يمانيون/ صنعاء نص المحاضرة الرمضانية الخامسة لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 5 رمضان 1446هـ:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في سياق الحديث عن قصة نبي الله وخليله ورسوله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام”، تحدثنا عن بداية مشواره في تبليغ الرسالة الإلهية، والدعوة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإلى الإيمان به وتوحيده، بدءاً من محيطه الأسري مع أبيه آزر، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام:74]، وَتَحَدَّثْنَا عَنْ هذين العنوانَيْنِ.

الإِشكالية الخطيرة الكبيرة في واقع المجتمع البشري، في حالة الانحراف عن نهج الله ورسالته ودينه، التي شملت الواقع بكله، مخالفات وانحرافات في الجانب القيمي، والأخلاقي، والسلوكي، والمعاملات، وصولاً إلى الانحراف الكبير جدًّا بالشرك بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع أن البشر كانوا على الدوام مُقرِّين بالله، وأنه الخالق، والرازق، والمدبر لشؤون السماوات والأرض؛ لكن هناك الكثير من المجتمعات، بالرغم مما فيها من قادة، ومفكرين، وفلاسفة… وغير ذلك، وأمم لها حضارات كبرى على المستوى العمراني في الحياة، ولكن حضارةٌ جوفاء، قامت على أساس الظلم والطغيان، وعلى أساس الكفر والشرك، لم تستفد لا من ما تمتلكه من مقومات مادية؛ لأنها ليست كافية في أن تكون مهتدية، وقد انحرفت عن خط الرسالة الإلهية، وعن الهداة من عباد الله، عن الرسل، والأنبياء، وورثة كتب الله؛ ولــذلك حصلت هذه الظاهرة على نحوٍ واسع: ظاهرة الشرك بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واعتقاد الألوهية لكائنات مخلوقة، خاضعة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، منها من الجمادات، مثل: مسألة الأصنام، وكذلك منها كائنات أخرى، البعض منها لا يقبل بأن يُعبد من دون الله، كما هو الحال بالنسبة للملائكة، لبعض الأنبياء، لبعض الأولياء، الذين كانوا مُعَبِّدين أنفسهم لله، وخاضعين لله، ومؤمنين بالله، يمقتون الشرك، يبغضون أهله، مع ذلك يتَّجهون إلى الشرك بهم، واعتقاد ألوهيتهم إلى جانب إقرارهم بألوهية الله، هذا معنى الشرك: أنهم يُقرُّون بالله وأنه الإله، ولكنهم يعتقدون معه آلهةً أخرى شريكةً له في الألوهية والربوبية، ويعبِّدون أنفسهم لها، ويتقربون إليها بأشكال متعددة؛ للتعبير عن العبودية لها، وعن طلب ما يطلبه المخلوق العابد من إلهه المعبود، هذه هي الخلاصة.

نبي الله إبراهيم تحرك في محيطه الأسري، ليحارب هذه الظاهرة، وللدعوة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولإنقاذ أبيه آزر مما هو فيه؛ لأن الشرك ظلمٌ عظيم، وخطرٌ كبير، وهناك مقامات أخرى له مع أبيه، وعادةً ما يُقدِّم القرآن الكريم نماذج، يعني: بالتأكيد له الكثير من المقامات والحوارات والكلام مع أبيه آزر، ولكنَّ القرآن الكريم هو كتاب هداية، ليس كتاباً للاستقصاء التاريخي؛ وبالتـالي هو يختار لنا نماذج مهمة جدًّا، فيها هداية، وتُلَخِّص لنا الموقف بكله، وله أيضاً مقامات مع أبيه وقومه، يعني: مع بعض، مقامات منفردة مع أبيه آزر، ومقامات معه أيضاً مع قومه.

القرآن الكريم عندما وثَّق لنا موقف نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام”، في دعوته للتوحيد، والعبادة لله وحده، الذي هو أساس للرسالة الإلهية، في كل رسالات الله مع كل رسله ومع كل أنبيائه، هو بذلك يبيِّن لكل الطوائف والملل، التي تحترم نبي الله إبراهيم، وتدَّعي أنها تتبعه، وتعتبره رمزاً عظيماً من كبار رموزها، والبعض منها الرمز الأساس لها، هكذا يُقدِّمون المسألة، في ادِّعائهم أنهم يتبعونه ويعتقدون بعظمته، وكان في مقدمة أولئك المشركون: المشركين من العرب، المشركون من العرب كانوا في المقدمة؛ لأنهم كانوا يدَّعون أنهم على ملة إبراهيم، وعلى الحنيفية؛ فالقرآن يحتج عليهم، يبيِّن لهم، يُبَيِّن أيضاً لليهود، للنصارى، لكل الملل والطوائف التي تدَّعي اتِّباع نبي الله إبراهيم، والاقتداء به، والاحترام له، والاعتراف برشده، وأنه رمزٌ للإنسانية؛ ولـذلك هناك حجة كبيرة عليها، وتبيين لها في حقيقة ما كان عليه، وما كانت دعوته، وما كانت رسالته، وما كانت مواقفه وتوجهاته، فهو لم يقبل بالشرك حتى لأبيه آزر، فكيف سيقبل به للآخرين، ومن الآخرين من بقية الناس.

