تحقيق: ناصر أبوعون

يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [ذِكْرُ عِيْدِ الْفِطْرِ بِظَفَارِ.. فَلَّمَا اِسْتَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ، فَأَصْبَحَ الْعِيْدُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْأُفْقِ غَيْمٌ فَلَا إِشْكَالَ -وَالْحَمْدُ للهِ- فَخَرَجَ السُّلْطَانُ تَيْمُورَ لِلصَلَاةِ بِمَوْكِبٍ بَاهِرٍ فَصَلَّى هُوَ وَأَهْلُ الدَّعْوَةِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهَالِي ظَفَارِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَمَّا اِنْقَضَتِ الصَّلَاةُ، وَتُلِيَتِ الْخُطْبَةُ أُطْلِقَتِ الْمَدَافِعُ، وَنَادَى فِي النَّاسِ مُنَادِيْهِ بِالضِّيَافَةِ الْعَامَةِ لِأَهَالِي الْبِلَادِ جَمِيْعًا؛ فَأَتَوْهُ زَرَافَاتٍ وَجَمَاعَاتٍ، فَوَقَفَ لِتَرْتِيْبِهِمْ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَكَلُوا جَمِيْعًا، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْأَكْلِ رَجَعُوا، وَكُلُّهُمُ أَلْسُنُ ثَنَاءٍ وَشُكْرٍ؛ لَأَنَّ الْوُلَاةَ بِظَفَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَاتِهِمْ إِطْعَامُ الرَّعِيَّةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ مَزِيَّة اِخْتُصَّ بِهَا السُّلْطَانُ وَلَا غَرْوَ:

مِنْ آلِ سُلْطَان الَّذيْنَ اِسْتَعْبَدُوا // كَرَمَ النُّفُوْسِ وَكَانَ قَبْلَ مُحَرَّرَا

وَبَعْدَ اِنْقَضَاءِ الْعِيْدِ الْمُبَارَكِ دَعَا السُّلْطَانُ جَمِيْعَ الْقَبَائِلِ الْجَبَلِيَّةِ لِلْمُوَاجَهَةِ، فَلَبُّوا الدُّعَاءَ جَمِيْعًا مِنْ (سَدْح) إِلَى (رخْيُوتَ)، وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَيهِ أَمَرَ بِإِطْعَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ.

وَأَرَادَ السُّلْطَانُ مِنْهُمْ أَنْ يَبْقَى الْأَعْيَانُ مِنْهُمْ والْأَكَابِرُ، وَيَرْجِعَ بَاقِيْهُمْ. فَقَالَ بَعْضُ أَعْيانِهِمْ لِلسُّلْطَانِ: (إِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَسْمَعَ جَاهِلُنَا بِأُذْنَيْهِ مَا تُرِيْدُهُ مِنَّا وَتَشْرِطُهُ عَلَيْنَا). فَاسْتَحْسَنَ السُّلْطَانُ هَذَا الرَّأْيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِعُذْرِ الْجَاهِلِ وَأَقْوَمَ حُجَّةً عَلَيْهِ].

....

 عيد الفطر يوم الجائزة

[ذِكْرُ عِيْدِ الْفِطْرِ بِظَفَارِ] (عيد الفطر) أيام مَسَرّة تتكرر في موعدٍ معلوم من السنة، وهو أحد عِيْدَي المسلمين، يعقبُ صيام رمضان، ويَحُلُّ في اليوم الأول من شوّال، ويُسمَّى (يوم الجائزة) كما في حديث: (إذا كانَ يومُ عيدِ الفِطرِ وقفتِ الملائكةُ على أبوابِ الطُّرُقِ، فنادَوا: اغْدوا يا مَعشرَ المسلِمينَ إلى ربٍّ كريمٍ، يَمُنُّ بالخيرِ، ثمَّ يُثيبُ عليهِ الجزيلَ، لقد أُمِرتُم بقيامِ اللَّيلِ فقُمتُم، وأُمِرتُم بِصيامِ النَّهارِ فصُمتُم، وأطَعتُم ربَّكم، فاقبِضُوا جَوائزَكُم، فإذا صلَّوا نادى منادٍ: ألا إنَّ ربَّكم قد غَفرَ لكم، فارجِعوا راشدينَ إلى رحالِكم، فهوَ يومُ الجائزةِ، ويُسمَّى ذلكَ اليومُ في السَّماءِ يومَ الجائزةِ)(01). ودلَّ على معناه ما رواه عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- لمّا قِيلَ له: (شَهِدْتَ مع رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العِيدَ، أضْحًى أوْ فِطْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، ولَوْلَا مَكَانِي منه ما شَهِدْتُهُ -يَعْنِي مِن صِغَرِهِ- قَالَ: خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ولَمْ يَذْكُرْ أذَانًا ولَا إقَامَةً، ثُمَّ أتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وذَكَّرَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ بالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إلى آذَانِهِنَّ وحُلُوقِهِنَّ، يَدْفَعْنَ إلى بلَالٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ هو وبِلَالٌ إلى بَيْتِهِ)(02).

