ما الذي يميز شهر رمضان لدى مسلمي إثيوبيا؟
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
يتخذ الاحتفاء بشهر رمضان لدى مسلمي إثيوبيا عدة مظاهر ترتبط بالتنوع العرقي الكبير الموجود في البلاد، وأيضا بما حققه المسلمون في السنوات الأخيرة من مكاسب جعلتهم يقيمون الإفطارات الجماعية في الشوارع والميادين بالمدن بعد سنوات من التضييق والتهميش، غير أن لرمضان ميزة خاصة في الأرياف ترتبط بمجالس ومعتكفات الذكر وقراءة وحفظ القرآن الكريم والاستماع للدروس الدينية.
ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا الشيخ حامد موسى إن مسلمي البلاد يحترمون الشهر الفضيل أشد الاحترام، ويضيف في تصريح للجزيرة نت أن بعض المناطق لديها برنامج إفطار ملزم لكل فرد، إذ يتوجب على كل واحد أن يذبح من رؤوس الماشية ويطعم مسكينا، كما تنظم إفطارات جماعية على مستوى القرى، وعلى مستوى الأقارب والمعارف.
وأما كبار العلماء الذين يدرسون الفقه والحديث في القرى فإنهم يعتزلون الناس في رمضان، وينقطعون للعبادة والذكر وقراءة القرآن والدعاء وصلاة التراويح والتهجد وفق ما أفاد به الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والذي أصبح منذ عام 2022 معترف به رسميا بصفته مؤسسة مستقلة عن الحكومة، وتمثل مسلمي إثيوبيا في الداخل والخارج.
ويضيف الشيخ حامد أن خصوصية الشهر الفضيل تؤثر على الجو العام في البلاد، وهذا يشمل المسلمين والنصارى على حد سواء، فحركة التجارة وتنقل الناس في الشوارع تقل بشكل ملحوظ خلال رمضان وذلك لأنه شهر عبادة.
وعلى مستوى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، يقول أمينه العام إنهم سيقيمون خلال هذا الشهر الفضيل مسابقة وطنية كبرى لحفظ كتاب الله في جميع الأقاليم لأول مرة في تاريخ المجلس، وستمنح في ختام المسابقة جوائز قيمة للفائزين، ويضيف أن المشرفين على المجلس ينفذون خلال هذا الشهر المعظم برامج للدعوة وأخرى للتوعية وثالثة لإفطار الصائم، فضلا عن محاضرات وندوات دينية.
ورغم أن الإسلام جامع لكل فئات المسلمين في إثيوبيا، فإن ثقافة كل قومية من القوميات الـ11 في إثيوبيا تؤثر على بعض الممارسات الدينية والتقاليد والعادات في شهر رمضان، كما يقول الكاتب الإثيوبي أنور إبراهيم في تصريح للجزيرة نت، إذ لكل منطقة من المناطق أسلوب معين للإفطار من ناحية المأكولات والمشروبات.
ويضيف الكاتب أن ثمة شيئا يميز رمضان في إثيوبيا، يطلق عليه "إلقاء المنظومة" وهو شعر وأناشيد في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وتسمى المنظومة لأنها خليط بين العربية واللغات المحلية مثل الأمهرية والأورومية والتيغرانية، وليس في إلقاء هذه المنظومة أي موسيقى وإنما التصفيق ودق الطبول في بعض المناطق.
إعلانويوضح المتحدث نفسه أن علماء الدين والشيوخ يؤلفون المنظومة، والتي تؤدى داخل المساجد بعد الصلوات خصوصا التراويح، وأيضا خلال المناسبات الدينية، وفي الخلاوي وهي مراكز تدريس القرآن في القرى وتسمى "درست" (باللغة المحلية) أو المدارس الدينية أو منابر التعليم.
وهناك بعض المناطق توجد فيها مظاهر للاحتفاء بشهر رمضان بشكل أكبر مقارنة بأخرى، ومن أكثرها تميزا المنطقة التي يوجد فيها مسجد الملك النجاشي في إقليم تيغراي شمالي البلاد، حيث يتم تزيين المساجد قبل دخول رمضان، وتوضع إضاءات جميلة حول المساجد.
ويضيف الكاتب أنه في عدد من مناطق المسلمين يذهب الناس للمساجد لصلاة المغرب، ثم يعودون لتناول الإفطار، ولكن في القرى حيث كثرة المساجد يأخذ الناس معهم إفطارهم لتناوله داخل بيوت الله.
