الطاقة الخضراء في لبنان... بين الاتّكاليّة والحلول الفرديّة
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
كتبت البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ: تتوالى أخبار الطاقة في لبنان من كلّ حدبٍ وصوب في الأسبوع الأخير، فعادت مسألة الحفر في الآبار النفطيّة البحريّة وخصوصًا البلوك رقم ٩ بعد عشرة أشهر من اتّفاق الترسيم. كذلك، أكّدت مصادر أنّ مجلس الوزراء لن يموّل شحنات الفيول، وبالتالي لن تزداد ساعات التغذية بالتيّار الكهربائيّ التي يرجوها المواطن، لتخفّف من وطأة موجة الحرّ غير المسبوق التي تضرب لبنان والعالم.
من ناحية أُخرى، تروّج مؤسّسة كهرباء لبنان للوصول إلى توازن ماليّ تحقّقه تدريجيًّا، نجد أنّه لتوزان وهميّ. إذ أنّ هذه المؤسّسة العريقة باتت بحكم الخارجة عن العمل، فالصيانة، وفاتورة المصاريف أقلّ بكثير في ظلّ "التعطّل" و"العطلة" عن العمل التي تطول وتطول.
إنّ ما يُخرج حديث الطاقة والكهرباء عن سياقه الدراميّ، وتخفيف أثره في حياة الشعب اللبنانيّ، هو رضوخ كثيرين منذ عامَين للواقع "المُظلِم" والتوجّه إلى الطاقة البديلة، وخصوصًا ألواح الطاقة الشمسيّة لتخطّي عوائق انقطاع التيّار الكهربائيّ. حتّى أنّ الطلب المتزايد عليها، أصبح يدرّ دخلًا لا بأس به على الحرفيّين والاختصاصيّين في مجال الطاقة الخضراء.
كما عزف كثيرون عن استخدام المولّدات الخاصّة التي انتشرت لعقود قبل الأزمة الاقتصاديّة، إذ أنّ رفع الدعم عن المحروقات وجّه لهذه المصادر البديلة ضربة قاضية. فأصبح لبنان "أخضر" من جديد في تلهّفه لتركيب الألواح الكهروضوئيّة، فكان التخفيف على الجيبة، تخفيفًا للمضار البيئيّة أيضًا.
لكن، ليس كلّ ما هو في حكم الطاقة المستدامة أمرٌ صحّيّ وسليم... فالطلب المتزايد، والرغبة في الربح السريع، جعل غير الاختصاصيّين يدخلون مجالًا لا يفقهون فيه حتّى المبادئ الأساسيّة، وقد يعرّضون بجهلهم المواطنين إلى خطر نشوب الحرائق، كما قد يتسببون بكوارث جرّاء أخطاء التركيب والتثبيت، خصوصًا وأنّهم قد يستدرجون طبقة عاجزة عن دفع التكاليف العالية، فيذهبون بهم إلى نوعيّات سيّئة، أو حلول خطرة. فكيف لأسرة أن تدفع آلاف الدولارات الأميركيّة لتركيب نظام الطاقة الشمسيّة لمنزلها؟ فلبنان يواجه موجة فقر مدقع، تكون فيها السلامة العامّة أوّل الأمور الثانويّة.
وكما يقول المثل: "رُبّ ضارةٍ نافعة" فإنّ أزمة الكهرباء "ولّدت" عادات وسلوكيّات يوميّة سليمة. فاستعان اللبنانيّ بمصابيح الـ "LED"، وإطفاء الأجهزة غير المستخدمة أو غير الضروريّة، لتحقيق أفضل أداء لنظام الطاقة الشمسيّة البديلة، واستفادته بأقصى حدّ من أشعة الشمس المجانيّة: "نور الله أحلى"، الأمر الذي لم تقوَ عليه سابقًا حملات التوعيّة والترشيد.
للأسف، فإنّ وتيرة تطوّر الطاقة المستدامة في القطاع الخاصّ أكبر منها بأشواط في القطاع العامّ، خصوصًا مع احتجاب الدعم الماليّ-الدوليّ المشروط بالإصلاحات السياسيّة كما هو الحال مع برنامج صندوق النقد الدوليّ. كذلك، تعتمد الدولة اللبنانيّة على خطّة توليد ٣٠٪ من الطاقة المستدامة بحلول العام ٢٠٣٠، لكنّ اعتمادها الأكبر هو على القطاع الخاصّ.
في المشهد اللبنانيّ، تضاعفت الطاقة الشمسيّة المركبة بمقدار ٧ مرّات منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة العام ٢٠١٩، لتصل إلى ٦٩٠ ميغاواط في العام ٢٠٢٢. ومن المفترض أن يستمرّ هذا الاتجاه المتصاعد على المدى القصير، نظرًا للزيادة الكبيرة في واردات الألواح الشمسيّة. في الوقت نفسه، تظهر مشاريع الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة واسعة النطاق: البلديات الريفيّة، والشبكات الصغيّرة بين المستشفيات والمدارس والمبانيّ الدينيّة، كوسيلة نافعة لإعادة إحياء هذه الوحدات.
من جهة أُخرى، ثمّة اهتمام بمصادر الطاقة الشمسيّة أكبر منه بما يخصّ الطاقة المائيّة في الجبال اللبنانيّة، والطاقة المتولّدة من الرياح القويّة التي تصل سرعتها إلى ٣٠ كم/ ساعة في بقاعٍ أُخرى. وهذا ما يتطلّب إنشاء بنى تحتيّة تساعد على الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعيّة.
أخيرًا، يبقى التساؤل المفتوح: هل الميل إلى استخدام الطاقة البديلة، سيقودنا إلى تبديل الكثير من السلوكيّات المُسيئة للبيئة في التقليل من انبعاثات الكربون وغازات "الاحتباس الحراريّ"؟ أم أنّها ستولّد مُعضلات جديدة في عدم وضوح كيفيّة التخلّص من البطاريّات المتهالكة؟ أو العشوائيّة في التركيب مقابل التنظيم الحضريّ للمدن اللبنانيّة؟
ختامًا، مهما كانت الحلول البديلة نافعة وسليمة لبلدنا، علينا ألّا ننسى أنّه لا يمكننا "استبدال" مهام المؤسّسات الحكوميّة في مسؤوليّتها بتوفير الطاقة للبقاع اللبنانيّة كافّة، ولا يمكنها مجرّد التفكير في أنّ هذه الحلول الفرديّة "حمل وزال عن كتفها"، فعليها أن تستفيق من حلم الموازنات الوهميّة، والتفتيش عن الحلول الجذريّة، واستئصال المسبّبات، لا الاستعانة بحلول "فرديّة"، والابتعاد عن "الاتّكاليّة". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الرئيس اللبناني يدعو واشنطن وباريس إلى تحمل مسؤولياتهما لوقف الاعتداءات الإسرائيلية
دعا الرئيس اللبناني جوزيف عون اليوم الولايات المتحدة وفرنسا إلى التدخل الفوري لإجبار إسرائيل على وقف اعتداءاتها المتكررة على الأراضي اللبنانية، مؤكدًا أن البلدين يتحملان مسؤولية خاصة باعتبارهما ضامنين لتفاهم وقف الأعمال العدائية.
وفي تصريح رسمي، شدد الرئيس اللبناني على أن استمرار إسرائيل في انتهاكاتها يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الهش في المنطقة، وينذر بتفاقم التوترات، ما قد يضع الشرق الأوسط بأسره أمام مخاطر حقيقية تهدد أمنه وسلامة شعوبه.
لبنان تطالب سفير إيران لديها بضرورة التقيّد بالأصول الدبلوماسية
لبنان .. قرض بـ 250 مليون دولار لمعالجة مشاكل الكهرباء
وأضاف أن "الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة لا تمثل فقط خرقًا واضحًا للقرارات الدولية، بل تدفع الأوضاع نحو مزيد من التصعيد، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى جهود مكثفة للتهدئة والحوار."
وأشار الرئيس اللبناني إلى أن لبنان، رغم التزامه الدائم بالقرارات الدولية، وخاصة القرار 1701، لا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات إسرائيل المستمرة لفرض وقائع جديدة بالقوة، محذرًا من أن السكوت الدولي عن هذه الخروقات يشجع على المزيد من الانتهاكات.
كما طالب الرئيس المجتمع الدولي، وفي مقدمته واشنطن وباريس، بتفعيل دورهما كضامنين لتفاهمات وقف إطلاق النار، والعمل على كبح جماح التصعيد الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن تجاهل هذه التطورات قد يقود إلى انفجار واسع يصعب احتواؤه.
وأكد الرئيس أن لبنان يحتفظ بحقه المشروع في الدفاع عن أراضيه وسيادته بكافة الوسائل المشروعة، داعيًا الأمم المتحدة إلى ممارسة ضغوط جدية لضمان احترام إسرائيل للقرارات الدولية ووقف ممارساتها العدائية.
ويأتي هذا الموقف اللبناني في ظل تصاعد حدة التوترات على الحدود الجنوبية، مع استمرار الغارات والاعتداءات الإسرائيلية، ما يثير مخاوف متزايدة من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية شاملة في ظل صمت دولي مريب.