الصورة: تشييع الناشط البارز حمدي عبد الرزاق الخولاني (المعروف باسم "المكحل") الذي اغتالته مليشيا الحوثي في إب (ارشيفية)

كشف تحليل حديث أجراه مشروع "بيانات مواقع وأحداث الصراع المسلح" (ACLED) –المبادرة العالمية التي تُعنى برصد النزاعات وتحليلها– عن تصاعد غير مسبوق في وتيرة القمع السياسي والفوضى القبلية بمحافظة إب اليمنية، التي تعد معقلًا تاريخياً للمعارضة الداخلية ضد مليشيا الحوثي.

وتشير البيانات إلى أن استراتيجية الحوثيين القائمة على "القبضة الحديدية" لفرض السيطرة تزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية وتغذي بؤر التوتر في مناطق نفوذهم، وسط تحذيرات من انهيار متسارع للأمن وانزياح ديموغرافي قسري.

في أعقاب هدنة أبريل 2022 التي توسطت فيها الأمم المتحدة، حول الحوثيون تركيزهم إلى الجبهة الداخلية، مستغلين تراجع العمليات العسكرية لتعزيز قبضتهم الأمنية. وفقا لبيانات ACLED، شهدت محافظة إب –ذات الأغلبية السنية والتي يقطنها نحو 4 ملايين نسمة– ارتفاعا حادا في انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تضاعفت اعتداءات الحوثيين وخطف النشطاء مقارنة بفترة ما قبل الهدنة. وتصاعدت الحملة بشكل ملحوظ في يونيو 2022، عندما أطلقت المليشيا (المصنفة على قوائم الإرهاب) حملة أمنية موسعة استهدفت نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، بدعوى "التآمر مع الأعداء".

يُعد قمع الحوثيين والفوضى السياسية في إب بمثابة مقياس للاضطرابات المتصاعدة في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الدعومة من إيران. وهو يسلط الضوء على عدة أنماط موجودة في محافظات أخرى، بما في ذلك قمع التعددية السياسية وحرية الرأي، والفوضى المتعلقة بالأراضي والنزاعات القبلية، والصراعات الداخلية داخل صفوف الحوثيين. بحسب التقرير.

كجزء من حملة أمنية منسقة شملت عدة محافظات، وأبرزها العاصمة المختطفة صنعاء، تصاعدت حملة الحوثيين ضد النشطاء الذين ينتقدون حكمهم على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك. في إب وحدها، تم اختطاف ما لا يقل عن 13 شخصا بتهم ملفقة. ومن أبرز الحوادث التي أثارت غضبا شعبيا، اختطاف واغتيال الحوثيين للناشط البارز حمدي عبد الرزاق الخولاني (المعروف باسم "المكحل"). كما تم اختطاف 13 شخصا على الأقل في إب وحدها خلال الحملة، وفقًا لتوثيق منظمات حقوقية محلية، مما أثار موجة من الاحتجاجات الشعبية التي تم قمعها على الفور من قبل الأجهزة الأمنية الحوثية.

بشكل عام، يشير قمع النشاط الشعبي إلى تقلص حرية التعبير، مصحوبًا بجهود متزايدة لفرض الأيديولوجية الحوثية، مما أدى إلى ظهور جيوب معارضة شعبية هادئة ولكن مستمرة. بحسب التقرير.

في إب، تصاعد القمع في سبتمبر 2024، عندما اختطف الحوثيون المئات، بمن في ذلك شيوخ القبائل وشخصيات سياسية محلية وأطفال، في ذكرى ثورة 26 من سبتمبر.

على الرغم من محاولات الحوثيين تصوير أنفسهم كحماة للقبائل، تُظهر بيانات ACLED تصاعدا بنسبة 60% في النزاعات القبلية بمحافظة إب منذ الهدنة، مدفوعًا بمصادرة الأراضي وفرض رسوم عشوائية.

فمنذ بداية الحرب، شهدت إب ارتفاعًا كبيرًا في قيمة العقارات والأراضي، مدفوعًا بتدفق كبير للنازحين داخليًا وزيادة الاستثمارات من المغتربين. واستغلالًا لهذه الزيادة في القيمة، قام الحوثيون بمصادرة الممتلكات الخاصة قسرًا، مثل مصادرة الأراضي والممتلكات لمشاريع البنية التحتية دون تعويض مناسب؛ واستولوا على ممتلكات دينية سنية كوسيلة لفرض القمع الطائفي؛ وصادروا الأوقاف الدينية؛ واستولوا على أراضي القبائل لصالح فصائل حوثية مختارة، والتي غالبًا ما تتنافس فيما بينها على العوائد.