مع ما في الشرك، فهو ظاهرة تُعبِّر عن انحطاط- كما قلنا- انحطاط فكري وثقافي إلى أسوأ مستوى، عندما يأتي الإنسان ليعتقد في صنم من المنحوتات التي يصنعها، أو أي كائن من المخلوقات أنه إله، ويعتبر نفسه عبداً له، هذا فيه إساءة كبيرة إلى الله؛ لأنك عبدٌ لله، مِلكٌ لله، فكيف تجعل لله شريكًا في الملك لك، وفي تعبيد نفسك له؟! إساءة كبيرة إلى الله، الرب، المالك، الخالق، المنعم، الإله الحق، إضافةً إلى التنكر لأكبر الحقائق؛ لأن حال كل الكائنات الأخرى والمخلوقات الأخرى هو حالك أنت، هي مخلوقةٌ كمثلك، خاضعةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تحت سلطانه وتدبيره، ومُلكه ومِلكه، مفتقرة دائماً إلى الله، هو الذي وهب لها الوجود، وهي في بقائها أيضاً مفتقرةٌ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى رعايته إلى تدبيره، إلى قدرته، إلى هدايته… إلى غير ذلك، ولكن مع ذلك- كما قلنا- تنتشر ظاهرة الشرك في الواقع البشري والمجتمعات البشرية إلى حد رهيب جدًّا.

مع أننا في هذا العصر، في عصر التقدم على مستوى التكنولوجيا، وعلى مستوى الصناعات، وعلى المستوى العلمي، مع ذلك هناك تخلُّف في هذا الجانب، الإسلام وحده هو دين التوحيد الخالص لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والمسلمون هم الأمة الوحيدة بين كل أمم الأرض، وهم أمة محدودة في عددها، يعني: ليسوا هم الأغلبية في المجتمع البشري، هم الأمة الوحيدة على أساس الانتماء للإسلام، يدينون بالتوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإسلام يقدِّم لنا الدين الخالص، الحق، في التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإيمان برسالته.

أمَّا بقية المجتمعات، ومنها المجتمعات التي تقدِّم نفسها أنَّها داعيةٌ للحُرِّيَّة، مثلما هو حال الغرب الكافر في أمريكا وأوروبا، هي مجتمعات تعتقد بالشرك، وتُعبِّد نفسها لغير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، النصارى- مثلاً- يعتبرون نبي الله عيسى “عَلَيْهِ السَّلَام”، الذي هو نبي الله ورسوله، يعتبرونه رباً وإلهاً في إذاعاتهم، في كتاباتهم، في طقوسهم في الكنائس، يقولون: [الربّ يسوع] يعني: عيسى، (يسوع: يعني عيسى)، في الوقت الذي يقدِّمون فيه أنفسهم أنهم دعاة الحُرِّيَّة، أي حُرِّيَّة لمن يعتبر نفسه عبداً لإنسان، لنبي الله عيسى “عَلَيْهِ السَّلَام”، الذي هو إنسان من البشر، عبد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أول كلمة أنطقه الله بها: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30]! كيف يمكن أن يكونوا مؤهلين للدعوة إلى الحُرِّيَّة، وهم يُخضعون الناس لعبادة غير الله، ويُقدِّمون مخلوقاً إنساناً، يعرفون هم تاريخ ميلاده، وأن أمه مريم، ويعتمدون تاريخ ميلاده أساساً لتاريخهم، نحن الآن في عام 2025 من التاريخ الميلادي، ميلاد المسيح عيسى ابن مريم “عَلَيْهِ السَّلَام”؟! فهو مخلوق، وُلِد في تاريخ معين، وأمه معروفة: الصديقة الطاهرة مريم ابنت عمران، مع ذلك هم يدينون بالشرك، والأمم الأخرى كذلك، يعني: الآن، في عصرنا هذا، في زماننا هذا، في عصر التقدم العلمي والنهضة الحضارية، النسبة الغالبة بين المجتمعات البشرية تعتقد بالشرك، بالألوهية لكائنات مخلوقة، ويشركونها مع الله في الألوهية.

ولذلك هم يحاولون أن يستهدفوا المسلمين، الذين هم الأُمَّة الوحيدة، والدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يُقدِّم التوحيد لله خالصاً نقياً، فتلك الفئات الأخرى هم يحاولون الاستهداف للمسلمين، الذين يعيشون هذه النعمة: نعمة التوحيد، وشرف التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، المفترض أن يعملوا، أن يبذلوا جهدهم لنشر الإسلام، والدين الحق، والتوحيد لله، في كافَّة أرجاء المعمورة، لكن الآخرين يستهدفونهم هم، بدلاً من أن يكونوا هم من يتحركون لهداية بقية المجتمعات البشرية، بما يمتلكونه من هدى، ويحاولون إمَّا أن ينحرفوا بالبعض من المسلمين، والبعض- فعلاً- يصلون إلى حالة الارتداد عن الإسلام، البعض يرتد إمَّا يخرج إلى حالة الإلحاد، والبعض يخرج إلى الارتداد عن الإسلام إلى المسيحية والنصرانية، والبعض إلى مِلل أخرى.

أيضاً في سياق الاختراق للمسلمين يعملون على صناعة طوائف جديدة، تتحرك بين أوساط المسلمين؛ للردة بهم عن الإسلام، مثلما هو الحال بالنسبة للبهائية، والأحمدية… ونحوهما من الملل التي أُنشِئت، وأنشأها أعداء الإسلام، وصنعوها بفكرٍ جديد، يقوم على الارتداد عن الإسلام مع الخداع للمسلمين، وكأنهم باقون على الإسلام، لكن يفتحون المجال لأنبياء جدد من عندهم زوراً وبهتاناً، ولتعطيل شرائع الإسلام، وللخروج عن ثوابت الإسلام، وعمَّا عُلِم من الدين ضرورة، يعني: من أساسيات الدين الإسلامي المعروفة بشكلٍ واضح، في شعائره، في أركانه، في مبادئه الكبرى، في قرآنه، في مسألة النبوة، في مسألة المعاد والآخرة، المسائل الكبرى الأساسية، الواضحة جدًّا، الثابتة بين المسلمين جميعاً، يخرجون عنها بالكامل.

