وقفات شعبية في ريف درعا دعماً للدولة والمطالبة بمحاسبة المجرمين
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
درعا-سانا
نظم أهالي بلدات جباب ومليحة العطش وجاسم في ريف درعا اليوم وقفات شعبية دعماً للحملة الأمنية ضد فلول النظام البائد في الساحل، والمطالبة بمحاسبة المجرمين.
وأصدر أهالي جاسم بياناً تلاه أحد أبنائها أكدوا فيه تأييدهم لعمليات قوات وزارة الدفاع والأمن العام في تطهير سوريا من فلول النظام البائد، معلنين عن الجاهزية الكاملة للمساهمة في دعم جهود الدولة؛ لبسط الأمن والأمان في كل بقعة من أرض الوطن.
وحمل أهالي بلدتي جباب ومليحة العطش الأعلام الوطنية واللافتات المعبرة عن دعم الدولة، مرددين هتافات وأهازيج حورانية تؤيد الحملة الأمنية ضد فلول النظام البائد.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
وقفات مع ذكريات ومذكرات الامين أبو منقة 2 / 2
في معرض حديثه في بداية الفصل الاول من كتابه، عن الخلفية الاجتماعية والثقافية للأسرة التي ولد فيها، يخبرنا المؤلف بعدم وجود علاقة قرابة رحمية مباشرة بين والده ووالدته، رغم ان أسلافهما كانوا ينتمون لعرقية واحدة هي عرقية الفولاني، ولفضاء جغرافي واحد، هو فضاء دولة الخلافة الصكتية التي كانت قائمة في شمال نيجيريا، طوال القرن التاسع عشر الميلادي تقريبا.
ولعل مما قد يتبادر إلى الذهن هاهنا، ملاحظة ذات طابع انثربولوجي وثقافي، مفادها بصفة عامة، ان الزواج بين الاقارب داخل العشيرة الواحدة، او في اطار الاسرة الممتدة، خصوصاً فيما يلي المجتمعات السودانية، يوشك ان يكون عادة او ثقافة تميز العرب والمستعربين دون سواهم من القبائل والإثنيات الاخرى. ذلك بان الزيجة المثالية بحسب مقتضيات ثقافة اولئك العرب والمستعربين، هي زواج الفتى من بنت عمه والعكس صحيح. وقد غنى المطرب الكبير الراحل الاستاذ صلاح بن البادية في اغنية " السيرة " الشهيرة " الليلة سار يا عشايا "، تأكيداً لهذا المعنى فقال:
الليلة سار لى بتّ عمو
البندورا ليه !!
ولعمري ان بيت القصيد الثقافي والأنثربولوجي في هذا السياق هو قوله: " البندورا ليه " هذه، فإنها تستبطن وتجسد جماع فلسفة المجتمع وثقافته، ورؤيته الكونية لمؤسسة الزواج بصفة عامة. فهو ليس شأنا خاصاً فحسب، وانما هو فعل كأنما يمارسه المجتمع ككل.
وفي المقابل، يندر ان لم ينعدم تماما، وجود زواج الاقارب في سائر المجموعات الافريقية، ربما حتى تلك العريقة منها في الاسلام كالفولاني. وفي هذا السياق يقال ان افراد بعض القبايل غير العربية والمستعربة، في جنوب السودان وجبال النوبة مثلاً، ربما تندروا وسخروا من العرب، وعيروهم سرا بانهم يتزوجون أخواتهم، اي بنات أعمامهم وبنات أخوالهم، وهو ضرب من ضروب التنميط بلا ريب .
ويبدو ان النفور من زواج الاقارب هذا، ليس عادة " إفريقية " فحسب، وانما ربما توجد عليها شواهد حتى في المجتمعات الغربية، وهي ثقافات تأثر بها حتى ابناء وبنات الاجيال الجديدة من السودانيين المقيمين لفترات متطاولة في الغرب عموما. فهولاء قد ولدوا وترعرعوا وشبوا عن الطوق في الغرب، واشربوا ثقافته إلى حد كبير، وورثوا منه حالته الذهنية والشعورية، بما في ذلك الاشمئزاز والنفور من زواج الاقارب داخل الاسرة الممتدة، مما يجعل كثيرا من أولياء امورهم الذين لم يتغيروا كثيراً غالباً، يضيقون بهم ذرعا، ويقفون حيارى امام رفض واستبشاع أبنائهم وبناتهم، لمجرد فكرة ان يعرض على احدهم ان يرتبط في نطاق العمومة او الخؤولة مثلا.
