القفزات الأرنبية لن توصل إلى خطّ النهاية
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
لا يختلف اثنان على أن ما ستواجهه حكومة "الاصلاح والانقاذ" من عراقيل ومشاكل عمرها سنوات، وقد زادت حدتها خلال الحرب المدمرة التي شنتها اسرائيل على لبنان، يصعب حلها بين ليلة وضحاها، أو كما يُقال بكبسة زر. وهذا الواقع يعرفه رئيس الحكومة نواف سلام ويعرفه الوزراء أيضًا، وبالأخص الوزراء: طارق متري وغسان سلامة وياسين جابر، لأنهم سبق لهم أن خبروا ما في السلطة من تعقيدات تتخطى بصعوبتها النوايا الحسنة، وتتجاوز ما يرسمه عادة كل وزير أو مسؤول في بداية عمله، وهم من دون شك يتطلعون إلى ما يعتقدون أنهم قادرون على تحقيق ما عجز الذين سبقوهم عن تحقيقه.
هو أمر طبيعي أن يحلم رئيس الحكومة ومعه الوزراء المتحمسون على انجاز ما لم يُنجز من قبل. ولكن الوقت لن يطول ليكتشفوا أن ما سيواجهونه من مشاكل ومن تعقيدات ادارية روتينية وبيروقراطية هي ابعد من مجرد تطلعات طموحة، لأن الواقع الحالي أكثر تعقيدا مما يعتقده أصحاب الهمم غير المشكوك فيها.
فمن أين سيبدأ الرئيس سلام في معالجاته لأزمات متراكمة منذ سنوات بعيدة، خصوصًا أن ما حاولت حكومة الرئيس ميقاتي القيام به خلال فترة الفراغ الرئاسي، وهي كانت في حكم تصريف الاعمال، قد أدّى في شكل أو في آخر إلى تجميد مفاعيل الانفجار الاجتماعي الكبير بقدر ما سمحت لها الظروف الصعبة، التي كان يمرّ بها لبنان. إلاّ أنها، وإن لم تسعفها تلك الظروف كثيرًا، مهدّت الأرضية لأي حكومة ستأتي بعدها من خلال ما قدمته من مشاريع قوانين إلى مجلس النواب، الذي لم يكن جميع المكونات السياسية متفقة على دوره التشريعي في ظل الفراغ الرئاسي باعتباره هيئة ناخبة؟
قد تكون البداية بالنسبة إلى حكومة لم يمضِ على نيلها الثقة النيابية أكثر من أيام قليلة أصعب من النهاية. فالملفات العالقة كثيرة. كلها مهمة وتتزاحم لتحتل أولوية الأوليات في "أجندات" الوزراء من خلال وزاراتهم، السيادي منها والخدماتي وحتى العادي، إذ لكل وزير أولوية يعتبرها أهمّ من أي أولوية أخرى. ولكن يبقى السؤال: هل تكون البداية وفق نظرية "الخطوات السلحفاتية" الواثقة والأكيدة، أم وفق نظرية "أسنان المشط"؟
الجواب عن هذا السؤال ليس بالأمر السهل. فإذا كان أصحاب النظرية الأولى مقتنعين بأن الحكومة الحالية، وبما أن عمرها السياسي قصير، لن تستطيع اجتراح "الاعاجيب" في زمن ليس زمنها، وأنها لا تحمل عصًا سحرية، فإن الاكتفاء بـ "الاجازات السلحفاتية" يبقى أفضل الخيارات. إلاّ أن هذا الخيار لا يعفي الحكومة من أن تولي أهمية قصوى لملفات تحتاج إلى قرارات حاسمة وسريعة. وقد يكون في مقدمة هذه الملفات تقديم وزارة المال بموازنة العام 2026 لدرسها وإقرارها في أقصى سرعة وارسالها إلى الأمانة العامة لمجلس النواب لإحالتها إلى لجنة المال والموازنة، بعدما أقرّ مجلس الوزراء في جلسة الأمس موازنة 2025 كما أعدّتها حكومة الرئيس ميقاتي، وأصدرها بمرسوم، وذلك باعتبار أن آلية الصرف على أساس القاعدة الاثنتي عشرية لم تعد صالحة لهذا الزمن، خصوصًا أنها تتزامن مع إصرار وزير المال ياسين جابر على عدم توقيعه على أي مشروع سلفة خزينة من أي احتياط في الموازنة القديمة والجديدة. وهذه العملية تحتاج، إعدادًا ومناقشة وإقرارًا، إلى عدّة أشهر من الآن، في حال تمّ التسليم جدلًا بأن مشروع موازنة 2026 ستكون قريبًا على طاولة مجلس الوزراء.
