعي لإفشال هذا المسار، بدأ بإطلاق تهديدات مباشرة ضد إدارة أحمد الشرع.
وبحسب المعلومات، هددت إسرائيل عبر وسطاء بضرب القصر الجمهوري وقتل أحمد الشرع، في حال تم اعتماد تركيا شريكاً استراتيجياً وقوة عسكرية على الأرض السورية، كما هددت بتقسيم سوريا عبر تحريك المكونات النُصيرية والدرزية وتنظيم PKK. ومن بين مطالب إسرائيل الأساسية وقف تخصيص قواعد عسكرية لتركيا، ومنع منحها السيطرة على الأجواء السورية٬ بحسب تقرير نشرته صحيفة تركيا وترجمه موقع تركيا الان.
“لن نرضخ للابتزاز”
وفي هذا السياق، أكد ياسر نجار، الذي شغل سابقاً منصب وزير خلال إدارة الشرع لإدلب، أن دمشق تتخذ موقفاً مشتركاً مع العالم العربي تجاه إسرائيل. وأوضح أن لا مجال لأي اتفاق أو تفاهم بين دمشق وتل أبيب في ظل استمرار الاحتلال والمجازر في غزة، ومحاولات إفشال حل الدولتين.
وقال نجار: “إسرائيل تصادر أراضينا، ثم تأتي لتفرض علينا شروطها بوقاحة، وكأنها تتصرف كبلطجي لا كدولة. هناك محاولة لفرض تسوية من طرف واحد تحت التهديد. لكن سوريا لن ترضخ لأي ابتزاز خارجي، وتمتلك الإرادة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها”.
“إسرائيل تقول لسوريا: استسلمي”
أما الباحث السوري، سمير حافظ، فعلق على الأمر بالقول إن إسرائيل ترى في ما حدث بعد 8 ديسمبر تهديداً وجودياً على المدى البعيد. لذلك تسعى لفرض ضمانات صارمة، وتخشى من أن تتحول تركيا إلى شريك استراتيجي لسوريا عسكرياً.
وأضاف حافظ: “إسرائيل تقول لسوريا: إذا كنتِ لا تريدين أن تُقسّمي، عليكِ أن تتفقي معنا وتُبعدي تركيا. وهي تمارس ضغوطاً مشابهة لما فرضته على الأردن ومصر والإمارات والسعودية. وتهدد بأن سوريا إن لم تخضع، فستتحول إلى غزة أخرى”.
وأشار إلى أن إسرائيل، عبر هجماتها الأخيرة، دمرت ما تبقى من البنية العسكرية التابعة لنظام الأسد، وتريد أن تبقى سوريا على هذا الحال. إلا أن تحالفاً عسكرياً تركياً-سورياً يمكن أن يغيّر المعادلة في غضون 5 إلى 6 أشهر.
واختتم بالقول: “إسرائيل قصفت مواقع مثل T4، حماة، دمشق وغيرها، لأنها تدرك أن خسارتها للتموضع الاستراتيجي هناك سيؤثر على موقفها في الجولان ولبنان وحتى فلسطين. ولذلك تسعى لإفشال أي تعاون بين أنقرة ودمشق. ومن المتوقع أن تبدأ أولى خطوات التعاون بين البلدين بعملية ضد داعش. ويجب الانتباه جيداً لسبب نقل داعش إلى منطقة حمص-دير الزور، لأنه جزء من مشروع إسرائيلي للسيطرة على ممر الجولان-القنيطرة-التنف-الحسكة. ووجود داعش هناك يوفر ذريعة للولايات المتحدة والتحالف للبقاء، إلى جانب PKK/YPG. كما أن القضاء على داعش يُنهي المبررات لوجود القوى الإمبريالية هناك. وهناك أيضاً بعد استراتيجي مهم يرتبط بقبرص وشرق المتوسط”.
الابتزاز والتهديد: إسرائيل تلوّح بضرب القصر الرئاسي واغتيال الشرع
تشير المعلومات التي حصلنا عليها من مصادر داخل الأراضي السورية إلى أن إسرائيل، ومن خلال دول وسيطة، وجّهت تهديدات مباشرة إلى أحمد الشرع، تضمنت إمكانية استهداف القصر الجمهوري ومحاولات اغتيال، كجزء من سلسلة خيارات تهدف إلى عرقلة المسار الجديد في سوريا. وذكرت المصادر أن الأجهزة الأمنية في دمشق اتخذت بالفعل التدابير اللازمة لمواجهة مثل هذه السيناريوهات المحتملة.
اقرأ أيضاواتساب يطرح ميزة جديدة طال انتظارها