أرز العنبر العراقي يواجه التحديات وأزمة المياه للبقاء
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
بغداد – أرز العنبر العراقي جزء لا يتجزأ من التراث الزراعي والثقافي للبلاد، وقد اشتهر بجودته العالية ورائحته المميزة إلا أن هذا الصنف الفريد يواجه تحديات جمة تهدد بقاءه.
وارتبط اسم أرز العنبر بالجودة الفائقة والرائحة العطرية المميزة، وهو من أجود أنواع الأرز بالعالم، ويتميز بحباته الطويلة المتماسكة ورائحته الفريدة التي تشبه العنبر وتمنحه مذاقًا استثنائيا يميزه عن غيره.
ولطالما كانت الأراضي في جنوب العراق، بمناخها المثالي، الموطن الأصلي لأرز العنبر، حيث ازدهرت زراعته ليصبح العراق المصدر الرئيسي لهذا المنتج الثمين، أما تاريخيا فكان أرز العنبر يمثل رمزًا للتميز الزراعي العراقي ومصدرًا مهما للاكتفاء الذاتي والطلب الدولي.
ولكن هذا الإرث الزراعي الثمين يواجه اليوم تحديات وجودية تهدد بقاءه؛ فتغير الظروف المناخية وتفاقم أزمات إدارة الموارد المائي من العوامل التي أدت إلى تراجع ملحوظ في إنتاج أرز العنبر، حتى كاد يختفي بالعديد من المناطق، وذلك ما أثار جدلًا واسعًا حول وضعه الحالي ومستقبله.
هل ودع أرز العنبر العراق؟يقول عضو لجنة الزراعة في البرلمان العراقي ثائر الجبوري إن أرز العنبر الأصلي قد فُقد تمامًا من العراق، مشيرًا إلى أن استعادته بشكله الأصلي أمر صعب ويحتاج إلى سنوات طويلة.
إعلانويضيف الجبوري في حديث للجزيرة نت أن أرز العنبر يتميز بالعراق من دون غيره من بلدان العالم حتى الدول المجاورة، ويشتهر برائحته ونكهته الطيبة، مشيرًا إلى أن كلمة العنبر تعكس هذه الصفات الممتازة.
ويُرجع الجبوري سبب فقدان أرز العنبر الأصلي إلى العملية التجارية والغش، إذ لجأ المزارعون إلى إدخال محاصيل هجينة لتحقيق إنتاجية عالية من دون الاهتمام بالنوعية، وذلك ما أدى إلى تلاشي النوع الأصلي تدريجيا.
ويشير إلى أن بعض الأصناف المهجنة تحمل بعض مميزات أرز العنبر الأصلي، مثل رائحة العنبر، وتعرف باسم عنبر المشخاب.
وحسب الجبوري، تتطلب استعادة العنبر الأصلي سنوات من الزراعة والإشراف في حقول خاصة، واستخدام هذه الأصناف لعملية البذر، مع عناية خاصة من المزارعين لتجنب اختلاطه بمحاصيل أخرى، مؤكدا أن السبب الرئيسي لفقدان أرز العنبر الأصلي هو تجاري، بالإضافة إلى ارتفاع ربح الأصناف الأخرى مقارنة بالعنبر، مما يدفع الفلاحين إلى تفضيل الربح على النوعية.
ويقول الجبوري إنه لا يوجد محصول يضاهي العنبر العراقي، مؤكدًا أن الأصناف المستوردة من الهند وإيران لا تقارن بالنوع الأصلي من حيث الرائحة والنكهة، موضحًا أن الزارع الحقيقي يعرف رائحة العنبر الأصلي التي تفوح من الحقول عند وصول المحصول إلى مرحلة السنابل.
استغربت وزارة الزراعة العراقية على لسان المتحدث الرسمي باسمها محمد الخزاعي حديث البعض عن اختفاء أرز العنبر، مؤكدة أنه متوفر في الأسواق وأن ما يشاع عن اختفائه لا أساس له من الصحة.
وأشار الخزاعي في تصريح للجزيرة نت إلى أن الموسم الزراعي الأخير 2024-2025 شهد توسعا في زراعة أرز العنبر، وقد بلغت المساحات المزروعة ضمن الخطة الزراعية 150 ألف دونم بالإضافة إلى مساحات أخرى زرعت خارج الخطة.
إعلانوأضاف أن أرز العنبر متوفر في أسواق الجملة في أقضية المشخاب والشامية بمحافظة النجف وفي محافظتي السماوة والديوانية بالإضافة إلى أماكن أخرى، مبينا أن بعض التجار يخلطون أنواع الأرز المختلفة ويبيعونها على أنها أرز عنبر، مما يسبب حالة من الغش للمستهلكين، وفي المقابل ثمة تجار أمناء يبيعون أرز العنبر بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى.
ودعا الخزاعي المواطنين إلى التمييز بين أنواع الأرز المختلفة، مؤكدا أن أصحاب الخبرة لديهم القدرة على هذا.
وأشار إلى أن المساحات المزروعة بأرز العنبر هذا العام بلغت 150 ألف دونم ضمن الخطة الزراعية، منها 80 ألف دونم في محافظة النجف و50 ألف دونم في محافظة الديوانية بالإضافة إلى مساحات أخرى في محافظات السماوة وغيرها.
واستأنف العراق في شهر يوليو/تموز من العام الماضي زراعة الأرز بعد حظر دام عامين بسبب ندرة المياه، ويختبر سلالة منه تستهلك مياهًا أقل مقارنة بالسلالات المزروعة بالطرق التقليدية.
ونقلت وكالة رويترز عن وكيل وزارة الزراعة مهدي سهر الجبوري في يوليو/تموز 2024 قوله إن العراق خصص 150 كيلومترا مربعا لزراعة الأرز بالموسم الماضي.
وجاء إعلان الجبوري بعد حظر الإنتاج لمدة عامين، والذي شهد زراعة ما بين 5 إلى 10 كيلومترات مربعة فقط من الأرز سنويا لغرض استخراج البذور، وسط أزمة مياه يقول خبراء إنها مرتبطة بالسدود التي بنتها تركيا وإيران عند المنابع، وانخفاض هطول الأمطار وعوامل أخرى مرتبطة بتغير المناخ.
يؤكد الخبير في الشأن الزراعي تحسين الموسوي أن أزمة المياه التي ضربت العراق في السنوات الماضية كانت السبب الرئيسي في تقلص مساحات زراعة أرز العنبر، مشيرا إلى أن ما يزرع حاليا من هذا الصنف هو فقط للأغراض البحثية.
إعلانويقول الموسوي في حديث للجزيرة نت إن العراق اشتهر بزراعة الأرز بأكثر من صنف، لكن الصنف المميز هو أرز العنبر وكانت تشتهر به مناطق الفرات الأوسط والنسبة العالية في منطقة النجف ومحافظة الديوانية وباقي المحافظات الوسطى والجنوبية، مبينا أن وصول العراق إلى مسألة الفقر المائي أثر كثيرًا على الزراعة الصيفية وبالذات زراعة أرز العنبر، فسبّب في بادئ الأمر تقليص الخطة ثم بعد ذلك أدى إلى منع زراعة الأرز.
وأضاف أن زراعة الأرز تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ونسبة غمر عالية لا يستطيع العراق توفيرها في هذه الظروف بعد أن انخفض الوارد من المياه من دول المشاركة المائية، موضحًا أن المناطق المشهورة بزراعة أرز العنبر هي حوض الفرات الذي يشهد حالة جفاف كبيرة.
وأشار إلى أن وزارة الزراعة حددت السنة الماضية مساحة لزراعة العنبر لكن عدم السيطرة على المساحات المخصصة وعدم التزام الفلاحين شكلا ضغطًا على الحكومة العراقية تمثل بأزمة مائية ألقت بآثارها على محافظات البصرة وذي قار والمناطق الوسطى حتى وصلت إلى أطراف بغداد.
وتسبب الجفاف بخفض إنتاج الأرز بشكل كبير؛ فبعدما كانت مساحات الأرز تتخطى 300 ألف دونم، بمعدل إنتاج 300 ألف طن، لم يُزرع في عام 2023 سوى 5 آلاف دونم فقط وارتفعت هذه المساحات إلى 150 ألف دونم في عام 2024، وفق إحصائيات وزارة الزراعة.
وبيّن الموسوي أن وزارة الموارد المائية تحاول الآن إنعاش حوض الفرات عن طريق بحيرة الثرثار من خلال المضخات العائمة، وتحاول أن تصل بحدود 100 متر مكعب يوميا رغم أن هذا الرقم مستبعد تحقيقه بسبب استمرار ظروف ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الحصص المائية، فضلا عن كون مياه الثرثار لا تصلح في بعض الأحيان حتى للزراعة بسبب ارتفاع نسبة ملوحتها.
وأكد أن ثمة زراعة قليلة للأغراض البحثية بغية الحفاظ على الصنف، مشيرا إلى أن العراق لم يستخدم أساليب الزراعة الحديثة من خلال عملية تقنين المياه للحفاظ على هذا النوع من الغذاء الرئيسي.
إعلانوبشأن مرحلة كثافة الإنتاج بالعراق، أوضح الموسوي أنها كانت في تسعينيات القرن الماضي أيام الحصار على العراق إذ أعلن العراق الاكتفاء الذاتي من زراعة الأرز وكان عليه طلب عال خاصة أنه يشكل مصدرًا رئيسيا لدول كثيرة كانت ترغب في استيراد الأرز العراقي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان زراعة أرز العنبر العنبر العراق وزارة الزراعة بالإضافة إلى زراعة الأرز ألف دونم ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
مدير زراعة القليوبية لصدى البلد: توريد 11 ألف طن قمح ودعم شامل للمزارعين
في ظل الاهتمام المتزايد بالأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، يأتي القمح على رأس أولويات الدولة، كونه يمثل أحد أهم ركائز الأمن القومي الغذائي، وفي محافظة القليوبية، التي تمثل نموذجًا في تطبيق التوصيات الفنية ورفع كفاءة الإنتاج الزراعي، كان لمحصول القمح هذا العام اهتمامًا خاصًا على كافة المستويات.
وللوقوف على تفاصيل موسم القمح 2024 - 2025، التقى "صدى البلد" المهندس محمد أمين، مدير مديرية الزراعة بمحافظة القليوبية، في حوار كشف فيه عن جهود المديرية والتواصل المستمر مع المزارعين، ودور الدولة في دعم هذا المحصول الاستراتيجي، والخطوات العملية التي تم تنفيذها للوصول إلى أعلى إنتاجية.
المساحة المنزرعة بمحصول القمح في محافظة القليوبية خلال موسم 2024 - 2025 بلغت 38455 فدانًا، وهي مساحة تعكس مدى اهتمام المزارعين بزراعة هذا المحصول الحيوي، بدعم مباشر ومستمر من الدولة ومديرية الزراعة.
ما أبرز أشكال الدعم التي للمزارعين على مدار الموسم؟حريصنا على التواصل مع المزارعين طوال الموسم الزراعي، وقد تم تقديم كافة أنواع الدعم الفني والإرشادي، وذلك بهدف الوصول إلى أعلى إنتاجية من محصول القمح.
والدولة بذلت جهدًا كبيرًا في هذا الإطار، وكان لنا دور مهم في تفعيل هذا الدعم ميدانيًا.
ماذا عن توفير التقاوي والأسمدة وغيرها من المستلزمات الزراعية؟تم بالفعل توفير التقاوي للمزارعين بكافة الجمعيات الزراعية المنتشرة على مستوى المحافظة.
كما أوصينا المزارعين بضرورة الالتزام بالسياسة الصنفية الخاصة بالمحافظة، وذلك من خلال زراعة الأصناف التالية: جيزة 171، مصر 3، مصر 4، سخا 95، سدس 14، وسدس 15، وهي أصناف تمتاز بالإنتاجية العالية وتناسب طبيعة مناخ القليوبية.
كذلك، وفرنا الأسمدة المدعمة للمزارعين، ومبيدات الحشائش بنوعيها (العريضة والرفيعة) عبر الجمعيات الزراعية لتيسير العمليات الزراعية وضمان مكافحة فعالة للآفات.
هل اتخذتم خطوات لترشيد استهلاك المياه في زراعة القمح هذا الموسم؟بالفعل، كانت هناك خطوات واضحة لترشيد استخدام المياه، حيث تم توفير الستارات للزراعة على مصاطب بسعر رمزي، وهي طريقة تسهم في تقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 30%، وقد لاقت قبولًا واسعًا من المزارعين.
كما تم استخدام تكنولوجيا التسوية بالليزر للأراضي، والتي تسهم في توزيع المياه بكفاءة، حيث تم الانتهاء من تسوية 400 فدان ضمن مشروع ترشيد استخدام المياه، وهذه خطوة فعالة في تحسين كفاءة الري.
ماذا عن الأنشطة الإرشادية التي تم تنظيمها لتوعية المزارعين؟على مدار الموسم، نفذنا برنامجًا للندوات الإرشادية، تضمن 4 ندوات لكل مركز بإجمالي 28 ندوة شهريًا، وقد شارك فيها أساتذة من مركز البحوث الزراعية، وقدموا للمزارعين كافة التوصيات الفنية المطلوبة، هذا البرنامج كان له دور كبير في رفع الوعي الزراعي وتحسين الأداء الحقلي.
كما تم تنفيذ 86 حقلًا إرشاديًا لمحصول القمح بكافة مراكز المحافظة، ضمن الحملة القومية لمحصول القمح، وهو رقم يعكس مدى الانتشار والدعم الإرشادي في مختلف أنحاء القليوبية.
ماذا عن التوريد؟ وهل هناك جهود لحث المزارعين على تسليم المحصول؟نعم، تم حث المزارعين على ضرورة توريد محصول القمح، لما لذلك من أهمية وطنية تعود بالنفع على المواطنين في صورة رغيف خبز مدعم، وهو ما نعتبره مسؤولية مشتركة بين الدولة والمزارع.
ما حجم المحصول الذي تم حصاده حتى الآن؟ وكم بلغت كميات التوريد؟حتى تاريخ إجراء هذا الحوار، تم حصاد 20480 فدانًا من إجمالي المساحة المنزرعة، أما بالنسبة لكميات التوريد، فقد بلغت 11070.484 طن قمح تم تسليمها إلى الصوامع والشون المخصصة لذلك حتى الآن، وما زالت عمليات الحصاد والتوريد مستمرة.
في الختام، ما الرسالة التي توجهها للمزارعين؟أقول لكل مزارع: أنتم الركيزة الأساسية في منظومة الأمن الغذائي، والدولة تدعمكم في كل خطوة، فقط التزموا بالتوصيات الفنية، وسارعوا بتوريد المحصول للدولة، ونحن في مديرية الزراعة سنظل على تواصل دائم معكم لتقديم الدعم اللازم في كل موسم.