طاهر محمد الجنيد

في كل المواجهات مع الاستعمار والاستعباد في فلسطين وغيرها، الأنظمة والزعامات العربية لا تستطيع أن تتخذ قراراتها بل إنها تعول على الآخرين فيما يجب أن تقوم به، لذلك فكل خطاباتها ومناشداتها إما للمجتمع الدولي أو لليهود والنصارى، جاعلة إياهم خصما وحكما، ولا تخرج قراراتهم الجماعية والفردية عن ذلك، يناشدونهم بالتدخل للضغط على العدو الإسرائيلي ووقف الجرائم التي يرتكبها والدخول في المفاوضات .

رئيس السلطة الفلسطينية (عباس) في أوج الإجرام الصهيوني المسلّط على رفح قال (نأمل أن تتوقف إسرائيل عن هذا العمل ونناشد –كررها ثلاث مرات- أمريكا بالإيعاز أو بالطلب من إسرائيل بأن تتوقف عن عملية رفح) وهذا هو أكبر احتجاج صرح به مسؤول عربي، أما الآخرون فقد باركوا العملية قولا وعملا.

بعض عقلاء ومفكري الغرب تخلصوا من جريمة الصمت وغادروا مربع الخوف من تهمة معاداة السامية التي اغتالوا بها كل المعارضين لليهود أمثال “روجيه جارودي” الذي غيّر اسمه إلى “رجاء جارودي” بعد إسلامه وفضح الدعاية اليهودية في كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة اليهودية “، ومنهم الكاتبة الفرنسية (فيفان فورستيه) في كتابها “جريمة الغرب” الذي تناولت فيه كيف حوّل الإجرام الغربي ضد اليهود إلى تعاون بينهما من خلال عدة أسئلة :
من أحرق من الأوروبيون؟ أم عرب فلسطين أحرقوا يهود أوروبا؟ وهم من ارتكبوا المحرقة؟ مَنْ جوع مَنْ؟ عرب فلسطين جوعوا اليهود أم نحن الأوروبيون من قام بذلك؟ من أقام المقابر الجماعية، الأوروبيون هم من قاموا بذلك وهم من قاموا باحتلال أرض فلسطين وتهجير سكانها واحتلوها بالقوة والإرهاب ومنحوها لليهود، (صنعنا مأساة الشعب الفلسطيني؛ غسلنا عارنا بدماء الفلسطينيين وتركنا اليهود يتفننون في قتل وذبح وهدم بيوت الفلسطينيين وتهجيرهم والاستيلاء على أرضهم واحتلال بلدهم أمام أعيننا وجعلنا من المظلومين إرهابيين وقتلة)، اليهود أيضا ليسوا بريئين من دماء النصارى، بل وصل إجرامهم إلى محاولتهم قتل المسيح عيسى ووصفه بما لا يليق ووصف السيدة العذراء أيضا؛ وفي كتاب “سدحادرون” اعترفوا بقتلهم لمائتي ألف نصراني في روما بالإضافة إلى كل نصارى قبرص عام 214م.

لقد تم التأسيس لاحتلال فلسطين على أنها أرض الميعاد بسبب وجود جينات يهودية تربطهم بفلسطين وذلك غير صحيح بل إن ما يربطهم بها هو المشروع الاستعماري لا غير، فالدكتور الشهيد/جمال حمدان- عالم الانثربولوجيا المصري قدم دراسته عن الصلة الجنسية والجينية بين يهود اليوم ويهود التوراة وأثبت أنها (مفقودة تماما من الناحية العملية ؛فيهود اليوم أوروبيون سلاف أو آريون أكثر منهم ساميون)، وهو ذات الاستنتاج الذي توصل اليه عالم الانثربولوجيا البريطاني “جيمس فنتون” في دراسته عن يهود إسرائيل بأن 95% منهم ليسوا من بني إسرائيل التوراة، وانما هم اجانب متحولون مختلطون في جملته اختلاطا يبعدهم عن أي أصول إسرائيلية فلسطينية قديمة .