الاسم القديم لشهر (شَوَّال)

[اِسْتَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ] (اِسْتَهَلَّ) ظهر هلالُه، ودلَّ عليه قول الأعشى الكبير [إِذَا اِحْمَرَّ آفَاقُ السَّمَاءِ وَأعْصَفَتْ/رِيَاحُ الشَّتَاءِ وَ(اِسْتَهَلَّتْ) شُهُورُهَا (03)]. و(شَوَّالٍ) مُفرد والجمع (شَوَّالات، وشَواويل، وشَواوِل، وشوائل)، وهو الشهر العاشر من شهور السنة الهجرية وكان يُسمّى قديما (وَعِلٌ)، وقال الفراء والمرزوقي: إنما سمي (شوالاً) لأن الألبان تَشُول فيه، أي تَقِل. وكانت العرب تكره التزويج فيه تشاؤمًا، فأبطل رسولنا الكريم طِيْرَتهم وتشاؤمهم بأن خَطَبَ وتَزَوَّجَ فيهِ أمُّ المؤمنين عائشةَ – رضي الله عنها- إذ قالت: (تزوّجَني رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم)في شوالَ، وبَنَى بي في شوَّالَ. وكانت عائشةُ تستَحِبّ أن يُبْنَى بنسائِها في شوَّالَ)(04).

حُكمُ صَلاةِ الجُمُعةِ لِمَنْ صَلَّى العِيدَ

[لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ، فَأَصْبَحَ الْعِيْدُ]، أي: اجتمع (العيد والجمعة في يوم واحد). وهنا أيضًا حُكم فِقْهيّ ألمح إليه الشيخ عيسى الطائيّ دونما تصريح، وهو يستوجب التوضيح والتفصيل الموجز فيه، وهو (حُكمُ صَلاةِ الجُمُعةِ لِمَنْ صَلَّى العِيدَ)، وفيه قولان؛ القول الأول: يرى أنّ (صلاة الجمعة لا تسقط)؛ وهو مذهب الجمهور: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وبه قال أكثر الفقهاء، واختاره ابن المنذر، وابن حزم، وابن عبد البر. والقول الثاني: رأى أنّ (صلاة الجمعة تسقط عمن حضر صلاة العيد)، وإن كان (يجب على الإمام إقامتها)، وهذا مذهب الحنابلة، وبه قالت طائفة من السلف، واختاره ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين، ونقل عن عدد من الصحابة بلا مخالف لهم)(05).

استطلاع هلال شهر شوّال

[وَلَمْ يَكُنْ بِالْأُفْقِ غَيْمٌ فَلَا إِشْكَالَ -وَالْحَمْدُ للهِ-]، أي: (كانت السماء صافية لا غيوم فيها، وفي العبارة إشارة إلى الحديث النبويّ الشريف: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قالَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرُونَ لَيْلَةً، فلا تَصُومُوا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ (غُمَّ) علَيْكُم فأكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ)؛ والمعنى: فإنْ لم تَرَوُا الهلالَ ولم يَظهَرْ لكم لأيِّ سَببٍ مِن الأسبابِ -كغيَمٍ ونحْوِه- فأتِمُّوا عِدَّةَ أيَّامِ شَهْرِ شعبانَ ثلاثينَ يَومًا (06)[فَخَرَجَ السُّلْطَانُ تَيْمُورَ لِلصَلَاةِ بِمَوْكِبٍ بَاهِرٍ] (مَوْكِبٍ بَاهِرٍ) مفرد والجمع (مواكب) وهو الجماعة من الناس يسيرون مشاةً ورُكبانًا، وقيل: (ضربٌ من السير فيه تؤدة ورفق. ومنه قول عقبة بن سابق الهزِّنيّ العنزيّ يصف الناقة السائرة في الموكب: [وَعَنْسٍ قَدْ بَرَاهَا لَذْ/ذَةُ (الْمَوْكِبِ) وَالشَّرْبِ (07)].

السلطان يُصلّي العيد في ظفار

[فَصَلَّى هُوَ وَأَهْلُ الدَّعْوَةِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهَالِي ظَفَارِ بِأَنْفُسِهِمْ] (فَصَلَّى هُوَ وَأَهْلُ الدَّعْوَةِ)، أي صلّى السلطان تيمور العيد بإمامة (أهل الدعوة)، أو كما أَطْلق عليهم العلاّمة الشيخ نور الدين السالمي اسم (أهل الحق والاستقامة)، وسُمُّوا أيضًا (الوهبيّة) نِسْبةً إلى عبدالله بن وهب الراسبيّ، وهم (الإباضيّة) انتسابًا إلى عبدالله بن إباض التميميّ، وفكرًا إلى جابر بن زيد وهو من أئمة المُحدّثين الأوائل. وهذا المسمّى الأخير لم يُستعمل إلا في أواخر القرن الثالث الهجريّ. وفي تعبير الشيخ عيسى بن صالح الطائيّ عن هذا الموقف دلالة على إقرار أهل عُمان لمبدأ التقارب بين المذاهب والتسامح الدينيّ منذُ حركة المؤسسين الأوائل للمذهب.

