قرية «حدش».. منعطفات جبلية ومناظر بانورامية تطل على الوديان الخضراء
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
زرتها للمرة الأولى في صباح شتوي هادئ، كان الطريق إلى قرية «حدش» بولاية نخل جزءا من جمال الرحلة، حيث المنعطفات الجبلية والمناظر البانورامية التي تطل على الوديان الخضراء تجعل من كل كيلومتر يقطع هو مغامرة في حد ذاته، ومع كل منعطف تقترب أكثر فأكثر من ذلك الجمال الخالص الذي تلتقي فيه الأرض بالسماء.
الطريق ليس مجرد ممر يوصلك إلى «حدش»، بل هو جزء من التجربة نفسها، حيث ترافقك أشجار العتم والبوت إلى واحة السكينة والجمال.
قبيل الوصول إلى القرية يطل برجها المهيب متربعا كأول المستقبلين لزوار «حدش»، كما كان ذات يوم أول المدافعين عنها أمام الغزاة.
حينما اقتربت من القرية بدا المشهد وكأنني أدخل عالما من الغموض والسحر! القرية تغفو تحت غطاء من السكون، لا شمس تشرق في الصباح كما هو حال العالم من حولها، بل برد منعش يلفح الوجوه وضباب يعانق القمم، حتى خيل إليّ كما لو أن الشمس نسيت أن تشرق عليها.
حينما وطئت قدماي تلك البقعة الساحرة شعرت كما لو أنني دخلت عالما من الجمال البكر الذي تتناغم فيه الطبيعة مع عبق التاريخ.
الهدوء كان سيد المكان، لا تكاد تسمع سوى همس الرياح الباردة وحفيف أوراق الشجر وصوت جريان الماء الذي يشق طريقه بين المدرجات الزراعية، السكون العميق يغمر المكان إلا من بعض الأصوات الخافتة للأهالي هنا وهناك وكأن القرية تستيقظ ببطء مستمتعة بصباحها الشتوي الهادئ.
مع اقتراب ساعات الظهيرة بدأت أشعة الشمس تغزل - بخجل- خيوطها الذهبية على قمم الجبال الشاهقة، شمس الشتاء هنا زائر خفيف، تشرق على مهل وتغرب على عجل، لا يكاد يأتي وقت العصر حتى تأذن بالرحيل مرة أخرى! يستقبلك أهالي القرية بابتسامات دافئة وحديث لطيف كما لو أنهم يستقبلون فردا من العائلة.
في كل زاوية الكل يدعوك لتناول «الفوالة»، يشاركك فيها حكايات الأيام الخوالي وتفاصيل الحياة البسيطة التي تعيد للروح سكينة الماضي وإحساسا بالانتماء.
في تلك الأجواء الباردة التي تحمل معها روائح الأرض الرطبة لم يكن هناك شيء يضاهي ارتشاف القهوة العمانية مع الأهالي وتجاذب الأحاديث البسيطة مع صوت الحطب المتقد في المدفئة الذي يضيف إلى الأجواء إحساسا عميقا بالراحة.
كانت الإقامة في فندق حدش السياحي عبارة عن مزيج من الراحة والفخامة، الفندق بأكمله عبارة عن إطلالة مفتوحة على البساتين الخضراء والمدرجات الزراعية، كذلك فإنه يوفر تجربة طعام استثنائية يمكن معها تذوق أطباق محلية محضرة من خيرات الأرض ومحاصيلها.
يمنح الفندق السائح كذلك باقة من خيارات الترفيه والمغامرات التي تجعل من الزيارة تجربة لا تنسى، فمن التنزه في البساتين والمشي الجبلي إلى ركوب الدراجات الهوائية وتسلق الجبال والنزول بالحبال مع فريق مختص، كلها خيارات تتيح الاستمتاع بتفاصيل الطبيعة المتفردة للمكان.