اليهود لهم دورٌ أساسي؛ لأنهم كانوا هم من عملوا على الزيغ بالنصارى، والانحراف بهم إلى درجة الشرك، اخترقوهم، ويعملون أيضاً في الوسط الإسلامي في أسلوبهم الخطير جدًّا للإضلال، وللتحريف والانحراف بالمسلمين، الله قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، يقول عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهم يحرِّكون من يواليهم من النصارى في هذا السياق، في حربهم ضد الإسلام والمسلمين، وفي الاستهداف بالحرب الناعمة الفكرية، الثقافية.

والخطر الكبير في هذا الجانب هو- في عصر الإنترنت، في عصر القنوات الفضائية- التلقي الفوضوي، التلقي الفوضوي؛ لأن ما يصل بالناس إلى مستوى الانحراف الكبير في عقائدهم الدينية، وفي معتقداتهم ومفاهيمهم التي يحسبونها على أنها من الدين الإلهي، هو الضلال، كما تحدثنا بالأمس، وكما وضَّحنا على أساس قول نبي الله إبراهيم فيما ذكره الله عنه، مخاطبا لأبيه آزر: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام:74].

الضلال هو الذي يصل بالناس إلى أن يدينوا بالباطل، حتى الباطل المكشوف، السخيف، الواضح البطلان، الذي لا يحتاج إلى دليل، مثلما شرحنا شرحاً تفصيلياً عن قصة الأصنام، وصناعتها، وشرائها، أو إهدائها مثلاً، ثم يعتقدونها آلهة، يعني: أمر سخيف في غاية السخافة! لكنَّ الضلال هو يفعل هكذا بالبشر: يجعل الإنسان يتقبَّل ما هو في منتهى السخافة والبطلان، ما هو في أعلى مستوى من وضوح بطلانه، فيعتقده، ويتشبث به، ويُصرّ عليه، لو أمكن للبعض أن يعتقدوا أنه ليس هناك في الأرض لا ليل ولا نهار، لفعلوا ذلك يعني، يمكن للضلال أن يصل بالإنسان إلى مثل هذه الدرجة من التنكر لأوضح الحقائق وأجلاها وأبينها، فالمشكلة الخطيرة جدًّا على الكثير من المسلمين هي: التلقي الفوضوي والعشوائي من القنوات الفضائية، من الإنترنت.

ولذلك تصل الحال بالبعض من المسلمين في كثير من المجتمعات، وفي بعضها أكثر، يعني: حسب الإحصائيات: أن أكثر دولة من بلدان المسلمين فيها حالة ارتداد عن الإسلام هي السعودية، هذا حسب الإحصائيات التي تُقدَّم، فيها ارتداد صريح يعني عن الإسلام، يعني: ناس يخرجون من الإسلام بالكامل، ويعلنون ردتهم عن الدين الإسلامي، إمَّا بعضهم إلى الإلحاد، وبعضهم إلى النصرانية، وبعضهم إلى ملل أخرى، لكن لماذا؟ هناك أيضاً في اليمن، في مختلف البلدان، من يحصل لهم مثل هذه الحالة، مما يتحول إلى البهائية، أو الأحمدية، أو غيرها من الملل الأخرى.

الكثير منهم يتأثر بماذا؟ لأنه يقوم بمتابعة قنوات فضائية تدعو لذلك الضلال والباطل، وهو ليس محصناً بالهدى، ليس لديه لا اليقين، ولا المعرفة الكافية؛ فيتأثر بشبهاتهم، وهم يفلسفون للضلال والباطل بزخارف القول، التي يتأثر بها من لا يمتلك الوعي، ولا المعرفة، ولا الفهم، ولا اليقين، ينخدع، والبعض من خلال الإنترنت، كثيرٌ ممن ضَلُّوا وارتدوا وانحرفوا عن طريق الإنترنت، والبعض عن طريق دعاة، دعاة للضلال؛ لأن للضلال دعاةٌ ورعاة:

– دعــاة: يدعون إليه، يُقدِّمون للناس الشُّبه، يتفلسفون له؛ لإقناع الناس، ولخداعهم، وينفق عملهم في الخداع بزخارف القول والشبه، على من لا يمتلك لا وعياً، ولا معرفةً، ولا يقيناً، ولا بصيرةً في دينه، وهو مضطرب ومرتبك.

– وهناك رعاة: وهم المستفيدون، من مثل: سلطات ظالمة، قوى نافذة، ترى أنها مستفيدةً بنفوذ سياسي، أو مستفيدةً مادياً، أو بنفوذ اجتماعي، أو مقامات معنوية… أو غير ذلك، شرحنا عن هذه النقطة، وعن بعض الملوك: كيف كان فرعون، وكيف كان النمرود، الذي يُقدِّم نفسه على أنه من آلهتهم، ويُدَجِّنون له الناس إلى هذه الدرجة، وهو ارتاح للموضوع، فالمسألة خطيرة جدًّا.

ولهـذا مـن أهــم الأشيــاء التي تقـي مـن التأثُّــر بـذلك الضـــلال هــو:

– المقاطعة، المقاطعة للقنوات الفضائية، للمواقع المضلة، القنوات الفضائية المُضِلَّة التي تنشر الضلال، لا تتابع أي قناة تنشر الضلال، قاطعها، لا تتابع أي مواقع على الإنترنت تروِّج للباطل وتُقدِّم الشُّبه، اعمل على مقاطعتها، هذه مسألة مهمة، {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:68]، المقاطعة، المقاطعة هي حل لأكثر الناس؛ لأن أكثر الناس لا يمتلكون من الوعي والمعرفة والفهم ما يتحصنون به من الشبه؛ وبالتالي يتأثرون بالشبه.