وفي حالة تُلخص التعقيدات الطائفية، تصاعدت الاشتباكات بين فصائل حوثية حول السيطرة على الأوقاف الدينية. ففي سبتمبر 2022، أدى نزاع على أراضٍ وقفية بين قائدين حوثيين –بندر الأسيل وناصر الأرجلي– إلى إطلاق نار ومقتل شقيق الأخير، ما أسفر لاحقًا عن سجن الأسيل وتصاعد مصادرة الأوقاف في إب.

شهدت محافظة إب تصاعدًا كارثيًا في أعمال العنف المرتبطة بمصادرة الأراضي على يد الحوثيين منذ أبريل 2022، حيث سجَّلت بيانات ACLED ارتفاعًا يفوق سبعة أضعاف مقارنةً بفترة ما قبل الهدنة الأممية. تجلَّت هذه الموجة العنيفة بشكل رئيسي في هجمات ممنهجة واختطافات تستهدف المدنيين وأفراد القبائل الرافضين لسيطرة الجماعة، لكنَّها تطوَّرت في حالات عديدة إلى مواجهات مسلحة كاملة بين فصائل الحوثيين والقبائل المناهضة لهم. ولم تقتصر الانتهاكات على ذلك، بل امتدت إلى فرض رسوم باهظة بشكل تعسفي على السكان.

ووفقًا لتحليل أنماط الانتشار الجغرافي، تركزت أغلب عمليات العنف الحوثية حول المحاور الاستراتيجية – خاصة الطريقين الرئيسيين الرابطين بين شمال المحافظة وجنوبها، وشرقها وغربها – في إشارة واضحة إلى القيمة الاقتصادية والأمنية المتصاعدة للمناطق القريبة من شبكات النقل الحيوية. في المقابل، اتسمت النزاعات القبلية المرتبطة بملكية الأراضي بطابع عشوائي التوزيع، حيث انتشرت بؤر التوتر دون نمطٍ محدد عبر قرى ومديريات المحافظة، مما يعكس الطبيعة المحلية للنزاعات القبلية المعنية.

وبحسب التقرير الدولي، لا تقتصر الفوضى القبلية في إب على كونها نتاجا عفويا للصراعات المحلية، بل تشكل امتدادا لاستراتيجيات حوكمة ممنهجة تعتمدها مليشيا الحوثي لتحقيق هيمنتها. فمن خلال تحالفات مخطط لها مع فصائل قبلية مختارة، تعمل الجماعة على إضرام نيران النزاعات الداخلية بين القبائل، مستخدمةً سياسة "فرق تسد" لتكريس انقسامات تضعف الكيانات القبلية المناوئة وتفكك آليات الحوكمة التقليدية. وتُظهر الوقائع أن ضباط الحوثيين –الذين نادرا ما يحاسبون على انتهاكاتهم حتى مع تصاعد مطالب القبائل بالثأر– يُمنحون غطاءً لتنفيذ أجندتهم، بينما تُغدَق الامتيازات المالية والمناصب السياسية على القبائل الموالية، في خطوة تهدف إلى تقويض أسس التضامن الاجتماعي التي ظلت لقرون حجر الزاوية في استقرار المناطق اليمنية.

وفي تصعيد لاستهداف البنى القبلية، لجأت الجماعة إلى تصفية الوسطاء والمُحكمين التقليديين الذين يعتبرون حُماةً لآليات فض النزاعات بالسُبل السلمية. وكانت حادثة اغتيال أحد أبرز هؤلاء الوسطاء في ديسمبر 2024 بمحافظة إب مثالًا صارخًا على هذه السياسة، حيث أدت إلى تفجير غضب قبليٍ واسع، وإضعاف متعمد لنظام التحكيم العُرفي الذي يُعدّ آخر سدٍّ منيعٍ ضد انهيار الأمن المجتمعي.

في خضم المشهد المتأرجح بين تصاعد التهديدات الدولية وتفكك الأوضاع الداخلية، تبدو استراتيجيات القمع الحوثية في إب مقدمة على مزيد من التصعيد، انطلاقا من جذورها المتشعبة في بنية الحكم الأصولي للجماعة. فتصنيف الولايات المتحدة الأخير للحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" يُنذر بتعميق العزلة الدبلوماسية للجماعة، وتغذية هوس الاضطهاد لدى قياداتها بادعاءات "المؤامرات الدولية". هذه العوامل مجتمعة ستدفع –بحسب مراقبين– إلى مزيد من خنق الحريات السياسية، وتسعير الصراعات الداخلية على موارد الدولة الشحيحة والمنهكة، التي صارت ساحة للتنافس بين أجنحة الجماعة المتنافرة.

