٨ مارس ودور المرأة في وقف الحرب والثورة
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
بقلم : تاج السر عثمان
1
يمر ٨ مارس اليوم العالمي للمرأة في ظروف الحرب اللعينة التي مضى عليها حوالي عامين، والتي أدت إلى دمار وخراب غير مسبوق، ومعاناة المرأة السودانية والأطفال في معسكرات النزوح وفي داخل وخارج البلاد، في ظروف انعدام أبسط مقومات الحياة من غذاء وخدمات الكهرباء والماء والانترنت، الصحية والتعليمية.
كما أوضحنا سابقا ، شأن كل الثورات العظيمة في التاريخ ( الثورة الفرنسية، الثورة الروسية.الخ) لعبت المرأة دورا كبيرا في ثورة ديسمبر باشتراكها في المظاهرات وبث الحماس وسط الثوار ، وكشف معلومات العدو للثوار، وايواء الثوار من بطش عناصر الأمن والإرهابيين ، ونالت نصيبها من الاستشهاد ( الشهيدة ست النفور.الخ) و الاصابات بالرصاص الحي، الاعتقال والتعذيب الوحشي ، والضرب بالهراوات، وجريمة الاغتصاب والتحرش بهدف كسرها وارهابها عن المشاركة في الثورة، ولكنهم فشلوا.
جاء ذلك امتدادا لارثها في الحركة الوطنية السودانية منذ الثورة المهدية وثورة 1924 و ثورة الاستقلال 1956 ، وثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس - ابريل 1985.
وبعد انقلاب 25 أكتوبر شاركت المرأة بنشاط في مقاومة الانقلاب وفي أكثر من 27 مليونية وتعرضت للاستشهاد وكل اشكال القمع، وشاركت في مواكب أمهات الشهداء ، وبثت الحماس في صفوف الثوار ، وحتى آخر وقفة " كلنا معاكم" للآباء والأمهات.
كان طبيعيا أن تلعب المرأة السودانية دورها في ثورة ديسمبر ، فقد عانت من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والسياسي والاجتماعي والاثني واضطهادها كجنس ونوع، وقاومت قهر النظام الاسلاموي الفاشي الذي تعاظم بمتوالية هندسية حتي وصل الي التعذيب الوحشي للمعتقلات السياسيات والتحرش بهن والاغتصاب.
الواقع أن المرأة السودانية واجهت ببسالة النظام الفاسد بعد انقلاب يونيو 1989م ، بمختلف الأشكال ورفضت العودة بها الي عصر الحريم وتعرضت للكثير من صنوف التنكيل والاضطهاد (الاعتقال ، التشريد، القمع، الاغتراب.الخ)،وكان دورها واضحا في المظاهرات والمواكب والاضرابات والحركة الجماهيرية الرافضة لسياسات النظام القمعية وارسال الشباب الي محرقة الحرب.
2
قاومت المرأة النظام الفاسد الذي يعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية التي افقرت شعب السودان حتي اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر، وسحبت الدعم عن التعليم والصحة ومارست سياسة الخصخصة التي شردت مئات الالاف من العاملين من وظائفهم مثل: تدمير السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية، اضافة للتفريط في وحدة السودان بانفصال الجنوب، ومصادرة الحقوق والحريات السياسية ، وفرض حالة ومحاكم الطوارئ ، وممارسة التعذيب والقمع الوحشي للمظاهرات والمواكب السلمية التي يكفلها الدستور.
مارس نظام الانقاذ ملاحقة النساء بأساليب فظة ومهينة: اما بدعاوي الحجاب وقانون النظام العام الذي كان سيفا مسلطا علي رقاب الشابات بمطاردتهن واهانتهن بهدف ارهابهن وتحجيم دورهن في النشاط العام، ومنعهن من الانخراط في الحركة الجماهيرية الهادفة الي انتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية، ورفع الغلاء وتحسين الأحوال المعيشية، وتوفير المستقبل ألافضل لفلذات اكبادهن. كما يتم حرمان النساء من العمل الشريف بمطاردتهن في الأسواق لكسب العيش الكريم.
كما عانت المراة السودانية من عقوبة الجلد ، تلك العقوبة المذلة للكرامة الانسانية والتي مارسها نظام السفاح نميري منذ قوانين سبتمبر 1983م، وتم التوسع فيها بشكل وحشي تحت نظام الانقاذ بعد أن تم تقنينها في قانون العقوبات 1991م.
