لماذا نحن متأخرون؟ كتاب عن عوائق النهضة العربية الحديثة والعلاقة بالغرب
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
الكتاب: لماذا نحن متأخرون؟ قراءات ما بين الفكر والواقع.
المؤلف: وليد أنطون الشوملي
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت،2022 م
عدد الصفحات: 344 صفحة
ألصق مصطلح التأخر بمضمونه اللفظي والموضوعي بالعرب والمسلمين في العقود الأخيرة، ولكن أي تأخر هذا، الذي تعاني منه الأمة العربية الإسلامية المسيحية في الشرق العربي، وهي التي قدمت العلوم والمعارف بكافة مجالاتها للأمم الأخرى، لتبني عليها إرهاصات، بل وإنجازات حضاراتها وتقدمها الآني، لماذا نحن متأخرون؟ أهو تأخر ذاتي؟ أم تدخل خارجي أسهم في الوصول للحالة العربية والإٍسلامية لتأخر عن الركب العلمي، والتقدم التكنولوجي، والتطور الثقافي والفكري، الذي أقام أمجاد الأمم، كل ما سبق تتصدى له هذه الدراسة، للإجابة على تساؤلات أصبحت هم كل مثقف وكل غيور على وطنه، أهمها السؤال الأكثر تداولا اليوم، لماذا تأخر ركب الحضارة؟ لماذا تحولت بلدنا ومقدراتنا إلى هدف الاستباحة؟ ولماذا صار دمنا رخيصاً، ولحماً مبتذلاً إلى هذا الحد؟!
بين ثنايا صفحات الكتاب أورد الشوملي قطوفا من أفكار ومعالجات هذا التأخر للكاتب العربي محمد عابد الجابري، الذي أشار إلى أن سبب تأخرنا هو تلك الإشكالية في العلاقة مع الماضي، فهناك من قدسه إلى درجة التكلس الأيديولوجي، وهناك من رفضه إلى درجة الاحتقار، في تقديمه لهذا الكاتب يقول الكاتب أحمد عوض:" لم يحدث لدينا ما حدث للغرب الذي كانت علاقته بماضيه تتلخص في الاتصال والانفصال بمعنى الانفصال عن الماضي من أجل دراسته ونقده وتفكيكه ونزع القداسة عنه بهدف الاتصال به على أسس عقلية لا تقدس، ولا تدنس، ولم يكتف الغرب بهذه العملية، وإنما نقد مناهج النقد ذاتها، حتى تظل عملية الاتصال والانفصال قائمة، بحيث أصبح تقدم الغرب جزءاً من عملية ديناميكية لا قفزات فيها ولا صدمات" .
رأى د. وليد الشوملي أن الفكر الأوروبي يتجدد من داخل تراثه، وفي نفس الوقت يحمل على تجديد هذا التراث بإعادة بناء مواده القديمة وإغنائه بمواد جديدة، هكذا استطاع الأوروبيون أن يتخلصوا من ثقل ماضيهم عليهم، فأصبح هذا الأخير يحمل نفسه بنفسه، لا يثقل عليهم ولا يشدهم إليه بل يسندهم ويدفع بهم إلى الأمام، فعندما يقرأ الأوروبي تاريخه فإنه يقرأ فيه المنطق والعقل ويكتسب منه نظرة إيجابية موضوعية، ويخطو بها خطوات نحو المستقبل(ص14).
مجموعة القيم السامية يجدها القارئ لهذه الدراسة ينبغي المحافظة عليها من قيم التسامح والتعايش، الاندماج، الوحدة، الايمان بالعمل من أجلها في المجتمع الفلسطيني والعربي أمام طغيان المادية والرأسمالية الغربية في مكنونات الحياة التي نعيشها، التي أصبحنا نفتقد لها خاصة مع تعاملنا مع الآلة في كل تفاصيل حياتنا اليومية بصمت تام، تفقد الإنسانية طبيعته التي جبلت عليها.
