أمريكا.. قبلة الضلال ومشنقة الأمم!
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
لكل من يتشبث بوهم الصداقة الأمريكية، ويعلق آماله على وعد من واشنطن، ويحلم بدعم من البيت الأبيض، أقدم هذه الوقفة المتأملة، لنستقرئ معا سجلات التاريخ، ونتدبر في أحوال الأمم التي وثقت بهذه الدولة، فلم تجنِ إلا الخسائر، ولم تحصد إلا الندامة.
إن مقولة الرئيس الباكستاني الراحل، محمد ضياءالحق، ليست مجرد عبارة عابرة، وإنما هي خلاصة تجربة مرة، وحكمة مستسقاة من واقع معاش، يؤكد أن “أمريكا ليس لها صاحب، ومن يتعامل معها كمن يتعامل مع بائع الفحم؛ لن يناله إلا سواد الوجه واليدين.
هذا التشبيه البليغ، يصور بدقة طبيعة العلاقة مع أمريكا، فهي كبائع الفحم، يغريك بدفئه الظاهر، ويغذي فيك الأمل بالخير القادم، لكنك سرعان ما تكتشف أنك لم تجن إلا السواد، سواد الوجه بالذل والمهانة، وسواد اليدين بالخسران والندامة.
إن التاريخ يا سادة، ليس مجرد قصص تروى، وأحداث تسرد، بل هو مرآة تعكس الحقائق، وميزان يزن الأمور، ودليل يرشد التائهين. فلنقرأ التاريخ بعيون متفتحة، وعقول متنورة، وقلوب واعية، لنستخلص العبر، ونتعلم الدروس، ونتجنب الأخطاء.
ألم نر كيف خذلت أمريكا حلفاءها في كل مكان؟ ألم نر كيف تركتهم يواجهون مصيرهم المظلم، وحدهم؟ ألم نر كيف تآمرت عليهم، ودبرت لهم المكائد، وسلمتهم لأعدائهم؟
وهذا العراق، الذي غزته أمريكا بحجج واهية، ودمرت مدنه، وقتلت أبناءه، ونهبت ثرواته، ثم تركته غارقا في الفوضى والاقتتال، وهذه أفغانستان، التي احتلتها أمريكا لسنوات طويلة، وعاثت فيها فسادا، وأشعلت فتنا، ثم انسحبت منها بخزي وعار، وتركتها تئن تحت وطأة الفقر والتخلف.
وأوكرانيا، كيف عاثت فيها الفساد، وهذه فلسطين، التي تدعم أمريكا احتلالها، وتغطي على جرائم الصهاينة، وتمنحهم الدعم السخي، ليستمروا في قتل الأبرياء، وتهجير السكان، وتدنيس المقدسات.
إن القائمة طويلة ومخزية، تكشف زيف الشعارات الأمريكية، وتظهر الوجه الحقيقي لسياساتها، القائمة على الخداع والمكر، والانتهازية والتآمر.
فإلى متى نستمر في تصديق الأكاذيب؟ وإلى متى نردد الشعارات الجوفاء؟ وإلى متى نعلق آمالنا على قوة غاشمة، لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة؟
ألم يأن الأوان لأن نستيقظ من سباتنا، ونتخلص من أوهامنا، ونعتمد على قدراتنا الذاتية، ونوحد صفوفنا، ونبني مستقبلنا بأيدينا؟ ألم يحن الوقت لأن ندرك أن العزة والكرامة، والنصر والتمكين، لا تأتي من الخارج، وإنما تنبع من الداخل، من قلوب مؤمنة، وعقول متنورة، وأيد متواضعة؟
إن رسالتي واضحة، وصريحة، ومخلصة: أيتها الأمة العربية والإسلامية، كفوا عن التعامل مع بائع الفحم، فإنه لن يعطيكم إلا السواد. وابحثوا عن النور في داخلكم، فهو وحده القادر على أن يضيء طريقكم، ويحقق آمالكم، ويحرر أوطانكم.
وختامًا، فلنتذكر دائما، أنّ أمريكا ليست إلا قبلة للضلال، ومشنقة للأمم، وسجنا للأحرار. فلنعتصم بالله، ولنعتمد على أنفسنا، ولنوحد صفوفنا، ولنبن مستقبلنا بأيدينا، فبذلك فقط نستحق الحياة، ونحقق العزة، وننصر الحق، ونعيد للأمة مجدها الغابر.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الآثار السُّودانيَّة … إنهم يسرقون التاريخ!
(1)
قبل عشر سنوات من تاريخ نشر مقال الدُّكتور الدبلوماسي حمد عبد العزيز الكواري، رئيس مكتبة قطر الوطنية، بعنوان "السُّودان … جرح الحضارة النَّازف: تدمير المتحف القوميِّ السُّودانيِّ"، أعدَّ الصَّحفيَّان رجاء نمر وحسن أبو الرِّيش تحقيقًا صحفيًّا عن الآثار السُّودانيَّة بعنوان "الآثار السُّودانيَّة: إنَّهم يسرقون التَّاريخ"، نشرته صحيفة التَّيَّار في يوليو 2015. تناول الصَّحفيِّان المشار إليهما في ذلك التَّقرير موضوع سرقة الآثار السُّودانيَّة، وعرضا بشكل مفصَّل التَّهديدات الكبيرة الَّتي تواجه التُّراث الثَّقافيَّ والتَّاريخيَّ في السُّودان. وأبانا حجم الاعتداءات والسَّرقات، الَّتي تعرَّضت لها الآثار السُّودانيَّة من قِبَل عصابات النَّهب المحلِّيَّة والأجنبيَّة. وأشارا إلى الدَّور الَّذي تقوم به مافيا الآثار في المناطق الغنيَّة بالموارد الأثريَّة مثل مرويِّ البجراويَّة وجبل البركل. والآن يشهد السُّودان أكبر عمليَّة نهب في تاريخه، بعد العمليَّة الَّتي قام بها الطَّبيب الإيطاليُّ جوزيبي فريليني (1797-1870)، الَّذي رافق حملة غزو محمد علي باشا للسُّودان عام 1820. وبعد انتهاء خدماته مع الجيش الغازي عام 1934، أخذ فريليني إذناً من خورشيد باشا، حكمدار عام السودان؛ للتنقيب في بعض المواقع الأثرية، ثم شدّ رحاله إلى مرويِّ البجراويَّة ومنطقة جبل البركل ونوري، وقام بتفجير العديد من الأهرامات بحثًا عن الذَّهب والمجوهرات الكوشيَّة. ويقال إنَّه قد سرق مقتنيات مقبرة الملكة أماني شكتو (Amanishakheto)، وبعد عودة إلى بلاده سارع بعرضها على المتاحف الأوروبِّيَّة في ميونخ وبرلين. وقد وثَّق لهذه العمليَّة الإجراميَّة بول ثيروكس (Paul Theroux)، الرِّوائيَّ الأمريكيَّ، الَّذي أكَّد أنَّ فريليني قد قام بنسف قمم الأهرامات بالدِّيناميت، فشوِّهها وأفقدها قيمتها الجماليَّة وطمس أسرارها، وسرق مكتنزاتها الثمينة. والعملية الثانية تحدث الآن أمام أعيننا، حيث نُهبت آثار ومقتنيات متحف السودان القومي وغيره من المتاحف الأخرى. لمزيد من التفصيل، ينظر:
(Yvonne Markowitz and Peter Lacovara, “The Ferlini Treasure in Archeological Perspective”, Journal of the American Research Center in Egypt, Vol. 33 (1996), pp. 1-9).
(2)
متحف السُّودان القوميِّ ونهب آثاره
يُعَدُّ متحف السُّودان القوميِّ في الخرطوم، أكبر المتاحف السُّودانيَّة على الإطلاق. بدأ العمل فيه في النِّصف الثَّاني من ستينيَّات القرن العشرين، واُفتتح عام 1971 في عهد حكومة مايو (1969-1985). ويحتلَّ المتحف موقعًا متميِّزًا في العاصمة الخرطوم، إذ يطلُّ على شارع النِّيل وجوار مبنى قاعة الصَّداقة، ويفتح مدخله الرَّئيس صوب النِّيل الأزرق، وقبل التقاء النِّيلين في منطقة المقرن. وقد صُمَّمت مباني المتحف بطريقة رائعة، إذ يوجد في فناء مدخله الرَّئيس متحف مفتوح، يحتوي على عدد من المعابد والمدافن والنَّصب التِّذكاريَّة والتَّماثيل، الَّتي تعكس طرفًا من الآثار النَّوبيَّة السُّودانيَّة الَّتي غمرتها مياه السَّدِّ العالي، وقد وضعت هذه القطع الآثاريَّة حول حوض مائيّ، تعطي الزَّائر انطباعًا بأنَّها في موضعها الأصليِّ. وكانت قاعات المتحف تحتوي على مقتنيات أثرية من مختلف أنحاء السودان، يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تشمل الآثار الحجرية، والجلدية، والبرونزية، والحديدية، والخشبية، الأدوات الفخارية، والمنحوتات، والصور الحائطية، فضلاً الآثار المسيحية والإسلامية، التي تشكل جزءًا من هوية السودان.
وعندما اقتحمت قوَّات الدَّعم السَّريع مباني متحف السودان القومي في بداية هذه الحرب اللَّعينة تطير العارفون بمقتنياته شرًّا، وبعد تحرير الخرطوم نقلت عدسات القنوات الفضائية أنَّ مقتنيات المتحف قد نهبت. ولذلك وصف الكواري ما حدث بأنَّه: "أمر محزن. . . أنَّ نرى التَّاريخ يباد تحت أقدام الطَّامعين، وأن يُسرق ما لا يعوِّض، ويُطمس ما لا يُقدَّر بثمن." نعم، يمكن إعادة إعمار الأضرار المادِّيَّة التي لحقت بمباني المتحف، و"لكن كيف يُعاد ما سُرق؟ كيف تُبعث من جديد قطع أثريَّة عمرها آلاف السِّنين؟ كيف يُعوِّض شعب تُسلب ذاكرته وهو ينزف؟ إنَّ ما يحدث في السُّودان ليس مجرَّد حرب على السُّلطة، بل هو جريمة في حقِّ الحضارة، جريمة ترتكب أمام أعين العالم، الَّذي يراقب بصمت، بل ويُسهم البعض في إشعالها. وما يُؤلم أكثر، أن تُمحى آثار هذا البلد العظيم، بينما أهل السُّودان يُواجهون القتل والتَّشريد والجوع، ويُترك وطنهم فريسةً للصِّراعات وأطماع العابثين."
(3)
أسئلة الكواري تحتاج إلى إجابات ممكنة؟
عليه يُرفع النداء إلى أبناء السُّودان الحادِّبين على الحفاظ على آثارهم التَّاريخيَّة أن يشرعوا في القيام بحملة لإعادة ما نُهب. فمقتنيات السُّودان الأثريَّة ليست لها علاقة بدولة "56" المزعومة، بل تشكِّل جزءًا من تاريخ البلاد وهويَّتها، والشعب الذي لا يحافظ على تاريخه، لا يستطيع أنَّ يبنّي مجدًا حاضرًا. فالإجابة عن أسئلة الكواري تحتاج إلى وعي بقيمة الآثار المنهوبة، وإلى عمل منظَّم يبدأ بالحفاظ على الموجود، والبحث عن المنهوب وسبل إرجاعه؛ وذلك عملًا بالمثل السُّوداني القائل: "الجفلن خلِّهنَّ أقرع الواقفات". فنبدأ بالحفاظ على الموجود، ثمَّ نشرع في استرداد المنهوب. فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
ahmedabushouk62@hotmail.com