ماذا يعني أن تعيش حياة جيدة؟!
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
محمد بن أنور البلوشي
هذا المقال هو تأمل في أحد الأفلام الإنجليزية التي شاهدتها مؤخرًا، بعنوان "عندما بكى نيتشه"، وهو دراما نفسية تستكشف اللقاء الخيالي بين الفيلسوف فريدريش نيتشه والدكتور جوزيف بروير، في فيينا خلال القرن التاسع عشر. بينما يحاول بروير علاج معاناة نيتشه النفسية باستخدام أساليب التحليل النفسي المبكرة، تتحول جلساتهم إلى نقاشات فلسفية عميقة حول المعاناة، والمعنى، وحالة الإنسان.
ينسج الفيلم ببراعة موضوعات الوجودية، والحب غير المتحقق، والصراع الفكري، مسلطًا الضوء في النهاية على القوة التحويلية للاستكشاف الذاتي والتطهير العاطفي.
حسنًا، جميعنا نسعى للعيش حياة جيدة. سواء كنا بشرًا أو حيوانات، فكل كائن حي على هذا الكوكب يبحث عن الراحة، والإشباع، والإحساس بالغاية. الحياة في حد ذاتها هبة، منحت لنا من قبل الطبيعة، أو الكون، أو، بالنسبة للبعض، قوة عُليا.
ومع ذلك، يبقى تعريف الحياة الجيدة غامضًا. من الذي يقرر ما هي الحياة الجيدة؟ كيف نقيسها؟ هل يمكننا حقًا معرفة ما إذا كان شخص ما يعيش حياة جيدة؟ وماذا عن أولئك الذين سبقونا، هل كانت حياتهم أفضل أم أسوأ من حياتنا؟ يستمر هذا السؤال في التردد عبر الأجيال والثقافات، متحديًا الفلاسفة والمفكرين والأفراد العاديين على حد سواء.
كان فريدريش نيتشه، أحد أكثر الفلاسفة تطرفًا في العصر الحديث، يرفض الأخلاق التقليدية والتوقعات الاجتماعية كمحددات للحياة الجيدة. وبدلًا من ذلك، طرح مفهوم الإنسان الأعلى (Übermensch)، وهو الفرد الذي يخلق قيمه الخاصة ويتجاوز المعايير الاجتماعية.
قال: "من يملك سببًا للعيش يمكنه تحمل أي كيف"، مشددًا على أن المعنى، وليس الراحة، هو ما يحدد الحياة المُرضية. في نظره، ليست الحياة الجيدة بالضرورة حياة سهلة، بل هي تلك التي ينحت فيها الفرد مساره الخاص بقوة وتصميم.
من ناحية أخرى، رأى ألبير كامو، أحد أبرز المفكرين الوجوديين، الحياة من خلال عدسة العبثية. تساءل عما إذا كانت الحياة تمتلك أي معنى جوهري على الإطلاق. وقد جسد هذا في استعارة سيزيف، الذي يُجبر على دفع صخرة إلى قمة التل فقط لتتدحرج إلى الأسفل مرة أخرى، مما يعبر عن نضال الوجود البشري.
ومع ذلك، جادل كامو بأنه يجب أن نتخيل سيزيف سعيدًا. بالنسبة له، لا تكمن الحياة الجيدة في الهروب من المعاناة، بل في احتضان العبث والعيش بشغف رغم ذلك. إنها تتعلق بإيجاد الفرح في التحدي، في لحظات الجمال، وفي أفعالنا الشخصية للتمرد على العبثية.
أما أوشو، المعلم الروحي المثير للجدل، فقد اتخذ نهجًا أكثر مرونة وفردية. رفض الأطر الفلسفية الجامدة والمذاهب الدينية، ودعا بدلًا من ذلك إلى حياة عفوية ووعي عميق. قال: "لا تبحث، لا تسأل، لا تطرق، لا تطالب، استرخِ"، مشيرًا إلى أن الحياة الجيدة هي التي نعيشها في الحاضر، متحررين من توقعات المجتمع أو الماضي. كان يرى أن الفرح ينبع من الداخل، وليس مما تمليه الظروف الخارجية.
