اتفاق وشيك بين لبنان وصندوق النقد في الربيع المقبل؟
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
استكمال عقد المؤسسات الدستوريّة من انتخاب رئيس للجمهورية إلى تشكيل حكومة، عزّز آمال اللبنانيين بانتعاش اقتصادي، بعد مضي أكثر من خمسة أعوام على الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في البلد، المصنّفة في قائمة الأزمات الأقسى على مستوى العالم. بدأت تظهر بوادر دعم دولي بعد نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي، منها إعلان البنك الدولي عن تأسيس صندوق بقيمة مليار دولار لإعمار لبنان، وإعلان الاتحاد الأوروبي عن استعداده لصرف 500 مليون يورو لدعم قطاعات خدماتيّة أساسية كالتعليم والصحة ومن أجل مكافحة الهجرة، غير أنّه رهن الدعم بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
رئيس الحكومة نواف سلام وخلال عرض البيان الوزاري أمام مجلس النواب أكّد أنّ حكومته سوف تتفاوض على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، بجانب العمل على معالجة المديونيّة العامة والتعثّر المالي. بدوره أعرب صندوق النقد الدولي عن تطلعه للعمل بشكل وثيق مع الحكومة اللبنانية الجديدة والرئيس جوزاف عون.
كانت الحكومة السابقة قد أنجزت في نيسان عام 2022 اتفاقًا مبدئيًّا مع الصندوق على مستوى الخبراء، ولكن حَالَ الشلل المؤسساتي في البلاد دون تنفيذ الإصلاحات، بحيث فشل لبنان على مدى أكثر من عامين في انتخاب رئيس للبلاد، وتحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة والحكومة إلى تصريف أعمال. اليوم إكتمل عقد المؤسسات فهل بات الاتفاق وشيكًا مع صندوق النقد؟
الاتفاق السابق مع بعض التعديلات
عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخبير الاقتصادي الدكتور أنيس بو دياب أكّد في حديث لـ "لبنان 24" وجود إمكانية كبيرة لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد يستند إلى الاتفاق السابق مع بعض التعديلات، خصوصًا أنّ هناك ما تمّ إنجازه بالفعل، كتوحيد سعر الصرف، وإقرار موازنة 2024 وإعداد مشروع موازنة 2025 يحاكي المتطلبات إلى حدّ بعيد.
بو دياب لا يستبعد أمكانيّة التوصل إلى برنامج مع الصندوق في الربيع المقبل "هناك وفد على مستوى عال من قبل صندوق النقد سيزور لبنان خلال أسبوعين، لتبدأ مرحلة المفاوضات من جديد، ولا أعتقد أنّها ستحتاج وقتًا طويلًا، فإضافةً إلى الأمور التي أُنجزت في الحكومة السابقة، بدأ النقاش في قوانين لمكافحة الفساد، وقد شكّل وزير العدل مؤخرًا لجنة لها علاقة بمجموعة العمل المالي، ولكنّها في الوقت نفسه مرتبطة بتبيض الأموال وإصلاحات قضائيّة ومكافحة التهرب الجمركي". أضاف بو دياب أنّ البرنامج الأول مع الصندوق سيكون استكمالًا للبرنامج السابق بقيمة 3.6 مليار دولار كونه الأسرع، كما أنّ تسهيلاته جيّدة وكذلك مدّته الزمنية، ويلائم لبنان، ومن شأنه أن يساهم في رسملة مصرف لبنان ليتمكّن المركزي من إجراء التدقيق الجنائي في حساباته وفي المصارف التجاريّة، لتتبلور صورة عن مدى قدرة المصارف على المساهمة في جزء من الخسائر.قد تطرأ تعديلات من جانب لبنان وفق خطّته لإعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالية العامة. وبقدر ما تكون الخطّة سريعة يُنجز الاتفاق بشكل أسرع، وذلك يتوقف على ديناميّة الإدارة في لبنان، والإسراع في التعيينات المفصليّة كالهيئات الناظمة وحاكم المركزي والمراكز الأمنيّة لجهة دورها في ضبط الحدود والجمارك، والإسراع بهذه التعيينات يسهّل الوصول إلى البرنامج".
