أنقرة – تعيد تركيا طرح نفسها كوسيط رئيسي بين روسيا وأوكرانيا، مجددة عرضها للعب دور حاسم في إنهاء واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا في العصر الحديث، مستندة إلى دبلوماسيتها المتوازنة وعلاقاتها مع طرفي النزاع، في محاولة لتعزيز دورها كلاعب رئيسي في إنهاء الحرب.

ورغم تجربتها السابقة في الوساطة، والتي أسهمت في إبرام اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود عام 2022، تأتي تحركاتها وسط مشهد دولي معقد، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية، مما يطرح تساؤلات حول فرص نجاحها ومدى تجاوب الأطراف المعنية مع مبادرتها.

تحركات دبلوماسية

في فبراير/شباط الماضي شهدت أنقرة لقاء دبلوماسيا مهما بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي هاكان فيدان، ناقشا فيه تطورات الحرب الروسية الأوكرانية والمبادرة الأميركية الرامية إلى إنهاء الصراع.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أكد فيدان استعداد بلاده لاستضافة محادثات سلام تجمع موسكو وكييف. وتطرق لافروف إلى محادثات إسطنبول السابقة بين روسيا وأوكرانيا، قائلا إن الجانبين كانا قريبين من التوصل إلى اتفاق، لكنه اتهم قوى غربية بإفشال المفاوضات.

واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوزير الروسي في القصر الرئاسي بالعاصمة، في خطوة جاءت بعد أيام من لقاء مماثل جمعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وتزامنت زيارته مع انعقاد محادثات أميركية روسية بالرياض.

إعلان

كما رحبت أنقرة بالمبادرة الأميركية لإنهاء الحرب، غير أن هذه المبادرة تعثرت لاحقا بعد مواجهة كلامية حادة بين الرئيسين الأوكراني والأميركي خلال لقائهما في واشنطن، وذلك ما ألقى بظلال من الشك على فرص تحقيق اختراق دبلوماسي قريب.

والتقى الوزير التركي فيدان، الأحد، زعماء أوروبيين في لندن، حيث ناقش تطورات الحرب الروسية الأوكرانية والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في جهود السلام.

وكانت وكالة "رويترز" نقلت، السبت، عن مصدر تركي مطلع أن فيدان سيكرر خلال الاجتماع عرض بلاده استضافة محادثات سلام بين موسكو وكييف.

تحديات الوساطة

رغم تحركات أنقرة المتواصلة لتعزيز دورها كوسيط بين موسكو وكييف، فإن نجاح هذه الجهود لا يزال مرهونا بعوامل معقدة تتجاوز قدرتها على المناورة الدبلوماسية.

ويرى الباحث السياسي التركي مصطفى يتيم أن تبنّي إدارة دونالد ترامب نهجا متقاربا مع روسيا، وطرحه سيناريوهات قد تصل إلى احتلال أوكرانيا بالكامل، أثر بشكل كبير على الصراع، وأضعف الموقف الأوكراني في ظل انقسامات أوروبية تحول دون تدخل قوي. ويضيف أن نجاح الوساطة التركية سيعتمد إلى حد كبير على التفاهمات بين موسكو وواشنطن ومدى تجاوب كييف معها.

ويشير يتيم في حديث للجزيرة نت إلى أن تركيا، رغم محدودية تأثيرها على روسيا والولايات المتحدة، تعد أحد أبرز المدافعين عن الحقوق الأوكرانية في المفاوضات، وهو ما قد يكون له انعكاسات على الأرض. لكنه يرى أن التحدي الأبرز أمام أنقرة هو تنسيق جهودها مع أوروبا لإقناع واشنطن بالعمل نحو تسوية أكثر عدلا واستقرارا.

أما العقبة الأكبر أمام تركيا، وفقا له، فهي إصرار روسيا على فرض سيطرتها بالقوة على أوكرانيا، مما يضع أنقرة أمام معضلة تتعلق بأمن البحر الأسود، والتوسع الروسي المحتمل في أوروبا، ومستقبل الناتو.

