يوميات رجل عانس.. كوميديا سعودية تسلط الضوء على عزوبية الرجال
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
ابتذلت الكثير من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية قصص الفتيات اللاتي تأخرن عن سن الزواج الذي يفترضه مجتمعهن، والضغوط التي تفرضها عليهن العائلة والأقران، غير أن النصف الآخر من المجتمع، أي الرجال، لم يضعهم أحد تحت هذه العدسة المكبرة بالطريقة نفسها من قبل. وذلك هو ما راهن عليه صناع مسلسل "يوميات رجل عانس"، فهل يستطيعون تقديم فكرة قُدِّمَت من قبل، بصورة طازجة ومختلفة، فقط بتغيير جنس الشخصية الرئيسية؟
مسلسل "يوميات رجل عانس" من إخراج عبد الرحمن السلمان، ونتاج ورشة كتابة أدارها نواف المهنا، ومقتبس عن رواية بعنوان "مذكرات رجل سعودي عانس" لوليد أسامة خليل، وبطولة إبراهيم الحجاج، وسعيد صالح، وفاطمة الشريف، وحكيم جمعة، ونواف الشبيلي، وفيصل الدوخي.
عبد الله (إبراهيم الحجاج) بطل "يوميات رجل عانس" شاب سعودي يعيش حياة هادئة مستقرة، ابن لأسرة طيبة، وظروفه المادية ميسورة، يعمل في وظيفة يحبها، وله أصدقاء مقربون، غير أن كل هذه التفاصيل الإيجابية لا تعني شيئا في ظل كونه أعزب.
يبدأ المسلسل في حفل زفاف يحضره عبد الله مع عائلته، ويتضح من اللقطة الأولى هوس والدته بتزويج ابنها الذكر الوحيد، الأمر الذي يمثل ضغطا نفسيا عليها، يجعلها تفقد وعيها في منتصف الحفل، فيتم نقلها إلى المستشفى، وهناك يكشف الطبيب أن السبب وراء الإغماء هو التوتر والقلق، فيضطر عبد الله للرضوخ لرغبتها، وإعطائها الضوء الأخضر للبحث عن عروس له.
وتتوالى الحلقات بعد ذلك، وكل منها تظهر فيها عروس جديدة لعبد الله، غير أن الزيجة لا تتم في نهاية الحلقة عندما يحدث ما يفسدها في اللحظة الأخيرة قبل انعقاد الخطبة.
إعلانالمفارقات الكوميدية الخاصة باختيار العرائس، أو المشاكل التي تحدث وتؤدي لانتهاء العلاقة قبل بدئها هي الواجهة التي من خلفها يتعرف المشاهد عن قرب على طبيعة حياة شاب سعودي اعتيادي، وذلك عبر التعليق الصوتي الذي يمثل أفكار البطل الداخلية، وحواراته مع أصدقائه الثلاثة: عصام، وفهد، وماجد.
الزواج لعبد الله وأصدقائه وعائلته، ليس علاقة طويلة الأمد يتم بناؤها على طباع متقاربة، وأهداف مشتركة، بل مجرد خطوة ضمن خطوات عدة في حياة كل شاب، فبعدما ينهي أي شاب دراسته الجامعية، ثم يعمل في وظيفة، عليه الاستقرار في حياة زوجية، أيا كانت شريكة هذه الحياة.
يفكك المسلسل كذلك شكل الأسرة السعودية التقليدية، من توازن القوى بين الأب والأم، فبينما يرغب الأب المتقاعد في الهدوء وراحة البال، تحرك الأم الزوابع في الأسرة، فهي التي تهتم بزواج الابن، وتغضب من لامبالاة الابنة الصغرى، تلك الابنة التي تمثل الجيل زد في المنزل، بما يحمله ذلك من ملل من مشاكل الأجيال الأكبر، بينما تمثل الابنة الكبرى نوف نائبة الأم في العائلة، والأم الثانية لعبد الله، وتحملت طويلًا تهميشها لصالح الأخ الذكر الوحيد، ومحبوب والدته رقم 1.
كوميديا معاصرة وشخصيات متعددةلا يمكن اعتبار فكرة مسلسل "يوميات رجل عانس" مختلفة أو جديدة، بل حتى النمط الذي اتبعه في تقديم فكرته، أي تخصيص كل حلقة لعروس جديدة، ليس مستجدًا، فهو يُحيل الأذهان مباشرة إلى مسلسل "عايزة أتجوز" المعروض عام 2010 ومن إخراج رامي إمام، والذي تناول عبر حلقاته المفارقات الكوميدية التي تحصل للشابة علا (هند صبري) نتيجة مقابلتها لخطّاب محتملين تحضرهم لها والدتها التي ترغب في تزويجها بأسرع صورة ممكنة.
يأتي الاختلاف في أسلوب الكوميديا المتبع في كل من المسلسلين، فبينما قدم "عايزة أتجوز" كوميديا المهزلة أو الـ(Farce)، التي تتعمد إضحاك المتفرجين بتضخيم المواقف الاعتيادية، يُصنف مسلسل "يوميات رجل عانس" ككوميديا خفيفة، فهو لا يعتمد على طرائف أو "إفيهات" واضحة، بل على السخرية بشكل عام، سواء من نمط الحياة التقليدية، أو السخرية الذاتية من عبد الله تجاه نفسه وأصدقائه، وهذا النمط من الكوميديا يستند بشكل أساسي على الحوار وبناء الشخصيات التي يصدر عنها هذا الحوار.