كذلك من دعاة الضلال، دعاة الضلال أينما كانوا، فالمهم هو مقاطعتهم، عدم الإصغاء لهم، عدم التقبل منهم، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

– ثانياً: الارتباط بالهدى، الإنسان بحاجة إلى أن يرتبط بالهدى، وبالهداة، وطريق الهداية، وأن يحاول أن يستبصر، أن يكون واعياً، أن يكون فاهماً، أن يكون على معرفة بدينه، بالأسس المهمة لدينه، بالمبادئ الأساسية، هذه مسألة مهمة جدًّا، وأن يعرف أين هي قنوات الهداية، ومصدر الهداية، وطريق الهداية؛ ليرتبط بها، وأن يدرك الإنسان بشأن هذين العنوانين: (الهدى، والضلال) أنهما الأساس، يعني: مسيرة الإنسان في حياته: إمَّا أن تكون على هدى، وهذا فيه النجاة؛ وإلا فلن تكون إلا على ضلال، وفي هذا الهلاك والخسران والعياذ بالله، والله علَّمنا حتى في الصلاة، كيف نعي أهمية هذه المسألة، في قوله تعالى يعلمنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة: 6-7].

المرحلة الثانية لتحرك نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام” كانت مع قومه، ليدعوهم إلى الإيمان بالله، وإلى التوحيد لله، ولينقذهم من الشرك.

لأداء هذه المهمة، وهناك صعوبات وعوائق تعترضه في أدائها، يحتاج هو- نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام”- إلى إعداد وَتَهْيِئَة بمستوى التَّصَدِّي لتلك العوائق والصعوبات، التي تعترضه في سبيل أداء مهمته، وهذه مسألة مهمته.

أنبياء الله ورسله هم يحظون بالإعداد لهم من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لأن الله يصطفيهم، ويُعِدُّهم، ويهيئهم منذ البداية، للمهام الكبرى والمقدَّسة والعظيمة، التي يتحركون بها؛ ليكونوا جديرين بها، وليكونوا هم نموذجاً لها، فيما هم عليه من الهدى، وزكاء النفوس، والرشد، والنضوج الفكري، والوعي، والفهم، والبصيرة العالية، والذكاء، وعلى المستوى النفسي، وعلى المستوى القيمي والأخلاقي… وغير ذلك، ثم عندما يتحركون لأداء المهمة، أو يوشكون على البدء بها، يحظون أيضاً بالمواكبة لهم بالمزيد من هذه الرعاية الإلهية، التي تزيدهم تهيئةً، وإعداداً، وقدرةً، وتمكناً من أداء مهماتهم، فهم يُرْفَدُون من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في المراحل نفسها، في مراحل التبليغ والتحرك (في بدايته، في أثنائه، وما إلى ذلك).

التعقيدات التي كان يعاني نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَام” منها في واقع مجتمعه شرحناها، يعني:

– سلطة طاغية، ظالمة، متكبرة، مجرمة جدًّا، على رأسها رجلٌ متكبرٌ، وصل به الغرور والكبر والطغيان إلى أن يدَّعي الربوبية.

– مجتمعٌ شديدٌ في تشبثه بالباطل، متشدد، يعني: متدين بالباطل بشدة، ونبهنا عن خطورة الضلال عندما يتحول إلى معتقدات دينية، الباطل عندما يتحول إلى معتقدات دينية؛ لأن البعض أيضاً يكونون عندما تكون المسألة تديناً، متشددين عليها، متمسكين بها بشدة جدًّا، بتقديس كبير، وتشدد كبير.

– هناك أيضاً جهات نافذة، نافذة: كمستفيدة مادياً، كمستفيدة معنوياً.

– ويعاني حتى في محيطه الأسري.

– إضافة إلى أن الموضوع بنفسه، موضوع التوحيد، ومحاربة الشرك، الذي يلامس أكبر معتقداتهم أهميةً وقدسيةً لديهم، يعني: الموضوع محاط بحساسية شديدة، وعادةً ما تكون مثل هذه المواضيع في تلك المجتمعات محاطة بحساسية على مستوى العقدة النفسية في الموضوع، بحيث لا يتقبلون أن يُطرح عنها أي كلام، وأيضاً من جهة العقوبات، التي أحياناً تكون محددة في بعض المجتمعات، كانوا يحددون العقوبة على من يعارض الشرك، أو يظهر منه أنه لا يدين به، الإحراق بالنار، عقوبة رسمية محددة، أن يشوونه بالنيران ويحرقونه بها.

فالوضع مُعَقَّد أمامه، وهذا يتطلب:

– درجة عالية من العزم، والثقة القوية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبما هو عليه، وبالطريقة التي هو فيها، وبالمنهجية التي يتحرك عليها، يعني: إلى درجة عالية من اليقين.

– وكذلك يحتاج إلى أساليب مناسبة، تصل بهم إلى الفهم والاعتراف بالحقيقة.

يعني: كيف يبدأ معهم خطوة يتفهمونها، ليست على أساس الاحتكاك من اللحظة الأولى بهم، ولا يتيحون له المجال أن يوضِّح لهم، ولا أن يُبَيِّن لهم، يحتاج إلى أسلوب يتمكَّن من خلاله إلى أن يوصل لهم الحقيقة، وأن يجعلهم يفهمون المسألة هذه: أن تلك الأصنام التي يعبدونها ليست جديرةً بالألوهية، وأنه ليس هناك جديرٌ بالألوهية والعبادة له إلا الله وحده، يحتاج إلى أسلوب حكيم حتى يتمكن من إيصال الحقيقة؛ لأنه يسعى إلى هدايتهم، يعني: ليست المسألة مجرد أن يحتك بهم، ويستفزهم، ويدخل في مشكلة معهم من أول يوم؛ لأنه يريد أن يفهموا أولاً، يريد أن يعوا الحقيقة أولاً، يريد أن يسعى لهدايتهم؛ فهو يحتاج إلى أسلوب يصل به إلى تحقيق هذا الهدف على المستوى العملي.