يؤكد الكاتب أن النهضة الأوروبية الحديثة لم تنطلق إلا لتسد الفراغ الذي خلقه الانحدار الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية في تلك الفترة، وسقوط الأندلس ثم اكتسبت تلك النهضة زخماً جديداً في القرنين السادس، والسابع عشر بعد أن نقلوا علوم العرب، كما جاء سقوط القسطنطينية عام 1453 م عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك، وهروب الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين إلى إيطاليا، وأنحاء أخرى من أوروبا.يقول الكاتب في مقدمته: "لقد آثرت أن أضفي بعداً فكرياً على مقالاتي المتنوعة، وألا أخوض في المواضيع السياسية اليومية المتداولة بين أوساط كثيرة من المثقفين، وأضرابهم من شداة الكتابة على اختلاف أهوائهم ومشاربهم، وقد حرصت في الوقت ذاته على إضفاء الأبعاد الرمزية والفلسفية والإنسانية، الفكرية، الدينية، التاريخية، التراثية؛ لأقدمها للقارئ بحلة جديدة غير تقليدية ومن زوايا مغايرة".
تطرق الشوملي لأهمية تناول المواضيع التاريخية ذات العلاقة لتثبت الحق الفلسطيني على هذه الأرض من جهة، وتوضيح أن يهود الأمس الذين عاشوا على هذه الأرض ما هم إلا قبائل كنعانية أو غيرها كانت قد تهودت، فلا صلة بينهم وبين اليهود الأشكناز أو يهود الخرز الذين جاءوا إلى فلسطين يحملون راية مشروع استيطاني كولونيالي غربي متذرعين بوعود سماوية لا أساس لها من الصحة، واسقاط اساطيرها على الأرض.
إشكالية النهضة العربية الحديثة
يؤكد الكاتب أن النهضة الأوروبية الحديثة لم تنطلق إلا لتسد الفراغ الذي خلقه الانحدار الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية في تلك الفترة، وسقوط الأندلس ثم اكتسبت تلك النهضة زخماً جديداً في القرنين السادس، والسابع عشر بعد أن نقلوا علوم العرب، كما جاء سقوط القسطنطينية عام 1453 م عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك، وهروب الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين إلى إيطاليا، وأنحاء أخرى من أوروبا.
أما النهضة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر فقد اصطدمت بقوى الغرب الخارجية ورأسماليتها التوسعية المتوحشة، وأدى العامل الذاتي فيها دوراً ثانوياً إذا ما قورن بالدور الذي لعبه في النهضة العربية الأولى عند نشوء الدولة الإسلامية، يضيف شاكر مصطفى عن أزمة التطور الحضاري العربي: " لقد مضى على ارتطام أمتنا العربية بالحضارة الحديثة سنوات بعيدة، وقد مضت على الأقاليم العربية فترة زمنية كافية لتكون في مستوى العصر وتكنولوجيا وفيضه الحضاري، معظمها انطلق قبل الصين، وروسيا، واليابان، ومع ذلك فهذه الأمم جميعها وصلت بينما لم يصل أي إقليم عربي طليعي إلى شيء بعد"، من ثم يتسأل مصطفى بعد كل ذلك فيقول :" هل وصلت الأمة حقاً مرحلة الشيخوخة، واتسمت بالعقم الحضاري؟ هل أضاعت الطريق؟ أم أن هناك أمراضاً معقدة نخرت تكوينها العام, مما تسبب في شل مفاصلها، ومنعها من متابعة السير لتناغم مع إيقاع العصر؟(ص23).
شكلت نكبة عام 1948م هزيمة عسكرية وسياسية, إلا أنها لم تقض تماماً على الفكر النهضوي العربي والمشروع القومي، وكان الإسرائيليون آنذاك يعيشون أزمة وجود، أما هزيمة عام 1967م فقد قضت على الحلم والمشروع العربي في طريق الانحدار إلى الهاوية، ولم تعد أزمة الإسرائيلي وجودية بقدر ما هي توسعية يفرض من خلالها وقائع على الأرض مدعوماً بقوته العسكرية، وانحياز الغرب إلى جانبه ليصبح الجميع يعاني من حالة احباط، ليتم ضرب الإيدلوجية العربية النهضوية في الصميم.
كنعانية فلسطين تهزم أساطيره
بدأت عالمة الآثار كاثلين كينيون الحفريات بموقع تل السلطان في أريحا عام 1952م، لتثبت الرواية التوراتية المزعومة المتعلقة بهدم يشوع بن نون لأسوار أريحا في الفترة البرونزية المتأخرة، إلا أن موضوعيتها العلمية المستندة على ما وجدته من حقائق على الأرض جعلتها تدحض تلك الرواية، وتؤكد على حقيقة أن أسوار أريحا كانت قد هدمت في الفترة البرونزية المبكرة، ما ينسف الرواية الإسرائيلية وما بني عليها من مزاعم إسرائيلية تتعلق بارتباطهم بأرض فلسطين.
انحدار الفكر العربي
قارن الكاتب بين اندفاع الشباب العربي نحو مباريات كرة القدم، وانحدار مستواهم الثقافي، وبين التقدم العلمي والهوة العلمية بين العالم العربي من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث أشارت احصائيات اليونسكو أن الدول العربية مجتمعة خصصت عام2004م، ما يقارب 1.7 مليار دولار للبحث العلمي أي بمعدل 0.3% من انتاجها القومي الإجمالي، في حين خصصت إسرائيل مبلغ ما يقارب 4.5 مليار دولار للبحث العلمي، بمعدل 4.7% من انتاجها القومي الإجمالي.
شكلت نكبة عام 1948م هزيمة عسكرية وسياسية, إلا أنها لم تقض تماماً على الفكر النهضوي العربي والمشروع القومي، وكان الإسرائيليون آنذاك يعيشون أزمة وجود، أما هزيمة عام 1967م فقد قضت على الحلم والمشروع العربي في طريق الانحدار إلى الهاوية، ولم تعد أزمة الإسرائيلي وجودية بقدر ما هي توسعية يفرض من خلالها وقائع على الأرض مدعوماً بقوته العسكريةصنفت دولة الاحتلال عام 2003م، كثالث أعلى دولة تسجل براءات اختراع نسبة إلى عدد السكان، بمعدل 2.04% براءة اختراع لكل عشرة آلاف من السكان، فليس هناك سياسة واضحة للدول العربية أو أهداف استراتيجية بخصوص البحث العلمي، فمعظم الأبحاث التي تصدر في تلك الدول عبارة عن نتاج مبادرات شخصية أو مجموعات بحثية صغيرة! (ص125).
تحدث الكاتب هنا بحسرة وألم" ففي واقع الأمر، إن الانحدار الفكري العربي بدأ قبل ما يقارب ثمانمائة سنة، وكنا إثر كل هزيمة نلقي باللائمة على غيرنا، ونختلق المبررات لتلك الهزائم، وذلك من أجل التنصل من دفع ضريبة الهزيمة المادية، كذلك الهزيمة الفكرية"، ومن ثم دعا لإجراء مراجعة شاملة وتحليل عميق لأسباب أزمة الفكر العربي، وألا تكون تلك المراجعة معول هدم لما تبق من أمل لتطور وتحرر، كونه فكراً إشكاليا يتعامل مع الممكنات الذهنية كمعطيات واقعية، تقوم على تغليب العقل على اللاعقل، والأساطير، والخرافات؛ لتنتهي حالة التهميش والغوص في سفاسف الأمور والنقاشات التفاهة.
العنف بين الدين والسياسة:
جاء تعبير الفيلسوف الفرنسي المعاصر مارلو: " القرن الواحد والعشرين سيكون دينيا أو لا يكون" نتاج انعكاسا لظاهرة إحياء الدين والفكر الديني الذي عم العالم خاصة مع انهيار دول المنظومة الاشتراكية، وظهور القطب الواحد أوائل التسعينيات من القرن الماضي والهيمنة السياسية والاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم من خلال ظاهرة العولمة.
أعطى الشوملي هنا نظرة شمولية للواقع الذي فرضه تفكك الاتحاد السوفييتي بعودة شعوب الجمهوريات التي كان يدين غالبية سكانها بالإسلام إلى التدين، ولو بدرجات متفاوتة وتزامن ذلك مع ضح المملكة العربية السعودية لنشر الفكر الوهابي هناك، في الوقت ذاته أدى ذلك التفكك إلى زيادة التدين لدى الأرثوذكس الروس، وتقربهم إلى كنيستهم، أما في العالم العربي فإن ظاهرة العنف الديني المتجددة منذ قرون طويلة، سواء بين المذاهب الإسلامية المتعددة أو بين المسلمين وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية" لا يمكن اعفاء الأنظمة الشمولية في الوطن العربي من زرع الفتن الطائفية والمذهبية التي تفجرت في أعقاب انهيار تلك الأنظمة وبداية حقبة ما يسمى بالربيع العربي، إذ نرى الصراعات الدينية تخدم في النهاية مآرب سياسية، كانت تلك الأنظمة تدعي وتفاخر أنها كانت تصهر جميع المكونات الدينية والمذهبية والإثنية في بوتقة المواطنةـ إلا أنها في حقيقة الأمر كانت تصهرها في بوتقة العبودية والشمولية بحيث كان لطائفة ما امتياز على طائفة أخرى، ولم تجد الفتن طريقها إلى السطح بفعل الضغط والقهر والاستبداد".(ص148).
