#خواطر_رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
يعتقد بعض المسلمين أن القرآن أنزله الله بلغة قريش لأنه موجه لها، لذلك فهم يرون تفسير السلف الصالح، ومن يدعونهم بأهل التأويل كافيا، وعلمهم محيطا بكل علوم القرآن، وبناء عليه فهم لا يقبلون الا التفسير القديم ويرفضون التفسير المعاصر.
في حقيقة الأمر، الرسالة الختامية بخلاف كل الرسالات السابقة التي كانت محددة بقوم معين، أرادها الله لكل العالمين: جغرافيا لكل عوالم البشر، وزمانيا لكل زمان من العوالم القادمة، لذلك أراد أن يبقى القرآن معجزة باقية أبد الدهر، وفي كل عصر، وكلما تقدم البشر في العلم، فسوف يجدون في كل زمن تفسيرا للنصوص الثابتة يتوافق مع الحقائق الجديدة التي توصلوا لاكتشافه.
وعليه يجب أن يكون التفسير متطورا فيما يتعلق بالمتغيرات (ظروف الحياة ومتطلباتها)، وثابتا لا يتعدل فيما يتعلق بثوابت العقيدة مثل التوحيد والعبادات والتشريعات.
لذلك عندما يأتي المتأخرون بتفسير مختلف في المتغيرات، مثل الآيات الكونية والتكوينية إنما جاءوا به بناء على دعوة الله لدوام التفكر فيها، وكلما توصلوا الى فهم سر من أسرارها قالوا: ” رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [آل عمران:191].
إن التفكر الدائم يعني عدم التوقف عند فهم الأقدمين بل البحث في تفسير الآيات القرآنية، مستفيدين من معارف تحققت حديثا مما لم يكن الأقدمون يعرفونه، مثل أن الناس كانوا يعتقدون أن الأرض منبسطة وثابتة، والسماء سقف بشكل قبة نصف كروية وأن الشمس والقمر قرصان صغيران بالنسبة لها يدوران في هذه القبة.
هذه المعلومات التي تبين للبشر بعد بضعة قرون من الزمن خطؤها، صبغت تفسيرات من عاصروا التنزيل (السلف الصالح)، عند فهمهم للآيات القرآنية التي تحتوي على آيات الله الكونية والتكوينية، وبنوا عليها التأويل أيضا.
صحيح أن التفسير هو لغوي، والأقدمون أفصح لسانا، لذلك فهم أقدر من المتأخرين، إنما ما يجب على الجميع الأقدمين والمتأخرين الابتعاد عن تفسيره هو موضوع الصفات الإلهية والتجسيد والإستواء على العرش والكرسي..الخ، فتلك مما لا يمكن للبشر التوصل لفهمها، وهي من الأمور التي لا يعلمون تأويلها إلا يوم القيامة، لذا لا يجوز الخوض فيها.
سأورد تاليا مثلا على أن الله قد أودع في كتابه العزيز آيات موجهة الى الأزمان القادمة، لأنه لا يمكن أن يحيط بها الأقدمون بدليل أن المعلومات الواردة فيها، اكتشفها الإنسان حديثا، ولم تكن معروفة إلا منذ ثلاثة قرون.
يقول تعالى في سورة الأنبياء: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ . وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ “.
في هذه الآيات خمس آيات من آيات الله الكونية المبهرة، والتي اكتشفها البشر بعد تقدمهم المعرفي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، لذلك فقوله تعالى بأسلوب الإستفهام الإستنكاري (أولم ير الذين كفروا).. حتما لم يكن بإمكان كفار قريش ولا حتى الذي آمنوا معرفة هذه المعلومات، فكيف يستنكر الله عليهم انكار هذا الإعجاز الخلقي؟.
إذا فالخطاب موجه الى كفار هذا العصر، الذين يصرون على الكفر بالخالق رغم ما يرونه وأثبته العلم الحديث، وهو:
1 – نظرية تكون الكون (الإنبثاق العظيم).
2 – لا كائن حي يخلو جسده من الماء وهو أساسي لحياته.
3 – الجبال وظيفتها تثبيت القشرة الأرضية لتقاوم السرعة العالية لدوران الأرض.
