العنصرية.. ظاهرة تاريـخية مـركَّـبَـة
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
ليست العنصريـة نـزعـةً خاصّـةً بمجتمع بعيـنه، أو بـأمّـةٍ محـدّدة أو زمـنٍ تاريـخيّ معيّـن كما قـد يُـظَـنّ، أو كمـا قد يوحي بذلك طـوفانُها الرّهيب في العالم الحديث والمعاصر، وفي بلدان الغرب تحـديداً: دُولاً ومجتمعاتٍ على السّواء. هي، بالعكس من هذا الاعتقاد الخاطئ، ملازمةٌ للتّاريخ الإنسانيّ: تاريخ الحضارات والأمم والدّول ومتفاوتةُ الأثر تبعاً لاختلاف شروط حضورها في المكان والزّمان.
لدى كـثيـرين اعتـقادٌ بأنّ العنصريّـة تـنشـأ، في العادة، في المجتـمـعات والأمـم ذاتِ التّـاريخ العريق والتّـجربة الطّـويلة في البناء الحضاريّ، أكـثر ممّا هي ملحوظة الوجود والتّـفاقُـم في مجتمعاتٍ غيـرِ ذاتِ رصيـدٍ حضاريّ كبـير. أمّا مبْنى الاعتـقاد هذا فعلى الافـتـراض الذي يقول إنّ المجتمعات والأمم الحضاريّـة متـشـبّعةٌ بـفكـرة التّـفوُّق، وشـديدةُ الاعتزاز بذاتِـيّـتها التي تَـنْسُب إليها ميِّـزات وسمات متفـرّدةً مثـل الذّكـاء والعبقريّـة وتعتـقـد بأنّـها مَفْـذوذة لا تضاهيها في المَلَكـات أمّـة. والحـقّ أنّـه، وإن كان القـولُ هذا صحيحاً في المُجـمـل، لا يجوز القطـعُ بأنّ الحـكمَ فيه دقيق؛ ذلك أنّ تجارب التّـاريخ تعلّـمنا بأنّ الأمم التي ما كـانت ذات حـظٍّ كبـيرٍ من المساهمـة الحضاريّـة - على الأقـلّ مقارنـة بمن هي أوْفـر نصيبٍ منها، ما كانت لِـتَـعْرى من العنصريّـة. ومع أنّ انسكانها بها قد لا يضاهي نظيرَهُ عند غيرها، إلاّ أنّـه لا يَعْـدَم وجوداً عندها. آيُ ذلك أنّ المجتمعات التي تشعر بأنّ نقـصاً في الثّـقة بذاتها يعتريها، إمّـا لضَعـفٍ في الإنجاز أو لهزيمةٍ لحقت بها أو ما شابه هذا من الأسباب، تحاول أن تقاوِم مثـل هذا الشّـعور بالاعـتياض عنه بشعورٍ نقيضٍ يتولّـد لديها من أَسْطـرة ماضيها والارتـفاعِ به إلى مقامٍ مثاليّ تَـتَـبَرّرُ بـه مكانتُـها المتداعيـة في الحاضـر.
على أنّ ظاهرةً في هذا الباب ينبغي أن لا تَـعْـزُب عن البال؛ وهي تتـعلّق بالأحوال التي يقع فيها الاندفاع نحو الإفصاح عن عنصريّـة مجـتمـعٍ أو أمّـةٍ تجاه غيرها. وهذه ظاهرةٌ عامّـة في الزّمان؛ حصلت في أزمنة الماضي وتحـصُل في الأزمنـة الحديثة والحاضرة، وظاهـرةٌ شاملة للمجتمعات والأمم كـافّة: مَـن كان منها ذا حـظٍّ كبـيرٍ من المدنيّـة أو من كان دون الأوّل نصيـباً. الظّاهرة التي نعني هي الاقـترانُ شبهُ المتـكرّر بين انـدفاعة التّـعبير عن العنصريّـة في مجتمعٍ مّـا ومرورِ المجتمع ذاك بحالة تـأزّمٍ تُـفْـقِـدُهُ الكـثير من التّوازن وتدفع سلوك قسمٍ منه إلى إتيان أفعالٍ تَـنُمّ عن الاضطراب. ربّما نشأتِ الأحوالُ الطّارئـاتُ تلك من هـزائمَ عسكريّـة، أو من خـوفٍ على المجتمع من استفحالِ مشكلات الدّاخـل، أو من خـوفٍ من آخَـر متربّـص وربّـما من آخَر في الدّاخل مخالِـفٍ للجماعة الكبرى في المِـلّـة أو في العِـرق أو في المذهب... إلخ. ولقـد تسمح لنا هـذه الظّاهـرة باستنتاج مؤقّـت - يظلّ، مع ذلك، فرضيّـةً للدّرس والتّمحيص والبحث - مفادُه أنّ المجتمعات لا تنزلق إلى الإفصاح عن نزعةٍ عنصريّـة تجاه الآخرين حين تكون في لحظةٍ من التّوازن ومن الثّـقة بالذّات، وإنّما هي تصير إلى تلك الحال من العنصريّـة حين يَـعْـرِض لها تراجُـعٌ أو كَـبْـو.