عندما عدت لزيارتها ثانية في الصيف كان الأمر مختلفا تماما، كما لو أنني دخلت في آلة الزمن، العالم هنا غير مألوف، لا أثر لحرارة الصيف الحارقة، بل نسيم بارد منعش ينساب بين الحقول الخضراء محملا بروائح العنب والمشمش والرمان، كيف لا وهي توأم قرية «وكان» الشهيرة اللتين خرجتا معا من رحم الجبل الأخضر.
في رحلة الصيف تجتمع روعة الطقس مع كرم الطبيعة ومتعة التذوق.
قطف فواكه الرمان والعنب كان التجربة الأكثر متعة في تلك الرحلة، حيث تمتزج فيها الحواس مع خيرات الأرض، تستطيع أن تتلمس الفاكهة في أمها، تشتم عطرها، تتذوق نكهتها، تنصت لصوت الطبيعة من حولك، لحظات تشعرك بالارتباط العميق بالأرض، تصبح وكأنك جزء من دورة الطبيعة، تستمتع بعطائها، تغادرها وأنت تحمل معك طعمها وذكرياتها في قلبك.
«حدش» تشعر فيها كزائر كما لو أن الزمان توقف ليمنحك فرصة أن تعيش لحظات من البساطة والسلام، حيث يمكنك أن تجد نفسك من جديد، هي كالملاذ الساكن الذي تستطيع أن تهرب إليه من صخب المدينة رغم اتساعها إلى رحابة القرية رغم ضيقها، تشعر بأن كل لحظة قضيتها هناك كانت رسالة حب خطتها أنامل الطبيعة على صفحات روحك.
كلما أسترجع ذكريات زيارتها يغمرني أثر دافئ من الود والحنين، فقد كانت بمثابة ملاذ يأسر الروح بسكونه وتواضع أهاليه، كل زاوية فيها وكل نسمة هواء تخبرني بقصة حب عميقة للأرض والمكان، لتظل تفاصيل تلك القرية الساحرة صوتا خافتا في الروح ينادي بالعودة إليها كلما اشتد ضجيج الحياة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کما لو أن
إقرأ أيضاً:
وليد جمال الدين: مصر مركز إقليمي للطاقة الخضراء.. و قناة السويس تقود التحول نحو الهيدروجين الأخضر
أكد المهندس وليد جمال الدين رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أن مصر تتعامل بجدية مع مستقبل الطاقة في العالم وتضع نفسها على خريطة اللاعبين الرئيسيين في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة خلال القرن المقبل مشيراً إلى أن الحديث عن هذا القطاع ليس رفاهية بل هو ضرورة حتمية مرتبطة بتحولات الطاقة العالمية
وأوضح خلال منتدى الأعمال المصرى الفرنسي اليوم الاثنين أن من أجل فهم الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية والمنطقة الاقتصادية لجذب استثمارات ضخمة في الصناعات المرتبطة بالطاقة الخضراء لا بد أولاً من استيعاب الفرص المتاحة في هذا المجال مؤكداً أن أولى هذه الفرص تتمثل في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره سواء من خلال السفن أو عبر خطوط أنابيب إلى أوروبا حيث يمكن استخدامه في توليد الكهرباء أو تشغيل قطاعات صناعية متنوعة
وأشار إلى أن الفرصة الثانية التي تتفرد بها مصر هي موقع قناة السويس التي تمثل مساراً رئيسياً للتجارة البحرية العالمية وهو ما يتيح الفرصة لتحويلها إلى مركز لتموين السفن بالوقود النظيف خاصة مع مرور أكثر من ستة وعشرين ألف سفينة سنوياً بالقناة الأمر الذي يجعل من المنطقي إنتاج الوقود بالقرب من الممر الملاحي واستخدامه في عمليات التزود المباشر
وأضاف أن الفرصة الثالثة تتمثل في مساهمة هذا القطاع في دعم الاقتصاد المحلي حيث تمثل أوروبا نحو أربعين في المئة من الصادرات المصرية وبالتالي فإن التزام السوق الأوروبي بخفض الانبعاثات يفرض على المنتجات المصرية أن تواكب هذا التوجه خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين المقبلة وهو ما يستدعي تحولاً تدريجياً نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة
كما أكد أن الفرصة الرابعة ترتبط بجاذبية مصر للصناعات الجديدة التي تبحث منذ البداية عن بيئة تعتمد على الوقود الأخضر عوضاً عن الغاز الطبيعي أو غيره من أنواع الوقود التقليدي وهو ما يجعل من مصر مركزاً لتصنيع وتصدير منتجات خضراء للأسواق الدولية بشكل أكثر كفاءة واستدامة
وأشار إلى أن الحكومة المصرية والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عملتا خلال الفترة الماضية على بناء منظومة متكاملة تشمل توفير الأراضي لمشروعات الطاقة المتجددة في مواقع متعددة بأنحاء الجمهورية بالإضافة إلى توفير البنية التحتية اللازمة داخل المنطقة الاقتصادية عبر نموذج المرافق المشتركة بدلاً من إنشاء كل مستثمر لمرافقه الخاصة مثل خطوط الأنابيب أو محطات التحلية حيث تم طرح هذه المشروعات بالفعل في مناقصات عامة
وأوضح أنه تم تطوير عدد من الموانئ التابعة للمنطقة الاقتصادية لتهيئتها لعمليات الشحن والتخزين كما تم ربطها بموانئ أوروبية لاستقبال المنتجات المصدرة من مصر مضيفاً أن الحكومة أصدرت في فبراير 2024 حزمة حوافز متكاملة تشمل منتجي الهيدروجين الأخضر ومطوري البنية التحتية المرتبطة به
وقال إن المنطقة الاقتصادية نجحت أيضاً في جذب استثمارات صناعية نوعية تدعم قطاع الطاقة المتجددة منها مصانع لإنتاج الألواح الشمسية وشفرات التوربينات ومصنع ثالث لإنتاج الزجاج المستخدم في الخلايا الشمسية من بينها استثمارات فرنسية من المقرر تشغيلها بنهاية العام الجاري مؤكداً أن هذا النجاح يرسخ مكانة مصر كمركز صناعي متكامل لسلاسل القيمة المرتبطة بالطاقة المتجددة
ولفت إلى أن الهيئة تعمل حالياً وفق أربعة محاور رئيسية تشمل تقديم خدمات تموين السفن بالوقود الأخضر وتوفير البنية التحتية المتكاملة وتوفير مصادر الطاقة المتجددة وجذب الصناعات المرتبطة بها مؤكداً أن هناك عدداً كبيراً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة حالياً ويتوقع أن يدخل من بينها خمسة إلى عشرة مشروعات حيز التنفيذ الفعلي قريباً
وأكد أن نجاح هذه المشروعات مرهون بوجود منظومة استثمارية متكاملة تشمل الحوافز المناسبة والقدرة على التوسع وتحقيق الجدوى الاقتصادية لأن صغر حجم المشروع قد يعوق قدرته على التنافسية موضحاً أن تحقيق الاستدامة مرهون بقدرة هذه المشروعات على التوسع وخفض تكلفة الإنتاج تدريجياً مع الوقت
كما أشار إلى أن مصر تلعب دوراً محورياً في جهود التحول إلى الطاقة النظيفة مشيداً بمبادرات الربط الكهربائي مع الدول المجاورة والتي تسهم في تحقيق توازن بين إنتاج الطاقة المتجددة واستهلاكها خاصة في مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى جانب التركيز على مشروعات تخزين الطاقة والتي تساهم في تلبية الطلب المتغير
وأكد على أن مصر نجحت بالفعل في تحقيق إنجاز ملموس من خلال فوز شركة مصرية بشعار H2 Global الألماني لتكون الشركة الوحيدة عالمياً التي حصلت عليه حيث تبدأ هذه الشركة في تصدير 201 ألف طن من الأمونيا الخضراء إلى ألمانيا بدءاً من عام 2027 وهو ما يعكس الثقة الدولية في قدرات مصر ويعزز موقعها كمركز إقليمي للطاقة النظيفة