كما تم القمع الوحشي للطالبات اللائي يعانين من وضع مزري في المعيشة والسكن في الجامعات والمعاهد والكليات، ويتم حرمانهن من القبول في تخصصات معينة بمحاولات تقليل الأعداد للقبول في مايسمي بكليات القمة (الهندسة ، الطب،..) بصرف النظر عن النسب المميزة التي حزن عليها. كما يتم التمييز ضد النساء في الترقي للمناصب العليا في الخدمة العامة بمختلف الدعاوي. هذا اضافة لقانون الأحوال الشخصية الذي يحرم المرأة من حق اختيار الزوج بحرية، كما يحرمها من السفر ولو لمهام رسمية الا بموافقة ولي الأمر، وهذه حقوق مكفولة حتي بالدستور الحالي مما يضعها تحت رحمة الرجل علما بأنها انسان كامل الأهلية عقليا وبدنيا.
3
كما عانت المرأة في المناطق المهمشة من آثار الحرب الجهادية الدينية التي اشعلها النظام في الجنوب وجبال النوبا والنيل الأزرق وشرق السودان ودارفور وما نتج عنها من مآسي وكوارث مثل: النزوح والجرائم ضد الانسانية مثل: حرق القري، والاغتصاب، والابادة الجماعية، ومآسي فقدان الأبناء والأزواج ( الأرامل).
اضافة للحروب أدي التدمير الكبير للقطاع الصناعي و الزراعي والبيئة بممارسة القطع العشوائي للاشجار، الي الجفاف والتصحر وهجرة الالاف من المزارعين والرعاة من الريف الي المدن، مما ادي الي اتساع فئة النساء الفقيرات صانعات الأطعمة والشاي وبيع الملابس المستعملة والأدوات المنزلية زهيدة السعر ، وتقدر هذه الفئة بنسبة 85% من الباعة في بعض أسواق اطراف العاصمة، وأن اغلبيتهن بين سن: 20- 25 سنة، وأن بناتهن الصغار حتي سن 15 سنة يساعدن ويشاركن في البيع، ويعاني هؤلاء النسوة من هاجس : الرسوم ومصادرة أدوات عملهن(الكشات).
كما تعاني النساء العاملات من سيف التشريد المسلط علي رقابهن، حيث بلغت نسبة المشردات أكثر من 55% من مجموع المشردين أغلبهن في سن العطاء (25- 35 سنة)
وفي مصانع المناطق الصناعية بالعاصمة وبقية المدن تعاني العاملات صغيرات السن من استغلال فظيع ، حيث أن عقود عملهن باجور متدنية وبلا حقوق نقابية أو تنظيم نقابي، إضافة الي ضيق فرص العمل للخريجين والشباب ( حيث يقدر عدد الخريجات العاطلات باكثر من 53% من العاطلين)، هذا اضافة لانتشار ظاهرة الطلاق وظاهرة النساء السجينات حتي نشأ جيل جديد من المواليد في السجون.
وبرغم أن المرأة تشكل نصف المجتمع (49% من السكان)، الا أنه وبعد30 عاما من حكم الانقاذ ، لاتزال الأمية بين النساء في الريف 85% وفي المدن 60%، رغم ازدياد عدد الطالبات في الجامعات. اضافة الي رفض نظام الانقاذ التوقيع علي اتفاقية سيداو التي طرحت وضع حد لكل أشكال التمييز ضد المرأة
تواصل المرأة السودانية نضالها في الثورة الحالية ضد الانقلاب العسكري علي الثورة استنادا لارث ومكاسب حققتها بعد الاستقلال، فقد شاركت المرأة في ثورة اكتوبر 1964م، وانتزعت حق الانتخاب الذي قررته أول وزارة بعد الثورة وفازت فاطمة أحمد ابراهيم كأول امراة سودانية تدخل البرلمان في دوائر الخريجين. وفي عام 1965م، تم تشكيل لجنة لمراجعة اجور ومرتبات العمال والموظفين ، ما يهمنا هنا ، أن تلك اللجنة أوصت بتطبيق مبدأ الأجر المتساوى للعمل المتساوى للرجل والمرأة علي حد سواء ( طبق في مجالات الطب والتمريض والتدريس)، ولم يطبق في جميع الوظائف الا في عام 1972م، واستمر الوضع حتي اشتراك المرأة في القوات النظامية والسلك القضائي والدبلوماسي والتوسع في التعليم العالي ارتفاع عدد الطالبات في الجامعات. ارتفعت مساهمة المرأة في النشاط السياسي والثقافي والفني والصحفي ( اصبحت رئيسة تحرير) والمسرحي والرياضي. قاومت المرأة الأنظمة الديكتاتورية (عبود، نميري، الانقاذ)، وتعرضت للقمع والاعتقال والتعذيب والفصل التعسفي من العمل، والهجرة للخارج.