الدكتور جمال حمدان تم اغتياله في شقته في مصر بسبب دراسته، لكن إذا ثبت ذلك فليس هناك مجال للاستناد إلى النصوص الدينية المحرفة التي يتعلقون بها، لكن كل التعلق هو من خلال القوة الاستعمارية والإجرام الذي جمع شتات القتلة والمجرمين وسلمهم فلسطين ليمارسوا فيها أبشع جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية حتى يتمكنوا من الاستيلاء عليها وتهجير أهلها .
على غير المعتاد أراد المذيع البريطاني المتصهين وأشهر إعلامي بريطاني هناك أن يدين الناشط الأمريكي “دان بليزيريان” بمعاداة السامية كتهمة جاهزة لإسكات صوته، لكنه ألجمه الحُجة –الساميون الحقيقيون هم الفلسطينيون لا اليهود ولو أجرى تحليل الحمض النووي لمن سلمت لهم فلسطين سيثبت أنهم يهود اشكناز من أوروبا الشرقية وليس لديهم حمض نووي عبراني تاريخي” وهو ما جعل إسرائيل تمنع وتجرّم أجراء التحليل فيها.

“دان” أثبت تناقض الإجرام الإعلامي في حق المسلمين وانحيازه للصهاينة (تستطيع أن تقول ما تشاء ضد مليار ونصف من المسلمين وتصفهم بالإرهاب وتسيء إلى مقدساتهم لكنك لا تستطيع أن تتحدث بالحقائق ضد اليهود)، من يتحدث عنهم يتعرض للقتل أو العزل حتى ولو أمضى عمره في خدمتهم سواء في أوروبا أو أمريكا أو في الوطن العربي بتهمة معاداة السامية .
اليهود يدّعون أنهم شعب الله المختار ويعاملون الآخرين كما لو أنهم حيوانات وفق تعاليم تلمودهم (إذا لم تكن يهوديا فأنت لست إنسانا)؛ ما يتحدث عنه “دان” جاء كثمرة لطوفان الأقصى الذي عرى إجرام اليهود وفضحهم على الملأ برغم التعتيم الإجرامي الإعلامي الذي تكالبت فيه قوى الهيمنة والصهيونية العالمية من أجل ذلك.

“دان” لديه واحد وثلاثون مليون متابع، لكنه معارض لليهود ولولا ذلك لما تمت المخاطرة بالحديث معه خاصة أنه يؤكد أن اليهود قاموا بقتل المسيحيين بشكل جماعي؛ ويدرسون أن يسوع يحترق في الجحيم وأن مريم العذراء عاهرة؛ ولديهم نظامان للعدالة ومن المقبول لديهم في دينهم سرقة غير اليهود؛ واغتصاب السجناء الفلسطينيين بشكل جماعي ولذلك فالتمويلات التي يحصلون عليها من أمريكا هي لتمويل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

العلو والاستكبار اليهودي والاستعماري بلغ اليوم أوج قوته وسطوته ولذلك يريد أن يثبت للعالم أجمع أنه قادر على اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وإخراجه منها من أجل التكفير عن خطاياه في حق شركائه في الإجرام، لكن على حساب الأمتين العربية والإسلامية التي باتت مسلوبة الإرادة والقرار؛ وكما يقال في جيش الثعالب الذي يقوده أسد أنه ينتصر على جيش الأسود الذي يقوده ثعلب، ما بالك إذا كان هؤلاء مجموعة من الثعالب سلمها الاستعمار والاستعباد مقاليد السلطة والحكم على حين غفلة من الشعوب .

القرآن الكريم يحثنا على العمل وعدم التواكل وينهانا عن اليأس والقنوط قال الله تعالى ((واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم ))، وفي سيرة المصطفى وجدنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يحث المؤمنين على الاعتماد على الله والخوف منه مهما واجهوا من الأعداء؛ بخلاف ذلك سلوك الخانعين والعملاء والخونة الذين يخافون من المجرمين أكثر من خوفهم من الله، يخافون من اليهود والنصارى والهندوس وكل الأعداء؛ ويعولون على الآخرين أن يقوموا بدورهم بدلا عنهم من أجل استرداد حقوقهم المسلوبة وأرضهم المغتصبة وثرواتهم المنهوبة؛ ويصل الأمر إلى حد التعاون مع الإجرام والمجرمين ضد المقاومة التي هي أمل الشعوب في الخلاص من الإجرام والإرهاب العالمي.

