في كل مرّة يطّل فيها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يدهش. فالكلمة التي ألقاها في القمة العربية الطارئة في القاهرة ذكرّت كثيرين، ومن بينهم الرئيس نبيه بري، بخطاب القسم. النَفَس ذاته. الروحية عينها. التوجّه واحد. لا لبس فيه ولا "زغل". اللغة واحدة في القاهرة كما في بيروت. لا تلاميح ولا مواربة، بل خطاب فيه الكثير من الصدق والشفافية والوضوح اشتاق العرب إلى سماعه، وكذلك اللبنانيون.
فما يُقال في بعبدا سيُقال في أي مكان في العالم من دون مراعاة أي مصلحة سوى المصلحة اللبنانية، التي تعلو فوق أي اعتبار آخر. وأي مصلحة أخرى تقترب من خطّ الالتقاء مع مصلحة لبنان يكون الانحياز إليها تلقائيًا وطبيعيًا. أمّا أي مصلحة تتقدّم على مصلحة اللبنانيين فلن يكون لها مكان تحت شمس بيروت كعاصمة للانفتاح على الشرق والغرب بما يوازن في طبيعتها بين حضارتين تتكاملان لتزهر تجربة لبنانية فريدة في تنوعها وغناها وابتكاراتها الإنسانية في عمقها الوجداني والتاريخي.
فما ورد في كلمة الرئيس عون في اطلالته الرسمية الأولى على العالم العربي بصفته الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية أعاد إلى ذاكرة الذين لا يزالون يذكرون ما ميّز الرؤساء السابقين، من الرئيس الشيخ بشاره الخوري ولغته الأدبية الجميلة، إلى إطلالات الرئيس كميل شمعون الذي لُقب بـ "فتى العربة الأغر" في زمن الكبار من القادة العرب، وإلى الخطّ البياني الإصلاحي والتأسيسي للرئيس اللواء فؤاد شهاب، وإلى وديبلوماسية الرئيس شارل حلو، وإلى فروسية الرئيس سليمان فرنجية، وإلى "أدامية" الرئيس الياس سركيس، وإلى جرأة الرئيس الشهيد بشير الجميل، وإلى العناد بالحق الذي ميّز الرئيس الشيخ أمين الجميل، وإلى لبنانية الرئيس رينيه معوض، وإلى حنكة الرئيس الياس الهراوي، وإلى سلوكية الرئيس العماد أميل لحود، وإلى وضوح الرؤية لدى الرئيس العماد ميشال سليمان، وشعبية الرئيس ميشال عون.
هذا ما كّونه عدد غير قليل من اللبنانيين والعرب، الذين لا يزالون يتذكّرون أيام العزّ اللبناني قبل أن تجتاح أرضه "حروب الآخرين"، لدى سماعهم الرئيس عون، المرّة الأولى أمام النواب الذين انتخبوه، والمرّة الثانية أمام الملوك والرؤساء والأمراء العرب. وهذا ما يعطي اللبنانيين المزيد من الأمل في أن ما هو آتٍ من الأيام سيكون أفضل مما مضى من أيام لم يعرفوا فيها سوى هذا الكمّ الهائل من التراكمات منذ بداية الحرب في 13 نيسان من العام 1975، أي منذ خمسين عامًا، مع ما تعنيه هذه السنوات لجميع الذين يُسمَّون "جيل الحرب"، من ويلات ومصائب وكوارث وقتل ودمار وحزن ودموع وشقاء. ولكن من دون أن يعني ذلك الانجرار وراء أوهام أنصاف الحلول والتفاؤل المفرط، بل أن يترافق الأمل الموعود مع إنجازات على أرض الواقع، الذي تختلف حيثياته عن أدبيات الكلام المنمق والجميل والواعد والصادق.
أمّا إذا أردنا أن نتعمّق أكثر في ما ورد في خطاب الرئيس عون في قمة القاهرة، التي خُصّصت لقضية فلسطين، التي شغلت العرب والعالم على مدى عقود من الزمن، فيمكن أن نلاحظ كوهلة أولى هذا التمازج التعبيري بين ما للبنان من علاقة قديمة مع القضية الفلسطينية ببعديها الوجداني والكياني، بحيث لم تعد طريق القدس تمرّ بجونيه مثلًا، أو لم تعد طريق الجنوب تقود إلى القدس بمعنىً آخر، بل أصبحت مع جوزاف عون، "حاجة تانية" باللهجة المصرية.
فما قاله الرئيس اللبناني عن فلسطين لم تتمكّن نظرية "وحدة الساحات" أن تقوله، "لأنها قضية حق، والحق يحتاج دوما إلى القوة. والقوة هي قوة المنطق وقوة الموقف وقوة إقناع العالم وحشد تأييد الرأي العام، والقوة للدفاع عن الحق. وأن لبنان تعلم ألا يكون مستباحا من الخارج، حتى لو كان هذا الخارج صديقا أو شقيقا". واكد على "أهمية ان تكون بلدانُنا العربية قوية، باستقرارِها وازدهارِها، بسلامِها وانفتاحِها، بتطورِها ونموِها، برسالتِها ونموذجيتِها، إنه الطريقُ الأفضلُ لنصرةِ فلسطين".
فبهذه الكلمات القليلة اختصر الرئيس عون كيفية الدفاع عن الحق الفلسطيني السليب منذ عقود من الزمن، وكيف يمكن الوصول إلى نتيجة غير النتيجة، التي أوصلت إليه "حرب الاسناد" و"حرب الساحات الموحدّة"، وهي نتيجة كارثية على فلسطين في قطاعها وفي ضفتها، وفي لبنان بجنوبه وبقاعه وضاحية بيروت الجنوبية.
وقد يكون كلام رئيس الجمهورية مقدمة لما يمكن أن تكون عليه مستقبلًا "الاستراتيجية الدفاعية"، سواء نوقشت على بساط البحث الحواري بين اللبنانيين أو لم تُناقَش. فلبنان يستطيع أن يواجه إسرائيل وأطماعها، وأن يدافع عن قضية فلسطين، عندما تكون "ساحاته الداخلية" موحدّة، وعندما يتوصل إلى سياسة خارجية واحدة قائمة على حفظ سيادة لبنان وعلاقاته الخارجية مع أشقائه العرب وأصدقائه في كل أصقاع المعمورة.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الرئیس عون
إقرأ أيضاً:
السفير غملوش: مواقف بعض الوزراء اللبنانيين تتعارض مع سياسة الحكومة حول اعتداءات اسرائيل
بغداد اليوم - متابعة
رأى السفير العالمي للسلام رئيس جمعية "تنمية السلام العالمي" حسين غملوش، أن مواقف بعض الوزراء في الحكومة اللبنانية تتعارض مع سياستها العامة المتعلقة بملفات حساسة كملف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، كونها اكثر حدة وبعيدة كل البعد عن الدبلوماسية، وتبدو منفصلة عن السياسة الرسمية للحكومة التي تتسم بالحذر".
وقال غملوش في بيان تلقته "بغداد اليوم" إن "الحكومة تأخذ موقفا اكثر توازنا من موضوع الاعتداءات الاسرائيلية، وهي تحمل اسرائيل المسؤولية عن عدم تنفيذ القرار 1701، ولكنها في الوقت نفسه تحاول تجنب الصدامات المباشرة، فيما مواقف بعض الوزراء تتسبب بتوترات سياسية واتهامات تندرج في اطار محاولات تشويه الحقائق والتسبب في ضغوط إضافية على لبنان".
وأضاف أن "لبنان يعاني من انقسامات حادة على كل المستويات، والخطورة ان هذه الانقسامات انسحبت ايضا على الموقف من الاحتلال الاسرائيلي، مما يزيد من التوترات الداخلية ويؤدي الى ازمات سياسية جديدة".
وتابع غملوش: "هدف اسرائيل من الاغتيالات التي تقوم بها في لبنان توجيه رسائل ردعية مفادها ان أي تهديد لها سيواجه برد قاس، كما تهدف الى تصفية شخصيات تعتبرها تهديدا مباشرا لها، ولكن كل هذه الاعمال العنفية التي تمارس في حق الشعب اللبناني ستؤدي غالبا الى تصعيد التوترات الأمنية والعسكرية والى ردود فعل انتقامية، ما سيتسبب في تفاقم الأوضاع الأمنية في لبنان والمنطقة".
وأوضح السفير العالم للسلام أنه "يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التطبيع حتى ان هناك بعض الاطراف السياسية ايدت هذا الطرح، اذا كان يوفر السلام للبنان، متناسية ان هناك اراض لبنانية لا تزال محتلة كمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وان واي تطبيع يعد في مثابة اعتراف بواقع الاحتلال".
واشار غملوش الى ان "لبنان يعتبر اسرائيل دولة عدوة وفقا لقانونه الداخلي واي تعامل رسمي او غير سمي معها يعد جريمة تصل عقوبتها الى السجن، أضف الى ذلك كله فان لبنان ليس لديه مكاسب او مصالح اقتصادية معها، بل هو يملك علاقات قوية مع دول عربية واسلامية توفر له الدعم".
وقال: "يتعرض لبنان لضغوط دولية من اجل انهاء ملف السلاح غير الشرعي بسرعة قصوى، ولو كان على حساب السلم الاهلي والعيش المشترك بين ابنائه فيما يطالب باستخدام الدبلوماسية والحوار مع اسرائيل من اجل تحقيق انسحابها من المواقع التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان".
من جهة ثانية، اعتبر غملوش ان ما يحصل في غزة من قتل وتدمير وتهجير قسري يمكن وصفه بانه ابادة جماعية وجرائم حرب ضد الانسانية، فوفقا لاتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية التي صدرت في العام 1948، فان اي استهداف متعمد لمجموعة بشرية بهدف القضاء عليها كليا او جزئيا يعتبر ابادة جماعية، واستهداف الاطفال والنساء والمستشفيات وقوافل المساعدات والحرمان من الماء والغذاء كلها ادلة على نية ابادة أبناء غزة".
وختم: "العالم مطالب بالتحرك الفوري لوقف هذه الجرائم، لكن الصمت والتواطؤ الدولي يساهمان في استمرار المجازر. فإلى متى؟".