تابعت أخبار القمة الطارئة، وعددت القنوات لأنجو من إعلام السيسي؛ حضرت أمامي صورتان، الأولى من درسي في علم الاجتماع السياسي وتتألف من صورتي المستشار الألماني بسمارك والإمبراطور الفرنسي نابليون اللذين ألف منهما عالم الاجتماع ماكس فيبر نموذجه التحليلي في الشخصية الكاريزمية ذات القدرة القيادية الفائقة، والتي يرتقي دورها إلى دور فاعل اجتماعي مطلق التأثير.
قمة للتخلص من وجع رأس
غزة تزعج السيسي وعسكره، إنها صوت نشاز في سيمفونية السلام الداخلي الذي أخرس من حوله كل صوت وظل يسمع صوته منتشيا. هذه حقيقة مكشوفة ولكننا نتجاهلها لخلق أمل في قوة مصر وثقلها في المنطقة. أعادت القمة تذكيرنا بأن مصر تعمل فقط على إغلاق الباب التي تأتي منها ريح غزة لتستريح.
مشروع التهجير نزل على السيسي نزول كورونا، حرب الطوفان لم تنته في غزة وسيخرج عليه منها ريح مزعجة لذلك سعى في الحل قبل أن يجلس على الكرسي مقابل المدفئة الحجرية في البيت الأبيض، فوصل إلى حل ساندويتش، جمع من يمكن أن يطاوعه في الإمضاء على بيان ينقذه من ذلك المجلس فيقول هذا حل عربي وليس مصريا فقط لمعالجة الإشكال الغزاوي.
كانت هناك قبل زمن قصير نصف قمة في الرياض وقريبا ستكون هناك قمة كاملة في العراق، والموضوع الغزاوي/ الفلسطيني كان في الأولى وسيكون في الثانية فوق الطاولة بالقوة، فلماذا كانت قمة القاهرة الاستعجالية؟ إنها قمة إنقاذ السيسي لنفسه من الجلسة قرب المدفأة، حيث لن يجد ربع شجاعة زيلنسكي ليقول لا. سيكون بيده أو بيد من ينوبه ورقة ممضاة من العرب (نظريا كل العرب) ولا تعطي الفلسطيني حقه ولكنها تحفظ أمن إسرائيل.
شمال أفريقيا ليس عربيا
كانت تصلنا من أحاديث العوام في الشرق العربي أن سكان شمال أفريقيا أمازيغ وليسوا عربا، ولكن الرسميين ظلوا يرسمون خريطة الوطن العربي وفيها جناح شمال أفريقي. في قمة السيسي رسمت خريطة عربية دون الجناح الغربي، لقد غابت الدول الخمس. كان حضورها سيربك الحل الساندويتش فلها رأي ولها وزن، وهناك مؤشرات على أن مهج شعوبها أقرب إلى غزة من كل المهج، وقد حال السيسي بينها وبين غزة.
شمال أفريقيا العربي ومهما تخفّى وراء المجاملة الدبلوماسية لا يسير على خطى السيسي. لقد حشر السيسي نفسه في الوضع الليبي فساند المنشق حفتر (سنكتشف في زمن لاحق مشاركته في سرقة نفط ليبيا). تقسيم ليبيا خلق وضعا غير آمن على حدود الجزائر وتونس فضلا عن إضعاف ليبيا وتدمير اقتصادها. توجد تفاصيل وراء موقف كل دولة، ولكن الجزائر الحالية تحاول القيام بدور الأخ الأكبر في المنطقة، ومن هذا الدور عدم الانجرار وراء تكتيكات السيسي لإنقاذ نظامه على حساب الفلسطيني خاصة.
هناك تراث تعاطف ومساندة في بلدان شمال أفريقيا للنضال الفلسطيني، فهذه البلدان لم تكن لها فصائل تأتمر بأمرها في منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تستعمل الفلسطيني في معاركها الخاصة والداخلية أو البينية. لذلك نعتقد أن غياب هذه الدول عن قمة الحل الساندويتش يكشف اختلافا عميقا حول الحل الفعلي، ونظن يقينا أن هذا الخلاف مع نظام السيسي سيتسع عندما يشرع السيسي في الضغط على المقاومة لتفريغ غزة من سلاحها، وهو بند متستر في قرار القمة. إن مجرد وضع سلاح المقاومة في سياق التفكير (التخطيط) هو خطوة انتظرها العدو ليوسعها بالتفاوض والضغط. وهذه ترجمة جملة الانشغال بأمن إسرائيل.
النظام السعودي لا يقف وراء السيسي
غاب السعودي عن القمة واكتفى بوزير الخارجية، وهذا التمثيل الضعيف كاشف لموقف سيترجم بأن ما صدر عن القمة غير ملزم للنظام السعودي. وبالتالي فإن المساهمة السعودية في جهود إعادة الإعمار لن تمر بمصر، حتى وإن كانت الجغرافيا ستحكم عليها بالعبور من فوق أرض مصرية. الأمير السعودي يشعر بوزنه الخاص في المنطقة ولا يصطف إلا حيث يزيد وزنه السياسي، وإذا كانت هناك معاملة مع ترامب فلن يجني ثمرتها السيسي لحسابه (فيقدم نفسه على أنه الرجل الذي جر العرب من أعناقهم لحل نهائي).
حساب النظام السعودي اختلف مع حساب النظام المصري بما قلص أثر قرارات قمة القاهرة. لا نراهما ينشغلان فعليا بحال الفلسطيني وإنما يتاجر كلاهما بالفلسطيني في سوق المواقف والحسابات، ولكن كليهما يصطاد في سلته. وهذا اختلاف كاشف لهوان السيسي في المنطقة وفقدانه الوزن في الحلول المرجوة منه.
