مرايا الوحي.. المحاضرة الرمضانية (5) للسيد القائد 1446هـ
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
يمانيون/ مراد شلي مرايا الوحي: حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد (تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي).. (المحاضرة الرمضانية الخامسة)
استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
“الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها.”
ظهر اليوم تنتهي محاضرة منير وصلاح في الكلية ليقفلا عائدان للمنزل وفي الطريق يتحدث منير لصلاح :
– اريد ان احدثك عن محاضرة اليوم يا صلاح
يقاطعه صلاح مبتسماً :
– لا تستعجل يا منير ودعنا نشاهد المحاضرة اولاً
مساء اليوم يجلس ثلاثتهم بغرفة المعيشة متسمران على شاشة المسيرة بانتظار المحاضرة الرمضانية التي بدأت للتو.
في سياق الحديث عن قصة نبي الله وخليله ورسوله إبراهيم عليه السلام، تحدثنا عن بداية مشواره في تبليغ الرسالة الإلهية، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الإيمان به وتوحيده، بدءً من محيطه الأسري مع أبيه آزر، كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام:74]، وَتَحَدَّثْنَا عَنْ هذين العنوانَيْنِ، الإِشكالية الخطيرة الكبيرة في واقع المجتمع البشري
هناك الكثير من المجتمعات، بالرغم مما فيها من قادة، ومفكرين، وفلاسفة… وغير ذلك، وأمم لها حضارات كبرى على المستوى العمراني في الحياة، ولكن حضارةٌ جوفاء، قامت على أساس الظلم والطغيان، وعلى أساس الكفر والشرك، لم تستفد لا من ما تمتلكه من مقومات مادية؛ لأنها ليست كافية في أن تكون مهتدية، وقد انحرفت عن خط الرسالة الإلهية.
– يعقب الدكتور احمد . . هل علمتم يا ابنائي سبب انحراف تلك المجتمعات المتقدمة الاجابة كما قدمها السيد عبدالملك وهي لان تلك المجتمعات انحرفت عن الرسالة الآلهية .
نبي الله إبراهيم تحرك في محيطه الأسري، ليحارب هذه الظاهرة، وللدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولإنقاذ أبيه آزر مما هو فيه؛ لأن الشركة ظلمٌ عظيم، وخطرٌ كبير، وهناك مقامات أخرى له مع أبيه، وعادةً ما يقدمه القرآن الكريم نماذج، يعني: بالتأكيد له الكثير من المقامات والحوارات والكلام مع أبيه آزر، ولكن القرآن الكريم هو كتاب هداية، ليس كتاباً للاستقصاء التاريخي، وبالتالي هو يختار لنا نماذج مهمة جداً فيها هداية، وتُلَخِّص لنا الموقف بكله، وله أيضاً مقامات مع أبيه وقومه، يعني: مع بعض مقامات منفردة مع أبيه آزر، ومقامات مع معه أيضاً مع قومه.
– الله ما اعظم هذه الجملة التي ذكرها السيد عبدالملك القرآن الكريم هو كتاب هداية، ليس كتاباً للاستقصاء التاريخي . . هكذا تحدث صلاح .
المسلمون هم الأمة الوحيدة بين كل أمم الأرض، وهم أمة محدودة في عددها، يعني: ليسوا هم الأغلبية في المجتمع البشري، هم الأمة الوحيدة على أساس الانتماء للإسلام، يدينون بالتوحيد لله سبحانه وتعالى، والإسلام يقدِّم لنا الدين الخالص والحق في التوحيد لله سبحانه وتعالى، والإيمان برسالته.
