لجريدة عمان:
2025-04-26@06:08:42 GMT

ميثاق النساء والأمل الموجع

تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT

ميثاق النساء والأمل الموجع

أول سؤال تبادر إلى ذهني بعد قراءة رواية (ميثاق النساء) للشاعرة اللبنانية حنين الصايغ، كيف كان شعور حنين وهي تكتب هذا النص المشبع بالحزن والمرارة والألم؟ ميثاق النساء رواية نسوية تحكي عن حال المرأة فـي المجتمع الدرزي، هذا ما ستفهمه فـي صفحات الرواية الأولى، ولكنك كلما توغلت فـيها أدركت أنها رواية عن المرأة فـي العالم كله، حيث تصرخ المرأة ولا يسمعها أحد، وتبكي بحثا عن مواساة إلا أنها تُرمى بتهمة الحساسية المفرطة، مما يحرم الإنسان فـيها من عيش حياة كاملة يتمناها ويستحقها.

تحكي لنا الرواية قصة أمل بو نمر، الفتاة المتفوقة دراسيًّا، تلك التي لم تحلم بشيء سوى إكمال دراستها الثانوية ثم الجامعية فـي مجتمع تقليدي مُنغلق، تُربَّى فـيه المرأة لتصبح الزوجة والأم فقط مما يتطلب قمع ذاتها، وإطفاء شعلة أحلامها، وتقبُّل ما يمليه عليها مشايخ الطائفة الدرزية دون تحليل أو نقد. أمل التي تعرف جيدا رفض والدها لفكرة استكمال تعليمها، ترى فـي الزواج بـ«سالم» الشاب الدرزي فرصة لتحقيق حلمها، لذا تضع إكمال تعليمها شرطا لقبول الزواج به، وهو ما سيقبله سالم فـي بداية الأمر؛ رغبة فـي نيل الفتاة الذكية، دون إدراك كلاهما أن الحياة لن تسير كما خططا لها.

تنقلنا حنين الصايغ فـي هذه الرواية بين واقع أمل وعالمها الداخلي حيث تبدأ فـي فهم ذاتها، وإدراك أن الخروج من بيت والدها الشيخ الملتزم بتعاليم الطائفة وقواعدها لم يكن بداية حريتها كما كانت تتوقع؛ لأن الدنيا خبأت لها فـي المنعطف غير المرئي أحداثا جديدة ستكسرها وتُعيد تشكيلها. ففـي الوقت الذي كانت تنتظر فـيه أمل التزام زوجها بالشرط الذي وضعته، صدمها بعد الزواج بشرط إنجاب طفل قبل بدء الدراسة الجامعية، وهكذا أُجبرت أمل على التنقل بين عيادة لأخرى بحثًا عن حل لمشكلة الطفل الذي يرفض التشكل فـي رحمها، مما أشعرها بالانفصال عن جسدها الذي حاولت حمايته من التغيرات الهرمونية والإبر التي تُغرز فـيه غصبًا عنها والفحوصات المستمرة. الأمر الذي أضعف أمل وألقاها فـي بئر الكآبة المظلم، وهو ما سيحدِث شرخًا فـي علاقتها بزوجها، واتخاذها قرار الانفصال مستقبلا، وذلك بعد رحلة طويلة من التأرجح المزاجي، وصراع داخلي مع الذات والزوج والأسرة والمجتمع. حيث صَعُب على أمل التي انطلقت مستندة إلى تعليمها الجامعي ووظيفتها المهنية، العودة إلى القرية الريفـية والقالب الاجتماعي الضيق.