هو في غربة أيضاً، والبداية صعبة، تحتاج إلى أسلوب حكيم جدًّا، ومهمة الأنبياء- ما يميزها عن غيرها- فعلاً أكثر تعقيداً من أي شيءٍ آخر، مثلاً: لو كانت المسألة أن يسعى الانسان لإقامة سلطة مثلاً، أو حكومة، أو دولة، هذا أسهل بكثير، مسألة فيها سيطرة سياسية، عسكرية… وغير ذلك، وتأثير على الرأي العام في مستوى معيَّن.

مهام الرسل والأنبياء أكبر مهمة، هي أكبر المهام، وأقدس المهام، وفيها تعقيدات كثيرة في واقع الحياة؛ لأنهم يأتون إلى الناس لهداية الناس، يعني: لتغيير ما لدى الناس من أفكار، من معتقدات خاطئة، من تصورات باطلة، من مفاهيم ضالة، وكذلك تزكية نفوس الناس بما قد تلوث به الناس في أنفسهم، ما تلوثوا به من المفاسد، من الرذائل، من الأشياء التي تُدَمِّر زكاء أنفسهم، والعمل على إصلاحهم، والسعي بهم ليسيروا وفق هدى الله، وليتقبلوا تعليمات الله، وتوجيهاته، وهديه، ولينتهوا عمَّا نهى عنه، فهم يأتون- أحياناً- والوضع قد أصبح معقداً في الساحة، الناس قد أصبح لديهم معتقدات باطلة، تصورات ومفاهيم خاطئة، لكن يتمسكون بها بشدّة، وهم على قناعة تامة بها، وهي محاطة أيضاً بحساسية كبيرة، ممنوع النقاش عنها، أو الكلام حولها، والناس في أنفسهم قد تغيروا، قد فسدوا، قد ساءت حالتهم، وتدنست نفسياتهم، وأصبح لديهم سلوكيات وعادات وتقاليد منحرفة جدًّا، لكن هم متعودون عليها ومتشبثون بها، أصبح تغييرها صعبًا.

ولأهمية المقارنة بين المسألتين، نجد- مثلاً- في حركة رسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، عرضوا عليه، عرض عليه المشركون في مكة، قالوا: [إن كنت تريد مُلكاً مَلَّكنَاك علينا]، يعني: المسألة عندهم مقبولة، لو كانت المسألة مسألة مُلك وديولة، ما عندهم مشكلة أن يتوِّجوه ملكاً عليهم؛ أو يريد مالاً، أن يجعلوه أثرى وأغنى رجلٍ فيهم؛ أو يريد امرأةً، أجمل امرأة ليس عندهم مشكلة… أو أي عرض مادي، لكن الاصطدام بهم في جوهر ما يتشبثون به: معتقدات، عادات، تقاليد خاطئة، أفكار خاطئة، ضالة… غير ذلك، يعني: تغيير الواقع بكله، هي المسألة الحساسة والبالغة التعقيد.

فلذلك ندرك أهمية ما تتطلبه هذه المهمة؛ ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:75]، هذا في الإعداد لهذه المهمة، في مقابل ما يواجهه من صعوبات، وتعقيدات، وحساسية، وإشكالات في الواقع، يهيئه الله ويعده ليؤدي هذه المهمة بهذه الطريقة: ليريه (مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): الآيات العجيبة، التي تجعله على أعلى درجات اليقين، اليقين العالي، ويتَّجه من خلالها وهو في أعلى درجات اليقين، بعزمٍ، وقوةٍ، واطمئنانٍ تام. وهذه المسألة سنتحدث عنها في المحاضرة القادمة إن شاء الله.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: نبی الله إبراهیم القرآن الکریم على المستوى هذه المهمة عن الإسلام یحتاج إلى هذه مسألة على مستوى إلى أسلوب الکثیر من ع ل ى آل س ب ح ان ه ت ع ال ى إلى الله على أساس مسألة م مع أبیه غیر ذلک مع ذلک ما کان ى الله إلى أن فی هذا التی ت فی عصر الذی ی

إقرأ أيضاً:

مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (4) للسيد القائد

(المحاضرة الرمضانية الرابعة)

" استدراك "
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها."

يفرغ مُنير من صلاة التراويح في مسجد الحي المجاور لمنزلهم، فيلتفت بيمينه تجاه شقيقه صلاح، ويتحدث معه مُستعجِلًا إيّاه للعودة إلى المنزل للاستماع إلى محاضرة السيد الرمضانية الرابعة.

يعودان إلى المنزل، فيجدان والدهما بانتظارهما في غرفة المعيشة يشاهد قناة المسيرة.
يُلقيان عليه التحية، ثم يسأل مُنير والده:
– تُرى، ما هي الاضاءات التنويرية التي سيقدمها السيد عبدالملك في محاضرة الليلة ضمن قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام ؟
يبتسم والده ويُجيبه:
– لا تستعجل يا مُنير، ستبدأ المحاضرة الآن وسنعرف.