حُكم خطبة العيد بعد الصلاة

[وَلَمَّا اِنْقَضَتِ الصَّلَاةُ، وَتُلِيَتِ الْخُطْبَةُ] في العبارة إشارة من الشيخ عيسى الطائي إلى حُكم فقهيّ مخصصٌ في (صلاة العيد) وثابت بدليل نقليّ في أحاديث كثيرة نذكر منها ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (شَهِدْتُ مع رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَومَ العِيدِ، فَبَدَأَ بالصَّلَاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، بغيرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ). وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبْدِاللهِ -رَضِي اللهُ عنهما- أنَّه حضَرَ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ العيدِ في يومِ عِيدِ فِطْرٍ أو أضْحَى، فصَلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ العيدِ أوَّلًا، ثمَّ خَطَبَ خُطبةَ العيدِ، ولم يَكُنْ لِصَلاةِ العيدِ أذانٌ ولا إقامةٌ (08).

تاريخ إطلاق مدفع رمضان

[أُطْلِقَتِ الْمَدَافِعُ] ليلةَ الجمعة ابتهاجًا وفرحًا بحلول يوم العيد، وتلك عادة قديمة بدأت في عصر السلطان المملوكي (خوشقدم) في القرن الخامس عشر، ثُمّ أقرها الخديوي إسماعيل بمرسوم عام 1877م، أمّا على مستوى دول الخليج العربيّ فتعدُّ سلطنة عُمان في الترتيب الثالث في تطبيق تقليد إطلاق المدافع احتفالا بدخول شهر رمضان وابتهاجًا بحلول أيام العيد؛ فقد بدأت هذه العادة في مكّة قبل سنة (1884م)، ثم في الكويت سنة 1907، ثُمّ في عُمان أيام حكم السلطان تيمور (15 أكتوبر 1913 حتى 10 فبراير 1932)، ثم في مملكة البحرين في الثلاثينيات من القرن العشرين.

السلطان تيمور يستضيف أهل ظفار

[وَنَادَى فِي النَّاسِ مُنَادِيْهِ بِالضِّيَافَةِ الْعَامَةِ لِأَهَالِي الْبِلَادِ جَمِيْعًا] (المنادي) مهنة قديمة اندثرت، وقد عُرِفَت وظيفة (المنادي أو المذيع) في الأنظمة السياسية الشَّرفية في مصر إبان العصر الرومانيّ. و(المنادي) رجل جهوريّ الصوت ويُحْسِن نظم الكلام في أوزان ليترك أثرًا في الآذان، ويتجوّل في شوارع المدن والقرى لإعلان القرارات والفرمانات التي يصدرها الحاكم أو السلطان؛ إذ يدور المنادي في الأسواق وبين المناطق السكنية، إما مَشْيًا على الأقدام أو رُكوبا على الدوابّ، ليخبرَ الناس بنص القرار أو الفرمان مصاحبا ذلك بضرب الدف أو الطبل ليلفت انبتاه الناس(09).

عِلّة استعمال (زَرَافَاتٍ) و(أَتَوْهُ)

[فَأَتَوْهُ زَرَافَاتٍ وَجَمَاعَاتٍ] والمعنى أنّ أهل ظفار لبّوا دعوة السلطان تيمور على الطعام في يوم عيد الفطر، (فَأَتَوْهُ زَرَافَاتٍ) أي: جماعات ووفود. وكلمة (زَرافات) جمعٌ الجمعِ مثل قولهم للمفرد: (رَجُل) وجمعها: (رجال) وجمع الجمع (رجالات)؛ وعليه فكلمة (زَرَافة) مفرد وجمعها: (زَرَف)، وجمع الجمع: (زَرَافات). وهذا تعبير شائع الاستعمال عند العرب، ودَلَّ عليه بيت للشاعر قٌريظ بن أُنيف العَنبريّ: [قَوْمٌ إِذَا الشَّرُّ أَبْدَىَ نَاجِذَيْهِ لَهُمْ/طَارُوا إِلَيْهِ (زَرَافَاتٍ وَوُحِدَانَا) (10)].