يحذر التقرير من أن ما يحدث في إب ليس سوى نموذجٍ أولي لمأساة أوسع؛ فأنماط القمع ذاتها بدأت تطفو على السطح في محافظات أخرى تُدار بالمنطق الأمني الحوثي. ففي البيضاء ذات الأغلبية السنية، تتكرر مشاهد القبض على الناشطين تحت ذرائع قبلية، بينما تشهد صنعاء –القلب السياسي للمليشيا– تصدعات متسارعة في تحالفات النخبة الحوثية الحاكمة، ما يُنذر بتحول "القبضة الحديدية" من أداة سيطرة إلى شرارة لإشعال فتنٍ داخلية تعيد إنتاج دوامة العنف.

ومع تصاعد الضربات الجوية الأمريكية - البريطانية على مواقع الحوثيين منذ يناير 2024، ردت الجماعة بحملة اعتقالات طالت موظفين يمنيين في منظمات دولية، بتهمة الانتماء لـ"شبكات تجسس".

تكشف أحداث إب النقاب عن تناقض صارخ بين الخطاب الحوثي الداعي إلى "الاستقرار" والواقع المليء بالانتهاكات والفوضى الممنهجة. وبينما يحذر ACLED من أن استمرار هذه السياسات قد يعيد اليمن إلى حرب شاملة، تظل المحافظة نموذجا لصراعٍ معقد تتشابك فيه العوامل السياسية والطائفية والقبلية، في مشهدٍ ينذر بانهيار أوسع قد يعيد رسم خريطة النفوذ في البلاد.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: تصاعد ا التی ت

إقرأ أيضاً:

دعوات في الكونجرس لتوضيح ملابسات مقتل مدنيين بالغارات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن

دعا ثلاثة أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ وزير الدفاع بيت هيجسيث أمس الخميس إلى توضيح ملابسات مقتل عشرات المدنيين في الغارات العسكرية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت الحوثيين في اليمن.

 

وحذر السيناتور كريس فان هولين (ماريلاند)، والسيناتور إليزابيث وارن (ماساتشوستس)، والسيناتور تيم كين (فيرجينيا)، هيجسيث من أن ادعاء الرئيس دونالد ترامب المتكرر بأنه سيكون "صانع سلام" في ولايته الثانية "مجرد ادعاءات فارغة".

 

وقال أعضاء مجلس الشيوخ لهيجسيث في رسالة حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست إن هذا "التجاهل الخطير" للحياة يُشكك في قدرة إدارة ترامب على تنفيذ العمليات العسكرية "وفقًا لأفضل الممارسات الأمريكية للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين والقانون الدولي".

 

ولم يستجب المتحدث باسم هيجسيث، شون بارنيل، فورًا لطلب التعليق. في بيان، أشار مسؤول دفاعي إلى أن وزارة الدفاع "على علم بتقارير" تفيد بأن الغارات الأمريكية في اليمن أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين، وأنها "تأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد، ولديها آلية لمراجعتها" - في إشارة إلى المبادئ التوجيهية التي سُنّت في عهد سلف ترامب، والتي تتطلب تقارير عامة منتظمة عن حالات إلحاق الضرر بالمدنيين.

 

وكتب أعضاء مجلس الشيوخ في رسالتهم أن الأمم المتحدة قدَّرت أن الخسائر، وهو مصطلح يشمل كلًا من القتلى أو الجرحى في عملية عسكرية، تضاعفت ثلاث مرات من فبراير/شباط إلى مارس/آذار لتصل إلى 162 قتيلًا. وأضافوا: "بالإضافة إلى ذلك، تجاوزت الغارات استهداف مواقع إطلاق الصواريخ الحوثية لتشمل ضرب المناطق الحضرية"، بما في ذلك البنية التحتية المدنية.

 

تقول مجموعات الرصد إن إدارة ترامب غيّرت نهجها، من التركيز على ضرب البنية التحتية العسكرية للحوثيين إلى استهداف قادتهم. وفقًا لمنظمة "إيروورز"، وهي منظمة مراقبة مقرها بريطانيا، قُدِّر أن الغارات الأمريكية قتلت ما بين 27 و55 مدنيًا يمنيًا في مارس/آذار. ويُعتقد أن عدد الضحايا المقدر في أبريل/نيسان حتى الآن أعلى بكثير.