العنصريّـةُ، من حيث صورتُها، متعدّدةُ المستويات والتّمظهرات وآلياتِ التّعبير عن نفسها. لذلك تختلف درجاتُ الأثـر الماديّ والمعنويّ الذي تُحدثُـه في مَـن تـقع عليه باختلاف تلك المستويات والتّمظهرات. هي، مـن وجْـهٍ، حـالةٌ ثـقافـيّـة في مجتمعٍ وثـقافـة؛ أعنى نمطـاً من الإدراك يبالغ في تعليـة الذّات والنّزول بالآخَـر إلى درجةٍ محطوطة. وحين يتـشرّب النّـاسُ، كـثرةً، هـذه الثّـقافةَ العنصريّـة وتُصبح جمْـعيّـة تـتحوّل، في وجْـهٍ ثـانٍ منها، إلى ظاهرة اجتـماعيّـة، من دون أن نـنفيَ إنْ كان سريان هـذه النّـزعة في المجتمع سبباً لانتـقالها إلى الثّـقافة وصيرورتها ظاهرةً ثـقافـيّـة. أمّـا الوجـه الثّالث لها فهـو الذي تكون به ظاهـرةً سيـاسيّـة. من البيّـن أنّ وجهها الأخيـرَ هـذا هـو الأسوأ والأشـدُّ أثـراً مؤذيـاً وفـتـكاً؛ حيث تـتحوّل به من وعـيٍ ومن سلوكٍ - فـرديّ وجماعيّ - إلى سياسة ذات تبعاتٍ ضـارّة على مَـن تـتـناوله. مع ذلك، يظلّ من غير الممكـنِ الجـدلُ في الخطـورة البالغـة لنشوء ثـقافـةٍ عـنصريّـة في أيّ مجتمع، أو لدخـول نزعة العنصريّـة رحابَ ثـقافـةٍ مّـا، وطنيّـة أو شعبـيّـة، والتّـوطُّـنِ فيها والتّـبـرُّرِ بمبادئ الثّـقـافة على نحـوٍ يُشَـرعِنُها ويـبتـدِهُـها ابـتـداهـاً؛ إنّ ذلك ما يـوفّـر للعنصريّة بنيةً تحتيّـة ثـقافيّـة عميقة تصبح مقاومتُها، مع كـرور الزّمـن ورسوخِها، مهـمّـةً شاقّـة وربّما ممتـنعةَ الإمكان.
على أنّ تَـعـدُّد تمـظـهُـراتها ومستوياتها يـرتّب مهـمّـةً علميّـةً مـركَّـبـة لفـهـمهـا ينبغي أن تـتضافـر للقيام بها علـومٌ وميادين دراسيّـة متعـدّدة يمكن أن يتنـاول كـلّ ميـدانٍ منها جـانباً - أو بُـعْـداً - من جوانب ظاهرة العنصريّـة وأبعادها. هكـذا يمكن الدّارسَ أن يقاربها من مـوقع نظر علم الاجتماع، حين النّـظر إليها بوصفها ظاهرة اجتماعيّـة؛ أو أن يتناولها بمفاهيـم علم الاجتماع السّياسيّ حين يُـنْـظَـر إليها بما هي ظاهرة سياسيّـة. وقـد تُـدْرَس، من حيث هي ظاهرة ثـقافيّـة، فيكون على دارسها أن يتوسّـل أدوات التّحليل الثّـقافيّ ومنها مفاهيم الأنـثـروپـولوجيا الثّـقافيّـة؛ كما يمكن أن يُـبْحَث فيها بمفاهيـم علم النّـفس والتّحليل النّفسيّ إنِ اختير التّـعاملُ معها بوصفها ظاهرة مَـرَضيّـة. بالجملة، تنتمي ظاهرة العنصريّـة إلى فـئة الظّواهر المركَّـبَـة؛ أي التي تدخـل عـوامل عـدّة في تكوينها. لذلك لا يمكن بناء معرفة دقيقة بها إلاّ من طريق تحليلٍ مركَّب يتناولها في أبعادها المتعـدّدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العنصری ـة
إقرأ أيضاً:
دور أبطال أفريقيا.. الأهلي يواجه صن داونز في مباراة تاريخية وعينه على الأميرة الأفريقية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يخوض في السابعة مساء اليوم الجمعة، الفريق الأول لكرة القدم بنادي الأهلي مباراة صعبة وقوية وتاريخية، أمام فريق صن داونز بطل جنوب أفريقيا على ملعب استاد القاهرة، في إياب نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا.
