رغد خضور **

العلاقات الصينية السورية بشكلها الدبلوماسي بين الدول قد تعود إلى ما يقارب الـ70 عامًا، إلّا أن العلاقة بين الشعبين تمتد إلى ما قبل ذلك بكثير؛ فالصين كانت مركز انطلاق قافلات الحرير التي كان لا بُد لها أن تعبر سوريا، لتوصل بضائعها إلى العالم؛ حيث كانت دمشق وحلب وتدمر عقدة طريق الحرير القديم، منذ آلاف السنين.

علاقة الصداقة هذه تستند إلى إرث طويل من الروابط والمبادئ المشتركة، وقد وُضعت على مدى عقود أمام تغيرات الأوضاع الدولية، إلّا أنها صمدت؛ بل وتطورت إلى علاقة شراكة استراتيجية، وهذا يعني، في الدبلوماسية الصينية، تعزيز التنسيق بين الجانبين، ويوفر، إلى جانب ذلك، حماية للاستثمارات الصينية في سوريا.

رسميًا أقام البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 1956، ليصل أول سفير صيني إلى دمشق عام 1957، وتعد سوريا من الدول التي طرحت مشروع قرار استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين كان هناك تعاون بين البلدين في المحافل الدولية والإقليمية.

وبناءً على هذه العلاقات دعمت الصين سوريا خلال سنوات الحرب عليها، مشددة على الحل السياسي ورفض التدخل الأجنبي في شؤونها، وعليه استخدمت بكين حق النقض الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولي، بالمقابل كانت سوريا تؤكد دعمها سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية الصين الشعبية.

الجانب السياسي لم يكن وحده الأساس الذي استندت عليه العلاقات بين البلدين، إذ كان للجانب الاقتصادي حيز مهم في هذه العلاقة، فإلى جانب كون التبادل التجاري بدأ منذ مئات السنين، تتمتع سوريا والصين بمجالات تعاون واسعة في الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتمويل.

وجرى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والتجاري، منها: اتفاقية التجارة والدفع (1955)، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (1963)، واتفاقية التجارة (1972)، واتفاقية التجارة الطويلة المدى (1982)، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار (1996)، واتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (2001)، واتفاقية منع الازدواج الضريبي (2003).

وفي عام 2004 وُقِّعَت اتفاقيات جديدة في مجالات النفط والغاز والري والمياه والزراعة والسياحة والتعاون الصناعي والصحي والتعليم العالي والبحث العلمي.

وكان لإنشاء مجلس الأعمال السوري الصيني المشترك تأثير ملحوظ في قيمة التعاملات التجارية واتساع جوانب التعاون المشترك على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، وسعت الصين لتعزيز استثماراتها في سورية عبر شركات كبرى مثل “سينوبك” و”سينوكيم” و”مؤسسة البترول الوطنية الصينية”.

وبلغ التبادل التجاري بين البلدين مع نهاية عام 2008 حوالي 2.27 مليار دولار، وفي الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2012 حوالي 3.5 مليار دولار، واستمر التعاون وفق الاتفاقيات الموقعة، وإن كان تأثير نتيجة الحرب على سوريا والمتغيرات العالمية الاقتصادية وغيرها، والتي أدت إلى انقطاع سلاسل التوريد؛ الأمر الذي كان له انعكاساته على عدد من المشاريع التي كان يعمل عليها الجانبان؛ حيث انخفض التبادل التجاري عام 2014 إلى ما يقارب 201 مليون دولار.

ولأن الصين تُعد من أهم الشركاء التجاريين بالنسبة لسوريا، كانت الأولوية بالاستيراد والتصدير تعطى للدول الصديقة، وهذا ما كان على أرض الواقع، ليرتفع التبادل التجاري مع الصين منذ عام 2021، والذي وصل إلى ما يقارب 528 مليون يورو لغاية الشهر الثامن من عام 2023.

وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن تعاون تجاري بين سوريا والصين دون التطرق إلى مبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها الرئيس الصيني عام 2013، وانضمت لها سوريا بشكل رسمي عام 2022، كإطار اقتصادي بحت للتعاون بما تمثله من مزيج استراتيجي جيوسياسي يخدم المصلحة الاقتصادية والسياسية المشتركة لكلا البلدين.

ومن خلال المساعدة التي يمكن أن تقدمها الصين إلى سوريا في إطار الحزام والطريق، يمكنها أيضًا أن تعكس ما تنطلق منه المبادرة من التأكيد على الشراكة المتساوية، كما أن انضمام سوريا يعد مؤشرًا على إمكانية تنفيذ مشاريع حيوية تفيد في مرحلة إعادة الإعمار، التي تؤكد الصين أهمية المشاركة الفعالة فيها.

وعلى الرغم من زخم التعاون والتبادل التجاري، إلّا أن الاستثمار الاقتصادي يحتاج إلى مناخ سياسي مستقر، فأي مشروع استثماري صيني في سوريا كان يصطدم بالعقوبات الغربية، إلا أن هناك بعض المشاريع التي كانت تعمل على الأرض، والتطور الأهم كان في المدينة الصناعية في عدرا؛ حيث كانت الشركات الصينية عام 2023 بطور إنجاز معاملاتها للاستثمار ضمنها، منها ما هو متخصص بالبيوت مسبقة الصنع ومواد البناء بشكل عام، إضافة لمعامل لإنتاج الدراجات الكهربائية متعددة الاستعمال، وبالمجمل كانت المعامل في المدينة الصناعية هي للتجميع وليس للتصنيع.

من جانب آخر، حققت جهود الحكومتين الصينية والسورية الهادفة لتعزيز التبادل في الجانب الاجتماعي والثقافي وإيجاد آلية مناسبة له نجاحًا كبيرًا، ويعود أول اتفاق تعاون ثقافي بين البلدين إلى عام 1965، وتبعه توقيع العديد من البرامج التنفيذية للاتفاقات الثقافية.

البرنامج التنفيذي بين عامي 2005-2008 تضمن التعاون في مجالات التعليم والفن والملكية الفكرية والسينما والآثار وغيرها، إلى جانب الندوات التدريبية والمؤتمرات العلمية والمهرجانات الثقافية والسينمائية والمسرحية.

ومن المنعكسات الإيجابية لهذا التعاون الثقافي تمثل بالاتفاقية الموقعة بين اتحاد الكتاب الصينيين واتحاد الكتاب السوريين عام 1983، ومع تطور التبادل الثقافي بين البلدين، اختار اتحاد الكتاب العرب في دمشق 105 روايات عربية، لأدباء عرب من القرن العشرين، لتتولى دار المعارف العالمية ببكين ترجمتها ونشرها، وتُرجِم منها حوالي 14 رواية.

كما قدمت الصين العديد من المنح الدراسية للطلاب السوريين للدراسة في الجامعات الصينية، سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو لمرحلة الدراسات العليا، ما يسهم في تطوير المهارات والمعرفة لدى الشباب السوري وتعزيز قدراتهم.

الجانب الإغاثي والإنساني كان حاضرًا بشدة في التعاملات الصينية السورية، ففي عام 2017 وقع الجانبان وثيقتين لتقديم مساعدات غذائية وإنسانية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، كما قدمت الصين اللقاحات خلال جائحة كورونا، إضافة للملابس والخيم والأدوية والأغذية والوحدات السكنية مسبقة الصنع وغيرها من مواد الإنقاذ العاجل بعد الزلزال المدمر الذي ضرب عدة محافظات سوريَّة عام 2023.

اليوم، ومع التحولات السياسية الحاصلة في الملف السوري، أكدت بكين مواصلة دعمها للشعب السوري، وفقًا لما صرح به وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فيما التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، سفير جمهورية الصين الشعبية في دمشق، شي هونغ وي، وذلك في إطار سلسلة الزيارات واللقاءات لمسؤولين إقليميين ودوليين، للاطلاع على رؤية الإدارة الجديدة، على الرغم من عدم ورود أي تفاصيل حول فحوى الاجتماع.

وبناءً على ذلك يبرز السؤال حول: كيف ستتعامل الصين مع الإدارة السورية الجديدة؟ وهل ستستمر برؤية سوريا منصة استثمارية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"؟

** صحفية سورية

** ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حزب المصريين: تنوع طروحات الأراضي الصناعية يدعم القطاعات الاستراتيجية

​​​​​أكد الدكتور خالد مهدي، أمين لجنة الصناعة بحزب ”المصريين“، أن استمرار وزارة الصناعة في طرح الأراضي الصناعية للمستثمرين بنظامي التملك أو حق الانتفاع، مع تقديم تسهيلات مالية وإجرائية كبيرة، يعد خطوة استراتيجية مهمة نحو تعزيز البيئة الاستثمارية في مصر، وتحفيز القطاع الصناعي باعتباره قاطرة التنمية الاقتصادية، موضحًا أن هذه السياسات تأتي في إطار رؤية الدولة المصرية لزيادة معدلات الإنتاج المحلي، وتوطين الصناعات، وتقليل الفجوة الاستيرادية، وهو ما يعزز من قوة الاقتصاد الوطني.

وأضاف ”مهدي“، في بيان اليوم الإثنين، أن الطرح المستمر للأراضي الصناعية، والذي وصل الآن إلى الطرح التاسع، يعكس التزام الحكومة بتوفير بيئة داعمة للمستثمرين الجادين، كما أنه يمنح الصناع فرصة حقيقية للتوسع وزيادة استثماراتهم، مما يساهم بشكل مباشر في خلق المزيد من فرص العمل، وتعزيز تنافسية المنتجات المصرية محليًا وعالميًا.

وأشار أمين لجنة الصناعة بحزب ”المصريين“ إلى أن التيسيرات المالية والمستندية التي تقدمها الدولة في هذا الطرح تمثل عامل جذب قوي للمستثمرين، حيث تتيح لهم فرصة الحصول على الأراضي بأسعار تنافسية، مع خيارات متنوعة لطرق السداد، إضافة إلى تقليل الأعباء البيروقراطية وتسريع الإجراءات، وهو ما يساعد على تسريع عملية إنشاء المشروعات الصناعية ودخولها مرحلة التشغيل والإنتاج في وقت قياسي.

وأوضح أن اختيار مواقع الأراضي الصناعية في مختلف المحافظات يعزز من توزيع التنمية الصناعية بشكل متوازن في جميع أنحاء الجمهورية، ويخلق فرصًا استثمارية جديدة في المناطق غير التقليدية، مما يحقق التنمية المستدامة ويعزز النمو الاقتصادي في الأقاليم المختلفة، مشددًا على أن تنوع الطروحات واستمراريتها يمنح المستثمرين خيارات متعددة تتناسب مع طبيعة أنشطتهم الصناعية واحتياجاتهم الإنتاجية، سواء في القطاعات الغذائية، أو الهندسية، أو النسيجية، أو غيرها من الصناعات الاستراتيجية التي تسعى الدولة لدعمها.

ولفت الدكتور خالد مهدي إلى أن اهتمام وزارة الصناعة بطرح الأراضي وفق معايير تضمن الجدية في التنفيذ يعزز من ثقة المستثمرين في المناخ الصناعي المصري، ويدعم توجه الدولة نحو تحقيق مستهدفات رؤية "مصر 2030"، التي تضع الصناعة كأحد المحاور الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية.

ودعا ”مهدي“ المستثمرين إلى الاستفادة من هذه الفرص الصناعية المتميزة، والاستثمار في المشروعات التي تلبي احتياجات السوق المحلي والتصدير، مؤكدًا أن الدولة المصرية مستمرة في تقديم كل أشكال الدعم لتشجيع الاستثمار الصناعي، باعتباره الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة وتعزيز مكانة مصر كوجهة صناعية إقليمية وعالمية.

مقالات مشابهة

  • نجاح للحكومة.. متحدث الوزراء: لدينا مخزون استراتيجى من السلع الاستراتيجية
  • وزير خارجية إسرائيل: لا يمكن أن تستمر حماس في استعادة قدراتها العسكرية
  • الفرقة الرابعة.. الإمبراطورية التي نهبت اقتصاد سوريا
  • ريفي أشاد بأداء وزير الداخلية: نتمنى أن تستمر الخطة الأمنية في طرابلس
  • انخفاض في أسعار الذرة والصويا الذرة وسط الرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين
  • ولد الرشيد يستقبل وزير خارجية ألبانيا ويؤكدان على تعزيز الشراكة بين البلدين
  • حزب المصريين: تنوع طروحات الأراضي الصناعية يدعم القطاعات الاستراتيجية
  • الانتخابات ومبدأ الشراكة على طاولة مسعود بارزاني ووفد الحزب الإسلامي
  • متحدث الوزراء: الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي تشمل ملفات اقتصادية وسياسية هامة