كما شهدت تلك الفترة اهتماما عالميا بقضية المرأة ( المواثيق الدولية) مثل: الأجر المتساوى، التمييز في التعليم، الحقوق السياسية للمرأة، سيداو1979م، مؤتمر بكين، سيداو الاختياري 1999م.
كما أشرنا سابقا ، صارعت المرأة ضد النفوذ السلفي لتجريد المرأة من مكاسبها التاريخية مثل محاولة فرض الحجاب عليها والعودة بها لعصر الحريم ،.الخ. وعانت من مشاكل الحروب والنزوح والاغتصاب ولاسيما في حرب دارفور، اضافة لمعاناتها في المهن الهامشية ( الشاى، الاطعمة..الخ) من المطاردة والقمع. كما عانت النساء من التجنيد الاجباري لابناءهن . اضافة للقهر والجلد. كما صدر قانون الأحوال الشخصية لعام 1991م لتكريس أوضاع التخلف للمرأة.
لكن رغم القهر الا أن المرأة هزمت نظام الانقاذ وشقت طريقها في مختلف الميادين. كما دفعت ظروف الحرب والفقر والتشريد بالكثير من النساء للعمل، كما كثرت حالات الطلاق للاعسار ، واتسعت ظاهرة سجن النساء والولادة داخل السجون (أطفال مواليد السجون).كما اتسعت أعداد المراكز ومنظمات المجتمع المدني التي سلطت الضوء المختلفة علي قضايا المرأة من زوايا مختلفة وتعددت أشكال تنظيمات المراة وكانت الحصيلة اهتمام واسع ومتنوع بقضية المرأة وهذا يشكل معلما بارزا في مسيرة المرأة السودانية.
4
رغم النجاحات التي حققتها المرأة السودانية في انتزاع بعض حقوقها، والدور التاريخي الرائد الذي لعبه الاتحاد النسائي السوداني في ذلك، إلا أنه ينتظرها الكثير من المعارك من أجل مساواتها الفعلية التامة مع الرجل أمام القانون، والنضال من أجل التوقيع على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والالتزام بتنفيذها، وانتزاع قانون مدني ديمقراطي للأحوال الشخصية يضمن حقوقها في القوامة والحضانة والشهادة والارث وعقد الزواج والطلاق والنفقة والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والغاء القوانين التي تحط من كرامة المرأة مثل قانون العقوبات للعام 1991م الذي يتضمن قانون النظام العام، والغاء كل القونين والممارسات التي تبيح الاعتداء علي جسدها وكرامتها، واعتبار الاغتصاب جريمة من جرائم الحرب، وتحسين اوضاع المرأة النازحة، وتجاوز مناهج التعليم التي تكرّس دونية المرأة، وتمثيل المرأة حسب كفاءتها في احتلال المواقع القيادية في الأحزاب السياسية، والنقابات، و جهاز الدولة ومواقع اتخاذ القرار، وتمثيلها في الحكومة والمؤسسات التشريعية بنسبة لاتقل عن 50%،.وأن تحرير المراة لا ينفصل عن تحرير المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والديني والاثني او النوعي
5
وأخيرا اضافة لما سبق ، مازال ينتظر المرأة جنبا الي جنب مع الرجل معركة وقف الحرب واسترداد الثورة وإسقاط الانقلاب العسكري الدموي بعد إدخال التعديلات الدستورية، ورفض حكومة الدعم السريع الموازية التي تهدد وحدة البلاد، ومن أجل نجاح الثورة وتحقيق أهدافها في:
- الحكم المدني الديمقراطي ، وتحسين الأحوال المعيشية ، ورفض رفع الدعم عن السلع الأساسية والتعليم والصحة والدواء والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي التي افقرت شعب السودان، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، والقصاص للشهداء وضحايا مجزرة فض الاعتصام، السلام الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة ، ووقف الحرب والانتهاكات ضد المرأة والاغتصاب، والسيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة.
- النضال من أجل تحقيق مساواتها الفعلية التامة مع الرجل أمام القانون.
