الفاشر– في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تفرضها الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل/نيسان الماضي بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، تبرز مدينة الفاشر في دارفور كواحدة من أكثر المناطق تأثرا بتداعيات هذه الحرب.

ومع دخول شهر رمضان المبارك، يواجه السكان تحديات جديدة تتمثل في الارتفاع الحاد للأسعار وصعوبة تأمين المواد الغذائية الأساسية، الأمر الذي يضغط على الأسر، ويجعل من الصعب عليها تلبية احتياجاتها خلال هذا الشهر الفضيل، بما يتطلبه من زيادة في الإنفاق على الطعام والاحتياجات اليومية.

ومع ذلك، فإن هذه الأزمة لم توقف عجلة الحياة الاقتصادية في المدينة، بل دفعت التجار والمستهلكين إلى ابتكار حلول بديلة للتكيف مع الواقع الجديد، حيث بات من الضروري تحسين إستراتيجيات الشراء والتسويق، مما يعكس قدرة المجتمع على التكيف مع الظروف القاسية والمضي قدمًا رغم التحديات.

تكيف أسواق

وفي مواجهة نقص الإمدادات القادمة من شرق السودان، لجأ سكان مدينة الفاشر بدارفور إلى الاعتماد بشكل أكبر على المنتجات المحلية، فقد قام المزارعون بتكثيف جهودهم لتوفير المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة والدخن والخضروات، والتي أصبحت بديلا رئيسيا للسلع المستوردة التي أصبحت نادرة أو باهظة الثمن.

المزارعون في المنطقة قاموا بتكثيف جهودهم لتوفير المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة والدخن والخضروات (الجزيرة)

يقول التاجر محمد سليمان للجزيرة نت: "لقد اضطررنا لتعديل أساليب عملنا، حيث أصبحنا نعتمد بشكل أكبر على المنتجات المحلية مثل الذرة والدخن والخضروات".

إعلان

وأشار إلى أنه في ظل الظروف الحالية، شهدت الأسواق زيادة في مبيعات اللحوم المحلية كبديل للدجاج المستورد الذي أصبح نادرًا بفعل الحصار.

وأضاف سليمان بحزن: "القصف المدفعي الممنهج من قبل الدعم السريع على أسواق المدينة جعل التجار يعيشون في كابوس يومي".

وأكد أن السوق الرئيسي، المعروف بالسوق الكبير، أغلق تمامًا نتيجة القصف، مما زاد من صعوبة الوصول إلى السلع الأساسية.

وتابع "معظم المتاجر أصبحت مجرد أنقاض. نحن نحاول جاهدين إعادة بناء ما تهدم، ولكن الأمل يتلاشى مع كل قذيفة تسقط".

وفي سياق متصل، قال جمال هارون، أحد بائعي الخضر والفواكه بسوق مخيم أبو شوك للنازحين شمال الفاشر، إن الزبائن أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية المنتجات المحلية، إذ يفضلون شراء السلع المحلية، مما ساعد في تحسين وضع المزارعين وزيادة الإنتاج.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن اللحوم والدواجن المستوردة باتت خارج حسابات معظم السكان هذه الأيام، لافتا بألم "لقد عانينا كثيرًا بسبب الدمار الذي لحق بأسواقنا. الكثير من التجار فقدوا أعمالهم، مما أثر على قدرتنا على تلبية احتياجات الزبائن".

وأكد أن الجراح عميقة، معبرًا عن أمله في استعادة الأمن والاستقرار قريبًا، وعودة الحياة الطبيعية للأسواق التي كانت يومًا ما تعج بالحركة والحيوية.

غياب دولي

وبرغم التحديات القاسية التي تشهدها المدينة، استطاعت الأسر إيجاد طرق للتكيف مع آثار الحرب والأزمة الاقتصادية خلال شهر رمضان، حيث يتعاون الجيران والأقارب في تبادل الموارد المتاحة، مما يساعد في تخفيف الأعباء الثقيلة.

كما تلعب السلطات المحلية والمطابخ الخيرية دورا محوريا في تقديم المساعدات الغذائية للنازحين والأسر المحتاجة، خاصة مع تزايد الطلب على هذه الخدمات خلال الشهر الفضيل.

