محنة الذكريات والصراع السياسي أو “وبسأل الشوق عن وطن”
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
الذكريات أحداث تخزتنها الذاكرة وفقا لطبيعتها فقد تكون، عامة / فردية/ جماعية / خاصة / ايجابية/ سلبية/ حزينة/ سعيدة وفقا لمسافتها وملامستها للشخص أو الأفراد أو منصة انتشارها العامة او التاريخية، فحيويتها انها قد تنعكس في حياة الأفراد والمجتمعات وفقا لطبيعتها، وترمي بثقلها في التشكيل المستقبلي سواء تراكما او استرجاعا .
تظل الذكريات الخاصة محمية بحقوق أطرافها وفقا لميثاق الخصوصية التي تعطي الحق في التعامل معها نشرا، حكيا أو استرجاع بهدف الاستخلاص، سكب القانون حماية للخصوصية لكنه لم يشمل بذلك الذكريات لأنها كما أشرت حمايتها تأتي من حيوية الخصوصية المرتبطة بقواعد الأخلاق، فالقيم المرتبطة بالوفاء والمروءة واحترام الآخر والذكريات كلحظات لها خصوصيتها تحمل بصمة أطرافها، لذا ترك ضمير المجتمع قضايا على احترام ما يجدر تقديره من الذكريات المحمية بالخصوصية الاخلاقية، فيكون الاستهجان احدى أشكال العقاب من ضمير المجتمع على انتهاك ذلك .
حفل الغناء السوداني بأغنيات عن الذكريات انزلتها منازل مختلفة وفقا لطبيعتها، فهي حينا في مقام السلوى ، وتارة تعبيراً عن الوفاء للفقد، وفي حالة تجدها تغني في مقامات السلوى وغيرها .
في الفضاء العام المرتبط بالعمل السياسي والمدني،برزت ظاهرة اقحام الذكريات في الخصومات المرتبطة بتباين المواقف اللاحقة سواء كانت سياسية أو غيرها، في إقصاء للحق في الاختيار وادراج للخاص في سياق الصراع العام، وانتهاك لإحترام الخصوصية، لعل الأمر قد يري البعض مره هو تجاوز الصراعات لقيم الاخلاق، لكن في العام قد يكون الأمر نابع عن التراجع في مفهوم الحوار والخلط بين المسافة الفاصلة بين العام والخاص كحالة تعبر عن البحث عن الانتصار على الآخر ولو بأدوات في غير موضوعها .
لم أجد تفسير للظاهرة لكن اجدني انحي منحي تأثير العنف المجتمعي والسياسي الممنهج باشكاله المختلفة والممارسة التي ظلت توجه ذلك نحو الخاص وفي الفضاء العام لاحداث حالة القهر والسيطرة على المجتمعات والأفراد، انعكاس ذلك التراكم في الحالات التي تم تسوير الفضاء العام والخاص فيها بإذن السلطات، مثل إذن إقامة حفل غناىي، إذن مظاهرة سلمية، وغيرها من تذاكر الاذونات جعل العنف ينفذ حتي للذكريات، ساهم في تسارع وتيرتها التراجع العام في الخطاب السياسي والمعرفي،واقحام قاموس الإساءة والتحقير في المنشور صوتا أو كتابة ، تستمر هذه الحالة بشكل متنامي في أحوال انتشار خطاب الكراهية وتبنيها بشكل واخر من قبل السلطات الرسمية الأمر الذي يفتح الاباحة في الاستخدام ويغيب الضوابط، وهنا تنعدم المسافة الفاصلة بين العام والخاص.
حرب أبريل ٢٠٢٣ في السودان امتد تأثيرها على النفس، والكرامة الإنسانية والمال باشكاله المختلفة المنقول وغيره، فهي انتجت حالة دمار شاملة بادوات مفرطة في العنف، ليمضي التأثير إلي انتهاكها لمحمول الذكريات في سياق الصراع السياسي كحالة تكشف عن مدي تأثير الحرب وعجز الأطراف المنخرطين في انتهاك الذكريات عن إنتاج فعل إيجابي لوقف الاقتتال .
تمضي الحرب في بلادنا التي تتوسع دائرتها بشكل مخيف يجبر على النظر على احتمالات عديدة منها تسرب الوطن منا جميعا، في ظل العجز العام لوقف الحرب اليس من الجدير أن نحمي الذكريات وما يشكل وجداننا من هذا المنعطف المقيت .