كما تناول الفلاسفة الروس هذا السؤال الأزلي. استكشف فيودور دوستويفسكي الأبعاد الأخلاقية والروحية للحياة، وغالبًا ما صور شخصيات تعاني بشدة، ولكنها تجد الخلاص من خلال الإيمان أو الصحوة الأخلاقية.
في رواية "الأخوة كارامازوف"، يقترح أن المعاناة والمحن قد تكونان عنصرين أساسيين في وجود هادف. وبالمثل، خلص ليو تولستوي، بعد سنوات من البحث، إلى أن الحياة الجيدة يجب أن تكون متجذرة في البساطة، والتواضع، والحب. ورفض في أعماله المتأخرة المادية، داعيًا إلى حياة خدمة الآخرين.
اتخذ نيكولاي بيردياييف، وهو فيلسوف روسي آخر، نهجًا مختلفًا؛ حيث جادل بأن الإشباع الحقيقي يكمن في الإبداع والحرية الروحية. ورأى أن البشر مبدعون، مصيرهم تشكيل عالمهم ومصائرهم.
وكتب: "يُكشف معنى الحياة فقط من خلال الأفعال الإبداعية". وهذا المنظور يتماشى، بطريقة ما، مع دعوة نيتشه للتغلب على الذات، ولكن مع تركيز أكبر على الجانب الروحي من الوجود البشري.
إذن.. ماذا يعني حقًا أن تعيش حياة جيدة؟ هل هو الثروة والنجاح المادي؟ هل هو راحة البال؟ هل هو الحب والعلاقات؟ أم هو السعي وراء المعرفة؟ أم مجرد البقاء على قيد الحياة؟ الإجابة متنوعة بقدر تنوع التجربة البشرية نفسها.
يجد البعض ذلك في الطموح والإنجاز، بينما يجده آخرون في البساطة والاستسلام. ربما تكون الحقيقة الوحيدة العالمية هي أن الحياة متغيرة باستمرار، وما يشكل حياة جيدة لشخص ما قد لا يكون نفسه بالنسبة لشخص آخر.
إنَّ السعي وراء حياة جيدة هو أمر شخصي بحت؛ فهو يتشكل من خلال الثقافة، والتجارب الشخصية، والتطلعات الفردية. إنه سؤال يجب أن يجيب عليه كل واحد منا بنفسه، ليس من خلال الامتثال الأعمى للمعايير المجتمعية، ولكن من خلال التأمل الذاتي والاختيار الواعي. في النهاية، ربما لا تكون الحياة الجيدة شيئًا يُعرَّف؛ بل شيئًا يُعاش بأصالة، وبشجاعة، وبقلب مفتوح.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حياة الفهد تعود لتتسيد الشاشة الخليجية بـأفكار أمي
تعود سيدة الشاشة الخليجية الفنانة الكويتية "حياة الفهد" من جديد هذا العام للأعمال الدرامية التلفزيونية من خلال مسلسلها "أفكار أمي"، بعد عملها الأخير "قرة عينيك" في عام 2023م، ويبدو أنها تعود بالشكل الدرامي الذي يحمل طابعا كوميديا مع جملة منوعة من الفنانين الذين يشاركونها بطولة المسلسل.
"أفكار أمي" تدور أحداثه حول "شاهة" التي تلعب دورها الفنانة حياة الفهد، تمثل شخصية امرأة قوية ومتحكمة تفرض أراءها وقراراتها وأفكارها على عائلتها المكونة من ابنتي زوجها "بزة" التي تلعب دورها الفنانة شيماء علي، و"فضة" التي تلعب دورها الممثلة السعودية هيلدا ياسين، حيث قامت "شاهة" بتربيتهما، ولكن بشيء من الشدة كما هو متضح في أحداث الحلقة الأولى، إلى جانب أخ شاهة "ضاحي" الذي يقوم بدوره إبراهيم الحساوي، ويعيش أيضا في منزلها، متحملا تسلطها وتحكمها في كل الأمور.
"شاهة" التي تستقبل النساء في بيتها، تعالج بالأعشاب، وتفسر الأحلام، وهو مكسبها الذي تستقبل فيه الأموال لتعيش وتعيل أسرتها، ويبدو أنها امرأة شديدة الحرص على المال، وتجبر "بزة" و"فضة" على العمل معها، فهي امرأة كبيرة تستصعب الحركة وتحتاج لمن يساعدها، وتقسم الملحق على أحد الشباب الذي يعيش حياته على السرقة والاحتيال، وامرأة تبحث عن رزقها من خلال خياطة الملابس والفساتين النسائية.
في الحلقة الثانية تظهر الفنانة البحرينية ريم إرحمة بدور "شمايل"، مغنية الأعراس الشعبية التي انقلبت أحوالها، وفقدت شعبيتها، واضطرت لترك بيتها والانتقال للسكن في بيت صغير بجانب منزل "شاهة"، المنزل الذي تدور فيه الكثير من الأحداث في داخله، ومع جيرانه، أحداث درامية تتصاعد وتهبط في كل حلقة.
ظهر الفنان حسن البلام كظهور مميز في الحلقة الثانية في أحد المشاهد، الذي كان طابعه الكوميدي ظاهرا وطاغيا، ولكنه لم يكن مؤثرا رئيسيا في الأحداث، فيما كان ظهور الفنانة زهرة الخرجي في دور "خزنة" صديقة قريبة من شاهة، ثرية وتملك شركة خاصة بتنظيم الأفراح والمناسبات، ويبدو من خلال أحداث الحلقة الثالثة أن هناك تفاصيل كثيرة ستربط بين "خزنة" و"شمايل" و"شاهة".
يعتمد المسلسل في بداية كل حلقة أسلوب الحكاية الذي يروى بلسان أحد أبطاله، وقد يكون هو الأسلوب الذي يتبعه المخرج لجذب المشاهد غالبا، وعلى الرغم من تميز المسلسل بالتصوير الدرامي الذي يعد عنصرا جاذبا هو الآخر، إلا أنه من خلال سير الأحداث يتضح أن المسلسل لن يحمل أن يحدث قوي، بل هو معتمد على الحوارات البسيطة والعفوية، والأسلوب الكوميدي السطحي، والأحداث الدرامية المتوقعة.
ربما قد تروق الأعمال الخفيفة كهذا العمل لبعض المشاهدين ولها جمهورها، إلا أن الدراما التي لا تحمل هدفا ولا رسالة لا تحقق مشاهدة عالية، كما أن مشاركة أسماء كبيرة في عمل ما لا سيما كالفنانة حياة الفهد التي لها تاريخها الطويل، وأعمالها التي يشار لها بالبنان، لا يستحق أن يربط أسمها بأعمال لا تليق بها، إلى جانب إبراهيم الحساوي وزهرة الخرجي وشيماء علي وغيرهم آخرون، غالبا ما كان وجودهم في بطولة الأعمال الدرامية مرتبطة بأعمال قوية، وقد يكون وجود هذه الأسماء في مسلسل "أفكار أمي" من شأنها أن تكون جاذبة للمشاهد، لما لها من شعبية جماهيرية كبيرة، كما أن مشاركة "عقيل الرئيسي" وزوجته "فرح الهادي" وابنهما "آدم" دورا كبيرا في جذب الجمهور ، لا سيما أن هذه العائلة تحتل مشاهدات ومتابعات الجمهور بشكل واسع في شبكات التواصل الاجتماعي.
المسلسل من تأليف عبدالمحسن الروضان الذي سبق ونجح في مسلسل "شارع 90"، فيما يخرج المسلسل "باسل الخطيب" المخرج السوري من أصل فلسطيني، وقدم عددا من الأعمال الناجحة في الساحة العربية أبرزها مسلسل "يوم بيوم"، "أيام الغضب"، "رسائل الحب والحرب"، "نزار قباني"، "هولاكو"، "أنا القدس"، "أبو زيد الهلالي"، إضافة لمجموعة كبيرة من الأعمال الشهيرة والناجحة.