بروتوكولات حكماء صهيون.. أين نحن منها الآن؟
ضمت تلك البروتكولات (24) بروتوكولاً، التشكيك بوضعها من اليهود أنفسهم بوصفها أكبر عملية تزوير سياسي لسيطرة اليهود على العالم، في حين أكد أخرون أنها أخطر مخطط يهودي عرفه التاريخ، وهنا سلط الكاتب على أهداف هذه البروتوكولات التي ظهرت عام 1901م في روسيا، فالبروتوكول الأول بحث في كيفية نشر الفوضى والحروب، بل أنه اعتبر أن الحرية السياسية ليست حقيقة بل فكرة، ويجب استخدامها كطعم لجذب العامة فإذا أراد المرء أن ينتزع سلطة منافس له، خاصة إذا كان موبوء بأفكار الحرية والتحرريةـ، فإنه سيتخلى عن بعض سلطاته بإرادته، وبهذا ما على الحكومة الجديدة إلا أن تحل محل القديمة التي أضعفتها التحررية، لأن قوة الجمهور العمياء لا تستطيع البقاء يوماً واحداً بلا فائدة"، وهذا ما على يهود العالم فعله لنشر الفساد في العالم، لضمان إقامة حكم يهودي حازم يعيد بناء النظام الذي حطمته التحررية، وأنه سيكون على عاتق اليهود مسؤولية إغراء الناس بالخمر والمجون والنساء، وكذلك استخدام وسائل الخديعة، الرشوة، الخيانة لتحقيق غاياتهم، وهذه أساليب استخدمتها إسرائيل على مدار تاريخها.(ص157).
تطرق الكاتب أيضا للبرتوكول السادس عشر الخاص بإفساد التعليم، لجعل الأمميين غير قادرين على التفكير باستقلال، بينما تطرق البرتوكول السابع عشر إلى تحطيم السلطة الدينية وخاصة سلطة البابوية، ويوضح الكاتب" أن وجود ما يقارب من 80 مليون مسيحي صهيوني في الولايات المتحدة نفسها يدعمون إسرائيل دعماً كاملاً، ويدعمون المسيحية، وهم منها براء، ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بذلك البروتوكول، فهؤلاء الناس هم صهاينة، ولكن بغطاء مسيحي"، لتحقيق هدفين الأول: تحطيم القيم والمفاهيم المسيحية من الداخل، الثاني: دعم الصهيونية بإضفاء الغطاء الشرعي لها باحتلال فلسطين والاستيطان فيها.(ص160)
اللغة العربية وتحديات العولمة
ارتبطت اللغة ارتباطاً وثيقاً بهوية أي أمة، فهي عنوان للأمة ومصدر قوتها، فحين تضعف لغتها تخبو معها ثقافتها، فاللغة العربية جوهر الثقافة العربية، وفي أوج الحضارة العربية الإسلامية، أدت اللغة العربية دوراً بارزاً في نقل ابداعات الحضارة الإغريقية إلى اللغات الأوروبية، أي أنها مثلت جسر يربط بين الحضارتين الإغريقية والأوروبية، إلا أن تحديات العولمة اليوم باتت تشكل خطراً محدقاً باللغة العربية، كونها تشكل الإفراز الثقافي لأغنى الدول اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وهذا تطلب ضرورة الإلمام باللغة الإنجليزية لتكون لغة التخاطب والتواصل بين الشعوب على الأصعدة كافة، على حساب اللغات القومية لمعظم الشعوب، ومن ضمنها اللغة العربية، ليؤكد الشوملي" على أن الشعوب العربية بشكل عام لا ترهب العولمة خوفاً من الهيمنة الاقتصادية بقدر ما ترهبها من الهيمنة الثقافية "سيطرد الكاتب في هذا الصدد بالقول:" العالمية تختلف عن العولمة، إذ أن الأخيرة تحمل في طياتها طمس الهويات الثقافية للشعوب، بينما تفسح الأولى المجال للشعوب أن تحمل خصوصياتها الثقافية إلى الساحة العالمية" (ص183).
ميغيل دي أونامونو والواقع الفلسطيني
هناك عبارة رددها أونامونو للجنرال الدكتاتور" ميان آستراي" (ستنتصرون ولكنكم لن تقنعوا أحداً)، ورد عليه الأخير بالتهجم على إقليمي كتالونيا والباسك، وشبههما بالسرطان في جسد الأمة، وذلك خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في اسبانيا عام 1936م، فكان جواب أونامونو" اسبانيا دون كاتالونيا والباسك بلداً على شاكلتك يا سعادة اللواء، أعني بلداً أعور وأكتع"، أسقط الكاتب تلك الحادثة على الوضع الفلسطيني لمغتصبي الأرض بقوله:" أنتم انتصرتم، واغتصبتم، هجرتم، قتلتم، نكلتم لما تتمتعون به من قوة عسكرية، ودعم خارجي لا محدود، إلا أنكم لن تقنعونا بأنكم أصحاب الأرض الشرعيين، وأننا نحن غرباء على هذه الأرض، فجذورنا تمتد عبر آلاف السنيين، وأنتم من وظفتم الدين لأهداف سياسية استعمارية، واستخدمتم الأساطير السماوية والوعود الإلهية من أجل تحقيق مآربكم".
راهن دافيد بن غوريون على تناسي الأجيال الفلسطينية للحقوق الفلسطينية مع مرور الوقت، أو التماهي مع الواقع الذي تفرضه دولة الاحتلال على الأرض، وحاولت إسرائيل وأد التاريخ ومدرسيه بتشوية الرواية الفلسطينية، ولكن هيهات هيهات أن تقبل شجرة الزيتون ذلك، فهي الشاهد على غارسها، والمقاومة والتحرير امتداد طبيعي لصيرورة التاريخ الفلسطيني المناضل، فزيت الزيتون لن يتحول دمعاً، بل قنابل ثقافية فسفورية تضيء الطريق لجيل الغد.(ص232)
شلومو ساند واختراع الشعب اليهودي
طالب شلومو ساند مع مجموعة من مثقفين ومحاضرين إسرائيليين في جامعة تل أبيب الحكومة الإسرائيلية عام 2012م, بالتوقف عن طمس هوية قرية الشيخ مؤنس، وإحياء ذكرى القرية التي تقوم عليها جامعة تل أبيب؛ بالاعتراف التاريخي كمقدمة للتصالح مع الفلسطينيين ففي كتابه اختراع الشعب اليهودي أنه في بداية نيسان عام 1948م، رحل آخر المهجرين من القرية" مشوا في دروب وعرة حفاة ومجردين من كل شيء تقريبا، نساء بأيديهن ومن خلفهن أطفال يبكون، كان الشيوخ العجز يسيرون بصعوبة وهم متكئون على أكتاف الشباب... تاركين خلفهم كل ما كانوا يملكون داخل قريتهم المحاصرة من ثلاث جهات، ما عدا الشمال، فقد غادر أهالي الشيخ مؤنس موطنهم مذعورين نحو طولكرم وقلقيلية، وسيطرة المحتلون، وهم يقهقهون بعد أن ظفروا بقرية وادعة، وبهذا تبخر أهالي الشيخ مؤنس من صفحات تاريخ أرض إسرائيل، وألقي بهم في وديان النسيان السحيقة"(ص244).
دعا د. وليد الشوملي إلى ضرورة الاهتمام بكل ما يكتبه شلومو ساند من مدرسين ومؤرخين وسياسيين: "يفند الرواية الإسرائيلية التوراتية والاحتلالية، ويسقط الإثنية الإسرائيلية وعلاقتها بالأرض إنما يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة، تمكن المؤرخين الفلسطينيين والعرب أن يؤسسوا عليها، ويدعم موقفهم في دحض الرواية الإسرائيلية الزائفة في جوهرها وأدواتها".
حقاً هذه الدراسة للكاتب دالدكتور وليد الشوملي بستان من الأزهر الفواحة بمقالاتها المتنوعة، وطروحاته التي طاف بها بالقارئ بين ثنايا ما تتعرض له الأمة العربية والمسيحية من قطوف التراجع ليقول في كل موضوع من موضوعات الكتاب لماذا نحن متأخرون؟ وأين تكمن مواطن الخلل في مجتمعنا، صفحات أعرب فيها الكاتب عن مدى ألمه من الحالة الفلسطينية العربية الإسلامية والمسيحية، تحدث بوجع عن أزمنة وعصور زاهرة لأمة امتلك مقومات الحضارة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشر مصر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العربیة الإسلامیة النهضة العربیة على الأرض ما یقارب إلا أن
إقرأ أيضاً:
عندما يرسم الكاتب
القصيدة وعاء والشعر سائل... هذا ما وصلت إليه إليسا جابرت في مقالتها (شكل الفراغ- نحو تعريف للشعر)، تبدو الفكرة جذابة لدرجة الجزم بصحتها باعتبار الشعر كيانا أثيريا لا يقتصر تواجده على القصائد والنصوص الشعرية بل يتجاوزه ليتخلل القصص والروايات ويمتد ليشمل اللوحات والمنحوتات والعوالم الفنية تشكيلية مسرحية وسينمائية، ويمكن أيضا تلمس النفس الشعري حتى في التفاصيل اليومية الصغيرة، وبالقياس يمكن اعتبار تمايل الشّجرة وهجرة الطيور وعلاقة الموج بالشّواطئ كلها شعرا خالصا، فكأنّ الشّعر وجدانيات كثيفة وروحانيات صوفيّة مرهفة تعتمر الرّوح وتقدم نفسها بين أيدينا على شكل مفردات أو خطوط وألوان، رقصاً أو نغمات وموسيقى.
وهذا إذن السبب الرئيس وراء تمازج الفنون، حيث يندر أن نجد أديبا لم يحاول الرسم أو يقارب الغوص في عالم اللون، وبالمقابل تستهوي الرسام الكلمات وقد يقع في شرك الكتابة، العزف أيضا مجال عريض الأبواب للدخول ومحاولة إحلال العلامات الموسيقية مكان الأحرف المكتوبة لدى الأصابع، معظم هذه المحاولات تكون خاصة لا يطلع عليهم سوى دائرة ضيقة من المقربين، بينما تكون علنية عند آخرين، مما لا يجدون ضيرا في عرض نتاجهم.
سنسترق النّظر هنا لنشاهد تجارب عدد من الكتّاب الذين لم تكن علاقتهم بالفن علاقة سرية، بل رسموا بالتوازي مع عملهم الكتابي وعرضوا نتاجهم بمعارض فنية أو عبر صفحاتهم على وسائل التّواصل الاجتماعي، وقد استخدمت مصطلح ـ استراق النظر ـ عن قصد لأن السمات العامة لمحاولات الكاتب أن يقترب من عالم الفن كانت تتسم بخجل ووجل طفوليين أجبرت بعض الكتاب على محاولة إخفاء إنتاجهم الفني ولعل أشهرهم كان كافكا الذي خبأ رسوماته عن الأنظار، يقول جوستاف يا نوخ في كتابه «حوارات مع كافكا» إنّه حين شاهد كافكا يرسم، أخفى الرسومات عنه، لكنه سمح لجوستاف برؤيتها فيما بعد، وأضاف: «هذه الرسومات ليست بريئة كما تبدو لأول وهلة. إنها بقايا رغبة قديمة وعميقة» فكأنها ما ترسب في الأنا ولم تستطع الكتابة إخراجها، تقنيا كانت هذه الرسوم بسيطة بالحبر الأسود ذاته الذي كان يكتب به كافكا قصصه ورواياته لكن تكثيفها ورشاقة خطوطها هما سمتاها المميزتان، وكأن هذه الرسومات امتداد لما يكتبه من أدب، ويذكر الناقد الفني فيليب هارتغان أن هذه الحركات السريعة والتعبيرات البسيطة تحوي الكثير من الاقتصاد في الرسم يمكن للرسامين التعلّم منه. الخطوط هنا تعكس ثقةً وقوة لم تكونا واضحتين في شخصية كافكا، وكالعادة النتاج الفني يفضح بعض التّفاصيل الدّاخلية العميقة والتي ربما حتى الفنان نفسه لا يعرفها عن نفسه، حجمها الصغير يشي بخوف وحياء من تجربة الرّسم، وذاك ليس غريبا على فرانز كافكا الذي كان يتأخر بنشر نتاجه الأدبي، حتى أن أشهر أعماله (المسخ) انتهى من كتابتها في 1912 ولم تنشر إلا بعد 1915.
أما رامبو الشّاعر الفرنسي المغامر الذي لجأ للرمز والسريالية في شعره فقد رسم أيضا مجموعة من اللوحات رافقت أسفاره ورحلاته لمدن كثيرة، وكانت لوحاته مائية هادئة المزاج خلافا لشعره الذي شكّل انقلابا في الشعر الفرنسي، فكانت تمثّل السكون الذي يربض خلف غضبه وثورته المستمرة، وقد تكون مطالعة شعر رامبو مع مشاهدات لوحاته فسحة جديدة تزيد من عمق الشعر وتقدم مسارات لقراءة شعرية أكثر غنى.
بالطبع لا نستطيع إغفال جبران خليل جبران الذي عرف عالميا ككاتب أكثر من كونه رساما مع أنه قضى حياته يكتب ويرسم في آن واحد، وقد بدأ حياته رساما! وترك خلفه حوالي 700عمل ما بين تقنية الفحم والألوان المائية، وكان يعتبر الرسم فعلا لا يحتاج الوعي كالكتابة يقول عن ذلك: «عندما أعكف على الرّسم وأنتج شيئا جيدا قليلا أو يستحق التقدير يجيء ذلك على غير وعي مني، وأنا على خلاف ذلك في كتاباتي فأنا أعرف عما أكتب في حين أنني أجهل لم أرسم أو أصور» إذن كان الفن عنده هروبا من قيود الوعي وراحة للعقل، حيث كان بإمكانه أن يرسم ما يعتمر في لاوعيه دون رقيب.
أدونيس الشاعر أدخل الفن التشكيلي أيضا لعالمه ومزجه مع الشعر ليس على المستوى المعنوي فقط بل أننا عندما نشاهد رسومه نجدها محاطة بكلمات وأشعار لـ(المتنبي، المعري، النفري...) وكأنهما -الشّعر والفن- كيانان يحتفل كل منهما بالآخر، رسم بالحبر الأسود رسوما رمزيّة مختزلة تشبه رسوم الإنسان القديم على جدران الكهوف، كما أنها تحمل مسحة طفولية بعفويتها وفطريتها وعن ذلك يقول أدونيس في أحد تصريحاته: (... في فني أبحث عبر شيخوختي عن طفولتي المفقودة التي اقترب حزنها من حلم الفرح) اللون الأحمر كان حاضرا كذلك في العديد من رسومه بقوته ووضوحه يمنح اللوحة قوة ويسحب الانتباه إليها، حينها يبدأ المتلقي بقراءة الكلمات وتأمل التفاصيل البارزة في العمل فقد استخدم أدونيس الكولاج أيضا ليضيف مواد متنوعة ويصنع بذلك عملا بتقنية خاصة به وقد أسمى أعماله بـ(اللوحات الرقيمة) فهو يريدها أن تشبه الرّقم، وقد بدأ بتنفيذها بعد مروره بمراحل لم يستطع خلالها القراءة أو الكتابة فخطر بباله السؤال التالي: لم لا أعطي ليدي نوعا من الحرية لأعرف ما يمكنها أن تصنع، فكانت بداية الدخول للتجربة التّشكيلية.
وهذا السبب يتشابه عند الكثيرين فعند التوقف أو التردد عن التعبير بالأداة التي احترفوها يفرحون بامتلاك أداة مختلفة تحتوي على ذات الخواص، وهو سلوك طبيعي يشبه سلوك السواقي التي تباشر في حفر مسار جديد عندما تعترضها عقبة جيولوجية، فتنشر الجمال والخضرة في جغرافيا جديدة، كأن تخونك لغتك، فتنساب لغة جديدة تمنحك القدرة على نقل رؤاك وأفكارك بعناصر شكلية هذه المرة.
وهذا ما لجأ إليه الشاعر والمترجم أحمد. م. أحمد الذي شغلته الترجمة في فترة عن إبداعه الشّعري، وصارت كلماته مسخّرة لترجمة نتاج الآخرين، وبدأت مشاعره (الغضب، اليأس، الترقب...) تتراكم فوق صدره، فبدأ بالرّسم وكان طوق النجاة، خرجت لوحاته للجمهور ناضجة فكان أشبه بطفل خطا خطواته الأولى بثقة، لم يحبُ لم يتأرجح ببداية سيره!.
من ناحية الشكل نجد هذه الأعمال تنتمي للمدرسة الفطرية يرسمها بطريقة طفولية –وهذا تبريره عند الفنانين الأكاديميين مختلف عن تبريره لدى الداخلين عالم الفن حديثا.
فهنا يرجع استخدام هذا الأسلوب لرغبة عارمة للتعبير والبوح عن شعور كامن دون أن يلقي بالا بالطرق الأكاديمية في الرسم؛ المواضيع عند أحمد شائكة معقدة تفاجئ المتلقي بكثرة التفاصيل، فيحتاج المشاهد لوقت طويل حتى يلم بالعناصر ويحصي الألوان المستخدمة، فيجد نفسه في مأزق التفسير الشاق ولا يلبث أن يكتفي بالتذوق.
الأعمال عبارة عن مساحات لونية كتيمة لا فراغات بيضاء تسمح لها بالتنفس، الألوان قوية جريئة حيوية ودرجاتها قاتمة، تتوزّع بتواتر مدروس أحيانا وعشوائي غالبا يشي باختلاط المشاعر، فخلف كل لون خلجة من خلجات مشاعره يسكبها على سطح اللوحة دفقةُ واحدة، ليكسبها حياة وجمالا ينافس فيها الفنانين، وليزيد لوحاته غنى يضمنها مقاطع من شعره أو جمل ترجمها ليخرج عمله الفني مشكلا على طريقة فريده يختص بها دون سواه.
أما تجربة القاص والرّوائي إسلام أبو شكير فكانت مختلفة، فقد أتقن دور الفنان التشكيلي، وقرّر الرسم بطريقة أقرب للواقعية، تطورت تجربته شيئا فشيئا فصارت لوحاته الواقعية دقيقة لحد كبير، رسم تفاصيل يومية كوب الشاي، قارورة الماء، سلة الغسيل، الكنبة... وغيرها، لينتقل في مرحلة أخرى للوحات تعبيرية تحمل الكثير من الأفكار (الموت، الهجرة، الوحدة...)، فنجد المشانق مدلاة من السماء في إحداها، وقاربا مكتظا بالهاربين يرسو على الرمال وكأن البحر الذي كان الفرصة الأخيرة المتاحة أمامهم جف وتركهم لمصيرهم، تتقاطع هذه المواضيع مع مواضيع أعماله الأدبية التي تحفر عميقا في الصعيد الإنساني، لكنها تطل للمتلقي بزي مختلف محافظة على الحس الجمالي الذي لا يغيب مهما كانت المواضيع قاسية.
بالطبع هنا مررنا على عينات اختيرت بشكل عشوائي من قائمة تطول من الكتّاب والشعراء من عصور مختلفة وانتماءات متباينة، ممن لجأوا إلى الفن التشكيلي ليكون نافذتهم على العالم، فقد أرادوا وسيلة أخرى غير الكلمة تترجم ما يجول داخلهم، فرحّب بهم الفن التشكيلي وفتح أمامهم أبوابه ومنحهم أسراره، وذلك لأنهم حقّقوا أهم الشروط ليكون الفن فنا وهو الصدق في العاطفة وبالتأكيد الرغبة في التعبير عما يجول في النفس والتي لولاها لما كانوا دخلوا عوالم الرسم أصلا، وأعتقد أن وجودهم في عوالم الأدب والشعر تجعلهم مطلعين أكثر من سواهم على أهمية الفن، لذا كان سعيهم (بشكل واع أو عفوي) لإنتاج أعمال إما جمالية صرفة، أو فكرية مباشرة، أو فلسفية معقدة هو الدافع المباشر للرسم.
أما الدافع غير المباشر الذي يجعل الفنان يعود كلّ يوم ليمسك قلمه وريشته، أو يعجن طينه ويحمل إزميله هي المتعة التي تتركها ممارسة الفنّ والراحة التي تستقر في الرّوح بعد تفريغ الشحنات السلبية، هذه المتعة تجعل كل من يمسك قلما يرسم وحتى إن لم يكن موهوبا، والكتب المدرسية غير مثال على ذلك، فالرسم كان وسيظلّ حبل النّجاة من الملل الذي يملأ بعض الحصص المدرسية!
بسمة شيخو كاتب سورية متخصصة في الفن التشكيلي