الثقافية – كمال الداية

استضاف مقهى أدب أ.د.حصة المفرح، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود، حيث ألقت محاضرة بعنوان: “الأدب وفن العمارة: بنية التشاكل ومعاني التجاور”، وقد افتتحت المحاضرة بحديث تناولت فيه العلاقة الجدلية بين العمارة والأدب تقول: “عنوان هذه المحاضرة يندرج في باب التداخل والتراسل بين الفنون والمعارف، وهو من بوادر الفكر البيني الذي ظهر منذ القدم على مستوى المؤلفات التي كانت تنفتح على علوم العربية والأخبار والتاريخ والقصص والنثر والشعر والإيحاءات النفسية والأبعاد الفلسفية، ولم يكن الأدب بعيدًا عن هذا التداخل والتراسل؛ إذ تقاطعت نصوصه مع فنون أخرى مثل: العمارة، النحت، الرسم والتصوير، والفنون الأدائية مثل: الرقص، المسرح، السينما.


– في عام 2017 نشرت مجلة فرنسية عددًا عن علاقة الأدب بالعمارة، وهي التي كانت في أعدادها السابقة تتناول علاقة الأدب بالحقوق، وعلاقته بالرسم، وفن الجاز، والرياضة.
– ألف ديفيد سبور(العمارة والأدب الحديث) يستقصي فيه العلاقة بينهما في القرنين التاسع عشر والعشرين ويؤكد على أن كلاً منهما يركز على إدراك الوجود البشري وإن اختلفت طريقة التعبير، إضافة إلى التسميات التي تجمع بينهما فيقال سردية الشارع، والجملة الحضرية(ارتباطًا بالمعالم المعمارية الحضرية)
 العمارة والبعد الإنساني
– يؤكد المختصون بأنه رغم دراسة العمارة في الكليات الهندسية بوصفها نتاجًا هندسيًاتقنيًا، إلا أنها تتضمن جوانب إنسانية؛ فقد كانت ومازالت إبداعًا إنسانيًا محضًا؛ مما يقربها من العلوم الإنسانية، إذ يفترض دراستها بوصفها نشاطًا إنسانيًا.

– والعمارة المقصودة هنا “التي تتدخل إرادة الإنسان في تكوين هيئاتها وأشكالها على وفق صيغة تؤدي معها الغرض الذي أنشئت من أجله، والوظيفة التي ينتظر منها أن تؤديها”. والفضاء المعماري، هو الفضاء الذي يبنيه الإنسان عبر الزمن.

اقرأ أيضاًالمنوعاتإيناس يعقوب تأخذنا في رحلة “آلاء”: برنامج رمضاني يجسد نعم الله ويعزز القيم الإسلامية

– وفي ستينيات القرن العشرين ظهرت الأفكار التي نادت بالعودة إلى إنسانية العمارة،وهوية المكان الذي تقام فيه، والإنسان الذي تحويه، وقدمت بوصفها وسيلة اتصال بين الناس، يفهمون بعضهم بها ويتفاعلون معها، ويعيشون ذكرياتهم فيها، ويعبرونعن ثقافتهم وخصوصيتهم فالعمارة وما تضمه من هندسة وتصاميم تبدو مرتبطة بالمكان بوصفه الفضاء الذي يحتويها، إلا أنها من جهة ثانية ترتبط بالإنسان الذي يقطن هذا المكان، وتعبر عن هويته.