كما استعمل شيخنا عسيى بن صالح الطائيّ الفعل (أَتَوه) ولم يقل: (حضروا) أو (جاءوا) أو (وَرَدُوا) أو (أقبلوا) وذلك لوجاهةٍ لغوية؛ فلم يقل: (أقبلوا زَرَافَاتٍ وَوُحِدَانَا)؛ لأن (الإقبال لا يكون إلا بعد الإدبار)، وشاهده قول الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (سورة الصافات، الآية: 27). ولم يقل (وردوا)؛ لأنه تعبير يُقال لـ(قَصْدِ الماء)، وشاهده قول الله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} (سورة هود، الآية: 98). ولم يقل (حضروا)؛ لأنه لم يكن هناك اتفاق بينهم وبين السلطان تيمور على موضوع محدد لمناقشته وشاهده قول الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} (سورة الأحقاف، الآية: 29). ولم يقل (جاءوا)؛ لأنّ المجيء يعني الاقتراب شيئا فشيئا، وشاهده قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} (سورة الأنعام، الآية61). ولكن تعبير الشيخ عيسى الطائيّ بالفعل (أَتَوْهُ) فيه دلالة على وصول المدعوين تلبيةً لدعوة السلطان من أماكن متباعدة في جبال ظفار. وكذلك يُقال للمُقبل من بعيد مع الجهل بمعرفة المكان الذي خرج منه (آتٍ)، ويُقال للذي تراه العين من بعيد ولمَّا يصل بعدُ (آتٍ).

ما الفرق بين الثناء والشكر؟

[فَوَقَفَ لِتَرْتِيْبِهِمْ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَكَلُوا جَمِيْعًا] (تَرْتِيْبهِمْ بِنَفْسِهِ)، أي: وضعهم في منازل ودرجات، وقام على خدمتهم. وهذا الموقف يدل على الحُنكة السياسية التي كان يتمتع بها السلطان تيمور. وشاهد المعنى في قول الجاحظ يصف قوم سلمان الفارسيّ: "وَلَعَمْرِي، لَقَدْ كَانَ فِي قَوْمٍ قَدْ سَاسُوا النَّاسَ سِيَاسَةً، و(رَتَّبُوهُم تَرْتيبًا)"(11)[فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْأَكْلِ] (فَرَغُوا) بمعنى (انتهوا)، وشاهده من القرآن {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} (سورة الشرح، الآية: 7) [رَجَعُوا وَكُلُّهُمُ أَلْسُنُ ثَنَاءٍ وَشُكْرٍ]، ومعنى (رَجَعُوا): عادوا وآبوا بعد ذهابهم تلبية لدعوة السلطان. ودلّ على معنى الفعل قولٌ منسوب إلى كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ (والْأَوَّلُون كَالآخَرِينَ، كُلُّ ذَلِكَ إِلَى بَلَاءٍ، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَصْلِحُوا أَمْوَالَكُمْ؛ فَهَلْ رَأَيْتُمْ مَنْ هَلَكَ (رَجَعَ)، أَوْ مَيِّتًا نُشِرَ؟)(12). وفي تعبير الشيخ عيسى الطائي بعبارة (وَكُلُّهُمُ أَلْسُنُ ثَنَاءٍ وَشُكْرٍ) فيه لطيفة لغوية وإحالة للتفريق بين (الحمد, والتمجيد, والثناء)، وفي هذه المعاني يقول الصنعاني في (نيل الأوطار) تفصيلا وشرحًا لحديث: (قَسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ) (حَمَدَنِي عبدي، وَأَثَنَى عَلَيَّ عبدي، ومَجَّدَنِي عبدي) الحمد الثناء بجميل الفعال، والتمجيد الثناء بصفات الجلال، والثناء مشتمل على الأمرين، ولهذا جاء جوابا للرحمن لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية، حكى ذلك النووي عن العلماء"، بينما (الشُكْر) يكون على الصنيعة المتعدية إلى الغير، والشكر يدخل تحت الحمد، وهو أخصُّ من الحمد سببًا، والشكر يكون باللسان والجنان والأركان" (13).