– الحمد لله على نعمة الاسلام هكذا تحدث منير
أمَّا بقية المجتمعات، ومنها المجتمعات التي تقدِّم نفسها أنَّها داعيةٌ للحُرِّيَّة، مثلما هو حال الغرب الكافر في أمريكا وأوروبا، هي مجتمعات تعتقد بالشرك، وتُعبِّد نفسها لغير الله سبحانه وتعالى، النصارى- مثلاً- يعتبرون نبي الله عيسى عليه السلام، الذي هو نبي الله ورسوله، يعتبرونه رباً وإلهاً في إذاعاتهم، في كتاباتهم، في طقوسهم في الكنائس، يقولون: [الربّ يسوع] يعني: عيسى، (يسوع يعني عسى)، في الوقت الذي يقدِّمون فيه أنفسهم أنهم دعاة الحُرِّيَّة، أي حُرِّيَّة لمن يعتبر نفسه عبداً لإنسان، لنبي الله عيسى عليه السلام، الذي هو إنسان من البشر، عبد لله سبحانه وتعالى، أول كلمة أنطقه الله بها: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30]
– هل لاحظتم يا ولديّ كيف طرح السيد عبدالملك حال المجتمعات المتقدمة وعبادتهم لعبد من عباد الله .. هكذا تحدث الدكتور احمد
الآن، في عصرنا هذا، في زماننا هذا، في عصر التقدم العلمي والنهضة الحضارية، النسبة الغالبة بين المجتمعات البشرية تعتقد بالشرك، بالألوهية لكائنات مخلوقة، ويشركونها مع الله في الألوهية.
ولذلك هم يحاولون أن يستهدفوا المسلمين، الذين هم الأُمَّة الوحيدة، والدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يُقدِّم التوحيد لله خالصاً نقياً، فتلك الفئات الأخرى هم يحاولون أن الاستهداف للمسلمين، الذين يعيشون هذه النعمة: نعمة التوحيد، وشرف التوحيد لله سبحانه وتعالى،
المفترض أن يعملوا، أن يبذلوا جهدكم لنشر الإسلام، والدين الحق، والتوحيد لله في كافَّة أرجاء المعمورة، لكن الآخرين يستهدفونهم هم، بدلاً من أن يكونوا هم من يتحركون لهداية بقية المجتمعات البشرية بما يمتلكونه من هدى،
– هذا هو الدور المفترض بنا كما اوضحه السيد عبدالملك كأمة مسلمة هكذا تحدث الدكتور احمد
اليهـ.ـود لهم دورٌ أساسي؛ لأنهم كانوا هم من عملوا على الزيغ بالنصارى والانحراف بهم إلى درجة الشرك، اخترقوهم، ويعملون أيضاً في الوسط الإسلامي في أسلوبهم الخطير جداً للإضلال، وللتحريف والانحراف بالمسلمين، الله قال عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، قال عنهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهم يحرِّكون من يواليهم من النصارى في هذا السياق، في حربهم ضد الإسلام والمسلمين، وفي الاستهداف بالحرب الناعمة: الفكرية، الثقافية، والخطر الكبير في هذا الجانب هو في عصر الإنترنت، في عصر القنوات الفضائية: التلقي الفوضوي، التلقي الفوضوي؛ لأن ما يصل بالناس إلى مستوى الانحراف الكبير في عقائدهم الدينية، وفي معتقداتهم ومفاهيمهم التي يحسبونها على أنها من الدين الإلهي، هو الضلال،
– علينا ان نكون على ادراك كامل لدور اليهـ.ـود في اظلال الامة الاسلامية كما عملوه بالنصارى .
فالمشكلة الخطيرة جداً على الكثير من المسلمين هي: التلقي الفوضوي والعشوائي من القنوات الفضائية، من الإنترنت.
ولذلك تصل الحال بالبعض من المسلمين في كثير من المجتمعات، وفي بعضها أكثر، يعني حسب الإحصائيات: أن أكثر دولة من بلدان المسلمين فيها حالة ارتداد عن الإسلام هي السعودية، هذا حسب الإحصائيات التي تُقدَّم، فيها ارتداد صريح يعني عن الإسلام، يعني: ناس يخرجون من الإسلام بالكامل، ويعلنون ردتهم عن الدين الإسلامي، إمَّا بعضهم إلى الإلحاد، وبعضهم إلى النصرانية، وبعضهم إلى ملل أخرى، لكن لماذا؟ هناك أيضاً في اليمن، في مختلف البلدان، من يحصل لهم مثل هذه الحالة، مما يتحول إلى البهائية، أو الأحمدية، أو غيرها من الملل الأخرى.
الكثير منهم يتأثر بماذا؟ لأنه يقوم بمتابعة قنوات فضائية تدعو لذلك الضلال والباطل، وهو ليس محصناً بالهدى، ليس لديه لا اليقين، ولا المعرفة الكافية، فيتأثر بشبهاتهم، وهم يفلسفون للضلال والباطل بزخارف القول، التي يتأثر بها من لا يمتلك الوعي، ولا المعرفة، ولا الفهم، ولا اليقين، ينخدع.
