الجزيرة:
2025-04-11@02:12:20 GMT

انتكاسة جديدة لنتنياهو

تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT

انتكاسة جديدة لنتنياهو

شهدت القمة الأفريقية الثامنة والثلاثون في أديس أبابا، التي انعقدت الشهر الماضي، تبنّي القادة الأفارقة موقفًا صارمًا تجاه إسرائيل، مُدينين هجماتها على غزة واصفين إياها بـ "الإبادة الجماعية"، وداعين إلى وقف جميع أشكال التعاون معها حتى إنهاء الاحتلال.

أكّد البيان الختامي أيضًا رفض التهجير القسري للفلسطينيين، مع التشديد على حلّ الدولتين كمسار وحيد للسلام، مما يعكس التزام أفريقيا التاريخي بدعم القضية الفلسطينية، رغم محاولات إسرائيل تعزيز نفوذها في القارّة.

جاء هذا الموقف الأفريقي بمثابة انتكاسة لإسرائيل رغم الضغوط الأميركية الكبيرة التي مارستها على القارة السمراء، حيث مارست واشنطن ضغوطًا مكثفة على عدد من العواصم الأفريقية لمنع صدور قرارات حادة ضد إسرائيل، لا سيما من خلال التهديد بتقليص المساعدات الاقتصادية لبعض الدول، ودفعها نحو عدم اتخاذ مواقف تصعيدية في المحافل الدولية.

ومع ذلك، أظهرت الدول الأفريقية تماسكًا دبلوماسيًا لافتًا، إذ رفضت الامتثال للإملاءات الغربية وأكدت على موقفها المستقل، ما يعكس تغيرًا في موازين القوى ورغبة القارة في تبني قرارات تتماشى مع مبادئها المناهضة للاستعمار والفصل العنصري.

إعلان

يتم اتخاذ القرارات في الاتحاد الأفريقي، الذي يضمُّ 54 دولة، عبر مؤتمر الاتحاد، الذي يُعقد سنويًا في فبراير/ شباط ويضم رؤساء الدول والحكومات، حيث تُتخذ القرارات بالإجماع أو بأغلبية الثلثين. ويلعب المجلس التنفيذي، المكوّن من وزراء الخارجية، دورًا في صياغة السياسات ورفعها للمصادقة.

تاريخ العلاقات بين أفريقيا وإسرائيل

شهدت العلاقات بين إسرائيل وأفريقيا تحولات جذرية على مدار العقود الماضية، إذ سعت إسرائيل منذ الخمسينيات والستينيات إلى تعزيز وجودها في القارَّة، مستغلة حصول العديد من الدول الأفريقية على استقلالها.

أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع دول مثل غانا وليبيريا، وشاركت في مشاريع تنموية، خاصة في مجالات الزراعة، التكنولوجيا، والتعليم. كما قدمت دعمًا لعدد من حركات التحرر الأفريقية، سعيًا لكسب نفوذ سياسي داخل القارة، وضمان دعمها في المحافل الدولية.

بيدَ أن هذا التقارب شهد انتكاسة حادة بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حيث أدى الحظر النفطي العربي والضغوط الدبلوماسية التي قادتها جامعة الدول العربية إلى قطع معظم الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل، مما أدى إلى انهيار النفوذ الإسرائيلي في القارة.

غير أن هذه العزلة لم تدم طويلًا، إذ مثّل اتفاق أوسلو عام 1993 نقطة تحول، حيث بدأت إسرائيل في استعادة علاقاتها مع عدد من الدول الأفريقية، مستغلة الانفتاح الدولي الذي رافق المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.

وبعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، برزت قناعة لدى بعض الدول الأفريقية بأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في طريقه إلى تسوية دبلوماسية، مما دفعها إلى إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل.

على إثر ذلك، أعادت العديد من الدول الأفريقية، خاصة في غرب وشرق القارة، علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، مركزة على التعاون في مجالات الزراعة، التكنولوجيا، والأمن.

إعلان

وقد استفادت إسرائيل من هذا التوجه لتعزيز وجودها، حيث عملت على تقديم الدعم الفني والتدريبي في عدة قطاعات إستراتيجية داخل أفريقيا.

وفي السنوات الأخيرة، تزايدت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأفريقيا، حيث تقيم تل أبيب علاقات رسمية مع 40 دولة أفريقية من أصل 54، وتدير 10 سفارات نشطة في القارة، تشمل دولًا بارزة مثل: جنوب أفريقيا، نيجيريا، كينيا، والكاميرون.