ومع نهاية إجابته، انطلقت محاضرة السيد القائد للتو :-

في بداية قصة نبي الله وخليله ورسوله إبراهيم عليه السلام، تحدثنا عن المسيرة البشرية، وما اعتراها من مخالفات وانحرافات كبيرة جداً، وصلت إلى مستوى الشرك بالله سبحانه وتعالى،

أبا البشر الذي هو آدم عليه السلام هو نبيٌ بنفسه، نبيٌ من أنبياء الله سبحانه وتعالى، حظي من الله بالهداية، وآتاه الوحي الإلهي، والتعليمات الإلهية، وبالتالي لم تكن المسألة في واقع البشر أن الأساس هو الانحراف،

الذي هو طارئٌ على حياة المجتمع البشري، وشاذٌ في مسيرة حياتهم، ومخالف للمسار الصحيح الطبيعي الفطري، هو: الانحراف عن نهج الله ورسالته

فهذه مسألة مهمة؛ لأن الكثير من الكُتَّاب، والأسلوب في المجتمع الغربي في الأبحاث والدراسات، يصوّر الحالة وكأن المجتمع البشري كان منذ البداية مجتمعاً بدائياً في دينه، بدائياً في مسألة الدين إلى درجة الجهل التام بالله، وإلى درجة التنكر التام لمبدأ التوحيد،

فهذه مسألة جوهرية في هذا الموضوع، وفي نفس الوقت يجب أن ندرك أن المجتمع البشري كانت كله خسارته، ناتجةً عن المخالفة للرسل والأنبياء، وعن الانحراف عن نهج الله سبحانه وتعالى، وهكذا هي المسألة على امتداد الزمن، كلما وجدنا حالة الانحراف في المجتمعات البشرية، والأفكار المِعْوَجَّة، والضلال بكل أشكاله، والاتِّباع للباطل، والتمسك بالخرافات

- يعقب الدكتور احمد محدثاً نجليه : بالفعل هذه النقطة التي اشار لها السيد عبدالملك في مستهل محاضرات نقطة غاية في الاهمية خاصة للكٌتاب والباحثين انهم صوروا المجتمع بدائياً في دينه

مسألة التوحيد، المبدأ العظيم، كذلك هو ليس مجرد مبدأ يتحول إلى معتقد يعبِّر عنه الإنسان بكلمة، مثلاً: (أشهد أنْ لا إله إلا الله) وانتهى الأمر، أو تلحق به كذلك شعائر دينية محدودة- مثلاً- في المساجد، أو شعائر متنوعة .

فالمسألة في مبدأ التوحيد لله هو مبدأٌ يبنى عليه نهجٌ عظيمٌ لمسيرة الحياة، ولذلك فالخطأ عندما يُجَمَّد هذا المبدأ، وتكون هناك تصورات أنه يكفي مع هذا المبدأ العظيم الإقرار به، التعبير عن هذا الإقرار بالشهادة، شعائر دينية محدودة؛ ثم يتَّجه الإنسان في مسيرة حياته بعيداً عن ذلك، ليُعَبِّد نفسه لغير الله، هذه حالة انحراف، وعدم استيعاب لهذا المبدأ العظيم: مبدأ التوحيد لله.

إيماننا بأنه لا إله إلا الله، وأنه وحده الإله، وأن علينا أن نتَّجه بالعبادة له وحده، هذا يعني العبادة بمفهومها الشامل، بمفهومها الكامل، في التزامنا في مسيرة الحياة بنهجه، بتعليماته، بالطاعة المطلقة له سبحانه وتعالى

ولهذا يقول الله جل شأنه عن هذه المسألة: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل:2]، هكذا هي الثمرة: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، الله يخاطبنا هكذا، فييبنى على ذلك التقوى لله سبحانه وتعالى، في آيات أخرى يؤكِّد على العبادة كذلك، على الرهبة، على بقية ما يرتبط بهذا المبدأ المهم والعظيم.

- ايضاً يا ولديّ هذه نقطة غاية في الاهمية وهي توضيح السيد عبدالملك لمسألة التوحيد والخبر من وتحويلها لشعيرة دينية محدودة موضحاً ماهية التوحيد بالمفهوم الايماني

الإنسان إذا لم يتَّجه الاتِّجاه الصحيح، فهو ينحرف بهذه الفطرة في الاتِّجاه الخاطئ، يعني يُعبِّر عن عبوديته لغير الله تعالى، وهذا ما حصل في واقع المشركين،
ولكن مع إقرارهم بالله كانوا يعتقدون أن هناك شركاء، يشركونهم مع الله في الألوهية، يعتبرونهم آلهة مع الله، ثم يتَّجهون بعبادتهم إليهم، يطلبون منهم النصر، يطلبون منهم مطلب العبودية، يعني: يعتبرونهم آلهة، يقدرون على أن يمنحوهم ذلك، يتقرَّبون إليهم بالقرابين، يؤدُّون لهم طقوساً معينة وشعائر معينة، كما قال الله عنهم: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81]، قال أيضاً: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}[يس: 74-75]،

لأنهم يدركون في عمق فطرتهم أن كل أولئك الذين يعتقدونهم آلهة، ويتقربون إليهم كآلهة، لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً، ولا يتمكنون من أن يفعلوا لهم شيئاً، فيدعون الله وحده، هنا عادوا إلى الفطرة، عندما كانوا فيه حالة أزمة شديدة وخطر كبير، يقول الله عنهم: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لقمان:32]، فهم كانوا يعودون إلى الفطرة.

- انها جزئية مهمة وهي حالة الانحراف التي تطغى على من اقروا بالله يعتقدون ان هنالك شركاء مع الله ومع تزايد هذه الحالة كما اوضحها السيد عبدالملك وعند اي ازمة سيدعون الله وحده .