معضلة توزيع الخسائر
يشكّل وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي تحديًّا إضافيًا، ولكن قيام لبنان بإنجاز متطلبات أيّ منهما ينعكس إيجابًا على الآخر، بمعنى أنّ إنجاز اتفاق مع صندوق النقد يسهّل بشكل تلقائي إمكانية الخروج من القائمة الرمادية، خصوصًا أنّ المتطلبات متشابهة. لكن المعضلة الأكبر أمام إنجاز اتفاق مع الصندوق تكمن في تحديد الخسائر وتوزيعها وفق بو دياب "ويمكن تذليل هذه الإشكاليّة بعمل تشاركي بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، خصوصًا أنّ الكل بات مدركًا لإلزاميّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح القطاع العام وانتظام الماليّة العامّة وإعادة هيكلة المؤسسات المملوكة من الدولة، على قاعدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإعادة النظر بالسياسة النقديّة، وكلها تسهل عملية الذهاب إلى تفاوض ندّي، انطلاقًا من نقاط القوة التي كانت غائبة في السابق، كوجود رئيس للجمهورية موثوق محليًّا وإقليميًّا ودوليَّا".
الودائع: تحمل المسؤولية بين الدولة والمصارف
على عكس ما أشيع عن شطب الودائع في البرنامج المفترض مع صندوق النقد، يشكّل الاتفاق خطوة أساسيّة في استرجاع الودائع " وهناك أمكانيّة لحل المشكلة بعمل تشاركي تتحمل فيه المصارف جزءًا من المسؤولية، وهي التي راكمت أرباحًا منذ العام 2005، كما أنّها توقّفت عن دفع الفوائد منذ الأزمة وأبقت على تحصيل العمولات. أمّا الدولة فأوقفت كل أشكال الدعم، وتراجع دينها العام من 100 مليار إلى مليارين بالليرة اللبنانية، وسندات واليوروبوند تراجعت قيمتها من 33 مليار دولار إلى حوالي4 مليار. في حين أنّ المودع وحده تحمّل الخسارة". بو دياب كشف عن اقتراح قد ينطلقون منه، ويقضي بتخفيض الاحتياط الإلزامي من 14% إلى %3، فيتمّ تحرير حوالي 8 مليار دولار، يتلازم ذلك مع قانون إقرار كابيتال كونترول بشروط محدّدة، وهناك العديد من المقترحات للاحتفاظ بالودائع ما دون المئة ألف دولار، وإيجاد صيغ متعدّدة للودائع الكبيرة".
متطلبات لا شروط
كل هذه الخطوات الإصلاحيّة هي متطلبات، أما عبارة شروط صندوق النقد فليست في محلها"ما يطلبه صندوق النقد متطلبات يتوجب على أيّ دولة القيام بها كجزء من بديهيات الاقتصاد، في حين أنّ الشروط تأخذ منحًا سياسيًّا لانتهاك السيادة الوطنيّة، وقد تمّ استخدام عبارة شروط من قبل قوى سياسية للتهويل والتخويف من صندوق النقد، كي لا يذهبوا إلى إصلاحات تفقدهم دورهم، بما يمكّن الدولة من أن تصبح أقوى من الدويلة، وكانت هذه الإصلاحات مرفوضة في حينها" يقول بو دياب.
إشارات إيجابيّة، أعقبت انتخاب جوزف عون رئيسًا للجمهورية، وسط زخم دولي لافت، بدأت تترجم مفاعيله في زياراته الخارجيّة بدءًا من المملكة العربية السعودية، فضلًا عن بوادر دعم دولي، لكّن الطريق نحو التعافي لا زال شائكًا، والتحدّيات أمام الحكومة كبيرة، من الإصلاحات إلى إعادة الإعمار، فهل تتمكن في عمرها القصير من إنجاز أعمالها الكثيرة؟
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مع صندوق النقد ملیار دولار مع الصندوق اتفاق مع
إقرأ أيضاً:
الجنوب ملف متفجّر بوجه الحكومة...