إطعام الشعب مَزِيَّةٌ للسلطان تيمور

[الْوُلَاةَ بِظَفَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَاتِهِمْ إِطْعَامُ الرَّعِيَّةِ] (لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَاتِهِمْ)، أي لم يكن من سياستهم أو طبعهم أو تقاليدهم (إِطْعَامُ الرَّعِيَّةِ) (الرَّعيّة) مفرد والجمع (رَعَايَا)، ومعناها: الجمعُ المَسُوْسُ من الناس، المُدَبَّرُ أَمْرُهُ. وشاهده في قول عامر بن الظَّرب العَدْوانيّ يخاطب مَلِكًا غَسَّانيًّا: "أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا أَحْسَبُ أَنَّ رَغْبَتَكَ فِيَّ بَلَّغَتْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي مُلْكَكَ، فَقَدْ قَبِلْتُ إِذْ وَلَّيْتَنِي أُمُوْرَ (رَعِيَّتِكَ) وَقَوْمَكَ"(14) [هَذِهِ مَزِيَّة اِخْتُصَّ بِهَا السُّلْطَانُ تيمور] (المَزِيَّة) مفردٌ والجمع (مَزَايا) ومعناها الفضيلة التي يمتاز بها المرء على غيره، ونقرأ شاهدها اللغوي في قول الرَّقَّاص الكلبيّ: [رَأَيْتُ لِمَسْعُودِ بْنِ بَحْرٍ (مَزِيَّةً)/وَبَيْتًا، وَفَيْضًا يَرْتَجِيْهِ الدَّعَائِمُ(15)] [وَلَا غَرْوَ]، أي: (ولا عَجَبَ) من مَزِيَّة (إطعام الرعيّة) التي استنّها السلطان تيمور. وفي الجملة إيجاز بالحذف تقديره: (إنّ الكرم عادة متأصِّلة في السلطان لا مكتسبة). وللتأكيد على توارث مَزِيَّة الكرم ساق لنا الشيخ عيسى الطائي بيتًا شعريا لابن شهاب العلوي، وقد أجراه مجرى المثل العربيّ والذي يقول فيه: [مِنْ آلِ سُلْطَان الَّذيْنَ اِسْتَعْبَدُوا/ كَرَمَ النُّفُوْسِ وَكَانَ قَبْلَ مُحَرَّرَا]؛ وهذا البيت ترتيبه الرابع والثلاثون من قصيدة ابن شهاب العلويّ أبو بكر بن عبدالرحمن بن محمد بن شهاب الدين، باعلويّ الحسيني، من آل السقاف، قريع البلغاء، ومعجز الفصحاء، وشاعر الزمن، والفقيه، العالم بالفنون. من أهل حضرموت. وُلِدَ بحصن (آل فاوقة) من قرى تريم، وطاف بلاد العرب وقصد الهند فسكن حيدر آباد الدكن، واتسعت شهرته في الهند وجاوة والملايو، بمحاربته البدع، وسلوكه طريقة السلف الصالح. توفي في حيدر آباد. له نحو30 كتابا في الأصول والفقه والمنطق والطبيعة والكيمياء والفلك والحساب والأدب، منها (ذريعة الناهض- ط) منظومة في الفرائض، و(رشفة الصادى في مناقب بني الهادي- ط)، و(الترياق النافع بإيضاح جمع الجوامع- ط)، و(سلالة آل باعلوي- ط)، و(ديوان شعر- ط)، و(إقامة الحجة على ابن حجة- ط) في نقد بديعية ابن حجة الحموي، و(نزهة الألباب في رياض الأنساب)(16).

تحديد أيام عيد الفطر والأضحى

[وَبَعْدَ اِنْقَضَاءِ الْعِيْدِ الْمُبَارَكِ]، وفي هذه العبارة إشارة فقهية من الشيخ عيسى بن صالح الطائيّ إلى تحديد أيام عِيْدَي (الفِطْر) و(الأضحَى)، ودلّ عليها الحديث النبويّ (يومُ الفِطْرِ، ويومُ النحرِ، وأيامُ التشريقِ، عيدُنا أهلَ الإسلامِ، وهىَ أيامُ أكْلٍ وشُرْبٍ) (17)؛ وعليه فإن عيد الفطر (يوم واحد)، وعيد الأضحى تلحق به ثلاثة أيام هي أيام التشريق المذكورة في قول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍۚ}، (سورة البقرة، الآية: 203).