وقد لعبت موجة التطبيع العربي الأخيرة، خاصة بعد اتفاقيات أبراهام (2020)، دورًا في تعزيز هذا التوسع، حيث شجعت دول عربية لها علاقة مع إسرائيل بعض الحكومات الأفريقية على تعزيز التعاون معها في مجالات الأمن، والاستثمار، والزراعة.

ورغم هذه التطورات، لا تزال العديد من الدول الأفريقية متحفظة على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل؛ بسبب التزامها بدعم القضية الفلسطينية.

الدول التي عانت من الاستعمار والفصل العنصري، مثل جنوب أفريقيا، تقود الموقف الرافض لتعزيز العلاقة مع إسرائيل، معتبرة أن السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تعكس ممارسات الفصل العنصري التي شهدتها القارة في الماضي. هذا الانقسام يجعل العلاقة بين إسرائيل وأفريقيا رهينة التوازن بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية والتاريخية.

 تصاعد التوتر بعد الحرب على غزة

شهدت العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأفريقي تصعيدًا حادًا عقب الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين ودمار واسع في البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات، والمدارس، والطرق.

هذا العدوان أثار استياءً واسعًا في أفريقيا، حيث أصدرت العديد من الدول بيانات إدانة قوية، مجددة تضامنها مع الشعب الفلسطيني ورفضها للسياسات الإسرائيلية.

لم يكن هذا الموقف مفاجئًا، بل امتدادًا لرفض أفريقي متصاعد للتغلغل الإسرائيلي في القارة. ففي فبراير/ شباط 2023، وخلال قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، تم طرد الوفد الإسرائيلي بعد اعتراضات قوية من جنوب أفريقيا، والجزائر، ونيجيريا، مما شكّل ضربة دبلوماسية كبرى لإسرائيل داخل القارة، وأدى إلى سحب صفة المراقب التي كانت قد حصلت عليها عام 2021.

إعلان

ورغم محاولات إسرائيل تعزيز وجودها في أفريقيا عبر الاستثمارات والمشاريع التنموية، فإن هذه المساعي تصطدم باعتبارات سياسية وأخلاقية راسخة في الموقف الأفريقي.

فقد ظلت القارة وفية لتاريخها النضالي ضد الاستعمار والفصل العنصري، معتبرة القضية الفلسطينية امتدادًا لكفاحها من أجل الحرية والعدالة، مما يعزز من تبنيها مواقف حازمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بغض النظر عن المصالح الاقتصادية المحتملة.

أسباب العلاقة المتوترة

على الرغم من تزايد الاستثمارات الإسرائيلية في أفريقيا ومحاولات تل أبيب تعزيز نفوذها عبر مشاريع في الزراعة، والتكنولوجيا، والأمن، والبنية التحتية، لا تزال العديد من الدول الأفريقية تتخذ مواقف ناقدة تجاه السياسات الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

لقد ركزت إسرائيل على تطوير تقنيات الري والطاقة الشمسية، وتوسيع مشاريع الاتصالات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى بيع أنظمة المراقبة والأسلحة لبعض الحكومات الأفريقية. كما استثمرت في البنية التحتية والخدمات الصحية لتوسيع شراكاتها الإقليمية.

لكن هذه المساعي الاقتصادية لم تنجح في إحداث تغيير جوهري في مواقف الدول الأفريقية، وذلك لعدة أسباب، أهمها:

القيم التاريخية والموروث النضالي

تمتلك أفريقيا سجلًا طويلًا من الكفاح ضد الاستعمار والفصل العنصري، وهو ما يجعل العديد من دولها ترى في القضية الفلسطينية امتدادًا لنضالها ضد الظلم والاضطهاد.

يعزز هذا الإرث الشعور بالتضامن العميق مع الفلسطينيين، الذين يواجهون أوضاعًا مشابهة لما عانته شعوب القارة من استعمار وقمع عنصري.

وقد كان هذا المنظور واضحًا في مواقف دول مثل جنوب أفريقيا، التي وصفت الاحتلال الإسرائيلي بأنه "نظام فصل عنصري جديد"، ما دفعها إلى تقديم دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.

إعلان ازدياد التضامن الشعبي والمدني مع فلسطين

تنامى الوعي الشعبي في أفريقيا بالقضية الفلسطينية بشكل ملحوظ، ما أدى إلى تصاعد حملات التضامن والمقاطعة ضد إسرائيل.

في دول مثل جنوب أفريقيا، ونيجيريا، شهدت السنوات الأخيرة تنظيم مظاهرات وفعاليات واسعة النطاق دعمت حقوق الفلسطينيين، ونددت بالانتهاكات الإسرائيلية.

ونتيجة لذلك، أصبح الضغط الشعبي عاملًا رئيسيًا يجبر الحكومات الأفريقية على تبنّي مواقف أكثر حزمًا تجاه إسرائيل، رغم الفوائد الاقتصادية المحتملة من التعاون معها.

التوازن الجيوسياسي وتقليل الاعتماد على الغرب

تشهد أفريقيا تحولًا متزايدًا نحو تنويع تحالفاتها الدولية، حيث تعزز علاقاتها مع قوى عالمية مثل الصين وروسيا، مما يقلل من اعتمادها على الدول الغربية التي تقدم دعمًا غير مشروط لإسرائيل.

يساعد هذا التحول على منح الدول الأفريقية مساحة سياسية أوسع لتبني مواقف مستقلة تتماشى مع مصالحها الإستراتيجية، دون الخضوع للضغوط الغربية.

وفي هذا السياق، تدعم روسيا والصين بشكل عام القرارات الدولية التي تدين السياسات الإسرائيلية، مما يوفر دعمًا دبلوماسيًا للدول الأفريقية في تبني مواقف أكثر صرامة تجاه تل أبيب.

لماذا يبقى التطبيع مع إسرائيل محدود التأثير؟

على الرغم من محاولات إسرائيل تعزيز وجودها في أفريقيا عبر الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، إلا أن فاعلية هذا التطبيع لا تزال محدودة، حيث تصطدم المساعي الإسرائيلية بالاعتبارات السياسية والتاريخية للدول الأفريقية.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى بعض الدول الأفريقية إلى تعزيز تحالفاتها مع قوى دولية منافسة للغرب، مثل الصين، وروسيا، مما يمنحها مساحة سياسية أوسع لتبني مواقف أكثر استقلالية في القضايا الدولية، بما في ذلك القضية الفلسطينية.

وتلعب دول في أفريقيا دورًا رائدًا في هذا المجال منها:

جنوب أفريقيا: قادت خطوات قانونية غير مسبوقة ضد إسرائيل برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2023، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وأصدرت المحكمة أوامر طارئة تطالب بوقف العمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. الجزائر: لعبت دورًا بارزًا في منع إسرائيل من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، حيث ندّدت بالقرار الذي صدر في يوليو/ تموز 2021، وقادت جهودًا بالتعاون مع جنوب أفريقيا ونيجيريا لتعليق القرار في فبراير/ شباط 2023. كما أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن أي تقارب مع إسرائيل مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. إعلان

رغم أن إسرائيل نجحت في إقامة علاقات دبلوماسية مع 40 دولة أفريقية من أصل 54، فإن تأثير هذا التطبيع يبقى محدودًا، كما ظهر في الموقف الحازم للقمة الأفريقية الأخيرة.

فالدول الأفريقية، رغم المصالح الاقتصادية، لا تزال ترى في إسرائيل دولة احتلال تمارس سياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، ما يُضعف فاعليتها الدبلوماسية داخل القارة.

وبينما تسعى إسرائيل لتعزيز وجودها، تبقى أفريقيا ساحة توازنات دولية، حيث تلعب المواقف التاريخية والتحالفات الجديدة دورًا رئيسيًا في تحديد مستقبل العلاقات الأفريقية- الإسرائيلية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان القضیة الفلسطینیة الاتحاد الأفریقی والفصل العنصری جنوب أفریقیا تعزیز وجودها علاقاتها مع بین إسرائیل ضد إسرائیل فی أفریقیا مع إسرائیل ی مواقف لا تزال

إقرأ أيضاً:

الصراع في الكونغو.. تهديدات جديدة للأمن الدولي والمخاطر الإنسانية المتزايدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية أزمة مستمرة في شرق البلاد منذ سنوات، حيث تجتاح المنطقة الصراعات المسلحة التي تشارك فيها مجموعة من الجماعات المسلحة المحلية والإقليمية، أبرزها حركة 23 مارس. تأسست هذه الحركة في سياق صراعات معقدة في مناطق مثل شمال كيفو، والتي شهدت احتكاكًا شديدًا بين القوات الحكومية الكونغولية والجماعات المتمردة. النزاع المستمر ساهم في تفاقم الوضع الإنساني وأدى إلى نزوح جماعي للسكان وتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، مما أثار مخاوف من تداعياته على استقرار منطقة البحيرات العظمى بشكل عام.

تتفاقم هذه الأزمة في ظل تعقيدات محلية وإقليمية متعددة، حيث تسعى حركة 23 مارس، لتوسيع نطاق سيطرتها السياسية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها، فيما تواصل حكومة الكونغو الديمقراطية تعزيز موقفها العسكري والسياسي. من جهة أخرى، تتدخل أطراف إقليمية ودولية في النزاع، وهو ما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لإيجاد حل شامل. التحديات الإنسانية الناجمة عن النزاع تتجلى في تدفق اللاجئين إلى دول الجوار، مما يضع عبئًا إضافيًا على المجتمعات التي تستضيف هؤلاء اللاجئين، مثل رواندا وأوغندا، ويزيد من تعقيد المساعي الدولية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وقد أجلت حركة 23 مارس المحادثات التي كانت مقررة في 9 أبريل برعاية قطر إلى أجل غير مسمى، وفقًا لتقرير وكالة رويترز في نفس اليوم. ولم يتم توضيح السبب وراء هذا التأجيل، كما لم تُرسل قطر دعوات رسمية حتى اللحظة. وكانت هناك محادثات تمهيدية بين قطر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس في الأسبوع الذي سبق الموعد المحدد للمفاوضات، بهدف وضع أساس للمحادثات حول القضايا الرئيسية. في 9 أبريل، أفاد الصحفيون الكونغوليون عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن حركة 23 مارس وضعت عدة شروط مسبقة للمضي قدمًا في المحادثات. من بين هذه الشروط، كان هناك مطلب بالعفو عن كبار قادة الحركة، والحصول على بيان من رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، يؤكد دعمه للحوار المباشر. كما طالبت الحركة بإلغاء قانون كونغولي يشرع تحالفًا بين الجيش الكونغولي والميليشيات الموالية للحكومة، وبتحديد صلاحيات وفد جمهورية الكونغو الديمقراطية في المحادثات بشكل واضح قبل الدخول في القضايا الجوهرية. من جانبها، طالبت جمهورية الكونغو الديمقراطية حركة 23 مارس بالتخلي عن سيطرتها السياسية في المناطق التي احتلتها، مثل غوما وبوكافو، والانسحاب منها، بالإضافة إلى نزع سلاح الحركة وتسريح قواتها.
في 8 أبريل، أعلن الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا، عن عزمه العودة إلى البلاد للمساهمة في حل الأزمة الأمنية في شرق البلاد، بعد مشاورات مع عدد من الشخصيات السياسية المحلية والدولية. جاء هذا الإعلان بعد إعادة حزبه، حزب الشعب من أجل إعادة الإعمار والديمقراطية (PPRD)، إطلاق أنشطته السياسية في 7 أبريل. منذ عام 2023، كان كابيلا قد غادر البلاد وظل بعيدًا عن الأضواء حتى فبراير الماضي، عندما بدأ في إعادة بناء شبكته السياسية. وعلى الرغم من عودة كابيلا للظهور، فإن الرئيس الحالي، فيليكس تشيسكيدي، ومسؤولين آخرين اتهموه بالتحضير لتمرد وتورطه في دعم حركة 23 مارس. وقد اعتقل الجيش الكونغولي في مارس عددًا من المسؤولين المقربين من كابيلا بتهمة التحضير لانقلاب. في إطار هذه التوترات، أعلن كابيلا عن خطط لعودته عبر الجزء الشرقي من البلاد، مرورًا بغوما التي تسيطر عليها حركة 23 مارس.
في سياق آخر، قامت حركة 23 مارس بتعزيز سلطتها في مناطق مختلفة في مقاطعة ماسيسي جنوب شمال كيفو، حيث استبدلت القادة المحليين في عدة قرى بالموالين لها. ووفقًا لتقرير إذاعة أوكابي، فقد تم فرض سلطات جديدة في قرى مثل روبايا وكيشانغا وكاليمبي، مع محاسبة السكان الذين يرفضون القيام "بالعمل المجتمعي". في الوقت نفسه، بدأت بعض الأسر النازحة العودة إلى قراهم في ماسيسي بعد تحسن الوضع الأمني بفعل الهدوء النسبي في القتال بين الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس.

الدلالات والآثار المحلية والإقليمية والدولية لتأجيل محادثات إم23:
   الدلالات المحلية:
       تعزيز الانقسامات السياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية: تأجيل المحادثات يعكس تعقيد الوضع الداخلي في جمهورية الكونغو الديمقراطية. حركة إم23 تضع شروطًا صارمة قبل الدخول في المحادثات، مما يدل على تعميق الهوة بين الحكومة والحركات المتمردة. في المقابل، تصاعد الاتهامات ضد الرئيس تشيسكيدي والاتهامات لكابيلا بالضلوع في الأزمة يعكس توترات سياسية مستمرة داخل البلد.
       تدهور الوضع الأمني في شرق الكونغو: سيطرة حركة إم23 على مناطق في شمال كيفو، مثل غوما وبوكافو، وتشديد قبضتها على القرى في ماسيسي، يعكس استمرار الصراع في المنطقة وتزايد معاناة السكان المحليين. كما أن عمليات الاعتقال والعقوبات المفروضة على السكان تزيد من تفاقم الوضع الإنساني.

   الدلالات الإقليمية:
       تأثيرات على الاستقرار الإقليمي في منطقة البحيرات العظمى: الصراع المستمر بين القوات الكونغولية وحركة إم23 يهدد الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل تورط مجموعات مسلحة أخرى قد تجد في النزاع فرصة للتوسع. الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا قد تتأثر بشكل غير مباشر عبر تدفقات اللاجئين أو تورط جماعات مسلحة محلية في الصراع.
       تصعيد الضغوط على آليات الحل الإقليمي: تأجيل المحادثات قد يضعف جهود الوساطة الإقليمية من قبل دول مثل قطر، وكذلك جهود الاتحاد الأفريقي أو منظمة دول البحيرات العظمى. هذا يعكس التحديات التي تواجهها هذه الهيئات في تحقيق تسوية سلمية بسبب تعنت الأطراف المتنازعة.

   الدلالات الدولية:
       تأثير على العلاقات الدولية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية: تأجيل المحادثات يمكن أن يؤثر سلبًا على صورة جمهورية الكونغو الديمقراطية على الساحة الدولية. الدول الغربية والمنظمات الإنسانية قد تزداد في انتقاداتها لحكومة تشيسكيدي إذا استمر التصعيد الأمني وتعثر الحلول السياسية.
       التأثير على العلاقات مع الأمم المتحدة والجهات الدولية المعنية بالسلام: الأمم المتحدة قد تواجه تحديات جديدة في نشر بعثاتها العسكرية أو الإنسانية في شرق الكونغو إذا استمر الصراع، في حين أن تأجيل المحادثات يمكن أن يعقد استراتيجيات السلام الدولية التي كانت تدعمها الأمم المتحدة.
       تعزيز المواقف السياسية المعادية للصراع: الدول الكبرى التي لها مصالح استراتيجية في المنطقة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، قد تدعو إلى تطبيق ضغوط دبلوماسية على الأطراف المعنية لوقف التصعيد. وفي المقابل، قد يكون لبعض هذه الدول مصالح في تقوية مواقف بعض اللاعبين الإقليميين، مثل رواندا، التي يُتهم البعض بدعم حركة إم23.