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": تفيد المعلومات نقلاً عن مصادر ديبلوماسية أن إسرائيل لا تزال تبعث برسائل إلى لبنان أنها ستستمر بحرية الحركة وضرب أهداف لـ"حزب الله" تعتبرها تهديداً أمنياً لها، وأنها ستبقى في النقاط الخمس بذريعة عدم التزام الحزب واستمراره في نقل السلاح، مستندة إلى الضمانات التي انتزعتها من الأميركيين، وهو ما يؤمن لها التغطية في خروقاتها وعملياتها.تعكس هذه التطورات في الجنوب مناخات توتر وتصاعد للتهديدات الإسرائيلية، في وقت يشدد لبنان الرسمي على تطبيق القرار 1701 وأيضاً العمل ديبلوماسياً للضغط على إسرائيل ودفعها للانسحاب من النقاط المحتلة وتسليم الجيش اللبناني المواقع الحدودية. وهذا الأمر يواجهه "حزب الله" بالتشكيك أقله في ممارساته على الأرض فضلاً عن مواقف يطلقها بعض مسؤوليه. ويشير مصدر سياسي إلى أن الحزب الذي منح الحكومة الثقة وفقاً لبيانها الوزاري، لم يحسم مسألة الانسحاب من جنوب الليطاني وهو يؤكد استعداده للقتال على ما أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عزالدين.
لكن ما غاب عن "حزب الله" أن الالتزام بما نص عليه البيان الوزاري لا يحتمل التفسير الأحادي، ذلك أن الدولة حسمت بحصرية السلاح بيدها، وهو ما يعني بحسب المصدر السياسي أنها هي التي تحدد الوسائل وتقرر ما هو مناسب لتحرير الأرض، علماً أن تحميل الحكومة المسؤولية اليوم عن عدم الانسحاب الإسرائيلي يطرح تساؤلات حول موقف الحزب الحقيقي من ترك الأمور لها، وهو الذي قرر حرب الإسناد غير آبه بالنداءات والدعوات التي حذرته من جرّ لبنان إلى حالة استنزاف والتفرد بقرار الحرب، إلى أن شنت إسرائيل حرباً عدوانية على لبنان استمرت 66 يوماً وأدت إلى تدمير عظيم وسقوط آلاف الشهداء.
لا يمكن اليوم وفق المصدر السياسي محاسبة الحكومة على أي تقصير في العمل على التحرير بعد أيام من نيلها الثقة، ولا يمكن أيضاً اتهامها بأنها ترضخ للإملاءات الأميركية لنزع سلاح "حزب الله". فاتفاق وقف النار ينص صراحة على سحب سلاح الحزب وفق مندرحات القرار 1701، وهو ما وافق عليه، لكنه يشكك بقدرة الجيش على الامساك بالحافة الامامية. وعلى هذا ليس متاحاً اليوم شنّ عمليات مقاومة متسرّعة في ظل الواقع الراهن خصوصاً بعد الحرب، ليس فقط بسبب اختلال الموازين، بل لأن أي مقاومة تستلزم السؤال عن وظيفتها وقدرتها على تحقيق الأهداف، علماً أن إسرائيل لا تزال تستعد للحرب وتواصل خروقاتها، وهو ما يعكس ما أصاب "حزب الله" من وهن بعد الضربات التي وجهت له والخسائر التي دفعها نتيجة رهاناته الخاطئة.
الضغط الإسرائيلي يحظى بغطاء أميركي يتعلق وفق المصدر الديبلوماسي بـ"حزب الله" تحديداً، فيما الهدف الأميركي الاستراتيجي في لبنان كما في سوريا هو التوصل إلى التطبيع والتوقيع على اتفاق سلام، وهو ما جرى التداول فيه أخيراً مع لبنان، لكنه مرتبط بما ستؤول إليه التطورات في المنطقة. لكن هذا المسار متعلق أيضاً بإيران التي تصر في خطاب مسؤوليها بما يتناقض مع البيان الوزاري للحكومة.
المرحلة المقبلة تحمل أخطاراً كثيرة على لبنان، خصوصاً أن المساعدات لإعادة الإعمار مشروطة دولياً وحتى عربياً، ولذا فإن تعزيز الجيش ومده بالدعم هو مهمة أساسية، ولا يمكن لـ"حزب الله" أن يعارض ذلك وفق المصدر السياسي، إذ أن تقوية الجيش لا تعني مواجهته، وعليه الاعتراف أن هناك مساراً جديداً فرضته نتائج الحرب الإسرائيلية، ولا يمكن للبنان النجاة إلا بتأمين غطاء عربي وإجراء اصلاحات جوهرية تعزز وضع الدولة في مواجهة الأخطار.