• بتذكرك، كلمات محمد نجيب محمد على، غناء احمد شاويش
badawi0050@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟
لعقود طويلة، كانت حروب الوكالة ـ ولا تزال ـ حيزا غامضا تتحرك في فضائه الدول لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من دون الانخراط المباشر في أعمال عسكرية واسعة النطاق، لكن هذا الحيز الرمادي ـ ثمة احتمالات ولو ضعيفة ـ قد يتقلّص، إذ تعيد دعوى قضائية جديدة النقاش حول إمكانية تجريم المشاركة ـ ولو عن بُعد ـ في جرائم الحرب.
السودان ضد الإمارات
يقاضي السودان دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تأجيج نزاع داخلي، من دون أن تنشر الدولة الخليجية قواتها على الأراضي السودانية.
يزعم السودان أن الإمارات متواطئة ـ بتقديم دعم مالي وسياسي وعسكري ـ في "إبادة جماعية" ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور، نوفمبر 2023.
القضية "غير مسبوقة في نطاق القانون الدولي"، يقول لموقع "الحرة" عبدالخالق الشايب، وهو مستشار قانوني وباحث في جامعة هارفارد.
وإذا قضت المحكمة لصالح السودان، فيسكون الحكم ـ بدوره ـ "سابقة قانونية" تُحمّل فيها دولة المسؤولية القانونية عن حرب بالوكالة، خاضتها عن بُعد.
وسيوفر الحكم أساسا لمساءلة الدول عن حروب الوكالة، وإعادة تقييم مبدأ عدم التدخل في سياق الحروب غير المباشرة.
يقول خبراء قانون لموقع "الحرة"، إن قضية السودان ـ إذا نجحت ـ ستؤدي إلى إعادة النظر في أدق التحفظات المتعلقة بالمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، خصوصا عندما تكون هناك ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية.
وقد تفقد الدول ـ نتيجة لذلك ـ القدرة على حماية نفسها من اختصاص المحكمة في مثل هذه القضايا.
ومن تداعيات القضية ـ إذا قررت محكمة العدل الدولية البت فيها ـ إعادة تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل حالات التورط غير المباشر أو التواطؤ في جرائم الحرب.
حروب الوكالة
في حديث مع موقع "الحرة"، تقول ريبيكا هاملتون، أستاذة القانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن، إن مفهوم الحرب بالوكالة يتبدى عندما تتصرف دولة كراع وتدعم طرفا آخر في ارتكاب أفعال خاطئة.
ورغم أن حروب الوكالة تبدو ظاهرة حديثة، فلها تاريخ طويل ومعقّد.
تُعرّف بأنها صراعات تقوم فيها قوة كبرى ـ عالمية أو إقليمية ـ بتحريض طرف معين أو دعمه أو توجيهه، بينما تظل هي بعيدة، أو منخرطة بشكل محدود في القتال على الأرض.
تختلف حروب الوكالة عن الحروب التقليدية في أن الأخيرة تتحمل فيها الدول العبء الأكبر في القتال الفعلي، وعن التحالفات التي تساهم فيها القوى الكبرى والصغرى حسب قدراتها.
وتُعرف حروب الوكالة أيضا بأنها تدخّل طرف ثالث في حرب قائمة. وتشير الموسوعة البريطانية إلى أن الأطراف الثالثة لا تشارك في القتال المباشر بشكل كبير، ما يتيح لها المنافسة على النفوذ والموارد باستخدام المساعدات العسكرية والتدريب والدعم الاقتصادي والعمليات العسكرية المحدودة من خلال وكلاء.
من الإمبراطورية البيزنطية إلى سوريا
يعود تاريخ الحروب بالوكالة إلى عصور قديمة، فقد استخدمت الإمبراطورية البيزنطية استراتيجيات لإشعال النزاعات بين الجماعات المتنافسة في الدول المجاورة، ودعمت الأقوى بينها.
وخلال الحرب العالمية الأولى، دعمت بريطانيا وفرنسا الثورة العربية ضد الدولة العثمانية بطريقة مشابهة. وكانت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة صراع بالوكالة بين الجمهوريين المدعومين من الاتحاد السوفيتي والقوميين المدعومين من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.
وخلال الحرب الباردة، أصبحت الحروب بالوكالة وسيلة مقبولة للتنافس على النفوذ العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تجنبا لاحتمال نشوب حرب نووية كارثية.
