رمضان عند الأدباء.. الرافعي يرصد حكمة الصيام
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في مقاله الشهير بمجلة "الرسالة"، قدّم الأديب مصطفى صادق الرافعي رؤية فلسفية مدهشة للصيام، حيث اعتبره نوعا من الدواء يؤخذ سنويا لتجديد طاقة الجسد وتنقيته، وكأن أيام رمضان الثلاثون ليست سوى حبات علاجية تعمل على تقوية المعدة، تصفية الدم، وإعادة ترميم أنسجة الجسم المنهكة طوال العام.
الصيام في نظر الرافعي، ليس مجرد عبادة جسدية، بل يحمل في طياته حكمة إنسانية عميقة، إذ إنه يضمن استمرار الفكرة الإنسانية وسط تقلبات الحياة، فلا تنحرف النفس بتغير الظروف، ولا يطغى القوي على الضعيف في دوامة المصالح.
ويشير الرافعي إلى واحدة من أعظم معجزات القرآن، وهي قدرته على حمل حقائق خالدة في ألفاظ بسيطة، فيكشف معانيها في الوقت المناسب، حتى إذا ضجّ العلم الحديث في متاهاته، وجد في القرآن إجابات غفل عنها العقل البشري.
يطرح الرافعي رؤية اجتماعية غير تقليدية، إذ يرى أن الصيام هو أقوى نظام اشتراكي عرفه البشر، فهو فقر اجباري تفرضه الشريعة على الجميع، بحيث يتساوى الغني والفقير في إحساس الجوع والعطش، فلا فرق بين من يملك الملايين ومن لا يملك شيئا، تماما كما تحقق الصلاة المساواة الروحية، ويفرض الحج التواضع والتجرد من الفوارق الاجتماعية.
يفسر هذا الفقر الإجباري بأنه درس عملي للنفس، يذكرها بأن الحياة الحقيقية ليست في امتلاك الأموال، بل في الشعور المشترك بين البشر، فالتكافل لا يتحقق حين يتباين الناس في رغباتهم، بل حين يتوحدون في الإحساس بالألم والمعاناة، فيصبح التراحم فطرة، لا مجاملة.
يؤكد الرافعي أن البشر لا يختلفون في عقولهم، ولا في أنسابهم، ولا في أموالهم، لكنهم يختلفون في بطونهم! فالبطن هو الذي يحكم العقل والعاطفة، وهو الذي يقود الإنسان إما للسمو الروحي أو الانحدار في الجشع والطمع.
وإذا دخلت شهوة الطعام في صراع مع العقل، فإنها تُفسده وتحوله إلى خادم لرغبات الجسد، وهنا تكمن نكبة الإنسانية، حيث يصبح "العقل العلمي" عبدًا للشهوة، وتتحكم الغرائز في مصير البشر.
وفي ختام مقاله، يؤكد الرافعي أن الصيام ليس حرمانا، بل تدريب للنفس، فهو يروض الجسد، ويهذب الروح، ويوحد الشعور بين البشر، إذ يُحكم السيطرة على الجسد، فيمنع البطن من التغذية، ويُمسك أعصاب الجسد عن لذاتها، ليخرج الإنسان من رمضان بروح أكثر نقاءً، ونفس أكثر اتزانًا.
ويرى أن الصيام ليس مجرد عبادة، بل فلسفة حياة، تجعل الإنسان أقرب إلى ذاته، وإلى غيره، وإلى الله.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الصيام شهر رمضان مصطفى صادق الرافعي
إقرأ أيضاً:
وسيلة تواصل خفية.. اكتشاف توهج في جناحي البومة بلون لا يراه البشر
تُصنف البومة طويلة الأذن (أو البومة الأذناء) ضمن قائمة الطيور الجارحة الخلابة، إذ تتميز بخصل أذنية بارزة تشبه القرون ونقوش دقيقة متعرجة تمنحها قدرة عالية على التخفي وسط البيئة الشجرية.