وتكرّ سبحة الأولويات والاستحقاقات الداهمة والتي لها طابع العجلة كالتشكيلات القضائية قبل الحديث عن إقرار قانون استقلالية القضاء، وهو ملف يحتاج لوحده إلى ورشة خاصة. ويضاف إلى الملف القضائي، ملف آخر لا يقل أهمية عنه وهو التشكيلات الديبلوماسة، إلى التشكيلات العسكرية وإعادة هيكلة القطاع العام وسد الفراغات في المراكز الإدارية، وبالأخص في الفئة الأولى. ومن بين الملفات، التي لا يمكنها الانتظار كثيرًا إقرار خطة تعافٍ اقتصادية إنقاذية متكاملة وعصرية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان ونوابه، على أن تبقى خطة الإصلاح السياسي والمالي والإداري الهمّ الأساسي وربما الوحيد من بين هموم أخرى كثيرة مهمة وأساسية. ومن دون هذا الإصلاح، الذي هو الشقّ الأول من شعار الحكومة، لا انقاذ، وهو الشق الثاني. وللإصلاح مفاهيم وتفسيرات كثيرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإنقاذ.
فهذه الورشة تحتاج إلى "جيش" من العاملين على ملفاتها. ولو كان أي عاقل مكان رئيس الحكومة لاعتمد سياسة "الخطوات السلحفاتية"، التي تبقى أفضل من "قفزات أرنبية" لا توصل إلى خطّ النهاية. وإذا لم تكن النهاية المتوقعة قائمة على خطوات، ولو صغيرة، كمثل معالجة أزمة السير التي حصلت أمس الأول بسبب الأمطار الغزيرة وكأن لبنان بلد صيفي فقط، فلن تكون هذه النهاية سعيدة كمعظم أفلام "الأبيض والأسود".
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
تقرير لـEconomist.. ثلاثة تحديات كبيرة تواجه حكومة نواف سلام
نشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريراً جديداً تحدّثت فيه عن 3 أمور يجدرُ على الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام أن تفعلها بشكلٍ سريع وفوريّ، مشيراً إلى أنَّ الأمر الأساسي يتمثل بتنفيذ إصلاحات جذريّة. ويقولُ التقرير إنَّ الواقع يُوحي بأن الحكومة ستبدأ نشاطها من الصفر، عندما هنأ مراسل صحافيّ ياسين جابر على منصبه الجديد في وزارة المالية، قال الأخير له (يجب أن تقول الله يعينك)". وأكمل التقرير: "لقد أصيب لبنان بالشلل لأكثر من عامين، فقد ترك الرئيس السابق ميشال عون منصبه في تشرين الأول 2022، ولم يتمكن البرلمان من الاتفاق على بديل للرئاسة. وفي غياب رئيس للدولة، لم يتمكن أحد من تعيين رئيس وزراء، وتُركت حكومة تصريف أعمال لإدارة البلاد خلال أزمة مالية وحرب مع إسرائيل". وأضاف: "لقد انتهى المأزق أخيراً، فقد أدى جوزيف عون، قائد الجيش السابق، اليمين الدستورية رئيسا للبلاد في التاسع من كانون الثاني. كذلك، عُيّن نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية سابقاً، رئيساً للوزراء. وفي السادس والعشرين من شباط، منح البرلمان اللبناني حكومة سلام الثقة بـ95 صوتاً من أصل 128". وتابع: "تواجه الحكومة 3 تحديات كبيرة، التحدي الأول ويتمثل بإعادة بناء المؤسسات والمناطق التي مزقتها الحرب في البلاد، فيما التحدي الثاني وهو إعادة هيكلة البنوك المفلسة، بينما التحدي الثالث هو التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار مع إسرائيل وقرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي يدعو إلى نزع سلاح حزب الله". وأردف: "المشكلة هي من أين نبدأ، فمن الصعب القيام بأي من هذه الأشياء من دون القيام بالأشياء الأخرى أولاً. لهذا، فلنتأمل الدولة. هناك أكثر من 600 منصب رفيع المستوى شاغر، من بينها رؤساء البنك المركزي والجيش والأجهزة الأمنية. فعلياً، يريد عون ملء المناصب الشاغرة بسرعة، ويأمل في تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان هذا الشهر، ومن بين المرشحين مسؤول في صندوق النقد الدولي ومدير تنفيذي سابق في بنك إتش إس بي سي". وأكمل: "كذلك، يتعهد الوزراء بإصلاح الخدمات الأساسية المتدهورة. إن نقطة البداية الواضحة هي مؤسسة كهرباء لبنان التي تديرها الدولة والتي تراكمت عليها ديون بقيمة 40 مليار دولار منذ عام 1992، ورغم ذلك فهي لا توفر سوى ساعتين فقط من الكهرباء يومياً". وأردف: "أيضاً، يقول سلام إن إعادة الإعمار بعد الحرب تشكل أولوية أخرى. وفي شباط الماضي، قدر البنك الدولي خسائر الحرب المادية بنحو 10 مليارات دولار، وتكاليف إعادة الإعمار بنحو 18 مليار دولار".وأضاف: "إن مثل هذه المهام بعيدة عن متناول دولة بميزانية تبلغ 3 مليارات دولار. لقد اقترح البنك الدولي برنامجاً أولياً بقيمة مليار دولار لإزالة الأنقاض وإعادة بناء البنية التحتية. هنا، فإن البنك سيوفر 250 مليون دولار؛ وسيتعين على المانحين توفير الباقي". وينقل التقرير عن هزار كركلا، الخبيرة الاقتصادية قولها إنّه "بدون إصلاحات اقتصادية ومالية ذات مغزى، لن يكون هناك تمويل لإعادة الإعمار في المستقبل القريب. لقد تزاحم الاحتياجات الكبيرة لسوريا وغزة لبنان أيضاً". كذلك، يكمل التقرير قائلاً: "لقد توصل لبنان إلى اتفاق بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في عام 2022، لكن لم يتم تنفيذه أبداً، ويرجع ذلك إلى عدم تمكن حكومة تصريف الأعمال في إعادة هيكلة البنوك التي واجهت التعثر منذ عام 2019 لاسيما عندما انهار مخطط بونزي الذي تديره الدولة. وهنا، لا يزال أكثر من 86 مليار دولار من الودائع، أي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، في منأى عن المواطنين الذين لا يستطيعون الوصول إلى أموالهم في المصارف". ويتابع: "من ناحيته، يتحدث جابر (وزير المالية) عن الأشياء الصحيحة المرتبطة بإعادة الهيكلة، ويسرد تفاصيل خطة من 3 مراحل، الأولى وهي أنَّ المودعين الذين تقل ودائعهم في البنوك عن الـ100 دولار ويشكلون 84% من الإجمالي، سيستعيدون أموالهم ولو على مدى سنوات عديدة. أما المرحلة الثانية من الخطة فتتمثل بتحمل أكبر المودعين تخفيضات في مدخراتهم فيما سيتم استئناف محادثات التفاوض مع صندوق النقد الدولي كمرحلة ثالثة".
ويُكمل: "النسخ المتداولة من هذه الخطة كانت متداولة لسنوات وجابر كان غامضاً في تفاصيلها وحتى لو كان جاداً فسوف يواجه معارضة فبعض المصرفيين يعتقدون أنهم نجوا من الأزمة ولم يعودوا بحاجة إلى اصلاحات جذرية والتي من شأنها ان تمحو أسهمهم وتغلق البنوك الصغيرة". وتطرق التقرير إلى جنازة الأمين العام لـ"حزب الله" السابق الشهيد السيد حسن نصرالله، وقال: "خلال الشهر الماضي، تجمّع مئات الآلاف في بيروت لحضور جنازة نصرالله الذي اغتالته إسرائيل يوم 27 أيلول الماضي. كان الحزب يأمل أن تكون الحشود استعراضاً للقوة، لكن كثيرين في لبنان ينظرون إلى الحدث باعتباره جنازة لحزب الله نفسه". وأردف: "كان السيد نصرالله شخصية كاريزمية؛ أما خليفته نعيم قاسم فهو شخصية مملة وسط تضرر كبير لترسانة الحزب العسكرية بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة". وأكمل: "وسط ذلك، يتذمر سكان جنوب لبنان من أن حزب الله لم يقدم سوى القليل من المساعدة لإصلاح منازلهم وأعمالهم المدمرة، ويرى بعض المسؤولين أن هذه فرصة لدق إسفين بين الحزب وأنصاره". وقال: "ربما تستطيع الدولة مساعدتهم في إعادة البناء حيث لا يستطيع حزب الله ذلك. مع هذا، فقد كان عون واضحاً في رغبته في أن ينزع الجيش سلاح حزب الله، لكنه كان متصالحاً في لغته تجاه الأخير". التقرير ينقل عن أحد المنتقدين الشيعة لحزب الله قوله: "لا نريد أن نذكرهم كل يوم بأنهم بلا زعيم، وأنهم ضعفاء". في المقابل، تقول "إيكونوميست" إنَّ "حزب الله الضعيف ليس عاجزاً، فهو غير راغب في نزع سلاحه"، وأكملت: "مع هذا، يشعر حلفاء عون في الخارج بالانزعاج لأنه لم يتخذ موقفاً أكثر صرامة. إن لبنان يحتاج إلى المال لإصلاح الدولة وتعزيز الجيش، لكنه لا يستطيع أن يجتذب الكثير من المال ما لم يعمل أولاً على إصلاح وضع حزب الله وتقليص قوته. كذلك، يعمل سلام عكس التقويم القائم، فمن المفترض أن يعقد لبنان انتخابات برلمانية في الربيع المقبل، وهو ما يترك له 13 شهراً فقط للحكم. عملياً، يحتاج سلام إلى القيام بالعديد من الأشياء في وقت واحد، لكن ليس لديه الوقت الكافي للقيام بأي منها". المصدر: ترجمة "لبنان 24"