ولد عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي فـي قرية الحوقين بالرستاق سنة 1283 هـ، وكان طفلا نجيبا فطنا، سريع الفهم والحفظ. وحين بلغ عبدالله الثانية عشرة من عمره أصيب بالتراخوما فـي عينيه فقد نعمة البصر، وعلى الرغم من فقدانه لنعمة البصر فلقد حرص والده حميد بن سلوم السالمي أن يستمر ولده فـي حضور حلقات العلم، وأن يواصل رحلته فـي التزود من معين المعرفة، فقرر أن يختار له معلم عالم، فسجله فـي حلقة الشيخ صالح بن سعيد الإسماعيلي، حيث كانت أسرة السالمي الصغيرة قد انتقلت إلى قرية الخبة فـي منطقة الباطنة.
أوضح السالمي أهمية السؤال فـي تحصيل العلم، وبأن السؤال نصف العلم، فـيقول:
وأسألِ أَهلَ العلمِ فالسؤالُ
نِصْفَ العلومِ هكذا يقالُ
وأوضح السالمي أن للسؤال آدابا، وعلى طالب العلم التقيد بهذه الآداب، احتراما للعلم وللمعلمِ، فـيقول:
وَأسألْ ولا تَملَ أو تُمَلا
وإن عَرَفْتَهَا فَأْبدِ الجَهَلا
مِن أَدبِ السؤالِ للعفـيفِ
أن يسألَ العالمُ كالضعيفِ
هكذا كان منهج السالمي فـي تحصيل العلم، فهو متقيد بآدابه، مراع للتواضع والاحترام فـي طرح سؤاله على معلمه، حريص أن يكون سؤاله فـي صلب الموضوع مباشرة حتى لا يمل المعلم منه، ويتضايق من أسئلته، ثم يشكر المعلم على إجابته له وإفهامه ما لم يفهمه من خلال مطالعته للكتب.
لم يخش السالمي من فكرة تجربة الجديد، فلم يتردد فـي أن يكتب ويُؤلف، ولم يدر فـي خلده أنه ما زال صغيرا على التأليف، بل كان مقداما وشجاعا أمام نفسه فـي أنه يستطيع أن يكتب شيئا مفـيدا ولا يخشى نقد من هم أعلم منه، ولهم باع طويل فـي التأليف، وهذا دليل على ثقته بنفسه وعزمه فـي مواجهة نفسه قبل مواجهتها للآخرين.
حيث ألف أول مؤلف له وجعل له عنوان «بلوغ الأمل فـي المفردات والجُمل»، وهو منظومة نحوية تقع فـي ثلاثمائة بيت، كما كتب كتاب «المواهب السَنِيَّة على الدرة البهية فـي نَظْم الأجرومية» شرح فـيها منظومة شرف الدين يحيى بن موسى العمريطي للمقدمة الأجرومية فـي النحو، وانتهى من تأليفها فـي التاسع من ذي الحجة عام 1306هـ. وفـي علم العروض كتب منظومة فاتح العروض والقوافـي، وشرحها فـي كتاب المنهل الصافـي على فاتح العروض والقوافـي.
وفـي علم العقيدة كتب السالمي منظومة غاية المراد فـي علم الاعتقاد، ومنظومة أنوار العقول فـي 300 بيت ألفها عام 1312هـ، ثم شرحها فـي كتاب بعنوان مشارق أنوار العقول الذي انتهى منه عام 1313هـ، وبعدها بعام أي 1314هـ كتب كتاب بهجة الأنوار الذي عالج فـيها مجموعة من المسائل الكلامية. وله كتاب «روض البيان على فـيض المنان فـي الرد على من ادعى قِدَم القرآن»، وهو شرح لقصيدة فـيض المنان للشيخ سعيد بن حمد الراشدي، وفَرغَ السالمي من تأليف روض البيان عام 1313 للهجرة
وكانت له مراسلات مع العمانيين فـي شرقي إفريقيا حول سؤال أهل زنجبار له فـي موضع التشبه بالغرب فـي طريقة اللباس، فأجابهم برسالة تحمل عنوان «بذل المجهود فـي مخالفة النصارى واليهود»، وله رسالة أخرى بعنوان «سواطع البرهان».
كما كتب «اللمعة المرضية فـي أشعة الإباضية»، سرد فـيها أكثر من 120 كتابا انتهى من تأليفها بتاريخ 21 جمادى الأولى سنة 1323 للهجرة.
ومن أشهر كتب نور الدين السالمي كتاب «تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان»، والذي يعد من أهم مصادر التاريخ العماني فهو الكتاب الأشمل بين جميع الكتابات التاريخية العمانية، يقع الكتاب فـي جزأين، شرح فـي الجزء الأول فضائل أهل عمان، ووصول مالك بن فهم إلى عمان، واستيطان الأزد أرض عمان، ودخول أهل عمان فـي الإسلام ومشاركتهم فـي الفتوحات الإسلامية، ثم عَرَّج على إمامة الإمام الجلندى بن مسعود إلى أن انتهى الجزء الأول بعرض لملوك بني نبهان المتأخرين، وبدأ الجزء الثاني بإمامة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وانتهى بالأحداث التي تزامنت مع فترة حكم السلطان فـيصل بن تركي.
