تحركات في 3 مسارات لوقف الحرب المتصاعدة
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
بدأت 3 أطراف دولية وإقليمية ومحلية تحركات مكثفة لإيجاد حل يوقف التدهور المريع في السودان الناجم عن الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.
وفي حين طرح رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” عبد الله حمدوك مبادرة من 7 نقاط، أعلنت بريطانيا عزمها تنظيم مؤتمر في منتصف الشهر المقبل بمشاركة 20 وزيرا من مختلف البلدان ذات الاهتمام بالأزمة السودانية.
مبادرة حمدوك
دعت خارطة طريق قدمها حمدوك، يوم الثلاثاء، إلى عقد اجتماع مشترك بين مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، بحضور قائدي القوات المسلحة والدعم السريع، وحركتي عبد العزيز الحلو، وعبدالواحد محمد نور.
واقترحت المبادرة وقف فوري لإطلاق النار، وعقد مؤتمر للمانحين الدوليين لسد فجوة تمويل الاحتياجات الإنسانية التي حددتها خطة الاستجابة الأممية، وإطلاق عملية سلام شاملة.
ولخص حمدوك النتائج المرجوة من المبادرة في بناء وتأسيس منظومة أمنية وعسكرية موحدة، وإطلاق عملية عدالة تحاسب على الانتهاكات وتحقق الإنصاف للضحايا، وتشكيل سلطة مدنية انتقالية ذات صلاحيات كاملة، تقود البلاد حتى الانتخابات.
وأكد حمدوك أن “صمود” ستعمل فورا على التواصل مع الأطراف السودانية العسكرية والمدنية والقوى الإقليمية والدولية لحشد الدعم لتنفيذ هذه الخطوات. وقال إن العملية التي تتضمنها المبادرة ستنظم عبر لجنة تحضيرية من الأطراف السودانية الرئيسية، تضمن مشاركة كافة الأطراف ما عدا المؤتمر الوطني وواجهاته.
ويشير الصحفي والمحلل السياسي صلاح شعيب إلى أهمية خارطة الطريق التي طرحها عبد الله حمدوك، “نظرا لما يتمتع به من علاقات إقليمية ودولية واسعة”.
ويؤكد شعيب أن الطرح الذي قدمه حمدوك يرسم خطة للمجتمع الدولي للتعامل بشأن الحرب، وما بعدها. ويضيف لموقع سكاي نيوز عربية “الرجل لم يتحرك من فراغ لطرح مبادرته أو دون التشاور مع أصدقائه في الاتحاد الأفريقي والمحيط الإقليمي والدولي”.
ويرى شعيب أن تحركات حمدوك ستظل مؤثرة في محصلة التوجه الإقليمي والدولي نحو السودان أكثر من تأثيره على محصلة توجه السودانيين مجتمعين للتقرير بشأن بلادهم.
وينبه في هذا السياق، إلى فقدان رئيس الوزراء السابق معظم القاعدة التي دعمت إعلان الحرية والتغيير في العام 2019, إضافة إلى العقبات الناجمة عن انقلاب 25 أكتوبر، والحرب التي ضاعفت التصدعات وسط التيارات التي أسست ذلك التحالف.
ويضيف “الملعب السياسي الحالي جامد أمام قبول أي مبادرات خيرية لإيقاف الحرب خصوصا في ظل إصرار قادة المؤتمر الوطني المنحل على مواصلة الحرب”.
تحرك بريطاني
بعد أسابيع قليلة من إعلان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن تحركات تجريها بلاده لعقد اجتماع وزاري موسع تشارك فيه دول مجاورة للسودان وعدد من بلدان العالم لحشد الجهود الدولية للعمل نحو إنهاء الصراع في السودان وإعادة تنشيط العملية السياسية، وصلت هارييت ماثيوز المدير العام لشؤون أفريقيا بوزارة الخارجية والتنمية البريطانية إلى بورتسودان والتقت الأربعاء بقائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
ووفقا للخارجية البريطانية، فإن التحركات البريطانية تهدف لبناء توافق في الآراء بشأن الكيفية التي يمكن بها للمجتمع الدولي دعم جهود الوساطة التي تقودها المنطقة والتي تضع الأصوات السودانية في مركز الاهتمام.
وأكدت ماثيوز عقب لقاءها بالبرهان، أن بلادها ستلعب دوراً هاماً في تهيئة الظروف السلمية لإنهاء الحرب، من خلال استضافة الاجتماع الوزاري في لندن.
ولم تعلن الحكومة القائمة في بورتسودان حتى الآن بشكل واضح ردة فعلها تجاه الخطوة البريطانية، لكن السفير نور الدائم عبدالقادر مدير الشؤون الأوروبية والأميركية بوزارة الخارجية، قال إن السودان يسعى لدور إيجابي لبريطانيا في دعم قضايا السودان، موضحا “تم إطلاع الجانب البريطاني على رؤية السودان فيما يتعلق بالمؤتمر المزمع انعقاده في لندن”.
اتصالات أفريقية
من جانبه، جدد الاتحاد الأفريقي تأكيده عل الاستمرار في المشاركة مع جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك المدنيون والجهات الفاعلة السياسية، في حل شامل للأزمة وحوار سياسي شامل لاستعادة المسار المدني في السودان.
ومن 10 مبادرات طرحتها أطراف إقليمية ودولية منذ اندلاع الحرب، كانت 6 منها من نصيب الاتحاد الأفريقي والهيئة المعنية بالتنمية في أفريقيا “ايقاد”، لكن جميعها لم ينجح في وقف الحرب حتى الآن.
ويعزي مسؤولون ومراقبون وفاعلون سياسيون فشل كل تلك المحاولات والجهود إلى تعدد المنابر وعدم رغبة بعض الأطراف المتحاربة في الوصول إلى سلام يوقف الحرب التي أدت إلى مقتل نحو عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 15 مليونا من منازلهم، وأحدثت دمارا هائلا في اقتصاد البلاد وبنيته التحتية والمجتمعية.
واعتبر محمد بن شمباس، رئيس اللجنة الرفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن السودان، أن أكبر عائق أمام حل الصراع هو إصرار الطرفين المتحاربين على اللجوء إلى القوة العسكرية بدلاً من الحوار كوسيلة للوصول إلى تسوية تفاوضية للصراع.
ووفقا للأكاديمي والباحث السياسي الأمين مختار، فإن التحدي الأكبر أمام المبادرات المطروحة يكمن في آليات تنفيذية تفرض واقع الحوار المباشر بين الجيش والدعم السريع، مع الوضع في الاعتبار وجود عناصر متشددة ترفض الحل السلمي، إضافة إلى تعدد مراكز القرار داخل كابينة الجيش.
ويشدد مختار على ضرورة الانخراط الفوري بدون شروط في وقف إطلاق النار ومعالجة المسار الإنساني.
سكاي نيوز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الحركة الإسلامية السودانية… المأزق والغنيمة
منذ أن اندلعت الحرب في السودان منذ عامين ويزيد، أشارت الاتهامات إلى دور الحركة الإسلامية ممثلة في حزب المؤتمر الوطني ـ أحد أسماء عديدة استنسختها الحركة الإسلامية في السودان طوال تاريخها السياسي ـ بدورها في إشعال وتوجيه مسار الحرب الجارية منذ الخامس عشر من أبريل 2023. والمبررات التي تسوقها هذه الاتهامات ومن بينها تحليلات المراقبين، محاولتها العودة إلى السلطة، التي فقدتها بثورة ديسمبر 2019، بعد حكم استمر لثلاثة عقود. وهذه النتائج لا تخلو بطبيعة الحال من صحة، إذ أن الحرب الجارية يعود أطرافها إلى مكونات الحركة الإسلامية، كنتيجة منطقية لسياساتها في الجيش الذي تهمين عليه، وقوات الدعم السريع التي كونتها وقننَّت وجودها، والكتائب الشعبية التي تنتمي إليها تنظيما. وتعد الحركة الإسلامية السودانية الوحيدة بين حركات الإسلام السياسي، في العالمين العربي والإسلامي، التي تصل إلى السلطة وتستحوذ على مؤسساتها، وتفرض هيمنتها بحكم منفرد وسلطة خالصة، في أعتى إقصاء سياسي يمارسه تنظيم سياسي سوداني منذ الاستقلال.
والمشهد السياسي الذي أعقب ثورة ديسمبر، والمرحلة الانتقالية، جعلت من وجود الحركة الإسلامية أمرا لا يتقبله الشعور العام، ما اضطرها إلى العودة إلى أساليبها التي تتقنها في العمل التنظيمي السري، وتحويل المواقف لصالحها، وفقا لتنظيمها البراغماتي وآلياته الفاعلة في المشهد السياسي. وتعتبر الحركة السودانية دون نظيراتها ممن تستهدف السلطة والدولة كهدف أقصى في أولوياتها التنظيمية، ما أنتج خطابا أمنيا متشددا عن سائر المبادئ والشعارات التي عادة ما ترفعها جماعات الإسلام السياسي. وما يشير إلى دور الحركة الفاعل في الحرب الجارية، عودة وجوهها القيادية، وإعادة تعيين كوادرها البارزة في مناصب الدولة التي فقدتها، وتمكنت من العودة منذ انقلاب الجنرال البرهان في أكتوبر 2021 الذي شاركت فيه حينها قوات الدعم السريع.
باتت وحدة السودان مهددة، وبدأ بالفعل ما يسمى بالحكومة الموازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ما يعني واقعا جديدا لن تكون فيه الحركة الإسلامية اللاعب الوحيد بين لاعبين جدد يدعي كل منهم شرعية لا تحققها إلا قوة السلاح
وعندما حانت الفرصة نظريا وتطبيقا على الواقع في اختبار شعار «الإسلام دين ودولة» و»الإسلام هو الحل» وغيرها من شعارات رددتها الجماعات الإسلامية كبرامج للتحشيد، أكثر منها رؤى، أو خططا، في الدول التي وصلت فيها إلى الحكم باستثناء تونس في ائتلاف النهضة ومصر مرسي. ويكون السودان البلد الوحيد الذي طبقت فيه نموذجها، فبعد ثلاثة عقود على سدة الحكم، لم يلفح طرحها الفكري في الخروج من تقاليد الدولة التقليدية، أو فرض رؤيتها، إذ اصطدمت بالواقع بعيدا عن الشعار أو النظرية، ولكنها تخلت عن أصولها النظرية، لواقع لا تستطيع إنتاج بديل له. وهو الواقع الذي ظل دائماً مثار جدل حول علاقة الدولة بالديمقراطية والمرأة والأقليات وحقوق الإنسان، التي حاولت الأطروحات الإسلامية السياسية إيجاد صيغة توافقية، بإضفاء صفة إسلامية تطويعا لاصطلاحات في مدار الفقه الإسلامي، وإن لم تفلح في تعريفها لموقع في الدولة الحديثة، كممارسة الشورى بديلاً عن الديمقراطية والتعددية، ومصدر السلطات وغيرها مما ظل في حدود النصوص والشعارات دون التطبيق الناجز. وتقود الحركة الإسلامية حرباً فجرت معها ما يتجاوز طموح العودة إلى السلطة، التي بات موطنها بفعل الحرب في غياهب المجهول، والاستراتيجية التي تتبعها في مواصلة الحرب، إلى سحق الطرف الآخر بدعاوى مختلفة يخرجها من دائرة منطلقاتها الإسلامية، ذلك بأن نتائج الحرب لم تقتصر على الجانب العسكري، في ما أوقعته من شروخ اجتماعية وعنصرية بليغة الأثر. وبذلك تكون الحركة الإسلامية قد تبنت خطابا مصدره الحرب وويلاتها، لا القيم المؤسسة لتوجهات برامجها المعلنة على الأقل. فمن خلال هذه الفوضى غير الخلاقة تواجه الحركة تحديا إقليميا ودوليا في العودة الطبيعية، وإن استطاعت بحكم الواقع تعزيز قبضتها على السلطة والدولة والحرب، وطرحها لن يرحب به في الداخل والخارج، بما تواجهه من سياسات إقليمية مناوئة لمشروعها، وتورط قادتها الملاحقين قانونيا، وما فرضته الإدارة الأمريكية مؤخرا من عقوبات شملت شخصياتها النافذة، بما فيها أمينها العام علي كرتي في أعقاب الحرب 2023. وما تعتمد عليها موافقة على الواقع السياسي المستجد تجربتها الممتدة وأذرعها الاقتصادية والعسكرية، وكل ذلك لم يعد التحكم به ممكنا أيضا في ظل واقع الحرب وما بعدها، أي بما يعني المستقبل السياسي لتنظيم اعتمد الدولة كأداة وحيدة في تنفيذ برنامجه.
ثم لماذا كان خيار الحرب وبالطريقة التي تتم بها، وأيا تكن الغاية من ورائها، يكون ضمن أجندة منظومة سياسية لاستعادة سلطة فقدتها؟ والإجابة تنبثق من تاريخ الحركة نفسه، الذي اعتمد الخيار العسكري طوال سني حكمها، بكل ما صاحبه من سياسات أمنية فظة منتهكة حقوق الإنسان على المستويات كافة. ولأنه لم يكن من خيار آخر مدني يسمح لها بالعودة عبر الطرق المدنية المعهودة في الديمقراطيات، خاصة أن جسمها السياسي (المؤتمر الوطني) حظر من المشاركة السياسية في الفترة الانتقالية السابقة، باعتبارها حزبا محلولا. ومن المفارقات أن الأسباب ذاتها هي ما بررت به انقلابها الأول على الديمقراطية الثالثة بقيادة البشير في انقلابها 1989 الذي امتد طوال هذه السنوات.
انطلاقا من تجربة حكمها المطلق وما استحوذت عليه من إمكانيات هائلة بتسخير مقدرات الدولة لصالح حزبها وجماعاتها، تجاهلت الحركة الإسلامية كل عوامل الانهيار التي تأتي على النظم الديكتاتورية، والتآكل جراء الفساد السياسي والاقتصادي، ونظام كانت شرايينه قد تصلبت، وبالتالي نجحت الهبة الشعبية في اقتلاعه سنة 2019، وذلك التجاهل الذي تجاوز حقائق الواقع أدى الى سقوط نظامها. ولكن فقدان السلطة لم يكن من السهل أن تتقبله جماعة ظلت ممسكة بمفاصل الدولة وامتيازاتها حصريا، على منظومة وحيدة ومن يمكن فهم دور الجماعة في موقفها من مسار الحرب وتأييدها المطلق لاستمرارها، أيا تكن فداحة النتائج المترتبة عليها. وبهذا تجد الحركة الإسلامية نفسها في مأزق سياسي وعسكري وتورط أخلاقي في حرب خرجت عما ألفته من صراعات سابقة، حيث باتت وحدة السودان مهددة، بل بدأت بالفعل ما يسمى بالحكومة الموازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ما يعني واقعا جديدا لن تكون فيه اللاعب الوحيد بين لاعبين جدد يدعي كل منهما شرعية لا تحققها إلا قوة السلاح.
فما كسبت الحركة الإسلامية من الحرب الجارية بناء على تصوراتها السياسية من عودتها لغنيمة السلطة، لا يقاس بما أحدثته من مخاطر أصابت البنية السياسية السودانية وفداحة الأزمة الإنسانية. وهذا الاتجاه كشف عن معاندة دائما ما تبديها النظم السلطوية إلى حين انهيارها، ومن ثم تكون فداحة النتائج أزمة وطنية ومسؤولية تاريخية ثقيلة، يصعب التخلص من آثارها الأخلاقية والسياسية على المدى الطويل. وإذا كان حزب المؤتمر الوطني يحاول إيجاد توافق حرج بين موقفه الداعم لاستمرار الحرب، وما يستعيده من سلطة متخفية من وراء حكومة الأمر الواقع، فسيجد نفسه في مأزق أكثر حرجا مهما قدم من تنازلات لصالح سياسات المنطقة وتحالفاتها بما فيها الإدارة الأمريكية الجديدة. وبما أنها تعتبر أقوى تنظيم سياسي بموارده المالية والتنظيمية الهائلة، لم تستفد الحركة الإسلامية من تحويلها لصالح مشروع سياسي، بعيدا عن أفق التنظيم الضيق ومحدودية التصورات الحزبية، التي تغلب عليها أهداف تكتيكية طارئة، خاصة أن المشاركة السياسية الواسعة والاجماع الوطني لا يمكن تحقيقه في ظل الأوضاع القائمة، ما يسمح لها بانفراد والتحكم في أروقة دولة استعادتها.
كاتب سوداني
عن القدس العربي اللندنية# السبت 26/أبريل 2025م
nassyid@gmail.com