– هل لاحظتم كيف قدم السيد عبدالملك مآلات التلقي الفوضوي وهو الشرك بالله وهذه حالة خطيرة للغاية وعدد بعض النماذج في بعض الدول .
والبعض من خلال الإنترنت، كثيرٌ ممن ظلوا وارتدوا وانحرفوا عن طريق الإنترنت، والبعض عن طريق دعاة، دعاة للضلال؛ لأن للضلال دعاةٌ ورعاة:
دعــاة: يدعون إليه، يُقدِّمون للناس الشُّبة، يتفلسفون له، لإقناع الناس ولخداعهم، وينفق عملهم في الخداع بزخارف القول والشبه، على من لا يمتلك لا وعياً، ولا معرفةً، ولا يقيناً، ولا بصيرةً في دينه، وهو مضطرب ومرتبك.
وهناك رعاة: وهم المستفيدون من مثل سلطات ظالمة، قوى نافذة، ترى أنها مستفيدةً بنفوذ سياسي، أو مستفيدةً مادياً، أو بنفوذ اجتماعي، أو مقامات معنوية… أو غير ذلك.
– هل سمعتم يا ولديّ كيف قسم السيد عبدالملك الظلال لنوعين اوضحهما وهما الدعاة والرعاة
ولهذا من أهم الأشياء التي تقي من التأثر بذلك الضلال هو: المقاطعة، المقاطعة للقنوات الفضائية، للمواقع المضلة، القنوات الفضائية المُضِلَّة التي تنشر الضلال، لا تتابع أي قناة تنشر الضلال، قاطعها، لا تتابع أي مواقع على الإنترنت تروِّج للباطل وتُقدِّم الشُّبه، اعمل على مقاطعتها، هذه مسألة مهمة، {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:68]، المقاطعة، المقاطعة هي حل لأكثر الناس؛ لأن أكثر الناس لا يمتلكون من الوعي والمعرفة والفهم ما يتحصنون به من الشبه، وبالتالي يتأثرون بالشبه، كذلك من دعاة الضلال، دعاة الضلال أينما كانوا، فالمهم هو مقاطعتهم، عدم الإصغاء لهم، عدم التقبل منهم، وهذه مسألة مهمة جداً.
– هل ادركتم اهمية المقاطعة كما شرحها السيد عبدالملك باعتبارها الحل الاسهل لاكثر الناس
ثانياً: الارتباط بالهدى، الإنسان بحاجة إلى أن يرتبط بالهدى، وبالهداة، وطريق الهداية، وأن يحاول أن يستبصر، أن يكون واعياً، أن يكون فاهماً، أن يكون على معرفة بدينه، بالأسس المهمة لدينه، بالمبادئ الأساسية، هذه مسألة مهمة جداً، وأن يعرف أين هي قنوات الهداية ومصدر الهداية، وطريق الهداية؛ ليرتبط بها، وأن يدرك الإنسان بشأن هذين العنوانين: (الهدى، والضلال) أن هما الأساس، يعني: مسيرة الإنسان في حياته: إما أن تكون على هدى، وهذا فيه النجاة، وإلا فلن تكون إلا على ضلال، وفي هذا الهلاك والخسران والعياذ بالله، والله علَّمنا حتى في الصلاة، كيف نعي أهمية هذه المسألة، في قوله تعالى يعلمنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّ}[الفاتحة: 6-7].
– وثاني هذه الاشياء التي تقي من التأثر بذلك الضلال هو الارتباط بالهدى وكيف شرح السيد عبدالملك اهميته .
التعقيدات التي كان يعاني نبي الله إبراهيم عليه السلام منها في واقع مجتمعه شرحناها، يعني:
سلطة طاغية، ظالمة، متكبرة، مجرمة جداً، على رأسها رجلٌ متكبرٌ، وصل به الغرور والكبر والطغيان إلى أن يدَّعي الربوية.
مجتمعٌ شديدٌ في تشبثه بالباطل، متشدد، يعني: متدين بالباطل بشدة، ونبهنا عن خطورة الضلال عندما يتحول إلى معتقدات دينية، الباطل عندما يتحول إلى معتقدات دينية؛ لأن البعض أيضاً يكونون عندما تكون المسألة تديناً، متشددين عليها، متمسكين بها بشدة جداً، بتقديس كبير، وتشدد كبير.
