إبراهيم مجاهد صلاح

في مشهد سياسي يعكسُ قسوةَ السياسة الدولية وتقلبات المصالح التي لا تعرفُ الوفاء، جسَّد الرئيسُ الأمريكيُّ السابق دونالد ترامب خلال لقائه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي درسًا قاسيًا في هشاشة التحالفاتِ وسرعة تبددها أمام تغيُّر الأولويات.

لم يكن اللقاء مُجَـرّد لحظةِ إحراج دبلوماسي عابرة، بل كان بمثابة صفعة علنية أماطت اللثامَ عن السياسة الأمريكية التي باتت تحكمها نزعاتُ الاستعلاء وغيابُ أي التزام حقيقي تجاه الحلفاء.

لقد تحول زيلينسكي، الذي كان يراهنُ على دعمِ واشنطن، إلى مثال حي على كيف يمكنُ لحليف أن يجدَ نفسهُ في موقف العُزلة والخِذلان حين تتغيرُ الحساباتُ الاستراتيجيةُ، وهو الأمرُ الذي لم يقتصر على الساحة الأُورُوبية، بل امتد بظلاله الثقيلة إلى الشرق الأوسط، حَيثُ بدأ رئيس حكومةُ الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يستشعرُ خطر المصير ذاته.

لم يكن نتنياهو بعيدًا عن استيعاب الدرسِ القاسي الذي تعرضَ له زيلينسكي، وهو الذي طالما تفاخر بصلاتهِ الوطيدة بالإدارات الأمريكية المتعاقبة، معتقدًا أن التحالف مع واشنطن حصانةٌ أبديةٌ ضد أي تهديد داخلي أَو خارجي. غير أن المتغيراتِ المتسارعةِ جعلتهُ يُدركُ، ولو متأخرًا، أن التحالفات القائمة على المصالح وحدها يمكنُ أن تنهار بين عشية وضُحاها، وأن رهانهُ المطلقَ على الدعم الأمريكي قد ينقلبُ عليه في أي لحظة إذَا استدعت المصالحُ الأمريكيةُ التخلي عنه كما حصل مع زيلينسكي.

وفي محاولة يائسة للهروب من شبح المصيرِ ذاته، لم يجد نتنياهو ووزراؤه بُدًّا من التصعيد العلني والتهديد بإعادة المجازر والدمار في قطاع غزة، في خطوة مكشوفة يسعون من خلالها إلى تبريرِ سياساتهم العدوانيةِ، وإبعادِ الأنظارِ عن حقيقة ضعف موقفهم على الساحة الدولية، وخوفهم من أن يتحولوا إلى عبءٍ على داعميهم كما حدث مع أوكرانيا.

فلم يكتف الكيانُ الصهيوني الغاصبُ بانتهاك كُـلّ المواثيق والعهود، بل عمد إلى خرق اتّفاق وقف إطلاق النار بشكلٍ متكرّر، وتمادى في تعنتهِ بإيقاف إدخَال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في تأكيد جديد على أنَّه لا يُقيمُ وزنًا لأي التزام دولي، ولا يتوانى عن استخدام سياسة التجويع والحصارِ كأدَاة حرب ضد الشعبِ الفلسطيني الصابر.

إن تهديدات حكومة نتنياهو وتلويحها بإعادة القتل والدمارِ في غزة ليست سوى محاولة لإشغال الرأي العام بعيدًا عن فشل سياساتها، وعجزها عن فرضِ معادلات جديدة في الميدان، وخشيتها من تكرار سيناريو التخلي الأمريكيِّ عن الحلفاء غير المرغوب فيهم. إلا أن هذه المحاولات لن تُغير من حقيقة أن خرقَ الكيان لاتّفاق وقف إطلاق النار لن يبقى بلا رد، وأن استمرار هذا النهجِ العدواني سيدفعُ اليمن إلى استئناف عملياته المساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة، وهو تطورٌ سيعيدُ خلطَ الأوراق من جديد، ويجعلُ الاحتلال أمام واقع أشدَّ تعقيدًا مما يتوقع.