إعلان

موقف الأطراف

رغم التحديات التي تواجه الوساطة التركية، فإن تجاوزها لا يعني بالضرورة نجاح أنقرة في لعب دور حاسم، إذ يبقى العامل الأهم هو مدى استعداد الأطراف المتنازعة للتجاوب مع هذه الوساطة، لا سيما مع دخول الولايات المتحدة على خط الجهود الدبلوماسية.

وفي السياق، ترى الباحثة في السياسة الخارجية زينب أوزبينار أن روسيا قد تكون أكثر انفتاحا على الوساطة التركية مقارنة بالمبادرات الغربية. لكنها تؤكد أن قبول موسكو بأي وساطة تركية سيظل مشروطا بمدى تماهي أنقرة مع المصالح الروسية، لا سيما في ما يتعلق بالاعتراف بسيطرة موسكو على بعض المناطق الأوكرانية.

وتضيف أوزبينار، في حديث للجزيرة نت، أن أوكرانيا ترحب بأي جهود دبلوماسية من دول لا تصطف مع روسيا، مما يجعل تركيا خيارا مقبولا، خاصة أنها قدمت دعما عسكريا لكييف وأكدت مرارا التزامها بوحدة الأراضي الأوكرانية. لكنها تشير إلى وجود مخاوف أوكرانية من أن تعتمد أنقرة نهجا متوازنا أكثر مما ترغب فيه كييف التي تصرّ على ضرورة الانسحاب الروسي بالكامل.

وتوضح الباحثة أن تركيا اليوم تسعى إلى تعزيز دورها الدبلوماسي بشكل أكبر مقارنة بوساطتها في اتفاق الحبوب، مستفيدة من تراجع الدور الأوروبي والتغيرات في الموقف الأميركي تجاه الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان

إقرأ أيضاً:

تجاهل مصري لـ«مزاعم» حول تدخل القاهرة في «حرب السودان» .. شقيق «حميدتي» تحدّث مجدداً عن غارات جوية ضد «الدعم السريع»

القاهرة: الشرق الأوسط: تجاهلت مصر «مزاعم جديدة» ردّدها نائب قائد «قوات الدعم السريع»، عبد الرحيم دقلو (شقيق محمد حمدان دقلو «حميدتي»)، ادّعى فيها أن «طائرات مصرية شنت غارات جوية خلال حرب السودان»، وقال مصدر مصري مسؤول، السبت، إن «القاهرة لن تعلّق على حديث دقلو»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «(الخارجية المصرية) سبق أن نفت مزاعم مماثلة تحدّث بها قائد (الدعم السريع) العام الماضي».

ومع اقتراب عامَيْن على الحرب الداخلية في السودان، حقّق الجيش السوداني تقدماً ميدانياً أخيراً، بإعلانه تحرير العاصمة الخرطوم كاملة من قبضة «الدعم السريع» التي كانت تسيطر عليها منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وفي تصعيد جديد من «الدعم السريع» ضد مصر، زعم شقيق «حميدتي» تدخل القاهرة في الحرب السودانية، و«شن الطيران المصري غارات جوية على سودانيين ومدنيين».

وظهر عبد الرحيم، في مقطع مصوّر، السبت، وسط أنصاره في دارفور (غرب السودان)، يتحدّث عن «لقاء جمعه بمدير المخابرات المصرية السابق، عباس كامل، في وقت سابق في أثناء توليه المسؤولية، عرض فيه رؤية للحكومة المصرية لوقف الحرب»، وزعم عبد الرحيم أنه «رفض التوقيع على الشروط التي تضمنتها تلك الرؤية»، لافتاً إلى أن «القاهرة تريد اتفاق سلام بتصور جاهز للتوقيع».

وفي القاهرة، قال المصدر المصري المسؤول إن «بلاده لن تعلّق على هذه المزاعم»، مشيراً إلى أن «مصر تؤكد دائماً ضرورة وقف الحرب في السودان، وحماية المدنيين، وتدعم جهود الإغاثة الإنسانية للمتضررين منها».