حاربوا شعوبهم ووصفوها بأحط الأوصاف ومكنوا للإجرام والاستعباد والاستعمار في كل شؤونهم وتحولوا من حماة إلى جلادين وسجانين وسخّروا إمكانيات بلدانهم لتطبيق ما يمليه عليهم الطغاة والمجرمون؛ وفي فورة الحماس وعدوا شعوب الأمتين العربية والإسلامية بأنهم قادرون على هزيمة الأعداء واسترجاع ما سُلب منها وإذا بهم يسلبون شعوبهم الأمن والاستقرار لصالح الإجرام والمجرمين .

فلسطين لم ولن يحررها من يعوّل على الآخرين القيام بدوره، وأن من يحررها هم المؤمنون والرجال الصادقون، وفي الإنجيل عبارة تكتب بماء الذهب “إن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه” أما في القرآن الكريم فيقول الله تعالى: ((الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء)).

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

ما الذي منحه الإسلام للمرأة وكيف حالها في ظلِّه؟

وقد منح الإسلام المرأة مكانة خاصة وحصَّنها معنويا وماديا ولم يسمح للرجل بالتعدي عليها أو احتقارها كما كانت الحال في أيام الجاهلية التي كانت تنظر للمرأة كأداة متعة تابعة للرجل ولا قيمة لها، كما قالت الأستاذة بكلية الشريعة في دمشق الدكتور لينا الحمصي.

ووفقا لما قالته لينا الحمصي في حلقة 2025/3/6 من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان"، فقد وصل امتهان المجتمع للمرأة قبل الإسلام أن سلبها حقها في اختيار الزواج وكذلك في الطلاق ولم يعترف بحقها في الامتلاك ولا في الإرث، حتى إنها كانت أحيانا تعتبر جزءا من ميراث الرجال.

ولم يكن وضع المرأة في الجانب الغربي من العالم بأفضل مما كانت عليه في بلاد العرب، ففي أوروبا الغربية والدولة البيزنطية كانت المرأة أفضل حالا لكنها كانت ممتهنة أيضا لدرجة أن الرجل كان بإمكانه بيعها في حال عجز عن الإنفاق عليها، كما تقول الدكتورة لينا.

لكن الإسلام -كما تقول الأستاذة بكلية الشريعة- أزال هذا الجور المجتمعي، فكرّم المرأة وانتقل بها من الانحدار للرقي وأجاز لها حق البيعة كما حدث مع الصحابية نسيبة بنت كعب التي شاركت في بيعة العقبة وشهدت الحروب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي مشهد آخر، أجارت أم هانئ رجلا أهدر النبي دمه ومنعت علي بن أبي طالب من قتله، ولما تخاصما إلى النبي قال صلى الله عليه وسلم "نجير من أجارته أم هانئ".

إعلان لا حرج في خروج المرأة

كما سمح النبي للمرأة بالخروج مع الرجال للقتال لرعاية الجرحى وتوفير الطعام والشراب وخوض القتال إذا اقتضى الأمر ذلك كما حدث مع نسيبة رضي الله عنها في أكثر من حرب.

ونزلت المرأة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- للسوق فباعت واشترت ولم ينكر النبي عليها هذا، مما يعني أنها لم تكن سجينة عند الرجل كما يشيع البعض، وفق لينا الحمصي.

وفي دليل على أهمية وعظم دور المرأة في الإسلام، لفتت إلى أن المسلمين أخذوا جزءا كبيرا من دينهم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- والتي كانت تفتي للمسلمين في أمور دينهم من وراء حجاب، حتى قيل إن ربع الشريعة نقلت عنها.

ليس هذا وحسب، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- ما يصل إلى 2200 حديث، وكان الصحابي أبو موسى الأشعري يقول "ما التبس علينا نحن الصحابة شيئا إلا ووجدنا عند عائشة له حلا".

ومن بين الأدلة على انخراط المرأة في المجتمع، ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأي الخنساء يقول لها "أسمعينا من شعرك".

ومع ذلك، فقد أمر المرأة بغض البصر كما أمر الرجل تماما، ومن ثم فقد عرف الإسلام الاختلاط بين الجنسين لكن ضمن ضوابط شرعية، حسب لينا الحمصي.

المرأة والمناصب

وحسب لينا الحمصي، فإن الإسلام لم يحرّم الكلام بين المرأة والرجل ومن ذلك ما جاء في سورة القصص عن سيدنا موسى -عليه السلام- وحديثه مع ابنتي نبي الله شعيب وسقيه لهما، مما يعني أن الحديث من أجل المساعدة مباح.

وحتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (سلطة الرقابة) الذي هو مقرون بالعمل والاختلاط مع الناس لم تُمنع المرأة منه في الإسلام، حيث ولَّى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الشفاء العدوية -التي كانت تعلم أم المؤمنين حفصة القراءة والكتابة- حسبة السوق.

ومن الثابت أن السيدة نفيسة وهي من نسل الحسن بن علي -رضي الله عنهم- كان لها مجلس تروي فيه الحديث، ويقال إن الإمام الشافعي سمع منها في مجلسها هذا، كما تقول لينا الحمصي.

إعلان

وكانت أم الدرداء الصغرى تدرس الحديث والفقه في الجامع الأموي وكان يحضره الرجال والنساء، وقد تتلمذ على يديها الخليفة عبد الملك بن مرْوان، ورجاء بن حيوة الذي تعلَّم على يديه الخليفة عمر بن عبد العزيز.

وعندما نتحدث عن دور المرأة الأساسي في الإسلام فهو -وفق لينا الحمصي- الإنجاب والتربية وتعليم الأولاد حتى يكبروا رجالا يمكنهم حمل لواء الدين والذود عنه والنهوض بأمر الأمة.

دور في الأدب والسياسة والعلم

ولا يعني هذا ألا تقوم المرأة بعمل آخر سوى الولادة والتربية إذا كانت قادرة على ذلك بزعم أولوية الوجود في البيوت، وفق لينا الحمصي التي أعادت التأكيد على ضرورة وجود الضوابط في التعامل.

والخلاصة أن الإسلام ظل يصعد بالمرأة منذ بعثة النبي وحتى القرن الثامن الهجري عندما بدأ انحدار الأمة جمعاء فصارت المرأة رهينة المحبسين (البيت والفراش) كما تقول لينا الحمصي.

وحتى تفسير قوله تعالى "الرجال قوامون على النساء" بأنه يعني أفضليته عليها فهو غير صحيح كما تقول لينا الحمصي، مؤكدة أن القوامة تعني الرعاية ولا تعني الأفضلية.

واستدلت الحمصي على عدم تواضع شأن المرأة بقولها إن عمر بن الخطاب عندما قال لزوجته إن الرجال أفضل من النساء ردت عليه "كيف، ونساء النبي يحاججنه وتهجره إحداهن في الليل ومن بينهن ابنتك حفصة".

كما أن بعض النساء المسلمات كان لهن باع في الأدب والسياسة والعلم في القرنين الماضيين، ومنهن ثريا الحافظ التي قادت المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي في سوريا، وأيضا السيدة سكينة بنت الحسين التي كان لها مجلس أدبي نسائي.

وهناك أيضا فاطمة الفهوية المغربية التي أسست جامعة القرويين، وعائشة الطائية وفاطمة النبهاني وغيرهن من النساء اللاتي كان لها شأن في المجتمع، حسب لينا الحمصي.

وخلصت لينا الحمصي إلى أن النساء أنفسهن لم يعدن يدافعن عن حقوقهن التي منحها لهن الشرع في كثير من الأحيان عندما يحتقرن أنفسهن ويعتبرن أنهن أقل شأنا من الرجال.

إعلان

ويزخر تاريخ الإسلام في مختلف العصور بنماذج لأمهات وجدّات تمكنّ من صناعة التاريخ، وساهمن في التشكيل الروحي لأئمة المستقبل، ومنهن أم الإمام الشافعي وأم محمد الفاتح وأم عبد القادر الجيلاني وخالته وجدة الشيخ زروق بالمغرب، وغيرهن كثيرات.

6/3/2025

مقالات مشابهة

  • ما الذي منحه الإسلام للمرأة وكيف حالها في ظلِّه؟
  • مدير أمن محافظة اللاذقية لـ سانا: المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية كانت تتبع لمجرم الحرب “سهيل الحسن” الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب السوري
  • وفد إسلامي مغربي يعزي عائلة بيباس.. ويؤكد حق اليهود بأرض فلسطين
  • ما أبرز القرارات التي خلص إليها القادة العرب في القمة الطارئة بشأن غزة؟
  • الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
  • الرئيس السيسي يشكر القادة العرب على مشاركتهم الفاعلة في القمة العربية بشأن فلسطين
  • معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • قمة فلسطين.. 10 نقاط تتصدر لقاءات القادة العرب اليوم الثلاثاء