زعماء أوروبا يسابقون الزمن لمناقشة مستقبل أوكرانيا قبل أن يباغتهم ترامب بعقد اتفاق سلام مع روسيا
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
عُقدت القمة الاستثنائية يوم الخميس كرد فعل على قرار دونالد ترامب الأحادي الجانب بإطلاق مفاوضات مع فلاديمير بوتين.
يجتمع الخميس قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 في بروكسل لمناقشة مستقبل أوكرانيا، الدولة المرشحة للانضمام إلى التكتل، وسط الضغط الكبير الذي يمارسه دونالد ترامب ليتم إبرام اتفاق لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن.
وهذه هي أول مرة يجتمع فيها رؤساء الدول والحكومات في قاعة واحدة منذ أن أجرى الرئيس الأمريكي اتصالا هاتفيا مع فلاديمير بوتين استغرق 90 دقيقة وقرر إطلاق مفاوضات لإنهاء الغزو المستمر منذ ثلاث سنوات.
وقد أدى تبنّي ترامب المتزايد لبعض سردية الكرملين، ورفضه إدانة روسيا باعتبارها الطرف المعتدي ومشادته الكلامية الحادة مع فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي إلى زعزعة الاتحاد الأوروبي بشكل عميق، وأثار المخاوف من أن تعقد واشنطن اتفاقًا مع موسكو ثم تجبر كييف على القبول به أو تركه.
وقد خفت حدة التوتر قليلاً هذا الأسبوع بعد أن أعرب زيلينسكي عن أسفه بشأن الصدام الذي وقع في المكتب البيضاوي وأشاد بـ"القيادة القوية" لترامب. ورد الرئيس الجمهوري بشكل إيجابي، قائلاً إنه "يقدر" كلمات زيلينسكي.
إذ قال ترامب أمام الكونغرس قبل يومين: "لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها. إذا أردت إنهاء الحروب، عليك أن تتحدث إلى كلا الجانبين".
وعلى الرغم من هذه الانفراجة الواضحة، أبقى البيت الأبيض على تعليق مؤقت للمساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف، وهما قراران قد تكون لهما عواقب وخيمة على البلاد فيما تعيش فيه ساحة المعركة ظرفا حرجا.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب متلفز: "لقد غيرت الولايات المتحدة الأمريكية، حليفتنا، موقفها من هذه الحرب، حيث قلّصت دعمها لأوكرانيا، وأثارت الشكوك حول ما سيأتي بعد ذلك". وأضاف: "أريد أن أصدق أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبنا، ولكن علينا أن نكون مستعدين في حالة ما إذا لم يكن الأمر كذلك".
سيحاول الزعماء الـ27، أثناء اجتماعهم الخميس في قمة خاصة عُقدت كرد فعل على المحادثات الأمريكية الروسية، إظهار الوحدة والعزم في دعمهم الجماعي لأوكرانيا والإجابة على بعض الأسئلة الأكثر إلحاحًا، مثل نوع الضمانات الأمنية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقدمها، ومقدار الأموال الإضافية التي يرغب في تخصيصها والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه لتعويض غياب أمريكا.
كما قد تُناقش مسألة ما إذا كان سيتم تعيين مبعوث خاص للمفاوضات، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يتم طرح قائمة مختصرة بالأسماء في هذه المرحلة.
وسيسافر زيلينسكي إلى بروكسل لمخاطبة رؤساء الدول والحكومات شخصيًا.
لكن جهود توحيد الصف قد تتعرقل بسبب فيكتور أوربان، الذي انحاز بالكامل إلى الإدارة الأمريكية الجديدة وهدد بعرقلة أي مبادرة جديدة يمكن أن تقوّض، من وجهة نظره، مساعي ترامب لعقد الصفقات. ويعارض رئيس الوزراء المجري على وجه الخصوص نهج تحقيق "السلام من خلال القوة" لأنه ينطوي على تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لكييف.
وكان أوربان قد حدد النغمة قبيل انعقاد القمة، إذ قال: "هناك انقسام استراتيجي، وهو صدع في العلاقات عبر الأطلسي بين غالبية أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب"، محددًا بذلك النغمة.
ولم يتضح بعد في هذه المرحلة مدى تأثير أوربان في الاستنتاجات المشتركة للقمة، والتي يجب أن يتم الاتفاق عليها بالإجماع. لكن لرئيس الوزراء المجري تاريخ من التلويح بحق النقض (الفيتو) الذي يتمتع به قبل أن يعود عن موقفه فقط في اللحظة الأخيرة.
وقد أمضى الدبلوماسيون والمسؤولون الأيام القليلة الماضية في صقل الاستنتاجات لاستيعاب جميع وجهات النظر، لكنهم لا يستبعدون السيناريو الأكثر طموحا حيث يتم فيه التوقيع على نص نهائي من قبل 26 زعيمًا، أو 25 زعيمًا إذا حدث وانضمت سلوفاكيا إلى معسكر المجر.
وتتضمن مسودة الاستنتاجات الأخيرة التي اطلعت عليها يورونيوز إشارة مقتضبة إلى الصندوق المشترك الذي اقترحته الممثلة السامية كايا كالاس لزيادة إمدادات الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة لأوكرانيا بسرعة، وهو المقترح الذي هددت المجر بأنها ستستخدم حق النقض ضده.
حتى الآن، لم يتم وضع أي رقم لخطة كالاس، لكن التكهنات في بروكسل تشير إلى أنه يتراوح بين 10 مليارات يورو و40 مليار يورو تقريبا.
قال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي: "سيتم ذكر المبادرة بوضوح. إنها تحتاج فقط إلى مزيد من العمل، نود أن نرى مبلغًا (من المال). سيكون ذلك إشارة جدّ واضحة لأوكرانيا وللآخرين أيضا بأننا نتحمل مسؤوليتنا".
تتزامن معارضة أوربان مع ظهور ما يسمى "تحالف الراغبين" المكون من دول ديمقراطية ملتزمة بدعم أوكرانيا أثناء المفاوضات وبعدها من خلال تقديم ضمانات أمنية، مثل قوات برية على الأرض والحماية الجوية.
وقد أعربت كل من فرنسا والدنمارك والسويد، بالإضافة إلى دول من خارج الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة والنرويج وأستراليا، عن اهتمامها بالانضمام إلى التحالف الوليد. ومع ذلك، فقد أصرت تلك الدول جميعًا على أن مساهمتها يجب أن تقترن بدعم أمريكي. حتى الآن، لم يُظهر ترامب أي مؤشر على أنه سيقدم مثل هذا الدعم، وبدلاً من ذلك عرض صفقة المعادن كنوع من الردع الاقتصادي ضد روسيا.
"هذا نقاش سابق لأوانه. ليس لدينا اتفاق سلام، ولا توجد حتى مفاوضات لتحقيق وقف إطلاق النار. ومن السابق لأوانه تحديد ما يجب القيام به".
"ولكن لا يمكننا أن نغفل أن السياق قد تغير. فقد أعربت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن استعدادها للمشاركة في التحالف."
ستتناول قمة الخميس أيضًا مسألة الإنفاق الدفاعي، بناءً علىالاقتراح الأخير الذي قدمته أورسولا فون دير لاين لحشد ما يصل إلى 800 مليار يورو من الاستثمارات الإضافية.
بالنسبة لبروكسل، أصبحت كلتا القضيتين - مستقبل أوكرانيا والإنفاق العسكري - وجهين لعملة واحدة. إذ أن ضمان استمرار أوكرانيا كدولة ديمقراطية ذات سيادة ومستقرة سيتطلب من الدول الأعضاء تعزيز جيوشها الوطنية لإبقاء التوسع الروسي تحت السيطرة وضمان سلام دائم.
"تقول مسودة الاستنتاجات: "لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات تؤثر على الأمن الأوروبي دون مشاركة أوروبا. "إن أمن أوكرانيا وأوروبا وأمن العالم متشابكان."
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية رغم القيود الصارمة.. تصاعد عمليات تهريب مكونات الطائرات الأمريكية إلى روسيا بروكسل تلتزم الصمت بعد إعلان بولندا رفضها تنفيذ ميثاق الهجرة قبيل قمة بروسكل.. زيلينسكي يتحدث عن"ديناميكية إيجابية" في العلاقات بين واشنطن وكييف فولوديمير زيلينسكيمؤتمر قمة الإتحاد الأوروبيالاتحاد الأوروبيدونالد ترامبفيكتور أوربانالمصدر: euronews
كلمات دلالية: دونالد ترامب روسيا الحرب في أوكرانيا حركة حماس فولوديمير زيلينسكي سوريا دونالد ترامب روسيا الحرب في أوكرانيا حركة حماس فولوديمير زيلينسكي سوريا فولوديمير زيلينسكي مؤتمر قمة الإتحاد الأوروبي الاتحاد الأوروبي دونالد ترامب فيكتور أوربان دونالد ترامب روسيا الحرب في أوكرانيا حركة حماس فولوديمير زيلينسكي سوريا غزة إسرائيل بنيامين نتنياهو لبنان فلاديمير بوتين جامعة الدول العربية الاتحاد الأوروبی یعرض الآنNext
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان
ليست السياسة إلا ترجمة لموازين القوى، ومن لا يملك القوة لا يملك القدرة على فرض موقف أو الحفاظ على تحالف؛ وليس هناك درس أشد وضوحا لهذا المبدأ من المشهد الذي جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأوكراني زيلينسكي والأمريكي ترامب.. كانت وعود أمريكا ودعمها يتهاوى ويتكشف المشهد عن حقيقة طالما أنكرها البعض ممن راهن على الحماية الخارجية وهي أن المصالح هي القانون الأوحد في العلاقات الدولية خاصة في زمن تآكلت فيه القيم والمبادئ وعادت إلى المشهد بشكل واضح حقبة البقاء للأقوى.
ما حدث للرئيس الأوكراني هو استعراض أمام العالم لما يمكن أن يفعله الأقوى بالضعيف أو الذي يبدو ضعيفا، حتى لو بدا وكأنه حليف استراتيجي، ما دام لا يملك ورقة تفاوضية، يُمكن المساومة عليها. بدا وكأن زيلينسكي لم يكن رئيس دولة، بل متهم في قفص ترامب، مطالبا بإثبات ولائه وتقديم التنازلات المطلوبة.
لكن هذا المشهد رغم مرارته ورغم أنه النموذج الذي لا بد أن يقرأ وفقه المستقبل يستحق أن تستخلص منه الدروس والعبر وخاصة بالنسبة للعالم العربي.
إن الحقيقة التي باتت واضحة ولا جدال فيها أن السياسة الأمريكية، كما كشفتها هذه الواقعة، لم تعد تُدار وفق المبادئ التي روّجت لها طيلة عقود: الدفاع عن الديمقراطية، حماية الحلفاء، نصرة الشعوب المضطهدة، بل هي اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، صفقة تجارية بحتة، يُقدَّم فيها الدعم وفق معادلة حسابية واضحة: كم ستدفع؟ وماذا ستقدّم في المقابل؟
ليس هذا وليد اللحظة، لكنه بلغ حد الخروج عن الأعراف الدبلوماسية التي تحكم العلاقات الدولية، حيث جرى تسليع التحالفات علنا، دون مواربة أو تجميل. وحين ينظر العرب إلى ما جرى مع أوكرانيا، عليهم أن يتساءلوا، إذا كانت واشنطن قد تخلّت عن أوكرانيا، وهي في قلب المعركة، فكيف يمكن لدول أخرى أن تثق في التزاماتها؟ وإذا كانت المصالح الاقتصادية هي التي تحكم، فأين يقف العرب في هذه المعادلة؟
لا يبنى القرار السياسي الاستراتيجي على استشعار العاطفة أو على حسن الظن، فحين جرى توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وحين قُسمت فلسطين، وحين سقطت بغداد، وحين تُركت ليبيا وسوريا لمصيرهما، كان الدرس ذاته يتكرر: من لا يملك قراره، لا يملك مصيره.
وأكبر خطأ تقع فيه الدول هو الاعتقاد بأن هناك «حليفا دائما»، بينما الحقيقة أن هناك فقط مصالح دائمة يتم الموازنة بين أفضلها كل حسب قيمته في لحظة الموازنة، ولذلك لا بد أن تعي الدول العربية أن المصالح الحيوية والاستراتيجية لا تُحمى بالوعود إنما بالقدرة الذاتية على فرض الإرادة.
ولذلك لا خيار أمام الدول العربية من أن يكون لديها أدوات القوة التي تتمثل بدءا في الشعور بالتكامل وحقيقة المصير المشترك ثم بالاقتصاد القوي المستقل فمن يعتمد على الآخرين في رزقه، لا يستطيع الاعتراض على شروطهم، وببناء تكنولوجيا متطورة في كل الجوانب بما في ذلك الجوانب العسكرية حتى تستطيع هذه الدول الدفاع عن نفسها دون وصاية أو حماية من أحد وبناء تحالفات قائمة على فكرة الندية وليس التبعية لأن الدول الكبرى تحترم من يفرض احترامه، لا من يستجديه. ثم إن على العالم العربي أن يعمل جادا على بناء وعي سياسي ووعي ثقافي وإرادة جماعية تنطلق من رؤية هذه الدول باعتبارها كيانا مترابط التاريخ وتحيط به الأخطار نفسها وينتظره نفس المستقبل.
وإذا كانت السياسة لا تعترف بالفراغ الذي إن لم تملأه أنت ملأه غيرك فإن على العالم العربي أن يدرك أمام كل هذه الأخطار التي تحيط به وهذه التجارب التي تقدم له بالمجان أن مكانه في الخارطة لا يحدد فقط بموقعه الجغرافي، بل بمدى قدرته على امتلاك قراره بعيدا عن حسابات الآخرين. وهذه لحظة مفصلية لا بد أن يعي فيها الجميع الدرس.