وتستعرض أرصاد علمية حديثة حالة مثيرة لهذا النوع من البوم، تتعلق بظروف إضاءة معينة تدفع إلى لمعان وردي فاقع على ريش جناحيها الداخليين، ناجم عن أصباغ حساسة للضوء تُعرف باسم "البورفيرينات"، وهي غير مرئية للعين البشرية، لكنها مكشوفة أمام الطيور الأخرى التي ترى ضمن طيف الأشعة فوق البنفسجية، بما فيها البوم نفسه.
وفي الدراسة المشتركة بين جامعة ميشيغان الشمالية ومرصد وايتفيش بيرد بوينت، والمنشورة في دورية "ذا ويسلون جورنال أوف أورنيثولوجي"، أجرى الباحثون فحصا لريش الجناحين الداخليين لنحو 99 بومة أثناء هجرتها عبر شبه الجزيرة العليا بولاية ميشيغان في ربيع 2020، وقد استهدف الفريق توثيق درجات التوهج المختلفة وتفسير ما قد تعنيه من إشارات بيولوجية.
ولأن هذه الإشارات الوردية تبقى مخفية عن أعين الفرائس من الثدييات الصغيرة والقوارض، فإنها قد تمثل وسيلة تواصل خفية بين الطيور نفسها، تتيح لها تبادل المعلومات حول الهوية أو الحالة الصحية أو الاستعداد للتزاوج دون أن تنكشف أمام فرائسها.
لا يقتصر الأمر على اللمعان الضوئي فحسب، إذ إن أصباغ البورفيرينات تتعرض للتحلل مع التعرض المستمر لأشعة الشمس، مما يجعل درجة التوهج مرتبطة بعمر الريش وحالته.
إعلانوقد بينت الدراسة أن الطيور الأكبر سنا، خصوصا الإناث ذات الريش الداكن، تمتلك تركيزات أعلى من هذه الأصباغ الفلورية، في حين أظهرت الطيور الأصغر سنا أن الأفراد الأثقل وزنا منهم يتميزون بتوهج أكثر وضوحا.
وتشير هذه النتائج إلى أن التوهج قد يشكل "إشارة حقيقية" تعبر عن الحالة الصحية للطائر، ورغم أن لون الريش وحده قد يتيح تقدير جنس البومة (الإناث داكنات أكثر من الذكور)، فإن التوهج تحت الأشعة فوق البنفسجية يضيف بعدا أكثر تعقيدا إلى أنظمة الإشارات الداخلية خلال عروض التزاوج.
وتحمل الإناث معدلات أعلى بكثير من هذه الأصباغ مقارنة بالذكور، رغم أن الذكور هم من يؤدون العروض الطيرانية خلال موسم التزاوج، الأمر الذي أثار حيرة الباحثين.
وقد اقترحت الدراسة فرضية بديلة تتجاوز التفسير السلوكي، مفادها أن هذه الأصباغ قد تؤدي دورا في تنظيم الحرارة. فمن المعروف أن الأصباغ الفلورية في قشور البيض تساعد على عكس الأشعة تحت الحمراء وتنظيم حرارة الجسم، ومن المرجح أن تقوم الأصباغ نفسها بوظيفة مشابهة في الأجنحة الداخلية للإناث، مما يساهم في تقليل فقدان الحرارة أثناء فترة حضانة البيض.
وتشير الدراسة إلى أن هذا التوهج لا يتبع نمطا ثنائيا بسيطا، أي أن شدة التوهج لا تنقسم إلى حالتين واضحتين فقط (مثل موجود أو غير موجود، قوي أو ضعيف)، بل إنه يتوزع عبر طيف من الاختلافات المرتبطة بالحجم والعمر والجنس معا.
ويبدو أن التوهج الفلوري يعمل كآلية متعددة الوظائف، تجمع بين الإشارات التناسلية والتنظيم الحراري والتواصل الاجتماعي، في مشهد يعكس مدى التعقيد البالغ في أنماط التكيف الطبيعية.