– ويشكل الطراز المعماري نمطًا ثقافيًا يتأثر بالبيئة التي نشأ فيها، ويؤثر فيها؛ إذ تمتلك معظم البيئات نمطًا معماريًاخاصًا يميزها عن الأنماط المعمارية في البيئات الأخرى، يتأثر بعوامل البيئة من مناخ، وتضاريس، وعادات سكانية،ومقومات فكرية، وثقافية. ومع التطور المعماري في العقود الأخيرة، إلا أن بعض المباني مازالت تتمسك باستلهام العناصر التراثية؛ لخصوصية المعلم المعماري نفسه، والمكان الذي يوجد فيه، كما في المساجد والمتاحف والمعارض الفنية.
وكما أشارت د.المفرح إلى موضوع العمارة السردية بين التاريخ والتخييل؛ تقول: “تنطلق الرواية من تجربة نعيم الوزان، رجل أعمال سعودي يسافر إلى المغرب ومصر؛ لترتيب بعض الأعمال في مشروع إنشاء شركة اتصالات في السعودية. ومع ما يكتنف هذه التجربة من أحداث مفاجئة، وعلاقات متغيرة؛ أثرت في بناء الرواية، إلا أننا سنقف على ما يتعلق منها بالمعمار الذي ارتبط بفترتين تاريخيتين مختلفتين؛ إذ يسير الماضي والحاضر جنبًا إلى جنب:
– المسار الأول: تاريخي، تجري أحداثه في مدينة إستانبول التركية (عاصمة الخلافة العثمانية) أوائل القرن العشرين، وبطله الجد خليل الوزان.
– المسار الثاني: معاصر، تجري أحداثه في أكثر من مدينة عربية، وأخرى غربية نهاية القرن العشرين (المغرب، القاهرة، الرياض، المدينة المنورة، بريطانيا، كندا، أمريكا) وبطله الحفيد نعيم الوزان.
وتحضر العمارة في تفاصيل كثيرة من الرواية، لا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها منها، ففي الفترة التاريخية التي تعين بتاريخ (1908) زمن الجد، حيث تشابه الشخصيات في حبها للعمارة وشغفها بها؛ هناك قصر مميز معماريًا لطلعت باشا الذي يعشق البناء والمعمار. والجد خليل وهو يتأمل المجسم المعماري يبدو في دهشة ” يا لها من تحفة معمارية”. وفي الحاضر، وصف قصر فؤاد شوكت في مصر الذي أعجب به نعيم الحفيد كثيرًا”كان القصر مبنيًا على الطراز الهندي مع بعض اللمسات الأوروبية… لم تكن الحديقة بأقل روعة من القصر؛ ولا سيما نوافير الماء، والزرع والنخيل الذي انتظم في أشكال هندسية فائقة الجمال”. وكان نعيم يردد كثيرً” أنا أهوى المعمار، وبالأخص القديم منه وما يتصل به من تاريخ”.
ومع الحضور المكثف للعمارة وتفاصيلها، والوصف الدقيق الذي طالها في أكثر من موضع في الرواية، يبقى الحضور الأهم متمثلًا في علاقة العمارة بالإلغاز؛ إذ تتخذ الرواية مسارًا بوليسيًا، وتعتمد وثائق تاريخية واقعية؛ لكشف اللغز تدريجيًا. وهذه الإحالات التاريخية، وإن لم تحدد بزمن معين، بل اتخذت تاريخًا موحدًا(1908)، إلا أنه يمكن إدراك حركة الزمن من تحولات المكان بين الماضي، والحاضر، والمستقبل؛إذ تمثل الإحالات، تاريخ العمران الذي يتداخل مع القاطنين في تلك الأماكن، والفترة الزمنية،والأحداث الماضية، والحاضرة التي تتداخل معها.
ولأن الرواية تركز على علاقة الأحداث بالتاريخ، وإعادة صياغة الحركات السرية التي تعمل في الظل وتأثيرها في صناعة القرار؛ فإنها تتناول حدثًا مهمًا، وتربط شخصياته في كل مرة بذلك اللغز ذي البعد المعماري، وتمثل الحدث في مقتل ثلاثة مؤرخين في ظروف غامضة وبالطريقة نفسها، وفي التوقيت نفسه في ثلاث مدن مختلفة: عبدالقادر بنوزاني، أستاذ التاريخ المغربي، أحمد عبدالوارث أستاذ التاريخ المصري، والصحافي الكندي صديق الصحافي المصري طلعت نجاتي
ولم يكن التشكيل المعماري(الهرم) وما ارتبط به من تشكيلات معمارية أخرى إلا وسيلة لفك لغز الماسونية ذات الامتداد التاريخي بين القديم والحديث، الجد والحفيد، موطن الخلافة الإسلامية العثمانية كما تصوره الرواية(إستانبول)، ومركز الإشعاع الإسلامي والخلافة الأولى (مكة والمدينة).
ولا نعدم في لوحة الغلاف حضور هذه المسارات المتوازية: المعمار بتشكيله التاريخي والمعاصر”.
وقد اختتمت المحاضرة بعدد من المداخلات التي أثرت الجلسة حيث شكر الحضور د.المفرح على إثرائها للأمسية التي حظيت بمتابعة بحضور جمع من الأدباء والمثقفين والمعماريين.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية

إقرأ أيضاً:

فضيحة “الدرونز” التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة

#سواليف

في ليلة 17 يوليو/تموز 2014، كانت عائلة شحيبر التي تنحدر من #غزة على موعد مع حادث أليم ومُعتاد في #فلسطين المحتلة، حيث قصف #جيش_الاحتلال منزلهم. أما الهدف الإستراتيجي، فتمثل في قتل عدة أطفال: أفنان (8 سنوات)، ووسيم (9 سنوات)، وجهاد (10 سنوات)، الذين استُشهِدوا وهم يُطعِمون الحَمام على سطح المنزل، فيما تسبب القصف في استشهاد طفلين آخرين.

بعد القصف مباشرة، بدأت منظمتان حقوقيتان هما “الميزان” الفلسطينية و”بتسيليم” الإسرائيلية في البحث عن السبب الحقيقي وراء الاستهداف، لكنها خلصت إلى عدم وجود أي هدف عسكري في منزل شحيبر حسب ما أكدته الأمم المتحدة نفسها بعد ذلك في تقرير نشرته في يونيو/حزيران 2015.

هناك سؤال ثانٍ كان يؤرق المحققين المستقلين حيال #السلاح الذي استُخدِم في القصف، وما أثار الاهتمام في أثناء تنقيب المحققين هو أسطوانة سوداء حملت نقوشا مسحها الانفجار جزئيا وعليها كُتب “أوروفارد ـ باريس ـ فرنسا”.

مقالات ذات صلة حالة الخوف تدفع الذهب إلى مزيد من الصعود 2025/04/05

بسبب هذا الاكتشاف رفعت أسرة شحيبر دعوى في فرنسا ضد شركة “إكسيليا”، بسبب تواطؤها المحتمل في جريمة حرب اقترفتها إسرائيل في عملية “الجرف الصامد”. تقول هذه الأسطوانة الكثير عن الدعم العسكري والتقني الفرنسي لصالح جيش الاحتلال، وأحدث فصل فيه ما كشف عنه موقع “ديسكلوز” في تحقيق يورط فرنسا في #جرائم_إسرائيل في حق أهل غزة أثناء #حرب_الإبادة الدائرة حاليا.

رمادية فرنسية

قبل انطلاق الحرب على غزة يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت فرنسا رسميا وإعلاميا أيضا تصرح بالدعم الكامل لجيش الاحتلال للرد على ما حدث في السابع من أكتوبر. لكن إسرائيل حولت هذا الزخم الغربي من التعاطف إلى الإقدام على #جرائم حرب يصعب إخفاؤها.

بدأ التوجس يجد طريقه إلى أروقة الداعمين الغربيين، خصوصا مع ارتفاع الأصوات الرافضة للإبادة في الرأي العام الغربي، ومحاولاته الضغط على صناع القرار لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.

