بغداد – أرز العنبر العراقي جزء لا يتجزأ من التراث الزراعي والثقافي للبلاد، وقد اشتهر بجودته العالية ورائحته المميزة إلا أن هذا الصنف الفريد يواجه تحديات جمة تهدد بقاءه.

وارتبط اسم أرز العنبر بالجودة الفائقة والرائحة العطرية المميزة، وهو من أجود أنواع الأرز بالعالم، ويتميز بحباته الطويلة المتماسكة ورائحته الفريدة التي تشبه العنبر وتمنحه مذاقًا استثنائيا يميزه عن غيره.

ولطالما كانت الأراضي في جنوب العراق، بمناخها المثالي، الموطن الأصلي لأرز العنبر، حيث ازدهرت زراعته ليصبح العراق المصدر الرئيسي لهذا المنتج الثمين، أما تاريخيا فكان أرز العنبر يمثل رمزًا للتميز الزراعي العراقي ومصدرًا مهما للاكتفاء الذاتي والطلب الدولي.

ولكن هذا الإرث الزراعي الثمين يواجه اليوم تحديات وجودية تهدد بقاءه؛ فتغير الظروف المناخية وتفاقم أزمات إدارة الموارد المائي من العوامل التي أدت إلى تراجع ملحوظ في إنتاج أرز العنبر، حتى كاد يختفي بالعديد من المناطق، وذلك ما أثار جدلًا واسعًا حول وضعه الحالي ومستقبله.

هل ودع أرز العنبر العراق؟

يقول عضو لجنة الزراعة في البرلمان العراقي ثائر الجبوري إن أرز العنبر الأصلي قد فُقد تمامًا من العراق، مشيرًا إلى أن استعادته بشكله الأصلي أمر صعب ويحتاج إلى سنوات طويلة.

إعلان

ويضيف الجبوري في حديث للجزيرة نت أن أرز العنبر يتميز بالعراق من دون غيره من بلدان العالم حتى الدول المجاورة، ويشتهر برائحته ونكهته الطيبة، مشيرًا إلى أن كلمة العنبر تعكس هذه الصفات الممتازة.

ويُرجع الجبوري سبب فقدان أرز العنبر الأصلي إلى العملية التجارية والغش، إذ لجأ المزارعون إلى إدخال محاصيل هجينة لتحقيق إنتاجية عالية من دون الاهتمام بالنوعية، وذلك ما أدى إلى تلاشي النوع الأصلي تدريجيا.

ويشير إلى أن بعض الأصناف المهجنة تحمل بعض مميزات أرز العنبر الأصلي، مثل رائحة العنبر، وتعرف باسم عنبر المشخاب.

وحسب الجبوري، تتطلب استعادة العنبر الأصلي سنوات من الزراعة والإشراف في حقول خاصة، واستخدام هذه الأصناف لعملية البذر، مع عناية خاصة من المزارعين لتجنب اختلاطه بمحاصيل أخرى، مؤكدا أن السبب الرئيسي لفقدان أرز العنبر الأصلي هو تجاري، بالإضافة إلى ارتفاع ربح الأصناف الأخرى مقارنة بالعنبر، مما يدفع الفلاحين إلى تفضيل الربح على النوعية.

ويقول الجبوري إنه لا يوجد محصول يضاهي العنبر العراقي، مؤكدًا أن الأصناف المستوردة من الهند وإيران لا تقارن بالنوع الأصلي من حيث الرائحة والنكهة، موضحًا أن الزارع الحقيقي يعرف رائحة العنبر الأصلي التي تفوح من الحقول عند وصول المحصول إلى مرحلة السنابل.

فلاحون يستخدمون آلية لزراعة أرز العنبر في جنوب العراق (مواقع التواصل) وزارة الزراعة تستغرب

استغربت وزارة الزراعة العراقية على لسان المتحدث الرسمي باسمها محمد الخزاعي حديث البعض عن اختفاء أرز العنبر، مؤكدة أنه متوفر في الأسواق وأن ما يشاع عن اختفائه لا أساس له من الصحة.

وأشار الخزاعي في تصريح للجزيرة نت إلى أن الموسم الزراعي الأخير 2024-2025 شهد توسعا في زراعة أرز العنبر، وقد بلغت المساحات المزروعة ضمن الخطة الزراعية 150 ألف دونم بالإضافة إلى مساحات أخرى زرعت خارج الخطة.

إعلان

وأضاف أن أرز العنبر متوفر في أسواق الجملة في أقضية المشخاب والشامية بمحافظة النجف وفي محافظتي السماوة والديوانية بالإضافة إلى أماكن أخرى، مبينا أن بعض التجار يخلطون أنواع الأرز المختلفة ويبيعونها على أنها أرز عنبر، مما يسبب حالة من الغش للمستهلكين، وفي المقابل ثمة تجار أمناء يبيعون أرز العنبر بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى.

ودعا الخزاعي المواطنين إلى التمييز بين أنواع الأرز المختلفة، مؤكدا أن أصحاب الخبرة لديهم القدرة على هذا.

وأشار إلى أن المساحات المزروعة بأرز العنبر هذا العام بلغت 150 ألف دونم ضمن الخطة الزراعية، منها 80 ألف دونم في محافظة النجف و50 ألف دونم في محافظة الديوانية بالإضافة إلى مساحات أخرى في محافظات السماوة وغيرها.

واستأنف العراق في شهر يوليو/تموز من العام الماضي زراعة الأرز بعد حظر دام عامين بسبب ندرة المياه، ويختبر سلالة منه تستهلك مياهًا أقل مقارنة بالسلالات المزروعة بالطرق التقليدية.

ونقلت وكالة رويترز عن وكيل وزارة الزراعة مهدي سهر الجبوري في يوليو/تموز 2024 قوله إن العراق خصص 150 كيلومترا مربعا لزراعة الأرز بالموسم الماضي.

وجاء إعلان الجبوري بعد حظر الإنتاج لمدة عامين، والذي شهد زراعة ما بين 5 إلى 10 كيلومترات مربعة فقط من الأرز سنويا لغرض استخراج البذور، وسط أزمة مياه يقول خبراء إنها مرتبطة بالسدود التي بنتها تركيا وإيران عند المنابع، وانخفاض هطول الأمطار وعوامل أخرى مرتبطة بتغير المناخ.

فلاح عراقي يقوم بتقليب محصوله من أرز العنبر (مواقع التواصل) للأغراض البحثية

يؤكد الخبير في الشأن الزراعي تحسين الموسوي أن أزمة المياه التي ضربت العراق في السنوات الماضية كانت السبب الرئيسي في تقلص مساحات زراعة أرز العنبر، مشيرا إلى أن ما يزرع حاليا من هذا الصنف هو فقط للأغراض البحثية.

إعلان

ويقول الموسوي في حديث للجزيرة نت إن العراق اشتهر بزراعة الأرز بأكثر من صنف، لكن الصنف المميز هو أرز العنبر وكانت تشتهر به مناطق الفرات الأوسط والنسبة العالية في منطقة النجف ومحافظة الديوانية وباقي المحافظات الوسطى والجنوبية، مبينا أن وصول العراق إلى مسألة الفقر المائي أثر كثيرًا على الزراعة الصيفية وبالذات زراعة أرز العنبر، فسبّب في بادئ الأمر تقليص الخطة ثم بعد ذلك أدى إلى منع زراعة الأرز.

وأضاف أن زراعة الأرز تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ونسبة غمر عالية لا يستطيع العراق توفيرها في هذه الظروف بعد أن انخفض الوارد من المياه من دول المشاركة المائية، موضحًا أن المناطق المشهورة بزراعة أرز العنبر هي حوض الفرات الذي يشهد حالة جفاف كبيرة.

وأشار إلى أن وزارة الزراعة حددت السنة الماضية مساحة لزراعة العنبر لكن عدم السيطرة على المساحات المخصصة وعدم التزام الفلاحين شكلا ضغطًا على الحكومة العراقية تمثل بأزمة مائية ألقت بآثارها على محافظات البصرة وذي قار والمناطق الوسطى حتى وصلت إلى أطراف بغداد.

وتسبب الجفاف بخفض إنتاج الأرز بشكل كبير؛ فبعدما كانت مساحات الأرز تتخطى 300 ألف دونم، بمعدل إنتاج 300 ألف طن، لم يُزرع في عام 2023 سوى 5 آلاف دونم فقط وارتفعت هذه المساحات إلى 150 ألف دونم في عام 2024، وفق إحصائيات وزارة الزراعة.

وبيّن الموسوي أن وزارة الموارد المائية تحاول الآن إنعاش حوض الفرات عن طريق بحيرة الثرثار من خلال المضخات العائمة، وتحاول أن تصل بحدود 100 متر مكعب يوميا رغم أن هذا الرقم مستبعد تحقيقه بسبب استمرار ظروف ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الحصص المائية، فضلا عن كون مياه الثرثار لا تصلح في بعض الأحيان حتى للزراعة بسبب ارتفاع نسبة ملوحتها.

وأكد أن ثمة زراعة قليلة للأغراض البحثية بغية الحفاظ على الصنف، مشيرا إلى أن العراق لم يستخدم أساليب الزراعة الحديثة من خلال عملية تقنين المياه للحفاظ على هذا النوع من الغذاء الرئيسي.

إعلان

وبشأن مرحلة كثافة الإنتاج بالعراق، أوضح الموسوي أنها كانت في تسعينيات القرن الماضي أيام الحصار على العراق إذ أعلن العراق الاكتفاء الذاتي من زراعة الأرز وكان عليه طلب عال خاصة أنه يشكل مصدرًا رئيسيا لدول كثيرة كانت ترغب في استيراد الأرز العراقي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان زراعة أرز العنبر العنبر العراق وزارة الزراعة بالإضافة إلى زراعة الأرز ألف دونم ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

مستقبل مجهول وأرقام مرعبة: الاقتصاد العراقي بين فكّي المحاصصة وسوء الإدارة

بغداد اليوم -  بغداد

يواجه الاقتصاد العراقي تحديات متعددة تهدد استقراره ونموه المستدام، من أبرزها هيمنة المحاصصة السياسية وسوء الإدارة، مما أدى إلى تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد. وبهذا الشأن أكد الخبير الاقتصادي صالح رشيد أن العراق يعاني من غياب التنسيق بين مؤسساته المالية، ما تسبب في أزمة سيولة قد تتفاقم مع استمرار المتغيرات الدولية المؤثرة على أسعار النفط.


تأثير المحاصصة السياسية على الاقتصاد العراقي

أدت المحاصصة السياسية إلى توزيع المناصب الحكومية بناءً على الانتماءات الحزبية والطائفية، مما أسفر عن استبعاد الكفاءات وتعيين أشخاص غير مؤهلين في مواقع صنع القرار الاقتصادي. هذا النهج أضعف المؤسسات الاقتصادية وأدى إلى تبني سياسات غير فعّالة، مما أثر سلبًا على التنمية الاقتصادية.

أكد رشيد بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "الوضع السياسي أثر على الاقتصاد من خلال عدة أبعاد، أبرزها إنتاج مبدأ المحاصصة وإبعاد الكفاءات، إضافة إلى الاستغناء عن العديد من هذه الكفاءات، ما أثر على آليات وخطط الاقتصاد والمال". كما أشارت تقارير إلى أن المحاصصة والسياسات الفاشلة كانت من الأسباب الرئيسية لتدهور الاقتصاد الوطني، حيث عطّلت القطاعات الإنتاجية وأضعفت الصناعة الوطنية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الفقر.

فإذا كانت نسبة الوظائف في الوزارات الأمنية تبلغ 54% من إجمالي الوظائف الحكومية، فهذا يعني أن 46% فقط من الوظائف تتوزع على باقي القطاعات. بافتراض أن إجمالي عدد الموظفين الحكوميين هو 3 ملايين موظف، فإن عدد الموظفين في الوزارات الأمنية يبلغ 1.62 مليون موظف، بينما يتوزع 1.38 مليون موظف على بقية القطاعات. هذا التوزيع غير المتوازن قد يؤدي إلى نقص في الكفاءات والموارد البشرية في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.


سوء الإدارة وتداعياتها على الاقتصاد

إلى جانب المحاصصة، يعاني العراق من سوء إدارة في المؤسسات المالية، مما أدى إلى غياب التنسيق بين السياسات المالية والنقدية. هذا الافتقار إلى التناغم تسبب في ضعف الوضع المالي للبلاد وأدى إلى أزمة سيولة. يقول رشيد: "هناك سوء إدارة في كل من البنك المركزي ووزارة المالية، ما تسبب في حالة عدم التناغم بين السياسة المالية والنقدية، مما جعل وضع العراق المالي ضعيفًا، بدليل أنه يعاني حاليًا من ملف قلة السيولة".

وأضاف: "كان الأحرى أن يكون هناك تنسيق ممنهج بين النفقات والإيرادات لتفادي هذه الإشكالية"، مشددًا على أن "سوء الإدارة يعد من العوامل المؤثرة والتي لها ارتدادات مباشرة على ملف القرار الاقتصادي في العراق".

فإذا كان إجمالي الميزانية لعام 2024 يبلغ 211 تريليون دينار عراقي (161 مليار دولار) مع عجز متوقع قدره 64 تريليون دينار، فإن نسبة العجز إلى إجمالي الميزانية تبلغ حوالي 30.3%. مع توقع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل في عام 2025، قد يتسبب ذلك في زيادة العجز المالي إذا لم تُتخذ تدابير تقشفية أو تُعزز الإيرادات غير النفطية.


تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصاد العراقي

يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على إيرادات النفط، حيث تشكل حوالي 90% من إيرادات الدولة. هذا الاعتماد المفرط يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. في الآونة الأخيرة، شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجعت إلى 70 دولارًا للبرميل.

أوضح رشيد أن "العامل الدولي ومتغيراته وتأثيره المباشر على أسعار النفط دفع إلى انخفاضها إلى 70 دولارًا، وبالتالي سيكون لهذا الأمر تداعيات مباشرة على الوضع المالي في العراق من خلال زيادة الاقتراض الداخلي".

ووفقًا لتقرير نشرته وكالة رويترز، فإن العراق يواجه ضغوطًا مالية في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، مما يستدعي تبني سياسات مالية أكثر صرامة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.

فإذا كان سعر النفط المتوقع في الميزانية هو 70 دولارًا للبرميل، وكان العراق يصدّر 3.5 مليون برميل يوميًا، فإن الإيرادات اليومية المتوقعة ستكون 245 مليون دولار. على مدار عام كامل، ستكون الإيرادات حوالي 89.4 مليار دولار. إذا انخفض سعر النفط بمقدار 10 دولارات إضافية إلى 60 دولارًا للبرميل، فإن الإيرادات السنوية ستنخفض إلى 76.65 مليار دولار، مما يعني خسارة سنوية قدرها 12.75 مليار دولار. هذا الانخفاض سيزيد من العجز المالي ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد العراقي.


توصيات وإصلاحات مقترحة

لمواجهة هذه التحديات، يجب على العراق تبني مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية بحسب اقتصاديين، بما في ذلك:

تعزيز الحوكمة الرشيدة: من خلال مكافحة الفساد وتطبيق معايير الشفافية في جميع القطاعات الحكومية.

تنويع الاقتصاد: عن طريق تطوير القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.

إصلاح النظام السياسي: من خلال إنهاء نظام المحاصصة وتعيين الكفاءات المؤهلة في المناصب القيادية لضمان اتخاذ قرارات اقتصادية فعّالة.

تحسين إدارة الموارد المالية: عبر التنسيق الفعّال بين السياسات المالية والنقدية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتفادي الأزمات المالية المستقبلية.


مخاطر وارتدادات

يواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب تبني إصلاحات جذرية لمعالجة تأثيرات المحاصصة وسوء الإدارة وتقلبات أسعار النفط. ومع استمرار المحاصصة وسوء التخطيط، يبقى العراق في مواجهة مخاطر اقتصادية خطيرة قد تكون لها ارتدادات قاسية على الأسواق والاستقرار المالي للبلاد. كما أكد رشيد، فإن "الاقتصاد العراقي بحاجة إلى قراءة متأنية للمستقبل لتفادي ارتدادات قد تكون قاسية في المستقبل". من خلال تنفيذ الإصلاحات الضرورية، يمكن للعراق تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان مستقبل مزدهر لشعبه.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

مقالات مشابهة

  • ممدوح حنا: الحكومة تنفذ خطة للتوسع في زراعة القطن قصير التيلة
  • شعبة القطن: خطة للتوسع في زراعة القطن قصير التيلة لتقليل فاتورة الواردات
  • البنك المركزي العراقي يعلن انخفاض التضخم السنوي إلى 2.8%
  • زراعة الشرقية تنفذ ندوة إرشادية عن محصول القطن موسم 2025
  • الزراعة السورية: نحتاج للتمور العراقية وهذه أبرز التحديات التي نواجهها
  • مستقبل مجهول وأرقام مرعبة: الاقتصاد العراقي بين فكّي المحاصصة وسوء الإدارة
  • زراعة الشيوخ تناقش "الأمن الغذائى".. و"الجبلي" يدعو لربط المراكز البحثية بالشركات المنتجة
  • تحديد أماكن زراعة الأرز .. تنسيق بين الري والزراعة لمنع المخالفات
  • زراعة الشيوخ تناقش ملف الأمن الغذائى.. والجبلي يدعو لربط المراكز البحثية بالشركات المنتجة