فالانحراف في حالة الشرك، الانحراف عن نهج الله بكله، وصولاً إلى هذا المستوى، كما قلنا: الباطل يزداد، الظلال ينمو، فيصل الإنسان في معتقداته، في أفكاره، إلى مستوى فظيع جداً وسيء للغاية؛ لأنه ابتعد عن قنوات الهداية، وعن مصدر الهداة، فكلما ابتعد أكثر؛ ظل أكثر في تصوراته، معتقداته، أفكاره، يتحول إلى ظلاميٍ، ظلاميٍ بكل ما تعنيه الكلمة.
ما وراء هذا الانحراف الكبير في مسألة الشرك هو: عدم الإيمان، أو نسيان المبدأ المهم، الذي هو: الكمال المطلق، مبدأ الكمال المطلق أنه هو المبدأ الأساس في مسألة الألوهية، وإنما سوى الله سبحانه وتعالى ناقصٌ، عاجزٌ، مخلوقٌ، مُدبرٌ، في إطار تدبير الله سبحانه وتعالى، وأن الله وحده هو الخالق، هو رب العالمين،

هذه المسألة مسألة مهمة جداً، يعني كان تقبُّل المشركين لأن يعتقدوا في غير الله أنه آلهة، هو بغفلتهم عن هذا المبدأ، مع أنه مبدأٌ فطري؛ ولـذلك وصل بهم الحال إلى أن يتَّجهوا في أن يؤلِّهوا من هو حتى دون مستواهم كبشر، من مثل حالة الأصنام؛ لأنهم نسوا هذا المبدأ، فاتَّجهوا إلى الكائنات، أو الجمادات، أو مخلوقات، حالها حالهم، في افتقارها إلى الله، في عجزها، في ضعفها، في عبوديتها لله سبحانه وتعالى، وهذه هي المسألة الخطيرة جداً، الإشكالية الكبيرة، التي كانت مؤثِّرةً في مستوى تقبّلهم وانحرافهم إلى هذه الدرجة.

- بالفعل يا ولدىّ هذه اشكالية خطيرة للغاية وقد اوضح السيد عبدالملك الانحراف في حالة الشرك واسباب هذا الانحراف .

عندما نعود إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، قلنا بالأمس: أن البيئة التي نشأ فيها، والمجتمع الذي نشأ فيه، كان قد سيطر عليه الضلال والانحراف والشرك إلى حدٍ كبير، إلى درجة محيطه الأسري، فيما يتعلق بأبيه (أبيه آزر)، سواءً على مستوى ما يقوله البعض من المفسرين والمؤرخين بأن المقصود عمه، أو غير ذلك، أو أنه الأب نفسه (والده).

وسعى مع أبيه آزر لإقناعه، لهدايته، لاستنقاذه من هذا الظلال الرهيب جداً، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
نلاحظ في هذا السؤال، الذي هو سؤال توبيخ واستنكار: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}، مستوى الانحطاط والتخلف الفكري والثقافي، لدى المجتمعات والشعوب التي وصلت إلى هذه الحالة، إلى أن تتَّخذ من الأصنام، ما هي الأصنام؟ هي التماثيل المنحوتة بأشكال معينة، سواءً من الحجارة، البعض ينحتونها من الصخور، أو من الأخشاب،

وصل الحال ببعضهم أن كانوا يصنعونها من العجين والتمر، فيما إذا دهمتهم أزمة شديدة، وحصل لهم مجاعة، يقومون بأكلها بدلاً من عبادتها، هذه الحالة من التخلف والانحطاط الكبير انتشرت في مجتمعات كثيرة، وعلى مدى عصور كثيرة، ولا زالت في عصرنا هذا، بالرغم من كل التقدم في هذا العصر، عصر الفضاء، والتكنولوجيا، والأقمار الصناعية... وبقية الأشياء، من نفس تلك المجتمعات لا يزال هناك من هم في هذا المستوى من التخلف والانحطاط الفكري،

في الواقع العربي في الجاهلية، في حالة السفر، عندما يكونون مسافرين، وابتعدوا في أسفارهم عن أصنامهم التي هي في بلدانهم، فهم بحاجة إلى إله سفري، إلى صنم يعني مع حاجة السفر في ظروف السفر، يصلون إلى وادٍ معين، أو إلى منطقة مُقفرة، يبحثون عن أي صخرة تختلف عن بقية الصخور، صخرة ملساء مثلاً، أو لها شكل ملفت، ثم يقومون بالطواف عليها، والعبادة لها، والتقرب إليها،
أو يذبحون لها، ويقدمون لها القرابين، ثم يتضرعون إليها،

هذا التوبيخ الذي وجَّهه نبي الله إبراهيم، والاستنكار في خطابه لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}؛ لأن المسألة في بطلانها في منتهى الوضوح، باطل واضح يعني، كيف تنحت صخرةً، أو خشبةً، أو عوداً، أو أي شيءٍ آخر، أو تصنع أنت، أنت تصنع من مواد معينة ما تعتقده إلهاً لك، وتعتقد نفسك عبداً له، ثم تطلب منه كل شيء: تريد أن ينصرك، أن يحفظك، أن يرزقك، أن يعينك، وقد يتغير الحال، وتستبدله بصنم آخر أو حالة أخرى.

- ها قد اوضح السيد عبدالملك البيئة التي نشأ فيها سيدنا ابراهيم عليه السلام مبيناً حالات الفكر الضال التي اوصلت المجتمعات لعبادة ما يصنعون منذ بداية الخلق وحتى المجتمعات الحالية وكذا عصر العرب الجاهلي .