التنافس في الإفطارات الجماعيةفي السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة جديدة خلال شهر رمضان في المدن، وهي تنافس المسلمين في إقامة إفطارات جماعية بالشوارع العامة، ففي السابق -يوضح المتحدث نفسه- كانت هذه الإفطارات تقام في بعض أحياء المدن فقط، ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية كانت تقام في أديس أبابا إفطارات جماعية ضخمة، حيث تمثل بعض الشوارع الرئيسية بآلاف الصائمين، كما يحدث في ساحة مسكل (ساحة الثورة) في قلب العاصمة، حيث تغلق السلطات المحلية الطرق المجاورة للساحة لتسهيل إقامة الإفطار الجماعي والذي أشرف عليه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتعاون مع جمعيات خيرية محلية.
وقد شارك في الإفطار السنوي الكبير في أديس أبابا -رمضان الماضي- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ إبراهيم توفا، وعدد من المشايخ والعلماء وممثلي البعثات الدبلوماسية بأديس أبابا.
ويقول الكاتب الإثيوبي إن هذه الإفطارات الجماعية الكبيرة تتكرر في قرابة 10 مدن حيث تتنافس فيما بينها، وعقب انتهاء هذه الإفطارات تقام بعض الفعاليات التي تناسب الشهر الفضيل.
إعلان نفحات تشمل المسيحيينويحكي الكاتب للجزيرة نت إحدى قصص رمضان التي عاشها وتظهر التعايش والوئام بين المسلمين والمسيحيين، ففي شهر رمضان يبرز عدد من مظاهره، إذ يقول "كنت أعمل في أحد المكاتب في أديس أبابا رفقة زملاء مسلمين، وكنا نجلب وجبات الإفطار إلى المكتب بسبب ظروف العمل، فيتقاسم معنا طعام الإفطار زملاء لنا مسيحيون، وفي المرات التي تلت ذلك كان زملاؤنا المسيحيون يصرون على جلب طعام الإفطار لنا ويشاركوننا إياه، ويكون من نفس الطعام المعتاد في رمضان في البلاد مثل البلح والعصائر والحلويات وغير ذلك".
ويعتبر الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في إثيوبيا، وتشير بعض التقديرات إلى أن نسبة المسلمين لا تقل عن 34% من عدد السكان البالغ نحو 115 مليون نسمة، وإن كانت تقديرات أخرى تشير إلى أن عدد المسلمين أكثر بكثير.
رمضان الأرياف الإثيوبيةيفضل عدد من مسلمي إثيوبيا الذين يعيشون في الأرياف التفرغ خلال شهر رمضان للعبادة والذكر، ولا سيما في العشر الأواخر حيث تنتشر أماكن الاعتكاف سواء في بعض المساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، ومن أشهر هذه المراكز مركز زابي مولا لتحفيظ القرآن في إقليم شعوب جنوب إثيوبيا، ويستقبل المركز الذي تأسس منذ عام 1910 الراغبين في حفظ القرآن من مختلف الأعمار طيلة العام، غير أنه يتحول خلال شهر رمضان إلى معتكف للعبادة والذكر.
وكان عضو هيئة علماء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية محمد حامد الدين البورني قال في إحدى حلقات برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" -الذي يبث في قناة الجزيرة- إن المناطق الريفية تجسد العمق الإسلامي في أرض الحبشة، حيث يقبل الناس هناك على الطاعات بشكل كبير خلال شهر رمضان.
إعلانومن مظاهر هذا الإقبال -يضيف البورني- امتلاء المساجد في الشهر الفضيل وخصوصا صلاتي التراويح والجمعة، وتقام في مساجد الأرياف ما يعرف بـ "نظام ترا" باللغة المحلية ومعناه قراءة القرآن بالتناوب، بحيث يتلو كل قارئ ثُمن القرآن، ثم يتبعه الذي يليه وهو ما يمكن من ختم القرآن مرتين في رمضان.
ويضيف العالم الإثيوبي أن أهل الأرياف من المسلمين يلتفون حول كبار المشايخ في رمضان من أجل سماع المواعظ والأحاديث، وأما في بعض المدن فتقام محاضرات دينية في الملاعب لكي تستوعب الأعداد الكبيرة من الحضور ويشارك فيها الدعاة والعلماء.
كما يسارع عدد كبير من التجار المسلمين في المدن -يضيف البورني- وأيضا المزارعون إلى إخراج زكاة أموالهم خلال شهر رمضان، وهذه ثقافة متجذرة منذ وقت بعيد، ولذلك يكون رمضان فرصة كبيرة جدا لسد حاجة الفقراء والمساكين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة خلال شهر رمضان الشهر الفضیل أدیس أبابا فی إثیوبیا فی رمضان عدد من فی بعض
إقرأ أيضاً:
السودانيون في إثيوبيا بين تحديات النزوح ومعيقات العودة إلى الوطن
أديس أبابا- بعد عامين على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يعيش آلاف النازحين السودانيين في إثيوبيا أوضاعًا معقدة، تجمع بين آمال العودة ومخاوف المستقبل.
يُقدّر عدد السودانيين الذين عبروا الحدود إلى إثيوبيا منذ اندلاع الحرب بعشرات الآلاف، توزعوا على إقليمي بني شنقول-غومز وأمهرة، إضافة إلى العاصمة أديس أبابا.
ويواجه النازحون نقصا حادا في الموارد اللازمة للعودة، كتكاليف النقل، والقدرة على إعادة إعمار منازلهم التي تهدَّمت أو نُهبت، كما أن غياب برامج دعم مالي مباشر يجعل من العودة حلما مؤجلاً.
ويقول المختص بالشؤون السودانية، الدكتور هاشم علي حامد للجزيرة نت، إن النازحين في دول الجوار السوداني يواجهون العديد من التحديات، أبرزها؛ السكن وتكاليف المعيشة والإقامة، إضافة إلى صعوبة الاندماج بسبب عدم معرفتهم اللغة وثقافات تلك الدول.
ويضيف علي حامد، أن النازحين السودانيين في إثيوبيا، صرفوا كل مدخراتهم من أجل السكن والمعيشة، ورسوم التأشيرة التي تجدد شهريا، ما جعل فكرة العودة إلى المناطق المحررة من السودان صعبة للغاية.
ويشكو نازحون غياب آلية واضحة للعودة، إذ تصطدم محاولاتهم بإجراءات حدودية معقَّدة، أو متطلبات قانونية صارمة تتعلق بالإقامة والمخالفات الإدارية خلال فترة نزوحهم.
إعلانوتمنَّى النازح من الخرطوم-الحلة الجديدة، محمد هاشم كمبال، وبعد انتصار القوات المسلحة السودانية، العودة إلى بلاده، وقال للجزيرة نت: إنه ومنذ فراره من الحرب إلى إثيوبيا واجه معاناة كبيرة، وقضى أياما في المساجد والطرقات، لافتا إلى أن تعاضد السودانيين مع بعضهم بعضا ساعده كثيرا في توفير الاحتياجات.
أما النازح من أم درمان، أحمد محمد ياسين، فهو ينتظر تحرير "كل شبر بالسودان" حسب قوله، ليعود ويعيش بأمان. ويقول للجزيرة نت: إنه يتكلف كثيرا بدفعه 100 دولار كل شهر رسومَ تأشيرة وإقامة للسلطات الإثيوبية، إضافة إلى الضروريات الأخرى.
ويضيف إنه وبالرغم من أن المجتمع الإثيوبي "منفتح ويحترم الجميع"، إلا أن تكاليف العيش عالية بالنسبة لهم كنازحي حرب، تركوا خلفهم كل شيء وهاجروا.
دور المنظماتوفي ظل هذه التحديات، يضع النازحون السودانيون آمالهم في جهود المنظمات الإنسانية والهيئات الطوعية التي تسعى إلى تأمين احتياجاتهم الأساسية، أو تسهيل عودتهم بتوفير الدعم اللوجستي والمالي.
كما تتجه الأنظار إلى إمكانية تنسيق مباشر وفعَّال بين الحكومتين الإثيوبية والسودانية، لتطوير خطة عودة طوعية منظمة، تضمن كرامة وأمان العائدين.
وعن إمكانية أي دعم يمكن أن يحظى به النازحون السودانيون من المنظمات الدولية والإقليمية لتسهيل عودة طوعية، قال المختص علي حامد، إن بعضهم بدأ يطرق أبواب المنظمات والسفارات أملا في من يهتم بهم ويعمل لإعادتهم طواعية.
لكن ذلك -حسب علي حامد- يتطلب تنسيقا بين البلدين، لتنظيم عودة آمنة لهم، برا، خاصة في ظل الاشتباكات بين "مليشيا الفانو" والقوات الحكومية بإقليم أمهرة الحدودي مع السودان.
ويقول النازح من محلية نيرتتي في ولاية شمال دافور، صابر آدم، إن الوضع "مؤلم" للسودانيين في كل مكان نزحوا إليه، وأشار إلى أنه يعاني كثيرا، وطالب المنظمات الدولية للمساهمة في إعادة السودانيين إلى بلادهم، خاصة أنهم فقدوا كل شيء، ولم يعودوا يمتلكون ما يمكّنهم من العودة إلى السودان، وهو يكلف كثيرا.
إعلانورغم مرور وقت طويل نسبيا على وجودهم في إثيوبيا، فإن أوضاع النازحين القانونية لا تزال هشة، ويعاني كثيرون صعوبات في الحصول على وثائق إقامة أو تصاريح عمل، ما يؤثر على ظروفهم القانونية والاقتصادية.
وبين نار الحرب والعودة إلى الوطن، يقف النازح السوداني في إثيوبيا أمام معادلة صعبة، فالعودة لم تعد مجرد قرار شخصي، بل ترتبط بتشابكات سياسية وأمنية وإنسانية تتطلب استجابة دولية فاعلة وتنسيقًا إقليميا عالي المستوى، وحتى يحدث ذلك، تبقى أحلام العودة معلقة، تنتظر من ينتشلها من واقع التشرد والشتات.
جهود دبلوماسيةوبينما تستمر الأزمة الإنسانية في السودان، يجد آلاف السودانيين أنفسهم عالقين في إثيوبيا، بين نار الحرب في وطنهم، ومأزق التأشيرات والرسوم الشهرية الباهظة التي تثقل كاهلهم.
وتبذل السفارة السودانية في أديس أبابا جهودا دبلوماسية مكثفة لتسهيل عودتهم الطوعية إلى مناطق آمنة، بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على بعض الولايات.
ووفق تصريحات مسؤول الشؤون القنصلية في السفارة السودانية في إثيوبيا، عوض ميرغني محمود، فإن عدد السودانيين العالقين في أديس أبابا يتراوح بين 3 و4 آلاف شخص، دخل معظمهم من مطار "بولي الدولي" بتأشيرات سياحية، لافتا إلى صعوبة تقديم إحصاءات دقيقة للقادمين عبر معابر أخرى، سوى القادمين عبر المطار المذكور.
وقال المسؤول محمود للجزيرة نت: إنهم تباحثوا مكثفا مع السلطات الإثيوبية، وخاصة وزارة الخارجية وإدارة الجوازات والهجرة، للمطالبة بتجديد الإعفاء من رسوم التأشيرة الذي كان سارياً من فبراير/شباط إلى سبتمبر/أيلول من العام الماضي، كما تم التنسيق مع جهات عدة لدعم العودة الطوعية.
وكشف عن اتصالات بالحكومة الإثيوبية لزيارة مرتقبة لوفد سوداني رسمي من الجهات المختصة، للتشاور معها في إعفاء السودانيين من رسوم تجديد التأشيرة الشهرية.
إعلانوأوضح أن 1500 مواطن سوداني قد سجلوا أسماءهم في قوائم الراغبين في العودة، خاصة بعد تحسن الأوضاع الأمنية وسيطرة الجيش السوداني على العاصمة والمدن الأخرى، موضحا أن الخطوة وجدت تجاوبا كبيرا من الحكومة الإثيوبية.
وأكد أن السفارة والجالية السودانية تقوم "بجهود كبيرة"، حيث تم حصر الذين يرغبون في العودة الطوعية، وطالب العديد من السودانيين بالعودة إلى بلادهم.
بينما ناشد آخرون رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تسهيل عودة السودانيين في إثيوبيا إلى بلادهم، وإلغاء رسوم التأشيرات الشهرية.
وحسب السفارة السودانية في أديس أبابا، فإن البعثة الدبلوماسية السودانية، كانت قد عقدت اجتماعات بالسلطات الإثيوبية، وبعثت بمذكرات دعت فيها إلى تجديد الإعفاء من رسوم الإقامة التي كانت مفعّلة حتى سبتمبر/أيلول 2024، وذلك لتمكين ما يقارب 4 آلاف نازح سوداني من العودة إلى ديارهم، ولا تزال الجهود مبذولة من السلطات الإثيوبية لمعالجة الأمر إلا أنه لم يصدر قرار بذلك حتى اللحظة.