يوقفنا المؤلف على مفهوم وممارسة ثقافية وسلوكية مميزة ومثيرة للانتباه، ترتبط باثنية الفولاني بالتحديد فيما يبدو، هي ما يسمى بمفهوم " بولاكو " Pulaaku , وهي مجموعة من القواعد والأعراف السلوكية والاجتماعية، والمفاهيم الاعتقادية التي تمخضت عنها ثقافة الفولاني منذ ان وجدوا، والتي من اهم مرتكزاتها الحياء من أشياء محددة بحسب مفهومهم بالطبع.
ولقد استوقفني بشدة في تلك الثقافة، انه لا ينبغي للوالدين ان يظهرا اي نوع من الاهتمام او العاطفة الظاهرة على مولودهما البكر، بل ان عليهما بموجب تلك الثقافة ان يبديا بالأحرى، نوعا من الإهمال وعدم الاكتراث له، بما في ذلك امر تربيته وتنشئته الاولى، وهو الامر الذي وقع ضحيته الكاتب نفسه،، الذي صادف انه كان المولود الاول بالنسبة لوالديه، ولذلك كان نصيبه ان نشأ وتربى في بيت عمه كما قال.
ويزيدنا الكاتب انه في سياق تلك المعتقدات والمفاهيم التقليدية المتوارثة، فان الام لا تنطق اسم ولدها البكر، ولا تناديه به مطلقا. وهنا لعلنا نلاحظ نوعا من التشابه إلى حد ما، مع بعض العادات والتقاليد القديمة في وسط وشمال السودان، والتي بدات تنحسر وتزول منذ عقود، مثل عدم ذكر المرأة اسم زوجها صراحة، والكناية عنه بمسميات اخرى مثل أبونا، او ابو وليداتي، او ابو فلان، او الاشارة اليه بمهنته مثل؛ الحكيم، الناظر، الأسطى الخ. ويدخل في ذلك انه الى عهد دراستنا بالمرحلة الابتدائية بارياف كردفان في اواخر الستينيات واوائل السبعينيات من القرن الماضي، ان الاولاد كانوا يستعرون من ذكر اسماء امهاتهم وأخواتهم امام رفاقهم، ويرون ذلك عيبا كبيرا. وبلغنا ان ثقافة البجة بشرق السودان اكثر تشددا حيال هذا الأمر من سائر ارجاء السودان الاخرى.
ومن التقاليد والممارسات السلوكية التقليدية التي كانت سائدة في معظم انحاء السودان في السابق، ان الحماة، اي ام الزوجة، تمارس أقصى درجات الحشمة امام زوج ابنتها، حتى أنها لا تاكل معه في مائدة واحدة الخ.
استوقفني ايضا استخدام المؤلف لمصطلح " الحُرّارة "، وهي البهيمة التي تذبح فور وضع المرأة الحامل لمولودها، حمدا لله على سلامتها. ولحم هذه الحرارة بمقتضى الثقافة السودانية ، قاصر أكله على النساء فقط ، ولا ينبغي على الذكور ان يقربوه حتى الأطفال منهم. والحرارة هي غير العقيقة او " السماية " التي تذبح لتسمية المولود بعد مرور اسبوع من ولادته. وهذه يطعم منها الجميع ذكورا وإناثا.
والشاهد هو ان مصطلح " الحُرّارة " بحاء مضمومة تليها راء مشددة مفتوحة، ويقال الحُلاّلة ايضا باللام بنفس المعنى، هو مصطلح من بحبوحة الثقافة السودانية العتيدة، وقد ورد في مقطع من ملحمة" اولاد فتر " الفرسان المشهورين في التركية.
فقد وصفوا بانهم
اولاد فتر الشطارة
الما بياكلوا الحُرّارة
الا مِرّاً في الحلوق يتجارى .. الخ
وعليه أرجح ان تكون مجموعة الفولاني المعنية، المهاجرة إلى السودان في مطلع القرن العشرين فقط ، قد تبنت هذا اللفظ والمفهوم معاً، من قبيل التأثر الثقافي بالبيئة الجديدة، وذاك شئ طبيعي.
وكما تأثر فولانيو مايرنو بعادة ذبح الحرارة بعد " خلاص " المرأة الحامل، بسبب احتكاكهم باهل المنطقة الأصليين كما نفترض، فان بوسعنا ان نفترض ايضا انهم قد تأثروا بهم كذلك في اطلاق صيحات الروراي بواسطة الرجال، والزغاريد بواسطة النساء عند رؤية السلطان قادماً في وسط حاشيته لباحة صلاة العيد في خمسينيات القرن الماضي كما ذكر البروف ابو منقة في مذكراته، ذلك بان كلا الروراي والزغاريد ليستا من ثقافة الفولاني في بلدهم الأصلي فيما نظن.
وفي صفحة 19 من الكتاب، يوقفنا المؤلف على فصل باذخ الثراء من المباحث الفولكلورية واللغوية المقارنة، ابتدرها بتقريره الصائب ان معظم ألعاب الأطفال في افريقيا، هي ألعاب عابرة للشعوب كما وصفها. وقد مثل لتلك الألعاب العابرة للشعوب بلعبة " شدّت " السودانية، التي قال انها هي نفسها تمارس بين أطفال الفولاني والهوسا تحت مسمى " لنقا " linga .
والحق هو ان كثيرا من ألعاب الأطفال البسيطة خاصة، هي من المشترك فعلاً بين الأطفال في كافة انحاء العالم. ولعل من اشهر تلك الألعاب، هي لعبة " الاختباء او التخفي والعثور "، التي تعرف في انحاء السودان بمسميات مختلفة منها " الدسوسية " و " غمّيتو " وكذلك " غمدت لبدت " ، وهي لعمري نفسها Hide and seek الأنجلوساكسونية ، وCache cache الفرانكفونية.
ومما يحمد للمؤلف في هذا السياق، اعترافه صراحة في صفحة 20 ، في معرض إشارته إلى ديناميات التفاعل الثقافي في منطقة مايرنو بقوله: " ومن الألعاب التي جاءتنا من المجتمعات المحلية في السودان لعبة شليل".
وبهذه المناسبة، لقد طال ما كان لدي احساس بان لعبة القرقور، ذلك النوع من القواقع المخروطية الشكل، ربما وردت إلى السودان من غرب أفريقيا ومن بلاد هوسا بالتحديد. ذلك بان بعض مصطلحات هذه اللعبة تنم بالفعل عن لغة الهوسا، وليس اجدر من بروفيسور الامين ان يفتينا في هذا الامر. فمن بين تلك المصطلحات ذات الصلة بلعبة القرقور، والتي كنا نرددها دون ان نتساءل عن تخريجها اللغوي قولهم مثلاً " سورو جاري " و كذلك " قرني كبنكا ". والغريبة ان القرقور نفسه يسمى " سورو " في عربية تشاد المجاورة.
وختاماً، استوقفني مليّاً ما أورده المولف عن ذكرياته في الفصل الثاني من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان: " مدرسة مايرنو الصغرى: بداية الطريق "، ذلك بانه قد اثار في نفسي شجوناً شخصية، وانطباعات عامة حول واقع السودان التعليمي الذي كان سائداً قبل مقدم سبعينيات القرن العشرين. أما الشجون الشخصية، فلكوني أنا نفسي قد بدات مسيرتي التعليمية بمدرسة صغرى كان يديرها والدي عليه رحمة الله. والمدارس الصغرى هي كما ذكر المؤلف، مدارس تتالف من ثلاثة فصول فقط ، اول وثاني وثالث من بداية سن الدراسة للأطفال. وتسمى تلك المدارس بالمدارس المجلسية بمعنى ان تمويلها والإشراف عليها اداريا وفنيا وماليا، يتم عن طريق المجالس الريفية، وليس مركزيا من قبل وزارة التربية والتعليم، مثلها مثل المدرسة الاولية ذات الفصول الأربعة في السابق. وقد كان لزاما على تلاميذ الفصل الثالث من عدة مدارس مجلسية او صغرى، ان يجلسوا لامتحان لكي يصفى منهم نحو أربعين تلميذا لكي يقبلوا بمدرسة اولية ما ،،تسمى ذات الراسين على نحو ما أوضحه الكاتب، توطئة للجلوس للامتحان المؤهل للدخول للمدرسة الوسطى. وفي اثناء ذلك المشوار المضنى، يفقد عشرات الالاف من التلاميذ المساكين النجباء، حظهم في الترقي في مدارج التعليم، بسبب ضيق الفرص أمامهم لعشرات السنين، وهكذا ظل السودان يهدر موارد بشرية معتبرة، كان من شأنها ان تساهم في تنميته وتطوره بكل تاكيد. او كما قال الشاعر التيجاني يوسف بشير
يا بلادي وأنتِ أضيقُ من رزقي مجالاً ودون أخرات أذني
ولعل مما يحمد لسلطة مايو 1969 -1985م ، انها قد عمدت في قرار ثوري محمود وبعيد الاثر الايجابي حقا، إلى الغاء المدارس المجلسية، وإدماجها مع المدراس الاولية في سلك موحد، تحت مسمى واحد جديد هو " المدارس الابتدائية "!ذات الست سنوات، وذلك منذ العام 1970م.
ولكن ماذا يفعل بنظار ومدرسي تلك المدارس المجلسية، وهم يعدون بالآلاف على نطاق السودان كله ، خصوصا وان تعليمهم وتأهيلهم نفسه كان محدوداً ، اذ لم يتجاوز معظمهم المرحلة الاولية، بل كان اقل من مستويات تلاميذهم المفترضين في الصفين الخامس والسادس مثلا. ؟؟.
لحل ذلك الإشكال - وكان ما يزال هنالك إداريون وعلماء وتربويون أفذاذ -.عمد المسؤولون فرتبوا لدورات تدريبية طويلة الأمد، لنظار ومدرسي المدارس المجلسية، عقدت بمعاهد التربية التي كانت في البلاد انئذ، مثل بخت الرضا وشندي والفاشر والدلنج وكسلًا ومروي ومريدي وغيرها، وأخضعوهم لعملية تأهيل ورفع قدرات مكثفة، أعقبتها امتحانات تقويمية، فمن اجتازوا تلك الامتحانات مثل الوالد بفضل الله، فقد تم الإبقاء عليهم واستيعابهم في مواضعهم بالمدارس الابتدائية المستحدثة، اما الذين لم يحالفهم التوفيق من أعمامنا، فلم يتم الاستغناء عنهم هكذا مرة واحدة ، فقد كان الناس وحكومتهم ايضا، ما يزالون ذوي فضل ولين جانب، ورفق وحس إنساني شفيف، ولذلك فقد جرى استيعابهم جميعا في وظايف محلية ككتبة في المجالس، ومكاتب التعليم، وأسواق المحاصيل وغير ذلك من المصالح الحكومية، خصوصا وانهم كانوا كبارا في السن، ولهم اسر يعولونها.
ولعل مما يمكن استخلاصه من الكيفية التي عالجت بها سلطة مايو مسالة تصفية المدارس المجلسية ، سوى إتاحتها الفرصة امام عشرات الالاف من التلاميذ السودانيين ولو نظريا، للارتقاء نحو المدارج المتقدمة من التعليم، وكذلك مراعاتها لاوضاع من تضرروا من ذلك القرار ، هو ان اية تدابير تنموية اصلاحية او ادارية، لا تستصحب الأبعاد الانسانية والأخلاقية، لا خير فيها ولا بركة على الاطلاق.
ومهما يكن من امر في الختام، فان البروفيسور الامين ابو منقة قد وضع بين أيدينا سفرا باذخ الثراء والدسامة، ويقيني ان كل قارئ سوف يجد فيه ضالته، من حيث اهتمامته، ومستواه التعليمي والثقافي والفكري، فهنيئا له وللقراء الكرام بهذا السفر، وله منا عاطر الثناء والتقدير.