إنه بعيد جدا عن وزن مبارك الذي جر العرب من أعناقهم للوقوف مع الأمريكي ضد العراق، ولا نقارنه بالشهيد محمد مرسي الذي قالها عالية: لن نترك غزة وحدها. لقد نظم قمة عجولة ليثبت قدميه في المنطقة فكشف رخاوة الأرض تحت قدميه، ولا نظنه من الذكاء بحيث يعاود حساباته تجاه غزة وتجاه نتائج الطوفان، وقد كانت غزة اقترحت عليه أن يصير زعيما مثل بسمارك فرفض واكتفى بجامع فتات الخضر والغلال في السوق ليحصل قوت يوم أو بعض يوم.
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
أين أنت من الكاريزما (نعتذر لبسمارك)؟ كانت جملة أحمد الشرع عن جناحي الأمة (الطائر الواحد) ستوفر لك مخرجا عظيما وشجاعا لو التقطها ووسعتها (حتى من قبيل ابتزاز العدو)، ولكن وهو يحدثك عن الجناحين أظهرت انشغالك بأمن إسرائيل!
رغم ذلك نشكرك على توضيح موقفك. أوشك إعلامك أن يخدعنا بصور استعدادات جيشك لرد العدوان (ونحن من قوم نحب أن نخدع أنفسنا بقوة الزعماء). نحن نستعد لرؤيتك أمام المدفأة لا لتشكر على الموقف الذي اتخذت بنزع سلاح المقاومة، لا بل لنرى وجهك عندما يطلب منك تسخير قوة عسكرية من عسكرك لحماية إسرائيل فعليا لا بالقول وبالبيانات.
لقد استبقت بتقديم تنازلات لقوم يعرفون تقنيات الابتزاز وسيبتزونك حتى تضع عسكرك صفا لحمايتهم من المقاتل الغزاوي. لا داعي هنا لتذكر قول المتنبي (عمن يهن فيسهل الهوان عليه)، بل اكتف بقول الحطيئة. محمد مرسي يهزمك من قبره، كان ذاهبا لمقعد بسمارك فسلطوك عليه فلم تملأ كرسيه أبدا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القمة السيسي غزة مصر التهجير مصر السيسي غزة قمة تهجير مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شمال أفریقیا فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
بذكرى تحرير سيناء.. السيسي يطالب ترامب بتحقيق السلام في المنطقة (شاهد)
وجه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الجمعة، دعوة إلى نظيره الأمريكي دونالد ترامب للاضطلاع بدور فاعل في تحقيق "السلام العادل" في منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً في الوقت ذاته على ضرورة إعادة إعمار قطاع غزة دون المساس بحقوق الفلسطينيين أو تهجيرهم من أرضهم.
وتناول السيسي في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء، أبرز قضايا الأمن القومي، وعلى رأسها سيناء وتطورات القضية الفلسطينية.
وأكد أن سيناء ستظل رمزاً للصمود والتضحية، مشدداً على أن الحفاظ على كل شبر من التراب الوطني هو أمر لا يقبل التفريط، مشيداً بدور القوات المسلحة والشرطة في معارك التحرير وفي التصدي للإرهاب.
كما أعاد تسليط الضوء على إنجاز استعادة طابا عبر التحكيم الدولي، باعتباره انتصاراً للدبلوماسية المصرية.
وفي معرض حديثه عن الأوضاع الإقليمية، وصف السيسي ما تشهده غزة بأنه "مأساة إنسانية مشينة"، مؤكداً رفض مصر القاطع لأي مخطط للتهجير القسري للفلسطينيين، ومطالباً بوقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين، والسماح العاجل بدخول المساعدات الإنسانية.
وأكد السيسي أن مصر "ستظل سداً منيعاً أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية"، مشدداً على ضرورة تنفيذ خطة إعادة الإعمار وفقاً للرؤية العربية الإسلامية، ورفض أي حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني.
كما أشار إلى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، واصفاً إياها بالنموذج لما يمكن أن تحققه الوساطة الأمريكية حين تتوفر الإرادة السياسية، داعياً إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، تقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية، مؤكداً أن "السلام العادل هو الخيار الذي ينبغي أن يسعى إليه الجميع".
وعلى الصعيد الداخلي، شدّد السيسي على أن التنمية الوطنية "واجب مقدس لا يقل أهمية عن تحرير الأرض"، متحدثاً عن المشاريع التنموية الجارية في مختلف أنحاء البلاد، باعتبارها جزءاً من مسيرة بناء "مصر الحديثة".
واختتم كلمته بتجديد العهد على وحدة الشعب وصمود الجيش، مترحماً على أرواح شهداء الوطن الذين قدّموا دماءهم فداءً لأمن واستقرار مصر.
يُشار إلى أن القمة العربية الطارئة بشأن فلسطين، التي عُقدت في 4 آذار/ مارس الماضي، كانت قد تبنت خطة مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه، تمتد على مدى خمس سنوات وتقدّر تكلفتها بنحو 53 مليار دولار.
إلا أن هذه الخطة قوبلت برفض من الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، اللتين تمسكتا بمخطط يُنسب إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويقضي بتهجير سكان غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضته القاهرة وعمان، وانضمت إليهما دول عربية ومنظمات إقليمية ودولية.
ويأتي هذا في وقت يتواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة، بدعم أمريكي مطلق، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وقد أسفرت حتى الآن عن أكثر من 168 ألف بين شهيد وجريح من الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 11 ألف مفقود، وسط اتهامات متصاعدة لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.