وفـي عام 1308هـ عزم السالمي على القيام برحلة علمية يزور من خلالها عددا من العلماء لمجالستهم ومناقشتهم فـي بعض القضايا الفكرية، وعَرْض كتابه الشرف التام شرح دعائم الإسلام عليهم، فخرج من الرستاق متوجها إلى الحمراء وفـيها التقى بشيخه ماجد بن خميس العبري، فأطلعه على الكتاب وجلس بمعيته أياما يناقشه ويحاوره، ثم شد الرحال إلى نزوى ليلتقي فـيها بالشيخ محمد بن خميس السيفـي فتجاذبا أطراف الحوار العلمي لمدة ثلاثة أيام، ليسافر بعدها إلى منح ويحاور الشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي، ومن منح توجه إلى المضيبي لِيُلْقِي فـيها عصا الترحال فترة من الزمن، ويعمل معلما لأبناء الشيخ سلطان بن محمد الحبسي .
ظل السالمي متطلعا للعلمِ شَغْوفا به يجد فـي نفسه رغبة جامحة للاستزادة من معين المعرفة، وكان يسمع كثيرا عن علم الشيخ صالح بن علي الحارثي، فطلب من الشيخ سلطان الحبسي أن يعفـيه من مهمة تدريس أبنائه وأن يأذن له بالسفر إلى القابل؛ ليقابل الشيخ صالح ويجلس بين يديه متعلما.
بدأ السالمي مشواره كمعلم فـي مستوى أستاذ جامعي فـي فترة وجوده فـي القابل، فحين جاء القابل متعلما لدى الشيخ صالح بن علي الحارثي، رأى الحارثي فـي تلميذه ذكاء وعلما غزيرا فطلب منه أن يتولى مهام التدريس فـي مدرسته، فتفرغ السالمي لتعليم الطلاب ممن هم فـي المستوى الجامعي بمسميات وقتنا الحاضر، وتسامع الناس فـي جميع مدن وقرى عمان عن معلم غزير العِلم فـي القابل، فتوافدت أفئدة طلاب العلم إليه من كل عمان تطلب الجلوس بين يديه، والتزود من معين علمه وفكره، وبعد أن يتخرج الطالب من مدرسة السالمي يعود إلى بلده ليكون معلما أو قاضيا أو واليا، لذا نجح السالمي من بناء نهضة علمية فـي جميع ربوع عمان، وتفرغ طلابه لنشر العلم والتأليف، فكان الكثير منهم يحذو حذو شيخه فـي أن تكون له مصنفات تُدْرَس وتُقْرأ فـي حلقات العلم، ويقول عن ذلك ولده شيبة الحمد فـي كتابه نهضة الأعيان: «لا نجد عمانيا له أدنى مسكة من العلم إلا وقد اغترف من ذلك البحر، والتقط من ذلك الدر بحسب ما قَسَّم الواهب من المواهب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
لمؤلفات السالمي دور كبير فـي تشكيل الفكر الإباضي فـي عمان وخارجها خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين، حيث أدت مؤلفاته إلى تطور جوانب كثيرة فـي الفكر العماني بشكل عام والإباضي بشكل خاص.
يقف الإنسان متعجبا حائرا من إنجازات هذا الرجل الكفـيف كيف تمكن من كتابة جميع هذه المصنفات فـي فترة زمنية قصيرة وفـي وقت كانت الكتابة غير يسيرة وسهلة مثل اليوم، ولا نملك إلا أن نقول كما قال أبو مسلم البهلاني:
هَلمَّ فلنحذو سَعْيَهُمْ فَلَيْسَ
للإنسانِ إلا مَا سَعْى
ليسوا رِجَالا لا نُطِيقُ فِعْلهمْ
ولكنهم جَدَّوا وَقَصْرنَا الخُطَا
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ صالح بن السالمی من
إقرأ أيضاً:
بن صالح: خضت معركة لوحدي مدة 3 أيام ضد هرج الأطفال داخل وخارج المسجد
قال محلل قنوات الإخوان المسلمين للشأن العسكري، عضو مجلس بلدي مصراتة السابق، سليمان بن صالح، إنه خاض معركة وحده لمدة 3 أيام ضد هرج الأطفال داخل وخارج المسجد.
وقال بن صالح في منشور عبر «فيسبوك»: “معركة خضتها لوحدي مدة ثلاثة أيام ضد الهرج والمرج الذي يحدثه الأطفال أثناء صلاة التراويح داخل وخارج المسجد، كانت السلبية طاغية من قبل رواد المسجد، واليوم بعد أن انضم إلي أحد المصلين استطعنا أن نتغلب على معظم الهرج والمرج وأن نفرض حالة من الهدوء النسبي داخل وخارج المسجد”.
وأضاف؛ “استغرب من هذه السلبية التي تسيطر على باقي المصلين، إذ أنهم ليسوا مهتمين بما يجري حولهم من فوضى تفوق احتمال كل ذي لب”، مردفًا؛ ” كما لنا الشجاعة في الدفاع عن حقوقنا وحرماتنا يجب أن تكون لنا نفس الشجاعة بل أكثر للدفاع عن حقوق وحرمات الله.. ولا تأخذنا في الله لومة لائم”.
وختم موضحًا؛ “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان”.
الوسومبن صالح