لقد كشفَ لقاءُ ترامب وزيلينسكي حقيقةً ثابتةً في السياسة الدولية، وهي أن من يعتمدُ على دعم القوى الكبرى دون أن يمتلك مقوماتِ القوة الذاتية يضعُ نفسهُ تحت رحمة مصالح الآخرين، وهو الدرسُ الذي يبدو أن نتنياهو بدأ يستوعبهُ الآن، لكن بعدَ فوات الأوان. فالتحالفاتُ التي تُبنى على المصالح فقط، دون أسسٍ راسخة من الثقة والاحترام المتبادل، لا تلبثُ أن تنهار عند أول اختبار حقيقي، ليجد الحلفاءُ الموهومون أنفسهم في مواجهة مصيرهم وحدهم، دون غطاء أَو سند

إن ما يجري اليوم من تهديداتٍ صهيونية وتصعيد ممنهجٍ ضد غزةَ ليس سوى انعكاس لهلعِ حكومة الاحتلال من سقوط أوراق التوت التي كانت تغطي ضعفها، وتهافتِ سياساتها التي باتت مكشوفةً للجميع. وما بين مأزق زيلينسكي في أوكرانيا، وارتباك نتنياهو في تل أبيب، تتجلى حقيقةٌ واحدةٌ لا تقبلُ الشك، أن من يراهنُ على واشنطن قد يستفيقُ يومًا ليجد نفسهُ وحيدًا، محاطًا بركام الأوهام التي بناها على وعود زائفة وتحالفات بلا جذور.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

العيون.. تفكيك شبكة لتزوير دبلومات التكوين المهني

زنقة 20 | العيون

تمكنت عناصر الشرطة القضائية بولاية أمن العيون، يوم امس الخميس 24 أبريل الجاري، من توقيف شخص يُشتبه في تورطه في قضية تتعلق بتزوير دبلومات التكوين المهني وشواهد دراسية واستعمالها، وذلك في سياق مجهودات أمنية تروم مكافحة مختلف صور التزوير والاحتيال.

وجاء توقيف المشتبه فيه بعد فتح بحث قضائي بناءً على رصد إعلانات مشبوهة نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُروج لبيع دبلومات مزورة، وهو ما استنفر المصالح الأمنية التي باشرت تحريات دقيقة أفضت إلى تحديد هوية المتورطين وتوقيف أحدهم.

وخلال عملية التفتيش، تم حجز 69 دبلوما مزورا، و28 شهادة معادلة مزيفة لدبلومات التكوين المهني، إلى جانب 47 استمارة لاستخراج دبلومات و8 أختام مزورة يُعتقد أنها تعود لمعاهد تعليمية مختلفة.

كما تم حجز وحدة مركزية للحاسوب وجهاز تخزين رقمي، يُشتبه في احتوائهما على آثار رقمية توثق هذا النشاط الإجرامي، بالإضافة إلى بطاقة بنكية و16 إيصالًا لتحويلات مالية ناتجة عن عمليات التزوير.

وقد تم إخضاع المشتبه فيه لتدبير الحراسة النظرية، في انتظار استكمال مجريات البحث القضائي بإشراف من النيابة العامة المختصة، بينما تتواصل الأبحاث لتوقيف المشتبه فيه الثاني بعد تحديد هويته الكاملة.

وتُعد هذه العملية تأكيدا على يقظة المصالح الأمنية في تتبع الجرائم الرقمية والإلكترونية، خاصة تلك التي تُسيء لسمعة المؤسسات التعليمية وتُهدد مصداقية الشواهد الوطنية.

مقالات مشابهة

  • أخبار الفن.. حقيقة دخول عادل إمام العناية المركزة.. موقف مفاجئ لـ إليسا.. سقوط فيلم فار بسبع أرواح
  • زيلينسكي يطالب بضمانات أمنية أمريكية مشابهة لإسرائيل
  • العيون.. تفكيك شبكة لتزوير دبلومات التكوين المهني
  • واشنطن: الانفجار الذي وقع قرب موقع تراث عالمي في اليمن ناجم عن صاروخ حوثي
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • روته يحث الحلفاء على تخصيص المزيد من الأموال والجهد السياسي لحلف للناتو
  • مخاوف من فوضى بإسرائيل بسبب أزمة نتنياهو ورئيس الشاباك
  • نتنياهو: النظام الإيراني يُشكل تهديدا لوجودنا ولن نسمح لطهران بالحصول على النووي حتى لو اتفقت مع واشنطن
  • واشنطن: زيلينسكي يبتعد عن طريق السلام
  • البيت الأبيض: ترامب يشعر بخيبة أمل تجاه زيلينسكي وصبره بدأ ينفد