تدخلنا الكاتبة عالم النساء الدروز من خلال حكايات نساء عائلة «بو نمر»، وتكشف لنا مدى ضعف المرأة وغياب صوتها فـي قضايا تخصها. فنرى الجدة التي تُرمى بالطلاق فـي لحظة غضب الجد، مما يحرمها من حياة عرفتها منذ سنوات المراهقة بسبب لحظة غضب ذكورية، فـيجبر الجد على بناء جدار فاصل بينه وبين زوجته نظرا لحرمتها عليه، حيث لا مجال فـي العقيدة الدرزية لعودة بعد طلاق. ذاك الجدار الذي سيتحول بعد أعوام إلى كابوس عالق فـي رأس العمة، فـينتشر صراخها ليلا بين غرف المنزل وتكبُر أمل على سماعه، العمة التي تواجه وجهيّ الجدار كل يوم بحثًا عن إجابات لأسئلة تنهشها داخليا ولا يحق لها مواجهة المشايخ الدرزيين بها. ثم ننتقل إلى نرمين الأخت التي نجحت فـي الابتعاد عن ذاك المجتمع المغلق والسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد زواجها بشاب درزي، تكتشف بعد أعوام أن والده يزور الكنيسة مما يدخلها فـي متاهة الخوف من عقاب الآخرة؛ كونها ارتبطت برجل غير مؤمن.

تستعرض الرواية طائفة الدروز، وترينا شكل حياتهم اليومية، وتفاصيلها، ومعتقداتهم، وأعرافهم بأسلوب أدبي جميل، ولغة شعرية آسرة. إنها رواية عن الريف القروي، والحياة الاجتماعية فـي القرية المتوارية فـي الجبل الصعب، المقيدة بالأفكار الدينية المنغلقة، حيث تتداخل الشعائر الدينية بالعادات فتتحول إلى عقبات فـي حياة أبناء الطائفة الدرزية.

لقد عُرف المجتمع الدرزي المنتشر فـي عدد من دول بلاد الشام منذ تأسسه بالتماسك الاجتماعي والثقافـي والسياسي بين أبناء الطائفة. وقد أحاط الدروز أنفسهم منذ تأسس الطائفة بجدار من السرية والغموض. وقرر مؤسسوها التكتم على معتقداتهم، وعدم البوح بأسرارها إلا لقلة من المشايخ بعد بلوغهم الأربعين عاما. ويؤمن الدروز بتناسخ الأرواح، ويحرم لديهم تعدد الزوجات، كما تمنع عودة المرأة لزوجها بعد الطلاق، كما يُعرف عن الدروز تدارسهم للعقيدة الدرزية فـي الخلوات المغلقة حيث لا يدخلها إلا فئة قليلة جدا من مشايخ الطائفة، ولا يسمح بحضور أبناء الطائفة تلك الجلسات أو سماع محتوى الكتب المقدسة لديهم إلا فـي عيد التوحيد الذي يحتفلون به مرة فـي العام.

لقد أجبر التعدد الديني فـي لبنان بالإضافة إلى الظروف السياسية التي مرت به، الدروز على التمسك بعقيدتهم وتشديد السلطة الدينية على أتباعهم؛ نظرا لعدم سماح الطائفة بدخول أفراد جدد إليها، حيث تنتقل العقيدة الدرزية من جيل لآخر فـي العائلات ذاتها المكونة للمجتمع الدرزي منذ نشأته.

وقد أخذت الكاتبة عنوان الرواية من فصل فـي كتاب «رسائل الحكمة» الذي يؤمن به الدروز، بعنوان «ميثاق النساء» يختص بتعاليم لنساء الطائفة.

لقد كان لأسلوب الكاتبة القائم على الاستعارة والمجاز، بالإضافة إلى لغتها الشعرية الجميلة السلسة، وتقنياتها السردية دور فـي إدخال القارئ إلى نفوس شخصيات روايتها. حيث استطاعت حنين الصايغ بأسلوبها المتميز أن تجعلني أعيش حياة شخصياتها الحيّة والحقيقة، وأن أتخبط مثلهم بين الشك واليقين، والهشاشة والقوة، واليأس والأمل. إن تطور شخصيات الرواية وتغيرهم المتزامن مع أحداث الرواية كان أحد عناصر قوة هذا العمل الروائي. ولم يقتصر ذلك على نساء الرواية وإنما شهدته فـي رجالها كذلك. ورغم نهاية الرواية المشرقة، إلا أني وجدت ذاتي منهكة ومتألمة بعد قراءة هذا الكتاب، وكأن كل ما عاشته أمل مَرَّ على قلبي.