السلطان تيمور يُقر مبدأ الشورى

[دَعَا السُّلْطَانُ جَمِيْعَ الْقَبَائِلِ الْجَبَلِيَّةِ لِلْمُوَاجَهَةِ] [فَلَبُّوا الدُّعَاءَ جَمِيْعًا مِنْ (سَدْح) إِلَى (رخْيُوتَ)] [وَعِنْدَمَا وَصَلُوا إِلَيهِ أَمَرَ بِإِطْعَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ] [وَأَرَادَ السُّلْطَانُ مِنْهُمْ أَنْ يَبْقَى الْأَعْيَانُ مِنْهُمْ والْأَكَابِرُ، وَيَرْجِعَ بَاقِيْهُمْ] (الْأَعْيَانُ)، و(عُيون)، و(أعْيُن) جموعٌ ومفردها (عَيْنٌ) ومعناها في سياق الكلام (الأشراف والسادة والوجهاء)، وقد سبق الإشارة إليه بأدلة شواهده في مواضع عديدة من المخطوط. وأمَّا (الأكابر) و(كُبَر) جمعانِ والمفرد منهما (أكبر)، وهم (العظماء الأجِلّاء)، والشاهد على معناها قول قس بن ساعدة الإياديّ: [وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا/تَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرُ(18)] [فَقَالَ بَعْضُ أَعْيانِهِمْ لِلسُّلْطَانِ إِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَسْمَعَ جَاهِلُنَا بِأُذْنَيْهِ مَا تُرِيْدُهُ مِنَّا وَتَشْرِطُهُ عَلَيْنَا](جَاهِلُنَا) الجاهل اسم مفرد وجمعه (جُهَّل)، و(جُهَلاء)، و(جَهَلَة)، و(جَوَاهِل)، و(جُهَّال) ومن معانيه (المعتقد في الأمر خلاف ما هو عليه، وهو نقيض المعرفة) ومن شواهده في شعر تأبَّط شَرًّا الفهميّ: [بِهَا الرَّكْبُ، أَيْمَا يَمَّمَ الرَّكْبُ يَمَّمُوا/وَإِنْ لَمْ تَلُحْ، فَالْقَوْمُ بِالسَّيْرِ (جُهَّلُ) ([19)] (وَتَشْرِطُهُ عَلَيْنَا) أي: تفرضه علينا وتلزمنا إيّاه. ومن معانيه قول الفِنْد الزَّمانيّ البكريّ: [وَقَدْ (شَرَطْتُمْ) عَلَيْنَا فِي تَجَاوُرِنَا/(شَرْطَ) الخَلَاجِ عَلَى غَوْثِ بْنِ هَنَّادِ(20)] [فَـاسْتَحْسَنَ السُّلْطَانُ هَذَا الرَّأْيَ] (اسْتَحْسَنَ) استجاده وفضّله على غيره من الآراء. ودليل شاهده من الشعر في قول قول الربيع بن ضَبُع الفَزَاريّ يصف فعْل الزمان به حينَ هَرِمَ، وقَدَّمَ عليه غيرَه من ذَوِي الدناءة: [لَمَّا جَثَوْتُ جَثَا عَلَيَّ لَطِيْمَةً/وَ(اسْتَحْسَنَ) الْقَيْصُوْمَ وَالتَّنُّوْمَا (21)]؛ [لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِعُذْرِ الْجَاهِلِ وَأَقْوَمَ حُجَّةً عَلَيْهِ] جملة تعليلية، ومعنى (أَقْطَعَ لِعُذْرِ الْجَاهِلِ): (يكبته ويغلبه). ومعنى (أَقْوَمَ حُجَّةً): (أبلغ دليل) ومن شواهد هذه المعاني في ترثنا العربيّ التليد قول القاسم بن إبراهيم الرَّسّيّ: [كَانَ الْقُرَآنُ وَالْحِكْمَةُ عَلَى الْإِمَامِ دَلِيْلَا، وَإِلَى وُجُوْدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْمَطْلَبِ سَبِيْلَا، إنَّ مَطْلَبَه فِي الْقُرَآنِ أَسْهَلُ عَلَىَ الطَّالِبِيْنَ، وَ(أَقْطَعُ) بَيَانًا، وَأَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ عَلَىَ الْمُتَجَاهِلِيْنَ(22)].

المراجع والمصادر:

(01) الراوي: أوس بن ثابت الأنصاري والد سعيد، المحدث: الألباني، المصدر: ضعيف الترغيب، ص أو رقم: 670، خلاصة حكم المحدث: ضعيف، أخرجه الطبراني (1/226) (620) باختلاف يسير.

(02) الراوي: عبدالله بن عباس، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص أو رقم: 5249 | خلاصة حكم المُحدِّث: [صحيح]، أخرجه البخاري (5249)، ومسلم (884).

(03) المصباح المنير في شعر أبي بصير ميمون بن قيس بن جندل الأعشى والأعْشَيْن الآخَرين، مطبعة آدلف هلزهوسن، دار ابن قتيبة، الكويت، ط2، 1993م، ص: 231.

(04) الراوي: عائشة أم المؤمنين، المُحَدِّث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، ص: أو رقم: 1172، خلاصة حُكْم المُحَدث: [صحيح]، أخرجه مسلم (1172).

(05) الدرر السنيّة، الموسوعة الفقهية، كتاب الصلاة، الباب: 11 صلاة الجمعة، الفصل الثاني: من تجب عليهم صلاة الجمعة، وحكمها لمن صلى العيد، المبحث الثالث: حكم صلاة الجمعة لمن صلى العيد. https: //dorar.net/feqhia/1596

(06) الراوي: عبدالله بن عمر، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص أو رقم: 1907، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]، أخرجه مسلم (1080) باختلاف يسير.

(07) الأصمعيات، الأصمعي (ت، 216هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1967م، ص: 40.

(08) الراوي: جابر بن عبدالله، المُحَدِّث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، ص أو رقم: 885، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح]، أخرجه البخاري (961)، ومسلم (885).

(09) الإعلام والمجتمع، عزام أبو الحمام، عَمَّان، دار أسامة للنشر والتوزيع، 2010.

(10) شرح ديوان الحماسة، الخطيب التبريزي (ت، 502هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة حجازي، القاهرة، 1938م، 15/1

(11) كتاب العثمانية، الجاحظ(ت، 255هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991م، ص: 186

(12) صبح الأعشى، أبو العباس القلقشنديّ (ت، 821هـ)، المطبعة الأميرية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1922م، 1/211-212

(13) انظر: (الفروق اللغوية) للعسكري، ص: 50، 51)، و(بدائع الفوائد) لابن القيم (2/ 93)، و(جلاء الأفهام) لابن القيم، ص: 316)، و(روح المعاني) للألوسي (1/ 73).

(14) كتاب المُعمّرين، أبو حاتم السِّجِسْتانيّ (ت، 255هـ)، تحقيق: إيغناس غولد زيهر، مطبعة بريل، ليدن، 1899م، ص: 52

(15) ديوان شعراء بني كلب، صنعة: محمد شفيق البيطار، دار صادر، بيروت، ط1، 2002م، 1/99

(16) خديويات ابن شهاب العلوي، دراسة في البناء الفني، د. أحمد علي أحمد بايمين، مجلة الدراسات اللغوية والأدبية، فصليّة مُحكمة، العدد: 1، ديسمبر 2019م، ص: 78-88

(17) الراوي: عقبة بن عامر، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، ص أو رقم: ، خلاصة حكم المحدث: صحيح، أخرجه أبو داود (2419)، والترمذي (773)، والنسائي (3004)، وأحمد (17379) بنحوه.

(18) معجم الشعراء، أبو عبيدة المَرْزُبانيّ(ت، 384هـ)، تحقيق: فاروق أسليم، دار صادر، بيروت، ط1، 2005م، ص: 76.

(19) ديوان تأبّط شرًّا الفهمي وأخباره، جمع وتحقيق: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1984م، ص: 160.

(20) شعر الفِنْد الزمّاني، تحقيق: حاتم الضامن، مجلة المجمع العلميّ العراقيّ، مج 37، ج4، 1986م، ص: 9.

(21) الربيع بن ضَبُع الفزاريّ؛ حياته وشعره، تحقيق عادل جاسم البيّاتيّ، مجلة آداب المستنصرية، بغداد، العدد: 10، 1984م، ص: 49.

(22) تثبيت الإمامة، قاسم بن إبراهيم الرسيّ (ت، 246هـ)، تحقيق: صالح الوردانيّ، مكتبة الغدير، بيروت، ط1، 1998م، ص: 66.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الطائي لـ"الشعب" الصينية: عُمان ستُسهم بدور بنّاء في مبادرة "الحزام والطريق"

 


 

الصين أكبر شريك تجاري لعُمان وأكبر مستورد للنفط الخام العُماني

زيادة المشاريع الاستثمارية الصينية في السلطنة خلال العامين الماضيين

هناك تكامل بين رؤية "عُمان 2040" ومبادرة "الحزام والطريق"

40 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين عُمان والصين

6.6 مليار دولار استثمارات صينية في عُمان

الشركات الصينية تُسهم في تعزيز قدرات عُمان بمجالات الطاقة المُتجددة

اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين عُمان والصين نقطة محورية في العلاقات الثنائية

 

 

 

الرؤية- خاص

أكد الأستاذ حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة "الرُّؤية"، والأمين العام لمُلتقى الصداقة العُماني الصيني، أنَّ العلاقات العُمانية الصينية شهدت تطورًا بارزًا في مختلف المجالات وخاصة خلال العقد الماضي، ووصلت إلى حد إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين في العام 2018؛ حيث ترسَّخت هذه العلاقات التاريخية وازداد التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والعلمية، مضيفًا أنَّ البلدين قطعا شوطًا كبيرًا في علاقات الصداقة والتَّعاون، وخاصة مع إطلاق الصين لمبادرة "الحزام والطريق" التنموية؛ في الوقت الذي تُعد فيه سلطنة عُمان واحدةً من أبرز الدول التي ستُسهم بدور بناء في تعزيز هذه المبادرة.

وأشار الطائي- في حوار أجرته صحيفة الشعب الصينية والتي تعد أكبر صحيفة يومية في الصين- إلى أنَّ جمهورية الصين الشعبية تمثل أكبر شريك تجاريٍّ لسلطنة عُمان، وأكبر مستورد للنفط الخام العُماني، مبينًا أنه خلال الفترة الأخيرة تجاوز حجم التبادل التجاري بين عُمان والصين أكثر من 40 مليار دولار أمريكي، فيما بلغت الاستثمارات الصينية في السلطنة ما يزيد على 6.6 مليار دولار، ويستحوذ قطاع الطاقة والبتروكيماويات على 76 في المئة من هذه الاستثمارات.

وقال الطائي إن العامين الماضيين شهدا زيادةً في المشاريع الاستثمارية الصينية في السلطنة؛ والتي من بينها ضخ نحو 230 مليون دولار أمريكي لتنفيذ مشاريع في المنطقة الحُرة بصلالة.

وحول تأثير مبادرة الحزام والطريق الصينية على جهود التنمية في سلطنة عُمان، أوضح الأمين العام لملتقى الصداقة العُماني الصيني ورئيس تحرير جريدة "الرؤية" أن رؤية "عُمان 2040" ومبادرة الحزام والطريق الصينية، تتكاملان، إذ يسعى المسؤولون والجهات المعنية في كلا البلدين إلى المواءمة بين التطلعات المشتركة والواقع التنموي الفعلي المتحقق اليوم على أرض الواقع، لافتًا إلى أنَّ مستويات التعاون تمضي نحو مستقبل تتوثق فيه عرى التعاون والشراكة في مختلف مجالات العمل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والسياحية، حيث تجسد ذلك في الزيارات المتبادلة على مستوى كبار المسؤولين والوفود الرسمية والشعبية والطلابية والإعلامية، وفي العديد من المشروعات ومذكرات التعاون بين البلدين.

وأكد الطائي أن هناك قرارًا استراتيجيًا عُمانيًا بتقوية العلاقات مع الصين؛ إذ وقعت السلطنة مع الصين شراكة استراتيجية وتم العمل على بناء هذه العلاقات في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وواصل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- دعم هذا التوجّه نحو إقامة علاقات مُتميزة مع الصين، التي تُعد واحدة من أبرز القوى الاقتصادية والسياسية العالمية.

وحول التعاون الإعلامي والثقافي والتربوي بين البلدين، قال الطائي: "هناك زيارات متبادلة لوفود إعلامية وأكاديمية وطلابية، وهناك طلبة عُمانيون مبتعثون يدرسون في الصين وهناك طلبة صينيون يُبتعثون سنويًا لدراسة اللغة العربية في سلطنة عُمان، إلى جانب عقد مؤتمرات سنوية مشتركة حول العلاقات الصينية العُمانية، ونحن في جريدة الرُّؤية نُنظِّم ملتقى الصداقة العُماني الصيني، لتسليط الضوء على آفاق هذه العلاقات".

وذكر الطائي أن الاستثمارات الصينية في عُمان مهمة في ظل وجود رغبة من المستثمرين الصينيين لإقامة مشروعات استثمارية في سلطنة عُمان وخاصة في قطاعات التعدين والغاز وصناعة الحديد، كما تقوم شركات صينية بتنفيذ مشروعات في المنطقة الاقتصادية في الدقم، موضحا أن عُمان وقعت مع الصين اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات اقتصادية واستثمارية تتضمن قطاعات الموانئ وصناعة النقل، ومن أبرزها ميناء الدقم، الذي يعدّ مشروعا استراتيجيا يهدف إلى تطوير الميناء والمنطقة الاقتصادية المحيطة به، وقد جذب هذا المشروع استثمارات صينية في مجالات النقل والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى مشروعات البنية الأساسية مثل الطرق والجسور.

وتحدث الأمين العام لمُلتقى الصداقة العُماني الصيني عن التَّعاون في موضوع الطاقة المتجددة قائلاً: "هناك مشروعات مشتركة للطاقة المتجددة تتضمن استثمارات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث ستُسهم الشركات الصينية في تعزيز قدرات سلطنة عُمان في هذا القطاع، وتتضمن الاتفاقيات إنشاء مجمعات صناعية تستهدف تطوير الصناعات التحويلية وتعزيز الإنتاج المحلي، كما يُوجد تعاون في مجال الزراعة والتكنولوجيا، كمشروعات الزراعة الذكية".

مقالات مشابهة

  • دعاء الصائم قبل الإفطار مستجاب .. احرص عليه
  • الطائي لـ"الشعب" الصينية: عُمان ستُسهم بدور بنّاء في مبادرة "الحزام والطريق"
  • دعاء الصائم قبل الإفطار لتفريج الهم والكرب.. احرص عليه الآن
  • دعاء ختم القرآن في رمضان .. تعرف عليه
  • الغريب عبد الله قاضي… حين يموت الكبار في صمت الصغار
  • المجتمع البشري في عهد النبي إبراهيم عليه السلام.. (لماذا حظر الطغاة ذكر الله وسمحوا باتخاذ آلهة غيره؟)
  • الدار البيضاء: متابعة 4 أشخاص في حالة اعتقال وإحالة قاصر على قاضي الأحداث في قضية تشهير وابتزاز
  • قصة هجرة إبراهيم عليه السلام ومعجزة ماء زمزم
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام