هذا المنع، يعني أن العدو يحرص على إطباق الحصار على سكان غزة، وتجويعهم، ليموتوا جوعاً، بعد أن قتلوا بالقنابل الأمريكية والصهيونية على مدى 15 أسبوعاً خلال معركة طوفان الأقصى.
وجاء خطاب السيد القائد بعد يوم من خطاب ألقاه المتحدث العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة، والذي شخص من خلاله الواقع المأساوي في القطاع، جراء المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ الاتفاق، وأكد أن حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية قد أدت ما عليها، وأوفت بالتزاماتها، لكن العدو يريد الاستمرار في غيه وعدوانه، مشيراً إلى أن المقاومة في أعلى جهوزيتها للمواجهة، أو الدخول في حرب أخرى.
وكعادته، قدم أبو عبيدة ثناء على اخوان الصدق "أنصار الله"، مقدماً شكره لليمن على مواقفه الصادق، والمخلصة مع غزة وسكانها المظلومين، وهو موقف لا مثيل له في العالم.
كل المؤشرات الآن، تدل على أننا مقبلون على حرب جديدة، يريد ترامب إدارتها بعقليتها المجنونة، كما أدارتها من قبل بادين الخرف، وفي كلا الحالتين، فإن المجرم نتنياهو سيكون رأس الحربة في أي مغامرة جديدة، وكما هي عادة هذا العدو، فإن أسلحته لمحاولة تركيع حماس، تتضمن القصف والغارات الجنونية، واستهداف المدنيين، ومقومات الحياة بالقطاع، إضافة إلى إطباق الحصار على سكان غزة.
وما يشجع هذه العربدة الصهيونية، هي المواقف المتواطئة للحكام العرب، وعدم انتفاضة الشعوب العربية والإسلامية، وإصدار مواقف إدانة لكل ما يحدث في غزة، وقد شاهد العالم، ما خرجت به قمة القاهرة من مواقف خجولة وضعيفة، لا ترتقي إلى أصالة العرب ونخوتهم وشهامتهم.
هنا يرسل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي رسالتين هامتين:
الأولى: لفصائل المقاومة الفلسطينية [حماس]، مؤكداً أن اليمن ثابت على موقفه، وأن على الفلسطينيين أن يثقوا جيداً باليمن- وهم أيضاً واثقون- وأن اليمن لا يستطيع أن يقف متفرجاً على تجويع قطاع غزة، ولهذا صدر الموقف التاريخي للسيد القائد عبد الملك الحوثي بإعطاء مهلة 4 أيام للوسطاء، ما لم فإن استمرار الحصار على قطاع غزة سيقابل بحصار يمني جديد على الكيان الصهيوني في البحر الأحمر.
الثانية: للحكام العرب والمتخاذلين: أن الموقف الحقيقي في مواجهة العدو الأمريكي والإسرائيلي لا يكون بالبيانات الضعيفة والهزيلة، و إنما بالمواقف العملية الموجعة والمؤثرة، واليمن هنا يعطي دروسا في القيم والأخلاق ونصرة المستضعفين، وهي نابعة من أصالة الإنسان العربي الضاربة في جذور التاريخ.
بطبيعة الحال، يفهم العدو الإسرائيلي أن الحصار على ميناء أم الرشراش مكلف للغاية، وقد عانى كثيراً خلال 15 أسبوعاً من معركة "طوفان الأقصى" حيث أدت عمليات اليمن إلى إعلان الميناء إفلاسه، وتوقفه عن العمل، وتكبد الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية لا حدود لها.
السيناريوهات المطروحة على الطاولة كثيرة ومتعددة، فقد تلجأ إسرائيل لتفادي خسائرها وتعمل على إدخال المساعدات إلى القطاع، وهنا يتجنب الجميع التصعيد القادم، أما في حال أصر العدو الإسرائيلي على استمرار الحصار على غزة، فإن اليمن ستكون لديه وثبة كبيرة، وقد نشهد مفاجآت لم تحدث في المعركة الماضية، وقد تتطور الأحداث لتصل إلى حرب شاملة، لا سيما إذا ما غامرت واشنطن وتدخلت مرة أخرى لمحاولة انقاذ ربيبتها "إسرائيل" وفك الحصار عنها.
ما حدث هو اعلان تاريخي استثنائي، فالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يتصدر مرة أخرى الموقف العربي الإسلامي في مناصرة غزة، وهو موقف قوي ستكون له الكثير من التداعيات على الساحتين العربية والإقليمية، والأيام ستكشف المزيد من الأمور الغامضة.
*المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الحصار على
إقرأ أيضاً:
من غزة إلى اليمن .. السيد الحوثي يكشف خطوط المعركة الكبرى
كان الخطاب محمّلاً بنبرة من يعرف أن ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، بل محطة فاصلة في عمر المنطقة، بل وفي صلب معنى الوجود العربي ذاته.
كان السيد يقول – دون أن يحتاج إلى العبارة – إن ما نراه اليوم هو سقوط أخلاقي عالمي يتدحرج من فوق منصة الأمم المتحدة حتى أرصفة العواصم الأوروبية التي تقمع صوت طلابها. لم يكن الخطاب تصعيدًا بقدر ما كان تذكيرًا بأن المسألة ليست فلسطين وحدها، بل معيار الأخلاق الكونية في زمن السوق والعهر السياسي.
السيد الحوثي الذي لم يعتد أن يتحدث بلغة المهزومين، كان يُعرّي العدو الإسرائيلي ويضعه في صورة الكائن المتوحش الذي يتغذى على أشلاء الأطفال الفلسطينيين بتمويل أمريكي واضح، لا لبس فيه. لم تكن الإدانة أخلاقية فقط، بل وصف دقيق لماكينة إبادة تمارس القتل بنَفَس بارد، بينما يراقب العالم المشهد كأنه جزء من مسرحية تلفزيونية انتهت صلاحيتها الأخلاقية منذ سنوات.
لكن اللافت، كالعادة، أن خطاب السيد لا ينفصل عن الحقل العمل... هجمات بحرية، حظر للملاحة، إسقاط للطائرات، رد مباشر على العدوان الأمريكي، تحرك شعبي واسع، تأكيد على أن اليمن – بمقاومته – لم يعد على الهامش، بل في قلب معادلة الردع الإقليمي.
وكأنه يريد أن يقول نحن هنا لا لنستنكر، بل لنصنع أثراً، والدم اليمني لم يعد حزينًا وحيدًا، بل ممتزجًا بروح فلسطين وجراح غزة.
ومع ذلك، فإن ما يميز الخطاب أنه لا يكتفي بتوصيف الحدث، بل يغوص في بنيته، يشير إلى السياق المتكامل، يُفكك المصطلحات. فحين يتحدث عن "التهجير الطوعي" الذي يروّج له الاحتلال، فهو يدرك أن التهجير الطوعي، كعبارة، لا تقل جريمة عن القصف نفسه. هناك رغبة إسرائيلية قديمة لتفكيك الوجود الفلسطيني جغرافيًا، وتفريغه ديموغرافيًا، والغرب يصمت، بل ويشارك أحيانًا بإعادة إنتاج الخطاب الصهيوني نفسه بعبارات أكثر تحضّرًا ولكنها لا تقل قبحًا.
لم يكن السيد يوجه خطابه للداخل اليمني فقط، بل كانت نبرته عابرة للحدود، موجّهة إلى الأمة، بل وإلى الإنسانية كلها.
دعا إلى انتفاضة ضمير، لا مجرد غضب لحظي، دعا إلى مقاطعة اقتصادية وسياسية وثقافية، إلى عزلة كاملة لهذا الكيان الذي تم طرده من الضمير الإنساني لكنه لا يزال يحظى باعتراف الأمم المتحدة.
وربما أهم ما في الخطاب، أنه أعاد تعريف الاصطفاف. لم يعد الصراع بين إسرائيل وفلسطين، بل بين محور الهيمنة ومحور المقاومة. بين من يملك الطائرات الشبح، ومن يملك إرادة الصمود. بين قاذفات القنابل التي تنطلق من قواعد أمريكية، ومجاهدين حفاة يعيدون ترتيب المعنى من بين الركام.
والملاحظة الدقيقة، أن السيد لم يُغفل الإشارة إلى الداخل العربي. أشار – ولو بحذر – إلى الخذلان، إلى الصمت، إلى ازدواجية المعايير، إلى خيانة بعض الأنظمة التي تفتح أجواءها للطائرات الأمريكية وتغلقها أمام شحنات الدواء إلى غزة. وكان صريحًا في الإشارة إلى أن العدوان الأمريكي على اليمن هو امتداد لذات المعركة، وأن ما يواجهه اليمن اليوم هو نتيجة لموقفه الأخلاقي من القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، فإن السيد، دون أن يقولها بشكل مباشر، يرسم حدود المعركة القادمة لا فصل بين الساحات. من البحر الأحمر إلى غزة إلى الجنوب اللبناني إلى دمشق، كلها جبهات لمعركة واحدة...العدو واحد، والخندق واحد، والراية واحدة. ومن يقف في الحياد، فهو جزء من الجريمة، حتى وإن رفع الشعارات.
المعادلة الجديدة التي يكرّسها الخطاب، فشل العدوان الأمريكي في اليمن لم يعد تحليلاً، بل اعترافًا أمريكيًا. حاملة الطائرات في حالة هروب، MQ9 تسقط تباعًا، الملاحة لم تعد آمنة، والقدرات العسكرية اليمنية تتنامى، لا تتآكل. هنا، يلمح السيد إلى معادلة ردع لم يجرؤ أحد من قبل على قولها نحن لسنا في موقع الدفاع، بل في موقع المبادرة.
وإذا أردنا أن نقرأ الخطاب من زاوية استراتيجية بحتة، فهو خطاب تثبيت حضور أكثر من كونه خطاب رد فعل. الحوثي لا ينتظر موقفًا عربيًا داعمًا، بل يؤكد أن اليمن يقوم بدوره الأخلاقي والإنساني والديني، دون مساومة، ودون رهانات على نظام رسمي عربي أثبت عجزه أو تواطؤه. وكأن الخطاب يريد أن يقول: نحن هنا لأننا اخترنا هذا المكان، ولسنا بانتظار من يبارك تحركنا أو يخذله.
أما الإشارات إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فلم تكن تعويلا، بل إدانة مزدوجة. فحين يتساءل السيد: لماذا لا يتم طرد الكيان الصهيوني من الأمم المتحدة؟ فهو لا ينتظر جوابًا، بل يكشف التواطؤ، ويقيم الحجة على المؤسسة الدولية كما على الأنظمة.
بالمجمل، كان خطابًا هادئًا في لغته، صادمًا في محتواه، عميقًا في دلالته، ثابتًا في موقعه من معادلة الصراع الكبرى. خطاب من لا يحتاج إلى أن يرفع صوته ليُسمع، لأن الفعل الميداني يسبقه دائمًا. السيد الحوثي كعادته، يقول ما يعنيه، ويفعل ما يقوله، ويعرف أن التاريخ لا يصنعه الحياد، بل من يقف في وجه الطغيان، ولو وحيدًا، كما قال المتنبي يومًا:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
المصدر : عرب جورنال / كامل المعمري