 

وذكرت منظمة "إيروورز" هذا الشهر أن إدارة ترامب، حتى الآن، يبدو أنها "تختار أهدافًا تُشكل خطرًا مباشرًا أكبر على المدنيين، وقد تُشير إلى تحمُّل أكبر لخطر إلحاق الأذى بالمدنيين".

 

وأسفرت غارة أمريكية الأسبوع الماضي على مستودع وقود في ميناء رأس عيسى اليمني - والتي وصفتها القيادة المركزية الأمريكية بأنها "لم تكن تهدف إلى إيذاء الشعب اليمني" - عن مقتل أكثر من 70 شخصًا، وفقًا لقادة الحوثيين وتقارير إخبارية محلية.

 

ولم تتمكن صحيفة "واشنطن بوست" من التحقق من هذا الرقم بشكل مستقل. ناشد أعضاء مجلس الشيوخ هيغسيث توضيح عدد القتلى المدنيين اليمنيين حتى الآن، وطلبوا منه وصف الجهود التي بذلتها وزارة الدفاع لتجنب مثل هذه الخسائر. كما سألوا عما إذا كانت الوزارة تتابع الوفيات المدنية المبلغ عنها بعد الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب للحد من أنشطة حماية المدنيين التي أُقيمت في البنتاغون في عهد الرئيس جو بايدن.

 

أعرب هيغزيث، وهو محارب قديم وشخصية بارزة سابقة في قناة فوكس نيوز، عن استيائه من القيود المفروضة على قدرة القوات الأمريكية على العمل، وقال إنه يدعم "قواعد الحرب للفائزين".

 

كتب في كتابه "الحرب على المحاربين" الصادر عام 2024: "يجب أن يحصل أعداؤنا على الرصاص، لا على المحامين"، مُعربًا عن أسفه لأن المقاتلين المشتبه بهم الذين أسرتهم القوات الأمريكية استفادوا من إمكانية الوصول إلى المحامين.

 

خلال جلسة استماع لتأكيد تعيينه في يناير، سُئل هيغسيث عما إذا كان الجيش الأمريكي تحت قيادته سيلتزم باتفاقيات جنيف وحظر التعذيب. أجاب هيغزيث: "ما لن نفعله هو وضع الاتفاقيات الدولية فوق الأمريكيين".

 

قال فان هولين، الكاتب الرئيسي للرسالة، في مقابلة يوم الخميس: "أشعر بقلق بالغ من أن هذه الإدارة تلغي الضمانات التي نستخدمها لمنع وقوع إصابات بين المدنيين، والتي نستخدمها لضمان المساءلة بموجب القانون الإنساني الدولي".

 

وأضاف أن هذا السلوك يتعارض مع القيم الأمريكية، ولكنه يهدد أيضًا المصالح الأمنية الأمريكية. "كما أوضح القادة العسكريون: إذا لم تقللوا من الخسائر في أرواح المدنيين، فإنكم لا تنتهكون القانون الإنساني الدولي فحسب، بل تقوضون أيضًا أهداف مهمتكم". في اليمن، "أنتم تؤججون المزيد من الغضب على أمريكا بين السكان عندما تقتلون عشرات المدنيين...  تُخاطرون بكسب الحوثيين المزيد من المجندين لقضيتهم".


مقالات مشابهة

  • دعوات في الكونجرس لتوضيح ملابسات مقتل مدنيين بالغارات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن
  • تقرير: ليلة الآليات المحترقة .. حين تُقصف الأذرع التي تساعد غزة على النجاة
  • تقرير حقوقي يكشف عن جرائم الحوثيين: مداهمة 532 منزلاً واعتقال واختطاف نحو 212 مواطناً منذ مطلع أبريل الجاري
  • المرتزقة وتحالف العدوان دمروا كل شيء في اليمن، حفاظا عليه من الحوثيين
  • الداخلية تستضيف وفدًا سوريًا للاستفادة من الأجهزة الأمنية بالمملكة
  • وفد من وزارة الداخلية يطلع على تجربة الأجهزة الأمنية السعودية
  • “الداخلية” تستضيف وفدًا أمنيًا من سوريا للاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية بالمملكة والاستفادة من خبراتها
  • وزارة الداخلية تستضيف وفدًا أمنيًا من سوريا للاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية في المملكة والاستفادة من خبراتها
  • تحذير حقوقي من تدهور أوضاع المختطفين في سجون الحوثيين مع تصاعد الضربات الأمريكية
  • الحرب الأميركية على الحوثيين في اليمن ...ستة اسئلة تطرح نفسها