هناك أيضاً جهات نافذة، نافذة كمستفيدة مادياً، كمستفيدة معنوياً.
ويعاني حتى في محيطه الأسري.
إضافة إلى أن الموضوع بنفسه، موضوع التوحيد، ومحاربة الشركة، الذي يلامس أكبر معتقداتهم أهميةً وقدسيةً لديهم، يعني: الموضوع محاط بحساسية شديدة
مهام الرسل والأنبياء أكبر مهمة، هي أكبر المهام، وأقدس المهام، فيها تعقيدات كثيرة في واقع الحياة؛ لأنهم يأتون إلى الناس لهداية الناس،
– لقد اوضح السيد عبدالملك الوضعية التي كانت تحيط بالسيد عبدالملك وعرفنا بمهام الرسل كونها من اقدس المهام .
ولأهمية المقارنة بين المسألتين، نجد- مثلاً- في حركة رسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، عرضوا عليه، عرض عليه المشركون في مكة، قالو: [إن كنت تريد مُلكاً مَلَّكنَاك علينا]، يعني: المسألة عندهم مقبولة، لو كانت المسألة مسألة مُلك وديولة، ما عندهم مشكلة أنه يتوِّجوه ملكاً عليهم؛ أو يريد مالاً، أن يجعلوه أثرى وأغنى رجلٍ فيهم؛ أو يريد امرأةً أجمل امرأة، ليس عندهم مشكلة… أو أي عرض مادي، لكن الاصطدام بهم في جوهر ما يتشبثون به: معتقدات، عادات، تقاليد خاطئة، أفكار خاطئة، ضالة… غير ذلك، يعني: تغيير الواقع بكله، هي المسألة الحساسة والبالغة التعقيد.
فلذلك ندرك أهمية ما تتطلبه هذه المهمة، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:75]، هذا في الإعداد لهذه المهمة، في مقابل ما يواجهه من صعوبات، وتعقيدات، وحساسية، وإشكالات في الواقع، يهيئه الله ويعده ليؤدي هذه المهمة بهذه الطريقة، ليريه (مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): الآيات العجيبة، التي تجعله على أعلى درجات اليقين، اليقين العالي، و يتَّجه من خلالها وهو في أعلى درجات اليقين، بعزمٍ، وقوةٍ، واطمئنانٍ تام، وهذه المسألة سنتحدث عنها في المحاضرة القادمة إن شاء الله.
– انتهت المحاضرة وثلاثتهم يشاهدون بعضهم بارتياح وبانتظار محاضرة غداً بإذن الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى لله سبحانه وتعالى السید عبدالملک القرآن الکریم علیه السلام هکذا تحدث الکثیر من نبی الله مسألة م مع أبیه ة التی التی ت
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون واتقوا شر ظنون أنفسكم
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
حسن الظن بالناس
وقال الدكتور صالح بن عبدالله: «اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون، اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم، ومن أدب الفراق دفن الأسرار، من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساق سيسقى بما سقى: «وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا».
وأضاف أن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض، وإصلاحها أركان متلازمة، والمسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد، الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله مستشهدًا بقوله تعالى «أقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»، والعلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
وأشار إلى أن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بين ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد، فقال جل وعلا: «إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد»، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: «فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ»، غرتهم قوتهم وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا، ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - بقوله: «كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ».
دعاء يوم الجمعة المستجاب .. ردد أفضل 210 أدعية في ساعة الاستجابة
دعاء تحصين المنزل.. من القرآن الكريم والسنة المطهرة
وتابع: قال جل وعلا: «هُوَ الَّذِي يُنزِلُ عَلَى عَبْدِهِ وَايَتٍ بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة، مبينًا أن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعاتها وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام، إلى أن الازدها الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات، وفي بريد الرسائل: من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح أن القوة الحقيقة هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان «وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، والعزة الله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
وأبان الشيخ بن حميد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق، والباطل، والصالح، والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح، وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام، بأن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس «وإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»، وسنة الله أن الصالح يبقى لان فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.