امرأة في زمن الحرب تحسب كل «طلقة» عليها

(تعليق على مقال عبد الله علي إبراهيم (قراءة في تأسيس نيروبي: الأصولية العلمانية” بتاريخ 2 مارس 2025م)

إيمان بلدو

يبدأ المقال بالانتقال من الحالة السرمدية “النخب وإدمان الفشل” إلى الحال الصفوي بعد الحرب “فالصفوي لزيم هاجس تشقق السودان بعد انفصال جنوبه عام 2011م.

فصارت كل صيحة مثل تلك التي في نيروبي عليهم. وهذا الهاجس المخيم قريب من عبارة سودانية تقول إن كل زوجة مهجسة ما عاشت بـ “طلقة” من زوجها”، في تعبير صارخ عن الأصولية الذكورية المتحكمة في مخيلة وأفكار البعض على المدى والأبدية.. علمانياً كان أو غير علماني.

في زمن الثورة.. لم تخف النساء من الرصاص، وصدقت من قالت “الطلقة ما بتكتل… بكتل سكات الزول” فأسمعت وأوعت… وفي زمن الحرب تعيش النساء تحت وطأة المعاناة وتحت هاجس “الطلقة” والتدوين… والاغتصاب والزواج القسري… والنزوح واللجوء…. لكنها في المقال… تعيش تحت هاجس آخر… تجري به الأمثال… وتسخر.

اختزل الكاتب كل وجود المرأة السودانية في الزواج وتوجسها. ما عاشت- من طلقة من زوجها. نعلم أن الأمثلة تُساق للدلالة على معان بليغة… تحفز على المتابعة لمنهج وعبارات مثل “مدى تمسك شعوبنا (بمن فيهن النساء المتزوجات على ما اعتقد)… وشوقها الدائم للحرية والحياة العزيزة الكريمة”. إلا أن ما كتب في المقال يبرز تناقض الفكرة والمضمون من حيث الشكل والمعنى المقصود من احتدام هاجس الانفصال الذي يضطرم.. ومع مفارقة روح النص المكتوب للواقع بالاستشهاد بالعبارة السودانية التي أشار إليها.. ويصح عليها توصيف.. (ضعف الطالب والمطلوب).

المقال ومنذ أول فقرة يجرد القارئ الحصيف من أي رغبة في متابعة الغرض الذي تصدر المقال وهو استحقاق النقاش “إذ إن اجتماع نيروبي قد صدر عنه مع ذلك ما استحق أن يناقش في حد ذاته لإذكاء عادة الثقافة في سياستنا التي غلبت فيها عادة المعارضة. فتكاثرت التحالفات في بيئة المعارضة حد الإملال، وتناسخت الوثائق عنها فلا جديد، أو هكذا خيل لنا”.

ذكر الكاتب أن المقال هو بحث في إحدى صفاته. لاحظ الدكتور عبد الله ضمن بحثه أن المشروع السياسي المشار إليه ضم أكثر من عشرين توقيعاً لم يكن من بينها اسم لأي امرأة سودانية؟ وهل يا ترى من بين الذين عناهم المقال بضرورة النقاش حول ما استحق ضمن وثيقتي نيروبي، النساء اللاتي يعشن “مهجسات بطلقة”. فيما أرى أن الكاتب بحاجة إلى إرجاع النظر في ما يحدث علي الساحة السودانية وما يحدث في الفضاء السياسي والاجتماعي والإعلامي من واقع المشاركة المتميزة للنساء السودانيات في زمن الحرب، محلياً وإقليميا وعالميا.

قبل أن أجازف صباح اليوم، وأقرأ الجزء الأول من التحذير للدكتور عبد الله علي إبراهيم… قرأت المقال الموجز لرندا عطية في سودانيز أون لاين بتاريخ الأول من مارس 2025م “ويا زهرة أنا في خطر”… مقال رائع من السودان… لامرأة تكتب عن دورها كحافظة للتراث.. وقائمة على بابه… وكيف تطوع أدواتها لـ “عواسة الحلو مر”… العلامة المميزة لصناعة المرأة السودانية واختراعها على مر العصور.. وطبق الأصل… ذكرت لي لاجئة في إحدى دول الجوار كيف أنها وجدت آلة جديدة… تشبه آلة عواسة “الحلو مر”.. ملقاة على قارعة الطريق، وكان الحظ قد عناها في يومها ذاك، وإذا بها تتجلى وتتحدى الصعاب كلها لتقوم بعمل “الحلو مر” رغما عن أنف الحرب.. في بلد غريب لا يعرف نار الصاج ولا حكمة مشروعية علبة الصلصة. وعرفت أن العري في نسائنا.. اللاتي يمتهن الحياة. موثقة… وأن أمشاجها في أمتنا منذ الأزل.

والثامن من مارس يتهادى إلينا… نقرأ كل يوم عن فعاليات تذكر بالمرأة ونضالاتها… و”لو بأيدي” كنت أرسلت دعوة إلى كل من عائستي (الأبريه) إلى فعالية قاعة ألبرت هول في لندن يوم 8 مارس 2025م لمشاركة الماجدات من أمثال إنجيلا ديفز الفعالية التاريخية…. يدعين للتلاقي سويا.. ولترقى معها سلم المجد رقيا.. ولتذيع الطهر في دنيا الجمال وتشيع النور في سود الليالي.

وأرجو أن لا يستحل الجزء الثاني من المقال… صمت فمي…. في الأشهر الحرم.

[email protected]

الوسومألبرت هول إيمان بلدو الحلو مر السودان المشروع السياسي د. عبد الله علي إبراهيم رندا عطية سودانيز اون لاين لندن نيروبي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحلو مر السودان المشروع السياسي د عبد الله علي إبراهيم لندن نيروبي فی زمن الحرب عبد الله

إقرأ أيضاً:

الحلو: ألقيت باللؤلؤ أمام الخنازير

15 September, 2020
استمعت إلي القائد عبد العزيز الحلو يتحدث إلى شباب مقاومة حي العباسية في يوم ١٠ سبتمبر الماضي. وبدا من أثر اللقاءات الأخيرة في أديس أبابا معه قوله لهم إن مطلبهم كان العلمانية ولكنهم تنازلوا وسيقبلون بدستور يقوم على فصل الدين عن الدولة. ولا أعرف إن كانت الثورة المضادة والفلول يفرقون بين الأمرين من حيث المبدأ ناهيك من أنهم حلبوا تمسكه الباكر بالعلمانية حلباً يؤسفني القول إنه كان خصماً كبيراً من رصيد الثورة. فوجدوا في المصطلح المتروك في دوائر المعارضة سانحة للعودة حماة للإسلام الذي لم يحسنوا إليه حكاماً. لقد رمت الحركة الشعبية باللؤلؤ أمام الخنازير كما يقول الفرنجة.
العلمانية مفهوم متروك في خطاب الدستور السوداني. فلم يرد في النقاش العام اليساري منذ حل الحزب الشيوعي في ١٩٦٥ وصراعه ضد مشروع الدستور الإسلامي في ١٩٦٨. واتفق لليسار وغير اليسار أن يدعوا للدولة المدنية هرباً من الحمولة الثقيلة لمفهوم العلمانية. والعلمانية والمدنية سواء إلا أن دعاة فصل الدين عن الدولة مصابون ب onomatophobia وهي الفوبيا من كلمة بذاتها لما يجلبه ذكرها من أذى من الماضي. وكان نبش الحركة الشعبية لمفهوم العلمانية مقروناً بالانفصال يوم سعد لفلول الثورة المضادة. فقد جاءهم المصلح يسعى إلى حتفه بأنفه. فهم من امتلك سردية العلمانية (سوءتها) لعقود في حين غادرها أهلها إلى صيغ استرضائية مثل الدولة المدنية لتأمين الوحش. ولا جدوى. ورغبتُ للحركة الشعبية أن تستقل بتحقيق عن تثمير الثورة المضادة لدعوتهم للعلمانية خصماً على الثورة.
استغربت من جهة أخرى لخروج الحركة الشعبية بالدعوة للعلمانية لفظاً بعد الثورة. وكان آخر ما تعاقدت به حول الدولة والدين مع حلفائها في ميثاق باريس (٢٠١٤) هو فتح باب النقاش مشرعاً في المسألة. فقال الميثاق:
ناقش الطرفان بعمق علاقة الدين والدولة كواحدة من القضايا الجوهرية واتفقا على مواصلة الحوار للوصول إلى صيغة مرضية لكل الأطراف.
ولم تنعقد حلقة علم لموصلة الحوار عن العلمانية إلى يومنا وقد انقضت ست سنوات حسوما. وجازفت الحركة الشعبية بعد الثورة بمطلب العلمانية والانفصال بدونها ولم "ترت" لحلفائها في المركز الذين تلقي ثورتهم المدنية عنتاً معروفاً. فتتربص بهم الثورة المضادة تنتظر عثرة لسان في الدين لتحل الثورة حلها للحزب الشيوعي في ١٩٦٥. نعلم أن الجبهة الثورية تفرقت أيدي سبأ، بل انقسمت الحركة الشعبية على نفسها. ولكن ليس هذا مبرر للحركة الشعبية لتلقي باللؤلؤ أمام الخنازير في توقيتهم المناسب.
ولا أعرف من أين للحركة الشعبية القناعة أن انفصال الدين عن الدولة لا يتحقق إلا بالنص صريحاً على العلمانية. فبينما ذكر الدستور الفرنسي لأول مرة في 1958 أن فرنسا دولة علمانية في ١٩٥٨(في حين كان ذلك مطلب الثورة الفرنسية في 1789 حتى أنها ألغت المسيحية وجاءت بدين ضرار) لم يأت الدستور الأمريكي بذكرها بالمرة. بل لم يأت هـذا الدستور حتى بصيغة "فصل الدين عن الدولة". وقال نصاً:
لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف.
فلست تجد في هـذا التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي سارت بذكره الركبان، إشارة لا للعلمانية ولا لفصل الدين عن الدولة. فما حكمة الحركة الشعبية ركوب الصعب والأمر أهون من ذلك كثيراً باعتبار كساد استثمارنا الفكري والسياسي في مصطلح العلمانية، بل هربنا للأمام منه؟
قال الحلو إنهم قبلوا بفصل الدين عن الدولة. وربما كانت المفاجأة التي تنتظره وهو يتهيأ للحوار مع الحكومة حول المطلب أنها، اي الحكومة، والجبهة الثورية سبق وتواثقا على هذا الفصل بالأحرف الأولى في محادثات السلام في جوبا. فاتفاق مسار دارفور قضى بالفصل العام بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة. وتكرر في الاتفاقات الأخرى وجوب أن تقف الدولة على مسافة متساوية من الأديان والثقافات دون انحياز إثني أو ديني أو ثقافي يؤدي للانتقاص من هذا الحق. فما طلبته الحركة الشعبية من الحزب الشيوعي والدكتور حمدوك في أديس وقع في جوبا بالفعل.
لا أعرف إن جاز هنا استعادة كلمة حكيمة لماثيو أبور، الـذي هجر الحركة الشعبية في الثمانينات وهو من أبكارها، للعقيد قرنق. قال له يا قرنق لا تقتل أبناء الجنوب لمطلب العلمانية الذي لم يفلح أولاد المندكورات في بسطه على أهلهم واقناعهم به.

ibrahima@missouri.edu
////////////////////////

   

مقالات مشابهة

  • بماذا يحس تحالف نيروبي ؟!
  • رئيس مجلس محافظة نينوى المقال يقول إن جلسة استجوابه باطلة قانونيا
  • بالذكاء الاصطناعي.. بنك مغربي يتعرض لعملية نصب غير مسبوقة
  • الحلو: ألقيت باللؤلؤ أمام الخنازير
  • 3 تجارب تاريخية اعتمدت عليها خطة مصر لإعمار قطاع غزة.. تعرف عليها
  • كيف تحسب البصمة الكربونية وتتصدى للتغيرات المناخية.. أول ندوات أسبوع البيئة بألسن عين شمس
  • قراءة في نص “تأسيس” نيروبي: الأصولية العلمانية
  • سهل جدا .. طريقة عمل جلاش حلو بأقل التكاليف
  • امراة في زمن الحرب تحسب كل “طلقة” عليها: تعليق على مقال عبد الله علي ابراهيم