إعلانيبدأ الأمر برباعي الأصدقاء، أو عبد الله وعصام وفهد ونواف، فعلى الرغم من كونهم متقاربين للغاية، يقضون أغلب وقتهم سويا، سواء في العمل أو خارجه، إلا أن هناك تناقضا كبيرا بين شخصياتهم، يجعلهم خير تمثيل لأنماط مختلفة من الشباب السعودي، بين عبد الله الرجل التقليدي الذي ينتظر والدته لاختيار زوجته، وعصام المتأثر بنمط التفكير الغربي، سواء في ملابسه وهيئته أو أفكاره، وفهد الذي تزوج وطلق 4 مرات، ونواف الإمَّعة، المُعجب بطريقة تفكير فهد، لكنه لم يخض أي تجربة حقيقية، ثم ينسحب ذلك على عائلة عبد الله، وزميلته في العمل أروى، الفتاة شديدة الطموح والذكاء.
بالإضافة إلى تقديم المسلسل نماذج مختلفة من الشخصيات، والسيناريو الحساس تجاه الاختلافات ما بين هذه الشخصيات، بما يجعل لكل منهم لغته الخاصة، يعتمد المسلسل كذلك على الأداء التمثيلي الجيد من كل الممثلين سواء في الأدوار الرئيسية أو ضيفات وضيوف الشرف الذين يظهرون في كل حلقة تقريبًا.
"يوميات رجل عانس" تجربة تلفزيونية خفيفة بين زحام المسلسلات الكوميدية الصرفة والدراما المعقدة، يقدم تفاصيل الحياة اليومية لأسرة عربية، بشكل كوميدي لطيف، ويجعلنا نُلقي نظرة على الضغوط التي يتعرض لها الشباب المتأخر في الزواج على سبيل التغيير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان عبد الله
إقرأ أيضاً:
اضربه واعتذر له- كوميديا سياسية سودانية
اعتذار إلى مجرم حرب... حين تتحول الفظاعة إلى كوميديا سوداوية
في مسرحية لا يكتبها إلا خيال السخرية السودانية، تطل حركة العدل والمساواة بمشهد يُسجَّل في سجل "اللامعقول السياسي": اعتذار رسمي مُذهب ومخدوم بختم ذهبي، موجه إلى "البطل" أبو عاقلة كيكل، قائد مليشيا "درع الشمال"، الذي حوّل ولاية الجزيرة إلى ساحة لتجاربه في فنون الإبادة. وكأنهم يقولون: "عذرًا يا سيدي، بالغنا في نقد طريقة ذبحك للمدنيين... آسفين شديد!".
من تراجيديا الدم إلى كوميديا الاعتذارات: مسلسل الضحك على الجثث
الاعتذار هنا ما مجرد كلام ساكت، ده شغل تزيين للفظاعة. بدل يحاكموا زول سرق أرض وحرق أولاد صغار، قاعدين يرسلوا ليه خطابات ود ومحبة. "معليش، غلطنا لما ضربنا قواتك وأنت كنت بتطرد في الأهالي من قراهم!"... كأنو الحرب بين عصابتين اتخانقوا على نصيب العشاء، والجثث مجرد خلفية ديكورية للاجتماع!
مدرسة السودان في "أخلاقيات الحرب": اعتذر ثم اقتل، وكرر!
ساسة الحرب السودانيين برعوا في قلب المفاهيم: الدم بقى بطولة، والاعتذار للمجرمين بقى قمة التحضر. أما المساكين الماتوا؟ مجرد كومبارس. متين نسمع واحد يعتذر للغيوم لأن الدخان سوّد ليها وشها؟
الاعتذار لعبة أولاد المصارين البيض- منو القال المجرم بستنى غُفران؟
المفارقة المرة، أنو كيكل ما كان منتظر اعتذار من زول، المجرم البقتل بدم بارد ما فاضي لـ "آسفين". لكن جماعتنا جو من فوق راس الشعب، بيكتبوا اعتذارات ويدوروا في الشوارع وهم بيقنعوا العالم أنهم ناس حضاريين "بنعتذر حتى للزول القاتل"!
الضحك الأصفر- الاعتذار إهانة فوق الإهانة
كل كلمة في البيان كانت كف فوق كف للضحايا: أول مرة لما سحقوهم تحت جنازير المليشيات، وتاني مرة لما جوا يطلبوا منهم يبلعوا الاعتذار المسموم. لكن الشعب، البعرف يحول الوجع لصمود، ساكتب مذكراته بطريقتو: "سجل كل حاجة... الحساب جاي مهما طول الطريق".
نبوءة السخرية الأخيرة- لا واتساب ولا حبر ذهبي بينفع!
اليوم السخفاء عاملين زحمة وضحك، لكن بكرة يفاجئهم الزمن: كل اعتذار مكوج، حفرة جديدة تحت رجليهم. الشعب الراقص فوق قبور الطغاة زمان، عارف أنو اللعبة حتنتهي بأول محكمة شعبية... وما بينفعهم ختم ذهبي ولا ورق مزين.
مافي اعتذار بينقذهم. الشمس، الحاجبة دخان الحرائق، حتنكشف. وحيجي زمن تُدفن فيه الأكاذيب مع أصحابها... والشعب السوداني حيضحك آخِر حاجة، لكن حيضحك فوق قبور المجرمين.
zuhair.osman@aol.com