الجيران والأقارب يتعاونون في تبادل الموارد المتاحة، مما يساعد في تخفيف الأعباء الثقيلة (الجزيرة)

وفي المقابل، يغيب الدور الدولي الفاعل في تخفيف الأزمة، فبرامج الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الكبرى تكاد تكون غائبة تمامًا عن المشهد، بسبب القيود الأمنية وتعقيدات الوصول التي تفرضها قوات الدعم السريع في دارفور.

إعلان

وفي هذا السياق، يقول الناشط عمر إبراهيم، الذي يعمل في أحد المطابخ الجماعية، للجزيرة نت: "لم نرَ أي مساعدات دولية تدخل الفاشر منذ بدء الحرب. حتى التبرعات الخيرية من الخارج لم تعد تكفي، خاصة مع زيادة عدد النازحين".

ويضيف: "يزداد الوضع سوءًا يومًا بعد يوم، ونحن نعمل بلا كلل لتلبية احتياجات الناس، لكن الدعم الخارجي كان ضروريا لتخفيف هذه الأعباء"، مؤكدا أن غياب المساعدات فاقم من معاناة الأسر، مما يتطلب استجابة عاجلة من المجتمع الدولي.

وتشير تقارير محلية إلى أن الغالبية العظمى من الأسر في مدينة الفاشر تعتمد على التكافل المجتمعي لتلبية احتياجاتهم اليومية، حيث لا يوجد أي دور للمنظمات الأممية في المنطقة.

إلى جانب ذلك، لجأت العديد من الأسر إلى تغيير أنماط استهلاكها، حيث يقوم البعض بتقليل كميات الطعام أو الاعتماد على بدائل أقل تكلفة لتلبية احتياجاتهم، ما يعكس وعيهم بأهمية مواجهة الواقع الصعب، ويعزز قدرتهم على التكيف مع الأزمات والتحديات.

جهود السلطات

وبحسب مدير عام وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية بشمال دارفور، الدكتورة بدور آدم محمد، فإن حكومتها، رغم الظروف المعقدة، تمكنت هذا العام من توزيع سلة غذائية لشهر رمضان المبارك لبعض الأسر الفقيرة في مدينة الفاشر بتكلفة بلغت 550 مليون جنيه سوداني (ما يعادل نحو مليونين و261 ألف دولار).

قوات الدعم السريع تفرض حصارًا على المدينة التاريخية (الجزيرة)

وأوضحت للجزيرة نت أن المشروع شمل توزيع كميات من الدخن والسكر والبلح وزيت الطعام لـ4500 أسرة في أحياء ومراكز إيواء النازحين، بالإضافة إلى تكايا الطعام داخل المدينة.

وشددت على أهمية التعاون بين جميع الجهات المعنية لضمان استدامة المساعدات وتلبية احتياجات الناس في هذه الأوقات العصيبة.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا على المدينة التاريخية. وفي مايو/أيار الماضي، تصاعدت حدة المعارك في محاولة للسيطرة على الفاشر، ولكنها واجهت مقاومة قوية من الجيش وحلفائه.

إعلان

وأدت هذه الاشتباكات إلى تدمير البنية التحتية للمدينة وتعطيل الخدمات الأساسية، كما تسببت في أضرار كبيرة للأسواق ومرافق الكهرباء والمياه، مما أثر بشكل كبير على المستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الحيوية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الدعم السریع مدینة الفاشر للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

اشتباكات قرب القصر الجمهوري بالخرطوم والجيش يستعيد مدينة في سنّار

أفادت مصادر ميدانية الجزيرة باندلاع اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع صباح اليوم الأربعاء وسط العاصمة الخرطوم، بينما استعاد الجيش مدينة في ولاية سنّار جنوب شرقي السودان.

وتأتي هذه الاشتباكات بينما يقترب الجيش من عدة محاور من منطقة القصر الجمهوري ومقار الحكومة الاتحادية وسط المدينة.

وفي الأيام الماضية، احتدم القتال في الخرطوم مع تزايد ضغط الجيش على المناطق التي لا تزال خاضعة للدعم السريع.

وسيطر الجيش خلال هذه الفترة على مواقع مهمة بينها الجانب الشرقي من جسر المنشية الذي يربط شرق النيل مع شرق الخرطوم ووسطها.

وتقلصت سيطرة قوات الدعم السريع منذ العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوداني في  26 سبتمبر/أيلول الماضي عملية عسكرية واسعة في مدن ولاية الخرطوم الثلاث، كما خسرت القوات التي يقودها محمد حمدان (حميدتي) معظم ولاية الجزيرة (وسط).

في سياق متصل، قال مراسل الجزيرة إن انفجارات عنيفة دوت صباح اليوم في ضاحية الثورة بمحلية كرري شمالي أم درمان إثر سقوط قذائف مدفعية.

وقالت مصادر طبية للجزيرة إن القصف أسفر -وفق حصيلة أولية- عن مقتل طفل واحد وإصابة 7 أشخاص.

وطبقا لمصادر محلية، فإن قوات الدعم السريع قصفت من مواقعها غرب أم درمان محلية كرري، حيث مناطق سيطرة الجيش.

إعلان

وكان مراسل الجزيرة أفاد بأن الجيش السوداني قصف أمس بالمدفعية الثقيلة مواقع الدعم السريع جنوبي وغربي أم درمان، بينما أطلق الأخيرة طائرات مسيرة انتحارية على شمالي المدينة.

استعادة مدينة

وفي تطورات أخرى، نقل مراسل الجزيرة عن مصدر عسكري سوداني أن الجيش استعاد مدينة الدالي بولاية سنار جنوب شرقي البلاد.

قال مصدران حكوميان للجزيرة إن قوات الدعم السريع استهدفت ولاية النيل الأبيض بمسيرات انتحارية فجر اليوم.

وكانت هذه القوات قصفت مناطق سودانية أخرى خارج نطاق سيطرتها آخرها مدينة مروي (شمال).

حريق اندلع في سوق بمدينة الفاشر في بداية الصراع الحالي (الفرنسية) ضحايا بالفاشر

وفي إقليم دارفور (غرب)، أفادت غرفة الطوارئ في مخيم أبوشوك للنازحين شمال مدينة الفَاشِر بسقوط 6 قتلى وعدد من الجرحى من المدنيين في قصف لقوات الدعم السريع استهدف المخيم صباح اليوم.

وقال الجيش السوداني إن قواته تواصل تقدمها في الفاشر -عاصمة ولاية شمال دارفور- وتحقق انتصارات ميدانية جديدة.

وأضاف الجيش أنه نفذ هجوما بالمسيرات في عملية نوعية ناجحة كبدت الدعم السريع خسائر في الأرواح والعتاد، كما قال إن دفاعاته أسقطت 4 مسيرات للدعم السريع.

وذكر الجيش السوداني أن قوات الدعم السريع قصفت مخيم نيفاشا للنازحين غرب الفاشر ومناطق واسعة من مخيم زمزم جنوب المدينة.

ومنذ أكثر من 10 أشهر، تفرض هذه القوات حصارا على مدينة الفاشر وتقصفها باستمرار في محاولة لاقتحامها، بيد أن ققوات الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه حالت دون ذلك حتى الآن.

وتُتهم قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في دارفور ومناطق أخرى سيطرت عليها كليا أو جزئيا، لكنها تنفي ذلك.

ومنذ أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربا ضارية بين الجيش السوداني والدعم السريع مما اسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص ونزوح أكثر من 14 مليون آخرين.

إعلان

مقالات مشابهة

  • حكومة موازية .. الخارجية الأمريكية تحذر من التقسيم الفعلي للسودان
  • قتلى وجرحى في قصف مخيم للنازحين غرب السودان
  • 6 قتلى بقصف نفذته الدعم السريع على مخيم للنازحين في دارفور
  • مجزرة جديدة لميليشيا الدعم السريع في الفاشر بالسودان
  • اشتباكات قرب القصر الجمهوري بالخرطوم والجيش يستعيد مدينة في سنّار
  • دور الجمعيات الأهلية في دعم الأسر الأولى بالرعاية بالوادي الجديد
  • معارك ومسيرات انتحارية بالسودان وتقارير عن جرائم اغتصاب
  • الجيش السوداني يتقدم شرقي الخرطوم
  • معارك شرق الخرطوم والجيش يكثف غاراته على الدعم السريع بمحيط الفاشر