ومن أبرز الأمثلة: الحرب الكورية، حرب فيتنام، الغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الأهلية في أنغولا. استمرت هذه الحروب حتى القرن الحادي والعشرين. وتُعد الحرب في اليمن مثالا واضحا لحروب الوكالة، حيث تدعم إيران الحوثيين بينما تدعم السعودية وحلفاؤها الحكومة اليمنية.
وأظهر الصراع في سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد مثالا صارخا لحروب الوكالة في عصرنا، من خلال تدخل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا دعما لفصائل مختلفة.
قضية السودان ضد الإمارات قد تدفع دولا أخرى إلى التفكير باللجوء إلى محكمة العدل الدولية في دعاوى مماثلة، ولكن!
الإبادة الجماعية؟
لا تتعلق دعوى السودان بحروب الوكالة تحديدا، يؤكد الخبراء، بل تستند إلى اتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة المتورطين فيها".
تدّعي الخرطوم أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بينها القتل الجماعي، والاغتصاب، والتهجير القسري للسكان غير العرب، وتزعم أن تلك الجرائم ما كانت لتحدث لولا الدعم الإماراتي، بما في ذلك شحنات الأسلحة عبر مطار أمجاراس في تشاد.
"يحاول السودان أن يثبت دور دولة أخرى غير المباشر في ارتكاب قوات عسكرية أو ميلشيا تحارب في السودان إبادة جماعية".
"أساس القضية،" يضيف، "المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".
رغم أن كلّا من الخرطوم وأبوظبي من الموقعين على الاتفاقية، تعتقد هاملتون أن من غير المحتمل أن يتم البت في هذه القضية، إذ إن "محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها".
"عند توقيعها على اتفاقية الإبادة الجماعية،" تتابع هاميلتون، "أكدت الإمارات أنها لم تمنح محكمة العدل الدولية السلطة للفصل في النزاعات التي قد تنشأ بينها وبين دول أخرى بشأن هذه الاتفاقية".
ويلفت ناصر أمين، وهو محام مختص بالقضايا الدولية، إلى أن النزاع القائم في السودان يُعتبر وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني نزاعا مسلحا داخليا، إلى أن تثبت الخرطوم بأن هناك تدخلا من إحدى الدول لصالح أحد أطراف النزاع داخليا".
"وهذا يحكمه بروتوكول ملحق باتفاقيات جنيف أو بالقانون الدولي الإنساني المذكور في المادة 3 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف المنعقدة عام 1929،" يضيف.
تنص المادة الثالثة على أن أحكام هذه الاتفاقية لا تسمح لأي دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى أو أن تمارس أي أعمال داعمة لأي فصيل متنازع أو متصارع.
"على السودان أن يثبت أمام محكمة العدل الدولية أن هناك خرقا حدث للمادة 3 من البروتوكول"، يوضح.
نقاط القوة والضعف
وتقول ربيكا هاملتون "من المؤسف" أنه من غير المحتمل أن تُرفع هذه القضية، حيث إن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر فيها.
ويشير الباحث القانوني، عبدالخالق الشايب، إلى أن قضية السودان ضد الإمارات "يبقى التعامل معها متعلقا بوكالات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن تحديدا".
لكن هاملتون تقول إن هناك مجموعة من القوانين الدولية التي تحظر حروب الوكالة، لكن "التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إنفاذ هذه القوانين".
"سابقة".. حتى لو تعثرت؟
أن تتعثر قضية السودان ضد الإمارات ـ بسبب الاختصاص القضائي ـ أمر وارد، لكنها تبقى، وفق خبراء في القانون، "ذات دلالة رمزية كبيرة".
"بغض النظر عن نتيجتها،" تقول أستاذة القانون الدولي ربيكا هاملتون، لموقع "الحرة"، "تمثل القضية محاولة جريئة من دولة ممزقة بالصراعات لتوسيع مفهوم المساءلة عن ممارسات الحرب الحديثة".
وحتى إن رفضت محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى، فإن القضية تضيّق الحيز الرمادي الفاصل بين المسؤولية المباشرة والمسؤولية غير المباشرة عن جرائم الحرب.
في تصريحات لموقع "JUST SECURITY"، يشير خبراء قانون إلى أن صدور حكم لصالح السودان ـ حتى وإن كان ذلك غير مرجح ـ قد يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بتواطؤ الدول وتدخلها.
قبول الدعوى قد يدفع القانون الدولي إلى مواجهة التكلفة الحقيقية لحروب الوكالة الحديثة — سواء خيضت بجنود على الأرض، أو من خلال دعم مالي وعسكري عن بُعد.
الحرة - واشنطن