الجمهور كلمة السرويتسلح المارد الأحمر في هذا اللقاء بجمهوره الذي يمثل كلمة السر في أغلب انتصارات المارد الأحمر القارية على ملعب الرعب “استاد القاهرة” فالجمهور يملأ المدرجات ويلقي الرعب في قلوب المنافسين بأهازيجه وأغانيه التي لا تتوقف على مدار التسعين دقيقة.
وهو ما يعي إليه الجميع وسط مطالبات كبيرة من كل رموز الأهلي للجمهور بالتواجد في الاستاد والالتزام بالتشجيع المثالي لأن جمهور الأهلي قوة لا يستهان بها على ملعب استاد القاهرة، وكل القادمين من أفريقيا يعرفون جيدًا أنهم يواجهون جمهورًا قبل لاعبين.
فرصة تاريخيةوعلى صعيد المباراة نفسها، فقد أنهى المارد الأحمر تدريباته مساء أمس، في إطار معسكره المغلق الذي بدأه قبل المباراة بـ 48 ساعة، بهدف الاستعداد النفسي والبدني لبطل جنوب أفريقيا.
بالإضافة إلى فرض حالة كبيرة من التركيز على الجميع لأن هذه المباراة تحسمها التفاصيل الصغيرة في ظل النتيجة التي حققها المارد الأحمر في لقاء الذهاب.
وكثف السويسري مارسيل كولر المدير الفني للفريق من محاضراته الفنية مع اللاعبين على مدار الأيام الماضية لشرح نقاط القوة والضعف في الفريق الجنوب أفريقي.
حيث أكد على اللاعبين أنهم سيواجهون فريقًا مختلفًا تمامًا عن مباراة ذهاب، لأن صن داونز أقوى في هذا العام خارج أرضه عن داخل أرضه، والدليل هو انتزاع تذكرة التأهل إلى نصف النهائي بعد تخطي عقبة الترجي التونسي في قلب تونس.
كولر أكد على اللاعبين ضرورة الالتزام بالتعليمات الفنية، وإغلاق كل المساحات أمام لاعبي وسط صن داونز، ومنع التسديدات على مرمى محمد الشناوي، لأنها أهم الأسلحة التي يعتمد عليها الضيوف في ظل امتلاكه لأكثر من لاعب يجيدون التصويب من مسافات بعيدة، واعتمدوا عليها في أكثر من مرة في بريتوريا.
تعليمات خاصةومنح المدير الفني تعليمات خاصة إلى الثنائي رامي ربيعة وأشرف داري بضرورة التركيز وفرض رقابة لصيقة على مهاجمي المنافس، لا سيما وأنه سوف يعتمد في أوقات كثيرة على الكرات المرتدة والتحولات من الحالة الدفاعية إلى الهجومية.
لذلك لا بد أن يكون هناك تركيز شديد ورقابة لصيقة على المهاجمين لمنع تشكيل خطورة على مرمى الشناوي، والخروج بشباك نظيفة لأنه هذا هدف أهم في تلك المباراة.
ومن المنتظر أن يبدأ الأهلي المباراة بتشكيل مكون من محمد الشناوي في حراسة المرمى، وأمامه الرباعي مصطفى العش ومحمد هاني وأشرف داري ورامي ربيعة، وفي الوسط الثنائي مروان عطية وأحمد رضا خلف الثلاثي إمام عاشور وأشرف بن شرقي وطاهر محمد طاهر، وأمامهم المهاجم الصريح جراديشار.