في فرنسا، سبق أن وجَّه 115 برلمانيا في أبريل/نيسان من عام 2024 رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مطالبين إياه بإيقاف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، لأن أي تحرك عكس ذلك يعني ضلوع باريس في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

قبل ذلك بأيام، كان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أصدر قراره بحظر تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال، وصوَّتت 28 دولة لصالح هذا القرار، فيما اعترضت 6 دول على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، أما فرنسا فوجدت لنفسها مكانا مريحا في المنطقة الرمادية التي جلست فيها 13 دولة من الممتنعين عن التصويت.

يتسق موقف فرنسا من هذا القرار الأممي مع موقفها العام حيال حرب غزة، وملف تزويد إسرائيل بالأسلحة، أو ببعض القطع التي تستعملها تل أبيب في صناعة أسلحتها التي توجهها في الغالب نحو الفلسطينيين العُزّل.

منذ بداية الحرب على غزة، سلكت فرنسا مسلكا يرقص على جميع الحبال، فهي لم تعلن قطع أي تعامل عسكري مع دولة الاحتلال، لكنها في الوقت نفسه نزلت بهذا التعاون إلى أقل درجة ممكنة، بحيث تحافظ على خيط رفيع يربطها بتل أبيب، مع بذل كل الجهد المطلوب للمحافظة على هذا الخيط من الانقطاع.

موضوعيا، لا تُمثِّل تجارة الأسلحة بين فرنسا وإسرائيل إلا 0.2% فقط من 27 مليار يورو من صادرات باريس إلى دول العالم التي يمكنها استعمالها عسكريا أو في مجالات تقنية أخرى وتكون غالبا مجرد قطع غيار، حسب تصريح سيباستيان ليكورنو، وزير القوات المسلحة الفرنسي.

لا تمانع فرنسا من تبادل المساعدة مع الإسرائيليين فيما يخص بيع الأسلحة، لكن المساعدة تخضع لحسابات أخرى أفصحت عنها مصادر لصحيفة “لوموند” أثناء التحقيق الذي نشرته الجريدة الفرنسية عام 2021 حول برنامج “بيغاسوس” للتجسُّس، حيث يقول المصدر: “نحن قريبون من الإسرائيليين بمسافة تسمح لنا أن نعرف ماذا يفعلون، لكن في الوقت ذاته، لدى فرنسا رغبة واضحة في عدم مساعدة إسرائيل في أي عمليات تقوم بها في غزة، لذلك لا نريد أخذ أي مجازفة في إرسال بعض الأسلحة التي قد تُستعمل في ذلك”.

أسلحة فرنسا.. للدفاع فقط

في تقرير لها في 28 أبريل/نيسان الماضي، أفادت صحيفة “لوموند” أن فرنسا حتى قبيل الحرب الأخيرة على غزة كانت تزود إسرائيل بقطع ضرورية لصنع القذائف المدفعية، لكن في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قررت باريس وقف العقود الخاصة بهذه القطع.

وتشير تقارير البرلمان الفرنسي الصادرة عام 2023 إلى أن فرنسا أرسلت إلى إسرائيل عددا من المعدات الخاصة بتدريع السيارات والمراقبة عبر الأقمار الصناعية.

بعيدا عن المعلومات التي جاءت في وسائل الإعلام الفرنسية، ثمَّة أخبار أخرى أكثر لفتًا للأنظار، منها التحقيق الاستقصائي الذي نشره موقع “ديسكلوز” الفرنسي في مارس/آذار 2024، وقال إن باريس سمحت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023 بإرسال شحنة تضم ما لا يقل عن 100 ألف خرطوشة (ما يغلّف الطلقة)، انطلقت من مرسيليا عبر شركة “أورولينكس” الفرنسية المتخصصة في صناعة المُعدات العسكرية.

يشير التحقيق إلى أن حجم الشحنة وصل إلى 800 كيلوغرام من الذخائر أُرسِلَت إلى شركة “آي إم آي سيستمز” الإسرائيلية، المُزوِّد الحصري للجيش الإسرائيلي لهذا النوع من الذخائر، ويتعارض هذا التمويل المباشر مع تأكيد باريس عبر قياداتها السياسية أن الأسلحة والمعدات الدفاعية فقط هي ما تصل إلى تل أبيب.

فضيحة المُسيَّرات

مع جولة خفيفة في مواقع التواصل الاجتماعي للعالقين في غزة، نجد أن صوت الخلفية المشترك بين الفيديوهات يغلب عليه ضجيج الطائرات المُسيَّرة، أو ما ُسميه أهل غزة بـ “الزنّانات”.

شكَّلت حرب غزة فرصة لإسرائيل لتفعيل الكتيبة 166 التي تحمل اسم “سرب الطيور النارية”، بحسب ما نشر موقع “إسرائيل ديفِنس”، والهدف من هذه الطائرات هو مراقبة غزة، ثم تنفيذ الضربات. وضمن هذا السرب هناك الطائرة “هيرميس 900” التي يصل طولها إلى نحو 15 مترا، وهي قادرة على الطيران لمدة 30 ساعة متواصلة، وعلى ارتفاع 9000 متر.

لا يحتاج الضباط الذين يوجِّهون هذه الطائرات إلا إلى غرفة تحكم تبعد مئات الكيلومترات عن مسرح العمليات، ثم تنفيذ الضربات مستفيدين من الدقة الكبيرة التي توفرها هذه الطائرات الحديثة، حيث بإمكانها مثلا الإجهاز على سائق سيارة على بُعد 5 أو 10 أمتار دون إصابة أي راكب آخر في السيارة نفسها، رغم أن الاستعمال الإسرائيلي لهذه الأسلحة لا يهتم كثيرا بالقتلى المدنيين.

في تحقيق جديد حول صفقات السلاح بين فرنسا وإسرائيل، نشر موقع التحقيقات الفرنسي “ديسكلوز” وثائق تُثبت تورط شركة “تاليس” الفرنسية، التي تمتلك الدولة 26% من أسهمها، في تسليم إسرائيل مجموعة معدات إلكترونية تساعد في جمع قطع طائرة “هيرميس 900″، من بينها قطعة “TSC 4000 IFF”، وهي تساعد هذه المُسيَّرات على تجنُّب الصواريخ والمُسيَّرات “الصديقة” التي قد تعترض طريقها، حتى لا تسقط الصواريخ الموجهة نحو الفلسطينيين على الإسرائيليين أنفسهم.

يشير التحقيق إلى أن 8 قطع من هذه الأجهزة أُرسِلَت فعلا إلى إسرائيل بين ديسمبر/كانون الأول 2023 ومايو/أيار 2024، أي بعد أشهر من انطلاق العمليات الإسرائيلية في غزة.

ويسلط التحقيق الضوء على إشكالية مراقبة العقود السرية التي تعقدها الجهات العليا الفرنسية مع بعض الدول ومن بينها إسرائيل، وذلك رغم خروج وزير الدفاع الفرنسي يوم 20 فبراير/شباط 2024 أمام البرلمان مؤكدا أن جميع القطع التي تُرسَل إلى إسرائيل عبارة عن معدات يُتأكَّد من نوع الآليات التي تُستَعمل فيها.

يعود هذا التعاقد السري بين فرنسا وإسرائيل إلى 2 مارس/آذار 2023، حين اشترت شركة “إيلبيت سيستيمز” الإسرائيلية المصنعة لطائرات “هيرميس 900” ثماني قطع إلكترونية بمبلغ 55 ألف يورو للقطعة الواحدة من جهات فرنسية (440 ألف يورو إجمالا). وصل الطلب بعد أسابيع من انطلاق الرد الناري على هجمات 7 أكتوبر، في الوقت الذي كانت تحذر فيه الأمم المتحدة من أن النيران الإسرائيلية غالبا ما تطول النساء والأطفال الرضع.

ورغم ذلك، يقول موقع “ديسكلوز” إن وزارة الدفاع الفرنسية لم تحترم الاتفاقيات التي وقَّعت عليها بعدم بيع أسلحة لجهات تستهدف المدنيين، بل واصلت دعم تحركات حكومة نتنياهو في تدمير قطاع غزة.

كانت فرنسا قد واجهت في وقت سابق دعوة من 11 منظمة حقوقية تتزعمها منظمة العفو الدولية “أمنستي” بسبب إرسالها أسلحة إلى تل أبيب، مع العلم أن الأخيرة لا تجرب أسلحتها ولا الأسلحة التي تحصل عليها من حلفائها إلا في مواجهة الفلسطينيين.


سكوربيون

تجمع فرنسا وإسرائيل علاقة تسليح وتكنولوجيا وطيدة، ويكشف تحقيق مهم لموقع “أوريان 21” عن العلاقة بين جيش الاحتلال وجهاز الدفاع الفرنسي، وعن الغموض الكبير الذي يكتنف هذه العلاقة، التي تشهد تعاونا بين الفرنسيين والإسرائيليين على حروب المستقبل التي سيكون أبطالها الروبوتات والطائرات المُسيَّرة.

تمتاز العلاقات بين فرنسا وإسرائيل بنوع من الودية، وإن كانت قد تعكرت في الفترة الأخيرة، بيد أن الأمر ليس بذلك الوضوح أو الشفافية فيما يتعلق بالجانب العسكري، لأن العلاقة تتأرجح بين الود والمنافسة، بل تصل أحيانا إلى الاختراق. لا يحب الفرنسيون الطريقة التي يتعامل بها الإسرائيليون في مجال الصناعات العسكرية، فهم يكسرون الأثمان بهدف الاستيلاء على أسواق السلاح.

وليس هذا فحسب، بل أصبح جيش الاحتلال منذ سنوات يتوجه إلى أهم الأسواق التقليدية التي كانت فرنسا تتمتع بالأفضلية المطلقة فيها لينافسها هناك، وهي سوق أفريقيا.

منذ اتفاق أوسلو، استثمرت إسرائيل كثيرا في القارة السمراء، خصوصا في مجال حماية الأنظمة القائمة. وفي السياق نفسه، حافظ الإسرائيليون رغم ذلك على نوع من التعاون مع الفرنسيين كما حدث في الكاميرون، حيث دعموا الجيش الكاميروني للقتال ضد جماعة “بوكو حرام”، وأقدم مرتزقة إسرائيليون على تأطير كتيبة التدخل السريع، التي تعمل تحت قيادة الرئاسة مباشرة، وجهز الإسرائيليون كتيبة التدخل السريع ببنادق كانت حتى الأمس القريب لا تأتي إلا من الصناعة الفرنسية.

تجاوز تأثير السلاح الإسرائيلي رعايا فرنسا السابقين من الأفارقة إلى فرنسا نفسها. وصحيح أن جيش الاحتلال منذ بدء عدوانه الغاشم على غزة قد استعان بكل مَن له إبرة يمكنها أن تغطي حاجتها العسكرية لإبادة غزة وسكانها، إلا أن الإسرائيليين في الظروف العادية يؤثّرون بالفعل في مجال التسليح والدفاع الفرنسي، مع أن العكس ليس صحيحا بالضرورة.

ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت فرنسا هي التي تبيع الأسلحة لجيش الاحتلال، أما اليوم، فأضحت تل أبيب تبيع لباريس، إذ استوردت فرنسا أنظمة المراقبة الإلكترونية والمُسيَّرات، وحتى الجنود الآليين. ولا يُخفي الفرنسيون انبهارهم بالتكنولوجيا الإسرائيلية، وبالقليل من البحث، يمكننا الوصول إلى بعض نتائج هذا التعاون الخفي، أما الفاكهة المسمومة الأكثر نضجا هي “برنامج سكوربيون”.

لا يعلم الفرنسيون الكثير عن برنامج خفي يسمى “تآزر الاتصال المعزز بتعدد الاستخدامات وتثمين المعلومات”، المعروف اختصارا بـ”سكوربيون”، وهو برنامج “ذكي” سيدخل في قلب إستراتيجية القوات البرية الفرنسية للعقدين المقبلين.

أهم نقطة في برنامج “سكوربيون” هي تطوير قيادة رقمية واحدة تعتمد على وصلة مشتركة، تسمح للجنود المختلفين والأدوات العسكرية المنتشرة، وبالخصوص المُسيَّرات والروبوتات، بالاتصال في وقت واحد لاستباق أي ردود فعل يقوم بها العدو المفترض.

لذا، سيتمكن الجندي الفرنسي من الحصول على جميع هذه المعلومات عبر مواقع “جي بي إس” خاصة بالبرنامج، الذي عملت عليه شركة “إلبيت” الإسرائيلية، من أجل حرب “بدون ضوضاء”، وبحيث يُتيح هذا النظام الاستباقي لفرنسا أن تتجنَّب مقتل العديد من جنودها عبر قراءة التحركات الاستباقية لعدوها.

عمل جيش الاحتلال على تطوير تقنياته عبر تجريبها في غزة وفوق جثث أهلها، ولذلك تمكن من التقدم في نقاط ثلاث: أولها محو أصوات محركات المُسيَّرات، وثانيها تصغير حجمها وتطويرها بحيث يماثل حجمها حجم الحشرات، وأخيرا القضاء على أي آثار رقمية لها مع تحديد إشارات العدو.

كل هذا وأكثر يوجد في برنامج “سكوربيون” الذي لا تقتصر أهميته في الصناعة الفرنسية على الاستخدام، بل تتجاوزه إلى التصدير، حيث أبدت بعض الدول، ومنها دول عربية، حماسها الشديد للحصول عليه، وهو برنامج وصل بالطبع، قبل كل هؤلاء المشترين، إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبذلك يبدو الموقف “المحايد” الذي تحاول القيادة السياسية في فرنسا اتخاذه من حرب الإبادة الحالية، موقفا لا تعضده مواقف الجانب العسكري، الذي بات بصورة أو بأخرى جزءا من هذه الحرب، وجزءا من آلة القتل التي تحرق وتدمر يوميا كل ما تطاله دون رادع.

مقالات مشابهة

  • إطلاق “أسبوع فنّ الرياض” لتعزيز التبادل الثقافي
  • ما الذي تخشاه واشنطن من “العين الصينية” في “البحر الأحمر”..!
  • “دقلو” يبدو أن الزهللة التي يعيشها أنسته أنه هاجم من داخل العاصمة ولم يتمكن من الاحتفاظ بها
  • قصة أيوب لحميدي لاعب “منتخب جبل طارق” الذي هزم الرجاء في كأس العرش
  • ما هي خطة “الأصابع الخمسة” التي تسعى دولة الاحتلال لتطبيقها في غزة؟
  • هيئة الفنون البصرية تطلق غدًا “أسبوع فن الرياض”
  • شاهد بالفيديو.. من “بلكونة” شقتها بالقاهرة.. سيدة سودانية توثق لعودة مئات السودانيين إلى وطنهم و 9 بصات سفرية تنقل المواطنين يومياً من أمام العمارة التي تسكن فيها
  • لوحات “ورث السعودية” تزيّن الطرق السريعة لتعريف بالحرف الوطنية الأصيلة
  • “نيويورك تايمز” تنشر فيديو لاستشهاد عمال الإغاثة في غزة مارس الماضي وتدحض الرواية الإسرائيلية
  • فضيحة “الدرونز” التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة