باريس- في الوقت الذي توالت فيه ردود الفعل بشأن اللقاء العاصف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، أثارت تصريحات زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان انتقادات فورية من الطبقة السياسية في البلاد.

فعلى هامش جولتها في المعرض الزراعي مطلع هذا الشهر، اعتبرت لوبان أن ما حدث لم يكن "أمرا استثنائيا"، قائلة إن "تمكن زعماء الدول من التحدث إلى بعضهم بعضا بعاطفة ووجود كلمات قاسية أمر طبيعي تماما".

وبينما فتحت لندن ذراعيها لاستقبال زيلينسكي بعد انتهاء زيارته في واشنطن وإعلان دعمها المستمر لكييف، كشف اليمين المتطرف الأوروبي عن وجه آخر "غير منزعج" من تصرفات الحليف الرئيسي للقارة ومتأثر بشكل كبير بسياسات ترامب وخطابه.

خيوط مشتركة

وإذ يبدو أن ولاية الرئيس الأميركي الثانية تلهم الرؤى حول تحالف يميني متطرف في العالم، لا تزال عودته إلى المشهد السياسي محل تساؤلات تحاول الإجابة عن ماهية هذه "النعمة حمالة الأوجه" للفصيل الأوروبي.

وفي هذا الإطار، ترى أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في كلية "كيدج" للأعمال بباريس فيرجيني مارتن أن زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية في فرنسا تحاول الوقوف في منتصف خط رفيع. فمن جهة، لا تشبه نفسها برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن جهة أخرى لا توافق على ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

إعلان

وفي حديثها للجزيرة نت، وصفت مارتن كلمة لوبان في الجمعية الوطنية، الاثنين، "بالخطاب الملتوي" وقالت "لم يشر أحد من حزبها إلى ضرورة توفير الوسائل اللازمة لفوز أوكرانيا أو الدخول في اقتصاد الحرب نظرا لأساليب انتخابية سيعتمدون عليها لإقناع الفرنسيين بعدم الموافقة على التضحية من أجل اقتصاد أوكرانيا وحياتها".

أما في ما يتعلق بالتقارب بين لوبان والكرملين، أكدت الخبيرة في الأحزاب السياسية أن بوتين كان سعيدا بمنح الأموال للتجمع الوطني لتمويل حملته الانتخابية، معتبرة أن "تحالف لوبان-بوتين آنذاك كان لضرورة مادية أكثر منها أيديولوجية".

من جهته، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد في برلين أولريك بروكنر إلى اختلاف الطيف السياسي في أوروبا من بلد إلى آخر؛ "ففي إيطاليا تقود جورجا ميلوني حكومة ائتلافية يمينية، بينما حقق حزب الحرية بزعامة خيرت فيلدرز مؤخرا فوزا انتخابيا مفاجئا في هولندا، في حين ظلت دول مثل أيرلندا ومالطا والبرتغال -مع ظهور أولى علامات التحذير- معزولة نسبيا عن هذا الاتجاه".

وتابع في حديث للجزيرة نت أن هذه الأحزاب رغم اختلافاتها لديها خيوط مشتركة، كالتشدد بشأن الهجرة، والتشكك في العمل المناخي، ورفض التكامل الأوروبي فوق الوطني، معتبرا أن رئاسة ترامب لعبت دورا رمزيا في تشجيع الحركات اليمينية المتطرفة بأوروبا وتوفير المصادقة الأيديولوجية والتطبيع لقضاياها من خلال دفع الأفكار التي كانت هامشية في السابق إلى الخطاب السياسي السائد.

نذير بالانتصار

وفي 8 فبراير/شباط الماضي، أشاد زعماء اليمين المتطرف الأوروبي بأجندة الرئيس الأميركي واعتبروها نذيرا بانتصارات مستقبلية لمعسكرهم، في حدث نظمه حزب فوكس اليميني المتطرف الإسباني في مدريد تحت شعار "لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى"، بحضور مارين لوبان وفيكتور أوربان ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني.

إعلان

وخلال الاجتماع، قالت زعيمة التجمع الوطني الفرنسي إن القادة الأوروبيين الحاضرين -الذين تمتلك مجموعتهم "الوطنيون من أجل أوروبا" 84 مقعدا في البرلمان الأوروبي- هم الوحيدون القادرون على التواصل والعمل مع إدارة ترامب.

ومن ثم، يرى الأستاذ بروكنر أنه إذا استمر زعماء اليمين المتطرف في اكتساب السلطة وتوحيد قواهم في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فقد يؤدي ذلك إلى تحولات كبيرة مع مخاوف من تهميش الاتحاد من المحادثات الحاسمة واحتمال عمل هؤلاء كوسطاء بين بلدانهم والولايات المتحدة تحت إدارة ترامب.

ومع ذلك، أضاف بروكنر أن صعود أقصى اليمين يواجه قيودا كبيرة، مفسرا ذلك بالقول إن "القومية المتأصلة في هذه الأحزاب غالبا ما تعيق قدرتها على تشكيل تحالفات متماسكة على المستوى الأوروبي، كما تعمل الطبيعة المتنوعة للمجتمعات الأوروبية كحصن ضد الأيديولوجيات المتطرفة".

ورغم الأيديولوجيات المشتركة، لا يزال أقصى اليمين الأوروبي منقسما إلى 3 مجموعات حزبية في البرلمان الأوروبي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواقفهم من روسيا إذ تحافظ بعض الأحزاب على علاقات ودية مع نظام بوتين بينما تدعو أحزاب أخرى إلى موقف أكثر صرامة.

وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي الألماني أن تحول الرئيس الأميركي المحتمل نحو موقف أكثر تأييدا لبوتين قد يؤدي إلى إعادة تشكيل هذه التحالفات ويوحد الفصائل اليمينية المتطرفة المتباينة سابقا لأن ترامب وبوتين ينشران الدعاية الروسية نفسها، على حد قوله.

بدورها، لا تعتقد فيرجيني مارتن أن سياسة ترامب تتوافق بالكامل مع اليمين المتطرف الفرنسي على اعتبار أن زعيم حزب "استعادة فرنسا" إريك زمور وشريكته سارة كنافو يمثلان التوجه الأقرب إلى الرئيس الأميركي مقارنة مع لوبان.

وأضافت "أصبحت مارين لوبان شخصية صامتة إلى حد ما وتلعب على وتر نزع الشيطنة وتثبيت دور المؤسسات وإضفاء الشرعية على النظام، في حين لا يهتم ترامب على الإطلاق بكل ذلك ويسعد بخلق لحظات إعلامية تترك من خلفها ضجة كبيرة".

مراقبون يرون أن علاقة ماسك (يسار) الوثيقة بترامب تعني أن الدول الأوروبية ستحتاج إلى التعامل بحذر معه (رويترز) مظلة ترامب

قد يرى البعض تصريحات المستشار القادم المتوقع لألمانيا فريدريش ميرتس بشأن تعزيز أوروبا للتمكن من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة خطوة تنذر بإبراز دور بلاده وتقويتها داخل الاتحاد الأوروبي، لكن السؤال يظل مطروحا بشأن مدى إمكانية تخطي دول القارة الأوروبية للألغام السياسية التي تعاني منها وتوحيد صفوفها أمام تصرفات ترامب التي تكون في معظمها "غير متوقعة".

إعلان

وللإجابة عن ذلك، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد في برلين أولريك بروكنر إلى أن المواطنين -غير السياسيين وغير المبالين بالأنظمة السياسيةـ يدركون أهمية الدفاع عن المجتمع المفتوح والمؤسسات الليبرالية، وهو ما يفسر جزئيا نسبة الإقبال المرتفعة على التصويت بالبلاد والتي تجاوزت 80% قبل أسبوعين.

وأضاف بروكنر "يفهم الناس أن إضعاف النظام السياسي وتقسيم أوروبا يصب في مصلحة القوى الأخرى والتكنولوجيا الكبرى التي لا تريد أن تخضع للتنظيم من قبل الاتحاد الأوروبي. ورغم أن المناخ السياسي الحالي قد يبدو مضطربا، فقد أثبتت الديمقراطيات الغربية قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ على مر التاريخ".

وقد استطاع ترامب إثبات تأثير أسلوبه السياسي على إستراتيجيات الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة بأوروبا، خاصة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل المباشر، وتبنّي الخطاب الشعبوي، والتركيز على القومية.

وهو ما جعل أولريك بروكنر يوضح أن مفهوم "التعطيل" الذي يدافع عنه ترامب، ويردده مليارديرات وادي السيليكون مثل إيلون ماسك، يتردد صداه لدى هذه الأحزاب في أوروبا، إذ يسعى هذا النهج غالبا إلى قلب المعايير والمؤسسات السياسية الراسخة تحت ستار إعادة السلطة إلى الشعب من النخب السيئة.

وتابع المتحدث أن هذه الأيديولوجيات المشتركة عززت العلاقات الوثيقة بين الحركات اليمينية المتطرفة الأميركية والأوروبية، موضحا أن ذلك يتجلى ذلك في تشكيل مجموعة اليورو باتريوتس من أجل أوروبا، التي تنظر إلى ترامب كزعيم رمزي. وأضاف "كذلك دعمت شخصيات مؤثرة مثل ماسك، من خلال منصته إكس، نشاط شخصيات اليمين المتطرف الأوروبية، مما زاد من ظهورهم وتأثيرهم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الیمینیة المتطرفة الرئیس الأمیرکی الیمین المتطرف

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يلتقي رئيس المجلس الأوروبي لبحث التعاون الثنائي وتطورات الأوضاع الإقليمية

التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، بأنطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبي، وذلك على هامش القمة العربية غير العادية المنعقدة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن اللقاء شهد التأكيد على عمق العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، وحرص الجانبين على تعزيزها في كافة المجالات، خاصة الاقتصادية والاستثمارية، بما يتفق مع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية والشاملة ومحاورها الستة. كما تناول اللقاء ملف الهجرة غير الشرعية، حيث أعرب المسئول الأوروبي عن تقديره للجهود الكبيرة التي تقوم بها مصر في هذا الصدد ونجاحها في منع خروج مراكب تحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ عام 2016، وذلك في الوقت الذي تستضيف فيه مصر ما يزيد عن تسعة مليون اجنبي من جراء الأزمات المختلفة، وهو الأمر الذي يتعين معه توفير كل الدعم اللازم لمصر.

وأوضح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن اللقاء تناول تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، حيث إستمع رئيس المجلس الأوروبي إلى رؤية السيد الرئيس بشأن سبل إستعادة الإستقرار الإقليمي، والجهود التي تقوم بها مصر لتنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث أكد رئيس المجلس الأوروبي على تقدير دول الإتحاد الأوروبي للدور الذي تقوم بها مصر سعياً لتنفيذ الإتفاق بشكل كامل. وفي ذات الإطار، شدد السيد الرئيس ورئيس المجلس الأوروبي على ضرورة نفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع بكميات كافية دون أي عراقيل، لضمان عدم تفاقم الأزمة الإنسانية التي يتعرض لها أهالي القطاع طوال الأشهر الماضية، كما حذرا من مغبة استئناف القتال والعنف في القطاع، لما سوف يترتب على ذلك من تهديد للسلم والأمن في المنطقة بأسرها.

وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن السيد الرئيس ورئيس المجلس الأوروبي حرصا على التأكيد على الرفض التام للاعتداءات الإسرائيلية بالضفة الغربية، كما شددا على رفضهما المطلق لمساعي تهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية، وأكدا على ضرورة بدء جهود إعادة الإعمار بشكل فوري في القطاع دون تهجير سكانه، حيث أعرب رئيس المجلس الأوروبي في هذا الصدد عن الترحيب باعتماد القمة العربية للخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة.

وفي هذا السياق، أكد الجانبان على أن إقامة الدولة الفلسطينية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية تمثل الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط، وشددا على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لتحقيق هذا الهدف.

وذكر المتحدث الرسمي أن اللقاء تناول أيضاً تطورات الوضع في سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال، حيث تم التأكيد على ضرورة العمل على تسوية الأزمات بالطرق السلمية، بما يحفظ وحدة وسلامة واستقرار تلك الدول الشقيقة.

اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يوجه الشكر للقادة العرب المشاركين في القمة العربية الطارئة بالقاهرة

رئيس قوى عاملة النواب: الرئيس السيسي قدم مشروعا عادلا خلال القمة العربية يضمن حقوق الفلسطينيين

«مصطفى بكري»: كلمة الرئيس السيسي أمام القمة العربية الطارئة «تاريخية»

مقالات مشابهة

  • كاتب يهاجم إدارة ترامب: الديمقراطية الأكثر إثارة للإعجاب محتجزة لدى اليمين المتطرف
  • الرئيس السيسي يلتقي رئيس المجلس الأوروبي لبحث التعاون الثنائي وتطورات الأوضاع الإقليمية
  • على هامش القمة العربية.. الرئيس السيسي يلتقي رئيس المجلس الأوروبي
  • مساعد الخارجية الأسبق: اليمين المتطرف الاستيطاني بإسرائيل يريد احتلال مزيد من الأراضي
  • البرلمان الأوروبي: على أوروبا أن تقف على قدميها وتواصل دعم أوكرانيا
  • أردوغان يجدد رغبة بلاده بالانضمام للاتحاد الأوروبي.. لا يُتصور أمن لأوروبا دون تركيا
  • التقارب بين ترامب وبوتين ليس صدفة.. الديهي يكشف عن تصاعد اليمين المحافظ الأمريكي
  • أردوغان: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أولوية استراتيجية
  • حماس تحذر الاحتلال من استمرار سياساته الإجرامية بحق الأسرى