الحالة التي تصل بالبعض من الناس، على مستوى أمم والشعوب، إلى هذا المستوى من الانحطاط والتخلف الفكري هي ماذا؟ هي الضلال والمضلون، والابتعاد عن الهدى والهداة، فهذه نتيجة لهذا، ولهذا قال نبي الله إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}،
الضلال هو الذي يصل بالناس إلى أن يتقبلوا أي باطل، مهما كان سخيفاً وسيئاً، ومهما كان فظيعاً، فظيعاً جداً، يعني: فيه تَنَكُّر لحق عظيم، لحق مهم، لمبادئ عظيمة ومقدسة؛ لأن هذا الظلال الذي يصل بالناس إلى الشرك بالله، هو مع سخافته، ومع وضوح بطلانه، هو تنكر لأعظم مبدأ، وهو مبدأ: أن الله وحده الذي هو ربُّ العالمين، وخالق السماوات والأراضين، والمالك كل شيء

حالة الضلال هي التي تهيئ الإنسان لتقبّل الباطل، لتقبّل السخافات، لتقبّل أي شيء مهما كان سيئًا جدًا؛ ولهـذا يأتي في القرآن الكريم التحذير الواسع من الضلال والمضلين، الذين ينحرفون بالناس، ويجعلونهم يتقبلون أفكاراً خاطئة، تصورات خاطئة، مفاهيم خاطئة وسخيفة، وتتحول إلى دين يتدينون به، ولهـذا عندما نتأمل في هذه المسألة، وهي مسألة مهمة؛ لأن تأثيرها في واقع البشر كبيرٌ جداً، فهناك فئة المضلين، الذين لهم الدور.

- يعقب صلاح قائلاً بالفعل هذه مسألة مهمة للغاية التي اوضحها السيد عبدالملك وهي حالة الضلال وكيف تحول الناس لتقبل الباطل.

في مجتمع نبي الله إبراهيم عليه السلام، كان هناك سلطة ظالمة، على رأسها طاغٍ متكبر، وصل به الطغيان إلى أن يدَّعي لنفسه الربوبية، هذه واحدة.

ثم هناك أيضاً معه فئة نافذة في المجتمع، أصبح لها تأثير في المجتمع، وأصبح المجتمع مرتبطاً بها، وبناء على هذه الروابط تريد أن تحافظ على ذلك الوضع؛ لأنها تستغله هو في التأثير على البقية.

هناك فئة مستفيدة على المستوى المعنوي والمادي، مثل: منتجي الأصنام، الذين يصنعونها، ويبيعونها بأثمان غالية، سعر الإله حقهم سعر غالي يعني، وإذا كان بشكل معيَّن ي يرفعون السعر، فئة مستفيدة.

كهنة المعابد أيضاً، كهنة المعابد الذين هم من يستفيد مما يقدَّم من نذورات، وقرابين، ومأكولات، لتلك التي يسمونها بالآلهة... وهكذا.

تلك الفئة لأنها مستفيدة؛ تُصِرّ على ترسيخ ذلك، ثم في واقع الناس يرسخون هالة من الأساطير المعينة عنها، [أنها فعلاً فلان قدَّم لها قرابين وشفي مريضه، وفلان قدَّم قرابين وعاد قريبه الذي كان مسافراً بسلام، وفلان كذا...]، أساطير تحاكي حولها، [وفلان لم يُقدِّم لها القرابين الجيدة فحصل له مصيبة...]

- يتحدث الدكتور احمد كيف لخص السيد عبدالملك مجتمع نبي الله ابراهيم عليه السلام من سلطة ظالمة على رأسها طاغٍ متكبر وقسم المجتمع لثلاث فئات .

من أخطر أنواع الظلال: ما يُقدَّم ديناً، يعني: الضلال واسع: ضلال في أفكار الناس، في تصوراتهم، في مفاهيمهم، التي هي بعيدة عن الهدى، وعن قنوات الهداية ومصدر الهداية، ولكن عندما يكون هناك- مثلاً- ما هو باسم معتقدات دينية، ما هو باسم دين، وهو من الضلال، ليس من دين الله الحق، فالمسألة خطيرة جداً، أكثر خطورة؛ لأن الناس في مسألة التدين والالتزام الديني، ولاسيَّما البعض منهم، يعني التدين عندهم قويٌ جداً، إن تدين بالباطل، كان شديداً؛ وإن تدين بالحق، كان قوي الالتزام ومتمسكاً، ما يتحول إلى معتقدات دينية، وهو من الضلال، يصبح الكثير من الذين يؤمنون به، يعتنقونه، يتقبلونه، يقتنعون به، أكثر التزاماً وتمسكاً، وأشد تشبثاً به، ويصعب إقناعهم عن تركه، ويتعصبون له بشدة، وهذا ما حصل في معتقدات المشركين، كانوا يتعصبون جداً لأصنامهم، إلى درجة أن يقاتلوا من أجلها، وأن يعادوا من يعترض على عبادتهم لها،
حتى العرب في جاهليتهم، مع اهتمامهم بمسألة الأبناء الذكور، في صراعاتهم وموقفهم في الجاهلية المعروف من الإناث، معروفٌ جداً، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:58]، قد يكون له ابن عزيزٌ عليه جداً، من شدة معزة ابنه عليه، يرى أنه أحسن قربان يقدِّمه لتلك الخشبة التي يعتقدها إلهاً، ذلك الصنم الذي هو إمَّا من صخر، أو من عود... أو غير ذلك، يذهب بابنه، يأخذ السكين ويذبح، قرباناً لذلك الصنم؛ لهـذا قال الله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام:140]، يصل بهم الحال إلى هذا المستوى، {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}[الأنعام:137]،

يحكي لنا القرآن الكريم عن مدى تشبثهم، عصبيتهم، في قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]، يقولون على رسول الله: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}[الفرقان:42]، يعني: يصل بهم الحال إلى أنه يغضب لصنمي أكثر مما تغضب أنت كمسلم من أجل الله، من أجل دينك، من أجل مقدساتك، إذا لم يكن انتماؤك الإيماني قوياً، هذا هو بسبب الضلال؛ ولهـذا قال إبراهيم "عليه السلام": {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

- انتهت المحاضرة وبدا على محيا ثلاثتهم الارتياح والاعجاب لما سمعوه من اضاءات تنويرية في محاضرة اليوم .

مقالات مشابهة

  • المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد القائد.. دروس وعبر للاستفادة
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص + فيديو)
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (4) للسيد القائد
  • نص المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي