سودانايل:
2025-04-30@17:18:45 GMT

حرب التعريفات الجمركية وآثارها الاقتصادية

تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT

بقلم الدكتور إبراهيم حسن يس

١- مقدمة
أحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضجة كبيرة إبان عودته للبيت الأبيض في يناير 2025 حول موضوع التعريفات/الرسوم الجمركية (tariffs) معتبرا أنها تمثل ضريبة على الصادرات الأمريكية أو بالأحرى دعما أمريكيا مباشرا للميزان التجاري (balance of trade) للدول التي لديها تعامل تجاري مع أمريكا.

وقد هدد ترامب بفرض رسوما جمركية مماثلة مع تلك الدول أو في بعض الأحيان بمعدلات أعلى كحماية للمنتجات الأميركية خاصة مع الصين وكندا والمكسيك بالإضافة الى دول الإتحاد الأوروبي.
ويعتقد ترامب أن سياسة الحماية هذه(protectionism) تمثل أحد ركائز شعاره: جعل أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى
(making America great again) وإثرائها من جديد بازدهار الصناعة وإرجاعها لعصرها الذهبي الحقيقي
(the golden age) ويبدو أن ترامب لم يضع في الحسبان أن تلك الدول ربما ترد بالمثل وأن سياسة الحماية التي ينتهجها برفع الرسوم الجمركية سوف تشعل حربا تجارية قد يكون المتضرر الأكبر منها هو أمريكا والمواطن الأمريكي. وهذا نتاج طبيعي عندما تنغلق أمريكا على نفسها وتمارس اقتصاديات روبنسون كروزو (Robinson Crusoe) المبنية على شعبوية ترمب السياسية.
في هذا المقال سوف نتطرق بإيجاز الى فلسفة التجارة العالمية التي بنيت على نظرية الميزة النسبية، والآثار الاقتصادية المترتبة عن فرض الرسوم الجمركية في التجارة البينية أو/والعالمية، ثم نستعرض أهم ملامح تجربة أمريكا وكندا.
٢- نظرية الميزة النسبية (Theory of Comparative Advantage)
بُنيت اقتصاديات التجارة العالمية على نظرية الميزة النسبية التي طورها العالم ريكاردو والتي تنص على إنه عندما يسود مبدأ التجارة الحرة بين الدول، يتوجب على كل دولة أن تتخصص في إنتاج وتصدير السلع والخدمات التي تنتجها بتكلفة منخفضة وتستورد في المقابل السلع المُنتجة من الخارج بتكلفة منخفضة أيضا أي بميزة تنافسية نسبية. لذلك فان التعريفات الجمركية تعتبر عائقا للتجارة العالمية الحرة (barrier to free trade) لأنها تعيق الطلب (demand) والعرض (supply) وتقوم بعرقلة سلسلة إمدادات السلع والخدمات (disruption of supply chain) في الدول التي تدخل في حروب تجارية.
٣- الأثار الاقتصادية الناجمة عن التعريفات الجمركية
أ- جانب الطلب
عادة ما يقوم التجار الذين يستوردون السلع التي فُرضت عليها رسوم جمركية بتمرير كل أو جزءً من الزيادة في التكلفة الي المستهلك مما يؤدي لرفع سعر تلك السلعة بالمقارنة عما كان عليه في السابق، أو ربما يضطر المستورد لامتصاص جزء من الزيادة في أسعار السلع المستوردة على حساب انخفاض في أرباحه. في كل الاحوال، إن التعرفة الجمركية تجلب معها آثاراً تضخمية وزيادة في مستوي الأسعار تؤدي لانكماش الطلب وإبطاء النشاط الاقتصادي ومن ثم زيادة معدل العطالة وتغذية الركود التضخمي (stagflation) الذي يجتاح العالم بعد جائحة كورونا.
ب- جانب العرض
بما أن المنتجين سيقومون باستيراد مدخلات الإنتاج التي فُرضت عليها رسوم جمركية بأسعار عالية بالمقارنة عما كانت عليه في السابق، سيؤدي ذلك الى رفع تكلفة الإنتاج والذي سيؤدي بدوره الى زيادة الأسعار مما سيؤدي الى انخفاض المبيعات والأرباح الأمر الذّي سيؤدي الى فقدان الوظائف وزيادة العطالة وإبطاء النشاط الاقتصادي ومن ثم تغذية الركود التضخمي.

٤- تجربة أمريكا وكندا
بعد ادائه القسم، شرع الرئيس ترامب في إصدار العديد من القرارات التنفيذية ومن ضمنها فرض رسوم جمركية بما يعادل 25% على السلع والمنتجات الكندية و10% على المواد البترولية ليتم تفعيل هذا القرار في مارس 2025. وتجدر الإشارة الي أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يفوق التريليون دولار في السنة وفق آخر الإحصاءات. وجدير بالذكر أيضا أن أمريكا تعتمد على كندا في توفير المواد البترولية والحديد والألومنيوم إضافة الى بعض المعادن المهمة الأخرى. وقد بلغت صادرات كندا لأمريكا في عام 2023 حوالي 60% من خام البترول، 58% مواد هيدروكربونية وتقريبا 100% من الغاز الطبيعي. ومن القطاعات التي سوف تتضرر من هذه السياسة، قطاع صناعة السيارات في أمريكا لأن هناك بعض القطع التي يتم تصنيعها في كندا (حيث تكلفة الحديد أرخص) والمكسيك (حيث تكلفة العمالة أرخص) الأمر الذي سوف يفقدها القدرة التنافسية.
وفي الجانب الاخر، صرحت الحكومة الكندية بأنها سوف ترد بالمثل وتفرض رسوما جمركية فورية بنفس المعدل
(dollar for dollar) على كل الواردات الامريكية بما يعادل 25% على حجم واردات تبلغ 155 بليون دولار.
وفي هذا السياق، أطلق الشعب الكندي مبادرة مقاطعة المنتجات الأميركية حيث أصبحت هذه المبادرة شعارا قوميا إضافة الى ترويج فكرة الإحجام عن السياحة في أمريكا ودعم السياحة الداخلية.
٥- خاتمة
لقد أثبتت التجارب أن الرسوم الجمركية تمثل عائقا للتجارة العالمية الحرة وتشعل حروبا تجارية تترتب عليها اثأرا اقتصادية سالبة مثل رفع معدلات التضخم بزيادة أسعار السلع والمنتجات للمستهلك ومدخلات الإنتاج للمنتج وإبطاء النمو الاقتصادي الأمر الذي سيساعد على استمرار الركود التضخمي الذي يسود العالم بعد جائحة كورونا. إضافة الى عرقلة سلسلة إمدادات السلع والمنتجات وتذبذب حركة أسواق المال والعملات والتوتر في العلاقات الدولية. ويُلاحظ انه عندما تم تنفيذ التعريفات الجمركية ابتداء من 4 مارس 2025 بنسبة 25% على كل من كندا والمكسيك و20% على الصين تهاوت مؤشرات الأسواق المالية في أمريكا حيث انخفض مؤشر أس اند بي (S&P) بمعدل 100نقطة وداو 700 نقطة، وناسداك 500 نقطة. وتجدر الإشارة أيضا الى انه وفق تقارير مجلة وول ستريت فان الفيدرالي في أتلانتا يتوقع انخفاض معدل نمو الناتج القومي المحلي الأمريكي (GDP) في الربع الأول من 2025 بمعدل 2.8% جرّاء هذه الرسوم الجمركية.
أما في المدى الطويل، ربما تضطر بعض الصناعات والقطاعات الي تغيير مواقعها الجغرافية (shift or relocate) كما قد تضطر بعض الحكومات الى اللجوء الى أسواق وتحالفات جديدة.

ibrayasin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التعریفات الجمرکیة الرسوم الجمرکیة

إقرأ أيضاً:

تصريحات أميركية متضاربة عن محادثات الرسوم الجمركية مع الصين

الاقتصاد نيوز - متابعة

أدلى وزيران أميركيان في إدارة الرئيس دونالد ترامب بتصريحات متضاربة، الأحد، عن بدء مفاوضات مع الصين بشأن الرسوم الجمركية، مثلما أكد الرئيس الجمهوري.

وكانت إدارة ترامب أشارت الأسبوع الماضي إلى انفتاحها على تهدئة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم والتي أثارت مخاوف من حدوث ركود. وقال ترامب إن هناك محادثات جارية مع الصين فيما يتعلق بالرسوم الجمركية وإنه تحدث إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ.

لكن بكين تنفي إجراء أي محادثات تجارية مع واشنطن.

في السياق، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، وهو طرف رئيسي في المحادثات التجارية الأميركية مع دول متعددة، اليوم الأحد إن محادثاته مع نظيره الصيني الأسبوع الماضي خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن لم تتناول قضية الرسوم الجمركية.

وفي مقابلة تلفزيونية منفصلة، قالت وزيرة الزراعة الأميركية بروك رولينز إن الولايات المتحدة تجري محادثات يومية مع الصين بشأن الرسوم الجمركية.

وأضافت "نجري محادثات يومية مع الصين، إلى جانب دول أخرى جاءت إلى طاولة المفاوضات وعددها 99 أو 100 دولة".

ورداً على سؤال خلال مقابلة مع قناة إي بي سي عما إذا كانت الولايات المتحدة والصين تجريان محادثات بشأن الرسوم الجمركية، قال بيسنت إنه لم يناقش هذه القضية.

وأضاف "تواصلتُ مع نظيري الصيني لكن النقاش ركز أكثر على القضايا التقليدية مثل الاستقرار المالي والتحذيرات المبكرة التي تحيط بالاقتصاد العالمي. لا أعلم إن كان الرئيس ترامب تحدث إلى الرئيس شي جين بينغ.

وقال بيسنت الأسبوع الماضي إن مفاوضات الرسوم الجمركية مع بكين ستكون "شاقة"، لكنه لم يقدم جدولاً زمنياً لأي اتفاق محتمل مع الصين.

وأضاف أن التوصل إلى اتفاق تجاري قد يستغرق شهوراً، لكنه أشار إلى احتمال التوصل إلى اتفاق مبدئي في وقت قريب مما سيمنع تصاعد الرسوم الجمركية إلى مستويات قصوى.

وأعلن ترامب فرض رسوم جمركية، جاء بعضها مربكاً في كثير من الأحيان، على دول عديدة منها كندا والمكسيك والصين، مما أثار تقلبات غير مسبوقة في الأسواق وأثر سلباً على ثقة المستثمرين في الأصول الأميركية.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • الخارجية الروسية: موسكو تشعر بالقلق إزاء “حرب الرسوم الجمركية” بين أمريكا والصين
  • ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يقضي بتخفيف تأثير الرسوم الجمركية على صناعة السيارات المحلية
  • أمازون تعلق على إظهار كلفة الرسوم الجمركية.. وغضب من ترامب
  • إدارة ترامب: الصين تشن حربًا اقتصادية ضد الولايات المتحدة
  • الخارجية الصينية: الولايات المتحدة هي من بدأت حرب التعريفات الجمركية
  • ترامب يتراجع عن فرض الرسوم الجمركية على السيارات
  • ترامب: لا خطوط حمراء تدفعني للتراجع عن الرسوم الجمركية
  • بكين ترد على تصريحات ترامب بشأن اتصال الرئيس الصيني به حول الرسوم الجمركية
  • تصريحات أميركية متضاربة عن محادثات الرسوم الجمركية مع الصين
  • ترامب: خفض الرسوم الجمركية يؤدي إلى خفض الضريبة على الدخل