- تحسين اوضاع المرأة النازحة بتوفير خدمات الرعاية الصحية ورعاية الأمومة والطفولة، وتأهيل ضحايا الاغتصاب، وعودة النازحين لقراهم، وإعادة الاعمار بتوفير خدمات التعليم والصحة والماء والكهرباء والخدمات البيطرية، وتحقيق السلام المستدام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة ، وجمع السلاح ، والترتيبات الأمنية لحل جميع المليشيات وجيوش الحركات وقيام جيش مهني قومي موحد، والمحاسبة علي جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في مناطق الحروب، وتسليم البشير ومن معه لمحكمة للمحكمة الجنائية. ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المرأة السودانیة نظام الانقاذ المرأة فی المرأة من من أجل
إقرأ أيضاً:
نساء حرب فيتنام في السينما.. حضور خجول في هوليود وأدوار رئيسية بالرواية المحلية
في أحد المشاهد الأولى لفيلم "سترة معدنية كاملة" (Full Metal Jacket) للمخرج ستانلي كوبريك، تظهر فتاة ليل فيتنامية تسوّق خدماتها لجنود أميركيين بعبارة "أنا أحبك منذ وقت طويل".
تُعد هذه الفتاة أول شخصية نسائية تظهر في الفيلم، لكنها تظهر للحظة عابرة فقط، وفي منتصف العمل تقريبا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ذا سينرز".. درس في تحويل فيلم رعب إلى صرخة سياسيةlist 2 of 2"أفاتار: النار والرماد".. كيف غيّر جيمس كاميرون مستقبل صناعة السينما؟end of listويتكرر ذات الغياب النسائي في فيلم فرانسيس فورد كوبولا الشهير "القيامة الآن" (Apocalypse Now) حيث لا تظهر النساء إلا بعد مرور ساعة كاملة، حين تُنزل مروحية 3 فتيات على مسرح نُصب وسط قاعدة عسكرية لتسلية الجنود، في مشهد يستمر لدقائق معدودة فقط.
ورغم أن حرب فيتنام ألهمت صناعة بعض من أكثر الأفلام السينمائية رسوخا في ذاكرة هوليود بالسبعينيات والثمانينيات، عبر أسماء مثل كوبريك وكوبولا وأوليفر ستون، فإن الشخصيات النسائية في هذه الأفلام غالبا ما كانت غائبة أو هامشية، باستثناءات نادرة مثل فيلم "العودة إلى الوطن" (Coming Home) الذي حازت بطله جين فوندا على جائزة الأوسكار.
وتركزت معظم هذه الأفلام على تجريد الرجال من إنسانيتهم بسبب الحرب، في حين اقتصرت الشخصيات النسائية على أدوار داعمة للقصص الذكورية.
وفي المقابل، قدّمت السينما الفيتنامية عن الحرب روايات من منظور النساء، حيث برزت قصص الأرامل والأمهات والشابات اللواتي تحملن عبء الحفاظ على الأسرة والمجتمع في غياب الرجال.
وفيما يلي طرق مختلفة استخدمتها أفلام حرب فيتنام الكلاسيكية في توظيف الشخصيات النسائية لسرد رواياتها:
إعلان النساء بين الوطن والجبهةفي فيلم "صائد الغزلان" (The Deer Hunter) للمخرج مايكل تشيمينو، الذي يتناول قصة 3 أصدقاء من بلدة صناعية صغيرة في بنسلفانيا يذهبون إلى الحرب ويعودون منها محطَّمين نفسيا، كان هناك حيز بسيط لشخصية نسائية هي "ليندا" التي أدت دورها ميريل ستريب.
وكانت "ليندا" خطيبة "نيك" (كريستوفر والكن) ثم دخلت لاحقا في علاقة مع صديقه "مايكل" (روبرت دي نيرو).
ورغم أن الدور كان محدودا وهشا نسبيا، فإن أداء ستريب المبهر جعل الشخصية أكثر حضورا مما خُطط له في الأصل، رغم أن الهدف الأساسي للدور كان دعم سردية الشخصيات الذكورية.
وفي المقابل، قدّم فيلم "العودة إلى الوطن" (Coming Home) للمخرج هال آشبي صورة مغايرة، إذ روى القصة من منظور أنثوي حقيقي حيث تقع "سالي هايد" (فوندا) زوجة جندي مارينز في حب محارب قديم مقعد (جون فويت) أثناء عملها التطوعي في مركز إعادة التأهيل.
ويعلق توني بوي، الذي يدرس مادة "سينما حرب فيتنام" بجامعة كولومبيا، قائلا "إنه الفيلم الهوليودي الوحيد عن حرب فيتنام الذي يُروى بالكامل من منظور شخصية نسائية".
كانت رحلة "القيامة الآن" إلى الشاشة ملحمة بحد ذاتها، ورغم عظمة العمل الفني، فإن الشخصيات النسائية فيه لم تتجاوز الكومبارس: قرويات يركضن هربا من الرصاص والقنابل، أو يُقتلن بوحشية دون مبرر واضح.