4 – هناك طرق ممهدة موجودة قبل وجود الإنسان في كل مناطق الأرض.
5 – الغلاف الجوي يحفظ الكرة الأرضية من الأشعة الكونية والأجسام السابحة في الفضاء ويحفظ الغيوم (بخار الماء) من التبدد في الفضاء، وهو باق محفوظ (وليس حافظا فقط) وبتقدير الخالق الحكيم.
الآيات الخمس لم تكن مكتشفة بالعلم البشري التجريبي، وإنما ذكرها الله بكتابه العزيز، وحث المؤمنين على التفكر، ويعني البحث العلمي مستعينا بالعلم النقلي الذي أرسله الله لعباده عبر القرآن، لكن سيطرة الفكر السلفي الإستنساخي، كان حاجرا على الخروج من التفسيرات القديمة، وبدلا من يستفيد العلماء والمفكرون من هذه المعلومات في كتاب الله، خروا عليها صما وعميانا خوفا من الإتهام بالإبتداع والتكفير، وتركوا البحث والتطوير للكفار، لذلك تقدموا على المسلمين. مقالات ذات صلة خواطر رمضانية 2025/03/05
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: خواطر رمضانية هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان.. المهاجرة التي زوّجها النجاشي لرسول الله
زوجة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وابنة عمه وأقرب أزواجه إليه نسبا وأكثرهن مهرا وأبعدهن عنه حين خطبها، ومن أوائل من أسلم في مكة. هاجرت إلى الحبشة وتوفي زوجها هناك، فأرسل النبي لملك الحبشة النجاشي يريد الزواج منها، فزوّجها منه وجهزها وأعطاها مهرا ثم أرسلها للمدينة.
المولد والنشأةولدت رملة بنت صخر المكنى بأبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، قبل بعثة الرسول بـ17 عاما، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، الزوجة الأولى لأبي سفيان، وأخوها من أبيها معاوية كاتب وحي رسول الله، وعتبة والي عمر بن الخطاب على الطائف.
عمتها هي أروى بنت حرب (أم جميل) زوجة عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب)، وفيهما نزلت سورة المسد في القرآن الكريم تنذرهما بالنار. وعمها ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وكنيّت أم حبيبة نسبة لابنتها من زوجها الأول عبيد الله بن جحش الأسدي، وتزوج ابنتها حبيبة داود بن عروة بن مسعود الثقفي.
وعرفت أم المؤمنين (أم حبيبة) رضي الله عنها بذكائها ودهائها وفطنتها وحصافتها وسداد رأيها.
تزوجت رملة بنت أبي سفيان من عبيد الله بن جحش الأسدي، وأسلمت معه مبكرا في بدايات الدعوة المكية، وهاجرت معه إلى الحبشة في الهجرة الثانية.
وحلمت بزوجها حلما سيئا ظهر فيه "بأسوأ صورة"، فلما أصبحت جاءها يقول "يا أم حبيبة، إني نظرت في الدين قبل إسلامي، فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم أسلمتُ ودخلتُ في دين محمد، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية"، ففزعت مما قال ونهرته، وأخبرته بما رأت، لكنه بقي على شركه، فتركته حتى مات على النصرانية.
إعلانوتقول أم حبيبة إنها حزنت مما آل إليه زوجها، حتى حلمت بشخص يناديها "أم المؤمنين"، فأوّلتها بزواجها من ابن عمها رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.
وفور انتهاء عدتها، جاءتها جارية أرسلها النجاشي لتخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه ليزوجها له، ففرحت أم حبيبة وقالت "بشّرك الله بخير"، فردت عليها الجارية "يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك"، فأرسلت إلى خالد بن سعيد العاص فوكّلته، وأعطت الجارية ما عندها من حليّ وجواهر مكافأة لها على ما بشّرتها به.
وأمر النجاشي بعدها بحضور جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين، وخطب فيهم، ثم قال "إن رسول الله كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبته إلى ما دعا إليه، وقد أصدقتها 400 دينار".