وهذه ليست المرة الأولى التي تزعم فيها «الدعم السريع» شن القاهرة غارات جوية في السودان؛ إذ ادّعى «حميدتي» خلال مقطع فيديو مسجل، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، «قصف طائرات مصرية قواته»، إلى جانب «دعم الحكومة المصرية للجيش السوداني بطائرات مسيّرة».

غير أن وزارة الخارجية المصرية نفت تلك المزاعم، داعيةً في إفادة وقتها «المجتمع الدولي، إلى الوقوف على الأدلة التي تثبت حقيقة ما ذكره قائد ميليشيا (الدعم السريع)»، ومؤكدة أن «الاتهامات تأتي في وقت تبذل فيه القاهرة جهوداً مكثفة لوقف الحرب، وحماية المدنيين».

ودعا عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، إلى «تجاهل تصريحات نائب (الدعم السريع) وعدم منحها أهمية»، وقال إن «حديث عبد الرحيم يأتي في وقت تواجه فيه (الدعم السريع) حالة ضعف بسبب خسائرها الأخيرة»، مشيراً إلى أن ترديد هذه «الادعاءات تؤكد ضعف موقف قواته في الحرب الداخلية».

ويعتقد حليمة أن «قوات (الدعم السريع) تواجه حالة ارتباك كبيرة خلال الفترة الحالية، بسبب تراجعها ميدانياً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حديث عبد الرحيم دقلو عن رفض الرؤية المصرية للسلام، يؤكّد تناقض مواقفه، ويعكس رفض (الميليشيا) لأي حلول للسلام، وتحمّلها مسؤولية الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين في السودان».

بينما يرى سفير مصر السابق لدى السودان، حسام عيسى، أن تصريحات شقيق «حميدتي» عن مصر «تأتي لتبرير هزائمه المتتالية في السودان، كونها تخرج دون أي أدلة على تلك المزاعم»، لافتاً إلى أنه «سلوك معتاد من قيادة (الدعم السريع) مع كل هزيمة لهم، كما فعل من قِبل (حميدتي) بعد هزيمته في جبل (مويه) بولاية سنار (جنوب شرقي السودان)».

وحسب عيسى فإن «قيادة (الدعم السريع) فقدت مصداقيتها لدى عناصرها وداعميها في الخارج، خصوصاً بعد حديث (حميدتي) أنه لن يترك القصر الجمهوري في الخرطوم، وبعدها بأيام، استطاع الجيش السوداني استعادته، ضمن مرافق حيوية أخرى في العاصمة».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الميليشيا تعرّضت لانتقادات دولية متعددة أخيراً، ومنها الأمم المتحدة، بشأن جرائمها بحق المدنيين، إذ إن معظم النازحين في الحرب من المناطق التي كانت تسيطر عليها».

ودفعت الحرب الداخلية في السودان نحو 13 مليون سوداني إلى الفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار، حسب تقديرات الأمم المتحدة، من بينهم مليون و200 ألف شخص اتجهوا إلى مصر، وفق تقديرات رسمية.

   

مقالات مشابهة

  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان الضربات عبر الحدود
  • الرئيس السوري يعتزم زيارة تركيا والإمارات الأسبوع المقبل
  • ضربة صاروخية على وسط العاصمة الأوكرانية كييف
  • نجل حفتر في تركيا لتوقيع اتفاقات عسكرية.. ما المصالح التي تربط الطرفين؟
  • تجاهل مصري لـ«مزاعم» حول تدخل القاهرة في «حرب السودان» .. شقيق «حميدتي» تحدّث مجدداً عن غارات جوية ضد «الدعم السريع»
  • باحث: أطراف كثيرة تعرقل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان اتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار
  • نذر مواجهة بين تركيا واسرائيل في سوريا بعد قصف قواعد ترغب بها أنقرة
  • إعلام: ماكرون مستعد لتمثيل أوروبا في مفاوضات السلام الأوكرانية مع روسيا
  • موسكو تواصل ريادتها على عواصم أوروبا وتعرض “ماتريوشكا” أول حافلة كهربائية ذاتية القيادة في روسيا