الآثار المحتملة:
   على مستوى الأمن الإقليمي والدولي:
استمرار تصاعد العنف في شرق الكونغو له تأثيرات كبيرة على الأمن الإقليمي والدولي. مع تزايد النزاع بين القوات الكونغولية وحركة إم23، يزداد القلق من تدهور الوضع الأمني في منطقة البحيرات العظمى. هذا التصعيد يهدد الاستقرار في دول مجاورة مثل رواندا وأوغندا، التي قد تتأثر بشكل غير مباشر من خلال تدفق اللاجئين عبر حدودها. علاوة على ذلك، يشكل استمرار النزاع بيئة مواتية لزيادة نشاط الجماعات المسلحة الأخرى التي قد تستغل حالة الفوضى لتنفيذ عملياتها عبر الحدود. من المحتمل أن تتزايد عمليات تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية عبر مناطق غير خاضعة للرقابة، مما يؤدي إلى تأجيج المزيد من الصراعات في دول مجاورة قد تكون غير مستعدة للتعامل مع تلك التهديدات.
من ناحية أخرى، يثير تزايد العنف في شرق الكونغو القلق أيضًا بشأن انتشار التجارة غير المشروعة، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات والموارد الطبيعية. مع تصاعد الفوضى، يصبح من الصعب على السلطات المحلية مراقبة وحماية الحدود بشكل فعال، مما يؤدي إلى تكثيف أنشطة التهريب عبر مناطق غير آمنة. هذا يشكل تهديدًا ليس فقط على الدول المجاورة، ولكن أيضًا على الأمن الدولي، حيث يمكن أن تمتد هذه الأنشطة إلى أسواق ودول بعيدة، مما يعزز الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود. تبقى هذه التجارة غير المشروعة أحد الأسباب التي تزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار في المنطقة.

   على المستوى الإنساني:
على المستوى الإنساني، يساهم استمرار النزاع في زيادة المعاناة الإنسانية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير. يتعرض المدنيون في المناطق المتأثرة بالصراع، مثل غوما وبوكافو، لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والاختطاف والعنف الجنسي. كما يعاني العديد من السكان من نقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية الأساسية، مما يفاقم الظروف المعيشية الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني ملايين الأشخاص من النزوح الداخلي نتيجة للقتال المستمر، حيث يفرون من القرى والمدن إلى أماكن أكثر أمانًا، مما يسبب زيادة في الضغط على الموارد المحلية والبنية التحتية في المناطق التي تستقبلهم.
مع تزايد أعداد اللاجئين، تواجه الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا تحديات كبيرة في تقديم الدعم الإنساني. حيث تشير التقارير إلى أن هذه الدول قد تواجه صعوبة في تلبية احتياجات اللاجئين، بما في ذلك توفير مأوى، غذاء، ورعاية صحية، بالإضافة إلى توفير التعليم والخدمات الأساسية الأخرى. تفاقم الوضع الإنساني قد يؤدي إلى خلق بيئة من التوترات المحلية، حيث يمكن أن يتسبب تدفق اللاجئين في تحميل المجتمعات المحلية عبئًا إضافيًا من حيث الموارد والخدمات. في ظل هذه الظروف، قد يصبح من الصعب على الدول المضيفة تأمين احتياجات السكان المحليين واللاجئين على حد سواء، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على هذه الدول.
وأخيرًا، من المتوقع أن يزداد تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة مع استمرار النزاع. هذا قد يؤدي إلى تفاقم الضغط على هذه الدول التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين الكونغوليين منذ سنوات. ومع تضاعف أعداد اللاجئين بسبب الحرب المستمرة، ستواجه هذه الدول تحديات جديدة في تأمين حياة كريمة للاجئين. قد تتطلب الاستجابة للأزمة الإنسانية من المجتمع الدولي المزيد من الدعم المالي واللوجستي لضمان توفير الخدمات الأساسية والحفاظ على الاستقرار في هذه الدول المستضيفة.
 

مقالات مشابهة

  • أفريقيا والذكاء الاصطناعي.. فرصة ذهبية لحماية الأمن وبناء المستقبل
  • تونس بديل كوت ديفوار وقرعة جديدة لكأس أمم أفريقيا تحت 20 سنة
  • إيلون ماسك يوسع شبكة ستارلينك في أفريقيا
  • قمة عسكرية أفريقية في غانا لمواجهة التحديات الأمنية بالقارة
  • فتوح يطالب العالم باتخاذ مواقف بحق إسرائيل لإغلاقها مدارس للأونروا
  • الصراع في الكونغو.. تهديدات جديدة للأمن الدولي والمخاطر الإنسانية المتزايدة
  • 9 شواهد تكشف صورة قاتمة لدولة الاحتلال بعد انتكاسة السابع من أكتوبر
  • تقارير: أفريقيا تدفع أثقل أعباء تغير المناخ عالميا
  • البيت الأبيض: ترامب تعهد لنتنياهو بإزالة القيود الجمركية مع إسرائيل
  • الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية تلجأ للنهب والسرقات لتمويل أنشطتها.. والتحالف الدولي يؤكد التزامه بتجفيف المنابع