ثم سكب النجاشي الدنانير بين يدي قومها، فتكلم خالد بن سعيد وقال بعدما خطب "فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان، فبارك الله لرسوله"، ثم قام ودفع لأم حبيبة مهرها، ولمّا هموا بالانصراف قال النجاشي "اجلسوا؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على الزواج".
وبعد انقضاء الجمع نادت أم حبيبة بالجارية التي بشرتها، فلما جاءتها أعطتها 50 درهما جزاء نقلها للبشرى، لكن الجارية رفضت، وأعادت لها المال وكل ما أعطته إياها سابقا، وقالت إن الملك أمرها ألا تأخذ شيئا منها، وطلبت من أم المؤمنين أن تنقل لرسول الله سلامها وتخبره بإسلامها.
وأُرسلت أم حبيبة مع شرحبيل بن حسنة عام 7 للهجرة، وعمرها 36 عاما، ومع عمرو بن أمية الضمري مبعوث رسول الله إلى النجاشي، ويقول بعض المفسرين إن زواجها هذا من نبي الله هو سبب نزول قوله تعالى: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) (سورة الممتحنة-7).
فرح خالها عثمان بن عفان بقدومها المدينة زوجة لرسول الله فأقام لها وليمة كبيرة، طعم منها الناس في أجواء فرح عامرة، خاصة وأن ذلك صادف زمنا قريبا من فتح خيبر.
إعلان
صلح الحديبية
تضمن صلح الحديبية -الذي وقّع في السنة السادسة للهجرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبيلة قريش- بندا يمنح القبائل حرية الانضمام إلى أحد الطرفين والتحالف معه، فاختارت قبيلة خزاعة التحالف مع النبي، بينما انضمت بنو بكر إلى قريش، وهما قبيلتان كانت بينهما عداوة قديمة.
استغل بنو بكر الفرصة لمهاجمة خزاعة وأخذ ثأر قديم، فهجموا عليها ليلا وقتلوا عددا من رجالها، وقدمت قريش الدعم سرا لبني بكر بالسلاح والرجال، وكان ذلك خرقا واضحا لشروط الصلح مع النبي.
وبناء على ذلك أمر النبي المسلمين بالاستعداد للتحرك نحو مكة نصرة لحلفائهم، وأوصى بأن يحاط الأمر بالكتمان حتى لا تتهيأ قريش لمواجهة جيش المسلمين.
وعندما أدركت قريش خطورة الموقف، سارع زعيمها أبو سفيان إلى المدينة المنورة في محاولة للصلح وتمديد الهدنة مع المسلمين، لكن كان الأوان قد فات، وعزم النبي على المسير إلى مكة وأصدر أمره بالتجهيز للحملة، فذهب أبو سفيان لمنزل ابنته خلسة، ليعرض عليها مطلب قريش لعلها تتوسط له عند رسول الله.
تفاجأت أم حبيبة بأبيها في منزلها، وكان لم يرها منذ هجرتها إلى الحبشة، ولمّا همّ ليجلس على فراش النبي، اختطفته من تحته وطوته، فسألها مستفهما "يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟" قالت "بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك"، فقال "يا بنية، لقد أصابك بعدي شر" وانصرف.
الوفاة
عندما شعرت بقرب أجلها، دعت أم حبيبة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم، وقالت لها "قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك"، فأجابتها عائشة "غفر الله لك ذلك كله وحللك منه" فردت عليها "سررتني سرك الله"، ثم أرسلت إلى أم سلمة وفعلت معها الأمر ذاته.
توفيت أم حبيبة سنة 44 للهجرة زمن خلافة أخيها معاوية، كما يذكر الواقدي وأبو عبيد والفسوي، وقيل سنة 42 للهجرة كما يورد المفضل الغلابي، وتفرّد أحمد بن زهير فقال توفيت قبل معاوية بسنة أي عام 59 للهجرة.
إعلانوروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 65 حديثا، صحح البخاري منهما حديثين ومسلم مثلهما، وحدث عنها أخواها معاوية وعتبة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة، والصحابي عروة بن الزبير وأبو صالح السمان وصفية بن شيبة وينبت بنت أبي سلمة، وغيرهم.