ثم تأتي مشاهد فتيات العروض الراقصة، حيث يُنزَلن على المسرح وسط هتافات وتصفيق الجنود الأمريكيين، في مشهد يجسد تداخل الجنس بالحرب.
وتفسر لان دوانغ، الأستاذة المساعدة لدراسات السينما بجامعة جنوب كاليفورنيا، هذه المشاهد بالقول "كان كوبولا يربط بين الجنس والرجولة والحرب، خاصة عبر تقديم الأميركيات البيض كجزء من أسطورة الفحولة الأميركية".
وتضيف "هذه الرجولة المتفجرة بالهرمونات تُعد أميركية بقدر ما هي فطيرة التفاح".
العدو منزوع الإنسانيةفي فيلم "فصيلة" (Platoon) لأوليڤر ستون، الحائز على جائزة الأوسكار، تظهر النساء باعتبارهن ضحايا مباشرة للعنف الأميركي.
وفي مشهد مروّع، يعتدي الجنود على قرويين فيتناميين، وفيهم نساء، وسط صراخ الجندي المثالي "كريس" (تشارلي شين) الذي يحاول التدخل قائلا "إنها إنسانة!" لكن الجنود يردون عليه بلامبالاة "أنت لا تنتمي إلى فيتنام، يا رجل".
إعلانويشير توني بوي إلى أن "النساء في هذا الفيلم يظهرن أساسا بوصفهن ضحايا صامتات للعنف الذكوري".
وفي فيلم "ضحايا حرب" (Casualties of War) للمخرج براين دي بالما، تتحول فتاة فيتنامية إلى محور القصة بعد أن يختطفها جنود أميركيون، ويغتصبونها، ثم يقتلونها.
ورغم أن الفيلم مستند إلى قصة حقيقية فإن الفتاة لا تُمنح عمقا سرديا، وتظل شخصيتها محدودة بالمأساة التي تتعرض لها.
ويقول بوي "هذه الفتاة تعاني، ثم تعاني أكثر، ثم تموت.. هذا هو كل قوسها السردي".
في فيلم "سترة معدنية كاملة" يعود كوبريك ليقدّم مشهدا مغايرا. ففي إحدى معارك الفيلم، يُصدم الجنود حين يكتشفون أن القناص الذي يوقع بهم هو فتاة صغيرة بضفيرتين.
وتصارع الفتاة الموت وهي تتوسل لهم "اقتلوني" فيستجيب الجنود لطلبها.
ورغم تقديم شخصيات نمطية لفتيات الليل بالفيلم، يرى بوي أن كوبريك عبر هذه القناصة الشجاعة قدم "لمسة إنسانية واعترافا ضمنيا بشجاعة النساء في الحرب".
بالسينما الفيتنامية: النساء في المركزبخلاف السينما الأميركية، كان للنساء دور محوري في أكثر من نصف الأفلام الفيتنامية عن حرب فيتنام.
من أبرز الأمثلة:
"الطفلة الصغيرة من هانوي" (The Little Girl of Hanoi) – 1974: للمخرج هاي نينه، الذي يحكي قصة فتاة تبحث عن أسرتها وسط دمار الحرب. "عندما يأتي الشهر العاشر" (When the Tenth Month Comes) – 1984: للمخرج دانغ نيات منه، الذي يتناول قصة امرأة تخفي خبر مقتل زوجها عن والد زوجها المريض حفاظا على سلامته النفسية.وتقول لان دوانغ "هذه الشخصيات النسائية تجسد صورة الأنثى الوطنية: جميلة، معذبة، ومخلصة" لكنها تحذر من أن تحويل النساء إلى رموز وطنية يمكن أن ينتقص من تعقيدهن الإنساني.
كان أوليفر ستون أحد المخرجين القلائل الذين اعترفوا علنا بمحدودية تمثيل النساء في أفلامه المبكرة عن فيتنام، مؤكدا أن فيلم "فصيلة" كان سردا ذكوريا مقصودا.
غير أن تحوله ظهر جليا في فيلم "السماء والأرض" (Heaven & Earth) سنة 1993، الذي يروي قصة لي لي، الفيتنامية التي عانت الاغتصاب والتعذيب خلال الحرب قبل هجرتها إلى كاليفورنيا مع زوجها الأميركي.
إعلانوقال ستون عن هذا التحول "النقد حول طريقة تصويري للنساء كان في محله. ولا يزال أمامي الكثير لأتعلمه.. ليس فقط عن النساء، بل عن كل شيء".
وقد أهدى الفيلم إلى والدته جاكلين ستون، اعترافا بتأثيرها العميق عليه.