صدرت الرواية عن دار الآداب ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لعام 2025م.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد رسامة شيوخ وشمامسة جدد بالكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا

شارك الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، في احتفال رسامة شيوخ وشمامسة جدد، مساء اليوم الخميس، بالكنيسة الإنجيلية الثالثة بمحافظة المنيا، وذلك بحضور عدد من قيادات ورعاة الكنائس الإنجيلية بالمحافظة.

رسامة شيوخ وشمامسة 

وشارك في برنامج الاحتفال كلٌّ من القس عماد بطرس، رئيس مجمع المنيا الإنجيلي، والقس مدحت غطاس، راعي الكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا، والدكتور القس راضي عطالله، راعي الكنيسة الإنجيلية بالعطارين بالإسكندرية، والقس أمير صادق، راعي الكنيسة الإنجيلية الأولى بالمنيا، والقس عصام عطية، راعي الكنيسة الثانية بالمنيا، والقس كمال رشدي، الراعي الشريك بالكنيسة الإنجيلية الثانية بالمنيا، والقس ناجح فوزي، راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا الشرقية، كما شارك أيضًا: الشيخ الدكتور شريف فهيم، شيخ الكنيسة الإنجيلية بسيدي بشر الاسكندرية، والشيخ عادل زكي، شيخ الكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا، والشيخ نبيل فخري، رئيس لجنة شؤون الشيوخ بمجمع المنيا، والشيخ عزت إبراهيم، شيخ الكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا.

رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ الرئيس السيسي بعيد تحرير سيناءنائب محافظ أسوان يقدم العزاء في البابا فرانسيس بكنيسة الأقباط الكاثوليك.. صورخسارة كبيرة للإنسانية والمسيحية.. متحدث الكنيسة الأرثوذكسية ينعى البابا فرنسيسفروع منظمة خريجي الأزهر بالمحافظات تزور عددا من الكنائس لتقديم التهاني بمناسبة عيد القيامة ولتعزيز الوحدة الوطنية

وقدّم الدكتور القس أندريه زكي، خلال خطاب الحفل، التهنئة إلى الشيوخ والشمامسة المرتسمين الجدد وعائلاتهم، مضيفاً: "ونحن في أجواء القيامة والصليب، نتأمل اختيارات السيد المسيح الصعبة في بداية خدمته ونهايتها، بدءًا من التجربة على الجبل، مرورًا بالدخول الانتصاري إلى أورشليم، وصولًا إلى اختياره النهائي الصعب وهو الصليب."

وقال رئيس الطائفة الإنجيلية: "نحن نعيش في زمن تميل فيه الحياة إلى الاختيارات السهلة، لكن في الحقيقة، الاختيارات الصعبة هي التحدي الحقيقي في الحياة الروحية. فالإيمان المسيحي بدون الصليب يفقد جوهره، والاختيارات السهلة لا تُحقق روح الخدمة، ولا تبني كنيسة حية وراسخة."

واختتم كلمته قائلًا: "أصلي من أجل كنيستنا، ومن أجل كل خادم، أن تكون اختياراتهم دومًا نابعة من مشيئة الله. وحتى إن كانت صعبة، فلتكن تلك الاختيارات حياةً تمجّد الله، وتُحقّق رسالة الكنيسة."

مقالات مشابهة

  • باكستان تؤكد التزامها الراسخ بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • رئيس الطائفة الإنجيلية ينعى القس نصيف برهوم والقس أشرف بشاي
  • رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد رسامة شيوخ وشمامسة جدد بالكنيسة الإنجيلية الثالثة بالمنيا
  • الطائفة الإنجيلية تهنئ الرئيس والشعب بذكرى تحرير سيناء
  • اليوم.. الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر 2025
  • ليوم.. الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر 2025
  • الشرع يُعزي الطائفة الكاثوليكية الرومانية في وفاة البابا فرنسيس
  • سلاح حزب الله وشيعة لبنان: أي مكانة يتمتع بها لدى الطائفة وأي مستقبل يُرسم له؟
  • بطالة شباب غزة – جيل عالق بين الحصار والأمل