رمضان في جنوب العراق.. تفاوت اقتصادي واختفاء تقاليد اجتماعية- عاجل
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
بغداد اليوم - خاص
يعيش سكان جنوب العراق شهر رمضان في سياق يختلف عن باقي المحافظات، حيث تتباين الأوضاع الاقتصادية والخدمية من منطقة إلى أخرى، مما ينعكس على طبيعة استقبال الأهالي لهذا الشهر الفضيل.
وبينما تعاني بعض المحافظات من مشكلات البطالة وغياب فرص العمل، تشهد أخرى تحسنًا اقتصاديًا وفرصًا وظيفية جديدة.
في هذا التقرير، نستعرض آراء الأهالي والمسؤولين والأكاديميين حول واقع رمضان في محافظات الجنوب، وكيف أثرت الأوضاع الاقتصادية والخدمية على حياتهم اليومية.
تحديات اقتصادية تلقي بظلالها على رمضان
يرى بعض سكان الجنوب أن تراجع المستوى المعيشي وغياب فرص العمل أثّرا بشكل واضح على أوضاعهم في هذا الشهر، خاصة بالنسبة للعاملين في المهن اليدوية الشاقة، مثل أعمال البناء، التي تمتد ساعاتها من السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً.
هذا الوضع يضعهم أمام معضلة الاختيار بين الصيام والاستمرار في العمل أو البقاء في المنزل دون مصدر رزق، في ظل غياب البدائل الاقتصادية وانعدام الحلول الحكومية. كما أشار بعض المواطنين إلى أن السلة الغذائية المقدمة من الحكومة تفتقر إلى أبسط الاحتياجات، مما يزيد من معاناة الأسر التي تعتمد على قوتها اليومي.
البصرة.. تحسن اقتصادي وفرص عمل في القطاع النفطي
في محافظة البصرة، يختلف الوضع عن باقي مدن الجنوب، حيث يشير عضو مجلس المحافظة، شكر محمود، إلى أن رمضان هذا العام شهد تحسنًا اقتصاديًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات الماضية، بفضل التطورات الاقتصادية التي ساهمت في استقرار أوضاع العديد من العائلات البصرية.
وأكد محمود لـ"بغداد اليوم" أن الحركة الاقتصادية في المحافظة نشطة، رغم استمرار معاناة بعض الفئات التي تعتمد على الدخل اليومي، إذ واجه هؤلاء تحديات في التوفيق بين ساعات العمل الشاقة ومتطلبات الصيام، ما أثر على دخلهم اليومي. لكنه أشار إلى أن بعض العمال لجأوا إلى تقليص ساعات عملهم لموازنة احتياجاتهم.
وأوضح محمود أن الحقول النفطية في البصرة وفّرت هذا العام فرص عمل جديدة، حيث تمكنت مكاتب التشغيل المحلية من توظيف عدد من الشباب، ما انعكس إيجابًا على الوضع الاقتصادي في المحافظة.
ذي قار.. مشاريع خدمية توفر فرص عمل
أما في ذي قار، فقد شهدت المحافظة تحسنًا اقتصاديًا نسبيًا، وفق ما أكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار، الدكتور نجم عبد طارش، الذي أشار إلى أن المشاريع الخدمية الجديدة ساهمت في توفير فرص عمل كبيرة لشباب المحافظة.
وأوضح عبد طارش أن صندوق إعمار المحافظة، الذي تم إنشاؤه قبل سنوات، بدأ ينعكس إيجابيًا الآن على الواقع الخدمي والاقتصادي، حيث ساهم في تقليل نسبة البطالة بين الشباب، مشيرًا إلى أن ذي قار اليوم باتت أفضل حالًا مقارنة بالسنوات الماضية، مع استقرار اقتصادي نسبي وتحسن في بعض القطاعات.
وأضاف أن استقرار المحافظة في عدة مجالات ساهم في تعزيز بيئة اقتصادية أكثر إيجابية للشباب، مؤكدًا أن رمضان هذا العام يشهد تحسنًا واضحًا مقارنة بالأعوام السابقة.
ميسان.. مبادرات حكومية تقلل البطالة وانخفاض الجريمة
في ميسان، أشارت الناشطة الاجتماعية، إيمان اللامي، إلى أن المحافظة شهدت تحسنًا في توفير فرص العمل بفضل برامج حكومية مثل برنامج "ريادة"، الذي ساهم في تقليل نسبة البطالة بين الشباب، حيث تكاد تصل نسبة التشغيل إلى 90%.
وأضافت اللامي أن انتشار الأسواق الحديثة والمحال التجارية الكبرى (البراندات) أسهم في توفير وظائف جديدة لشباب ميسان، مؤكدة أن الاستقرار الاقتصادي انعكس إيجابيًا على الأمن، حيث شهدت المحافظة انخفاضًا في معدلات الجريمة وعمليات السرقة خلال رمضان.
وفيما يتعلق بالعادات الغذائية، أكدت اللامي أن الأكلات التقليدية، مثل السمك "السمتي" و"مطبك الزوري"، لا تزال تحافظ على مكانتها في موائد الإفطار، بينما تبقى وجبة "القيمر والبيض" من الأطباق الأساسية في السحور. لكنها عبّرت عن أسفها لاختفاء بعض العادات الاجتماعية الرمضانية، مثل تبادل الأطعمة بين الجيران والزيارات العائلية الليلية، التي باتت شبه معدومة.
المثنى.. أوضاع اقتصادية متدهورة وفرص عمل شبه معدومة
على النقيض من البصرة وذي قار وميسان، تواجه المثنى تحديات اقتصادية كبيرة، حيث يؤكد النائب محمد رسول الرميثي أن المحافظة تعاني من شح في فرص العمل، مما انعكس سلبًا على أوضاع العائلات خلال رمضان.
وقال الرميثي لـ"بغداد اليوم" إن حتى الوظائف الشاقة، مثل العمل في البناء، باتت تحتاج إلى وساطات للحصول عليها، وسط غياب الحلول الاتحادية وافتقار السلة الغذائية لأبسط المستلزمات.
وأضاف أن زيارة رئيس الوزراء للمحافظة لم تسفر عن أي حلول فعلية، حيث تم افتتاح معمل طماطم للقطاع الخاص، رغم أنه يعمل منذ ثلاث سنوات، مشيرًا إلى أنه طالب الحكومة بالتعاقد مع المعمل لتوريد معجون الطماطم ضمن مفردات البطاقة التموينية، لكن دون جدوى. وأكد أن المثنى لا تزال تعاني من الأوضاع ذاتها التي شهدتها في رمضان خلال السنوات الماضية، دون أي تغيير.
رمضان الجنوب بين الماضي والحاضر
بالمجمل، يشهد رمضان هذا العام في جنوب العراق تغييرات واضحة مقارنة بالسنوات الماضية، إذ اختفت العديد من العادات الاجتماعية، مثل تبادل الأطعمة وزيارات الأقارب، لصالح انشغال الأفراد بالعمل أو قضاء الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي. وبينما تحسنت الأوضاع الاقتصادية في بعض المحافظات بفضل المشاريع التنموية، لا تزال محافظات أخرى تعاني من مشكلات البطالة وتدهور مستوى المعيشة، ما أثر على أجواء رمضان وحياة العائلات العراقية في هذه المناطق.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: اقتصادی ا فرص العمل هذا العام فرص عمل تحسن ا إلى أن ذی قار
إقرأ أيضاً:
مستقبل مجهول وأرقام مرعبة: الاقتصاد العراقي بين فكّي المحاصصة وسوء الإدارة - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
يواجه الاقتصاد العراقي تحديات متعددة تهدد استقراره ونموه المستدام، من أبرزها هيمنة المحاصصة السياسية وسوء الإدارة، مما أدى إلى تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد. وبهذا الشأن أكد الخبير الاقتصادي صالح رشيد أن العراق يعاني من غياب التنسيق بين مؤسساته المالية، ما تسبب في أزمة سيولة قد تتفاقم مع استمرار المتغيرات الدولية المؤثرة على أسعار النفط.
تأثير المحاصصة السياسية على الاقتصاد العراقي
أدت المحاصصة السياسية إلى توزيع المناصب الحكومية بناءً على الانتماءات الحزبية والطائفية، مما أسفر عن استبعاد الكفاءات وتعيين أشخاص غير مؤهلين في مواقع صنع القرار الاقتصادي. هذا النهج أضعف المؤسسات الاقتصادية وأدى إلى تبني سياسات غير فعّالة، مما أثر سلبًا على التنمية الاقتصادية.
أكد رشيد بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "الوضع السياسي أثر على الاقتصاد من خلال عدة أبعاد، أبرزها إنتاج مبدأ المحاصصة وإبعاد الكفاءات، إضافة إلى الاستغناء عن العديد من هذه الكفاءات، ما أثر على آليات وخطط الاقتصاد والمال". كما أشارت تقارير إلى أن المحاصصة والسياسات الفاشلة كانت من الأسباب الرئيسية لتدهور الاقتصاد الوطني، حيث عطّلت القطاعات الإنتاجية وأضعفت الصناعة الوطنية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الفقر.
فإذا كانت نسبة الوظائف في الوزارات الأمنية تبلغ 54% من إجمالي الوظائف الحكومية، فهذا يعني أن 46% فقط من الوظائف تتوزع على باقي القطاعات. بافتراض أن إجمالي عدد الموظفين الحكوميين هو 3 ملايين موظف، فإن عدد الموظفين في الوزارات الأمنية يبلغ 1.62 مليون موظف، بينما يتوزع 1.38 مليون موظف على بقية القطاعات. هذا التوزيع غير المتوازن قد يؤدي إلى نقص في الكفاءات والموارد البشرية في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.
سوء الإدارة وتداعياتها على الاقتصاد
إلى جانب المحاصصة، يعاني العراق من سوء إدارة في المؤسسات المالية، مما أدى إلى غياب التنسيق بين السياسات المالية والنقدية. هذا الافتقار إلى التناغم تسبب في ضعف الوضع المالي للبلاد وأدى إلى أزمة سيولة. يقول رشيد: "هناك سوء إدارة في كل من البنك المركزي ووزارة المالية، ما تسبب في حالة عدم التناغم بين السياسة المالية والنقدية، مما جعل وضع العراق المالي ضعيفًا، بدليل أنه يعاني حاليًا من ملف قلة السيولة".
وأضاف: "كان الأحرى أن يكون هناك تنسيق ممنهج بين النفقات والإيرادات لتفادي هذه الإشكالية"، مشددًا على أن "سوء الإدارة يعد من العوامل المؤثرة والتي لها ارتدادات مباشرة على ملف القرار الاقتصادي في العراق".
فإذا كان إجمالي الميزانية لعام 2024 يبلغ 211 تريليون دينار عراقي (161 مليار دولار) مع عجز متوقع قدره 64 تريليون دينار، فإن نسبة العجز إلى إجمالي الميزانية تبلغ حوالي 30.3%. مع توقع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل في عام 2025، قد يتسبب ذلك في زيادة العجز المالي إذا لم تُتخذ تدابير تقشفية أو تُعزز الإيرادات غير النفطية.
تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصاد العراقي
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على إيرادات النفط، حيث تشكل حوالي 90% من إيرادات الدولة. هذا الاعتماد المفرط يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. في الآونة الأخيرة، شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجعت إلى 70 دولارًا للبرميل.
أوضح رشيد أن "العامل الدولي ومتغيراته وتأثيره المباشر على أسعار النفط دفع إلى انخفاضها إلى 70 دولارًا، وبالتالي سيكون لهذا الأمر تداعيات مباشرة على الوضع المالي في العراق من خلال زيادة الاقتراض الداخلي".
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة رويترز، فإن العراق يواجه ضغوطًا مالية في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، مما يستدعي تبني سياسات مالية أكثر صرامة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
فإذا كان سعر النفط المتوقع في الميزانية هو 70 دولارًا للبرميل، وكان العراق يصدّر 3.5 مليون برميل يوميًا، فإن الإيرادات اليومية المتوقعة ستكون 245 مليون دولار. على مدار عام كامل، ستكون الإيرادات حوالي 89.4 مليار دولار. إذا انخفض سعر النفط بمقدار 10 دولارات إضافية إلى 60 دولارًا للبرميل، فإن الإيرادات السنوية ستنخفض إلى 76.65 مليار دولار، مما يعني خسارة سنوية قدرها 12.75 مليار دولار. هذا الانخفاض سيزيد من العجز المالي ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد العراقي.
توصيات وإصلاحات مقترحة
لمواجهة هذه التحديات، يجب على العراق تبني مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية بحسب اقتصاديين، بما في ذلك:
تعزيز الحوكمة الرشيدة: من خلال مكافحة الفساد وتطبيق معايير الشفافية في جميع القطاعات الحكومية.
تنويع الاقتصاد: عن طريق تطوير القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.
إصلاح النظام السياسي: من خلال إنهاء نظام المحاصصة وتعيين الكفاءات المؤهلة في المناصب القيادية لضمان اتخاذ قرارات اقتصادية فعّالة.
تحسين إدارة الموارد المالية: عبر التنسيق الفعّال بين السياسات المالية والنقدية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتفادي الأزمات المالية المستقبلية.
مخاطر وارتدادات
يواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب تبني إصلاحات جذرية لمعالجة تأثيرات المحاصصة وسوء الإدارة وتقلبات أسعار النفط. ومع استمرار المحاصصة وسوء التخطيط، يبقى العراق في مواجهة مخاطر اقتصادية خطيرة قد تكون لها ارتدادات قاسية على الأسواق والاستقرار المالي للبلاد. كما أكد رشيد، فإن "الاقتصاد العراقي بحاجة إلى قراءة متأنية للمستقبل لتفادي ارتدادات قد تكون قاسية في المستقبل". من خلال تنفيذ الإصلاحات الضرورية، يمكن للعراق تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان مستقبل مزدهر لشعبه.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات