صحيفة البلاد:
2025-03-05@18:17:44 GMT

أرى طحيناً.. ولا أسمع جعجعة

تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT

أرى طحيناً.. ولا أسمع جعجعة

ربّما رأى البعض أن عنوان مقالي اليوم غريباً إلى حدٍّ ما، غير أنني أجده معبراً بحق عن الحالة الاستثنائية التي أود الحديث عنها، أجل، أرى طحيناً وفيراً فريداً، شهياً لذيذاً مغذياً، طحيناً يطعم الجائعين، ويؤمن الخائفين، ويحقّق السلام، وينشر الخير في كل مكان.
لقد اعتادت معظم الشعوب في العالم العربي، لاسيَّما في تلك البلدان التي يحكمها القومجيون الاستبداديون بالحديد والنار، والكذب والنفاق، والعمالة والارتزاق، اعتادت سماع أولئك الزعماء، أو قل الذين كان ينبغي أن يكونوا زعماء، لا طغاة مستبدون، اعتادت شعوبهم، كما اعتاد الجميع في الوقت نفسه، سماعهم دوماً وهم يرغون ويزبدون، واعدين شعوبهم بالسندس والإستبرق، وحياة مترعة بالسعادة والرفاهية، في ما يتوعدون أعداءهم بالويل والثبور، وتمريغ أنفهم في التراب، وإذلال الدول (العظمى) من أمريكا إلى بريطانيا وروسيا وغيرها، أقول اعتدنا على أولئك الزعماء الطغاة، و هم يوعدون هؤلاء ويتوعدون أولئك، ضاربين الطاولة بكل ما أوتوا من قوة تعبِّر عمَّا يسكن أعماقهم من خوف ورعب، أكثر مما تعبِّر عن شجاعة مصطنعة.


وبالمقابل، تقابل الشعوب المغلوبة على أمرها، تلك الجعجعة الفارغة صباح مساء، بمناسبة وبدون مناسبة، بتصفيق مدوىٍّ؛ ربَّما بعد كل كلمة، أو قل بعد كل كذبة يطلقها في الفضاء هذا (القائد الملهم) أو ذاك، وهكذا يتعالى صوت الجعجعة الذي يصك الآذان، وتمضي السنوات بأولئك الزعماء الافتراضيين وبشعوبهم، سنة بعد أخرى، ثم عقد بعد آخر، ثم فجأة في لحظة فارقة، غير منتظرة: يتهاوى النظام، أو قل إن شئت اللانظام، كجلمود صخرٍ حطَّه السيل من علٍ.
ثم بالدرجة نفسها من المفاجأة التي حدث بها ذلك الانهيار المريع للنظام، تصحو الشعوب على حقيقة ذلك الخواء الذي كانت تعيشه، نتيجة تلك الجعجعة الصاخبة الهادرة المفرغة من كل معنىً، التي جعلتهم يعيشون في عالم ملئ بالأوهام، فتصدمهم الحقيقة اللاذعة: لا صحة، لا تعليم، لا تنمية، لا تطوير، لا طريق يسيرون عليه بأمان، بل حتى لا كسرة خبز تسكت جوع صغارهم، ناهيك عن استعداء العالم كله من حولهم عليهم بسبب جعجعة زعمائهم.
فيغلي الحقد في النفوس، وكلٌّ يرى نفسه أنه كان هو الضحية، في ما كان الآخر سبب تعاسته، فيغلي المجتمع الذي كان غارقاً في الهتافات والشعارات الزائفة لزعمائه العملاء، كعقد انفرط وتبعثرت حباته في كل اتجاه؛ فهذا يلوم ذاك ويتهمه ويغلظ له القول، وهكذا تشتعل حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، تذهب بالبلاد والعباد إلى هاوية سحيقة، تنعدم فيها المروءة والأخلاق فيختلط الحابل بالنابل، وتطفح القنوات الفضائية بسيل من الجرائم تقشعر لها الأبدان، وتضيع معها الأوطان. وأحسب أنني لست في حاجة لكي أسوق لك أيها القارئ الكريم، أمثلة تؤكد صدق ما أقول؛ فبمجرد التفاتة صغيرة منك، ربَّما تقع عينك على أكثر مما ذهبت إليه في حديثي هذا.
أجل، تلك هي نتيجة حتمية لما كنَّا نسمعه من جعجعة صاخبة فارغة عبر عقود في تلك البلدان التي تسلط عليها القومجيون الاستبداديون. ومع هذا للأسف الشديد: ما زالت الرحى تدور، فيتعالى صوت الجعجعة الصاخبة في كثير منها، دون أن نرى أي طحين؛ بل قل مؤكدٌ جداً: لن نرى أي طحين مهما تعالى صوت الرحى وتعاقبت السنون.
أما عندنا هنا، في بلاد الحرمين الشريفين، أرض الرسالات، ورسول الخير للناس أجمعين، لا أقول تكاد لا تسمع جعجعة، بل مؤكدٌ أنك لم تسمعها ولن تسمعها أبداً. فالوقت هنا للعمل والانجاز والإبداع في صمت؛ بل أكثر من ذلك: مقابل صوت الجعجعة الصاخبة هنالك، تسمع هنا صوت الماكينات الهادرة التي حوَّلت مدننا كلها إلى ورش ضخمة للإنتاج والتنمية. بل كل مرة نسمع عن مشروع كبير يتم افتتاحه هنا أو هنالك في سائر ربوع بلادنا دون أن نسمع وعوداً جوفاء أو هتافات كاذبة وشعارات زائفة.
وعندما تأتي أصوات استغاثة من تلك البلدان التي أنهكتها جعجعة (زعمائها)، تنطلق طائراتنا كالريح، محملة بكل ما يلزم لمواساة المنكوبين المغلوبين على أمرهم، وتقديم أكبر قدر من الدعم لهم لتخفيف معاناتهم، دون أن تسمع شيئاً من جعجعة غير أصوات طائراتنا وهي تشق الفضاء.
وثمَّة نماذج تفوق الوصف والحصر، تؤكد أن بلادنا تعمل في صمت مطبق، بل تكره مضيعة الوقت في الحديث، وتوظف كل دقيقة للعمل والانجاز والإبداع. ليس على الصعيد الداخلي فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والعالمي على حدٍّ سواء. فكم فاجأتنا وسائل الإعلام بنجاح بلادنا في التوسط لحل مشكلة بين هذه البلاد وتلك. وكلنا نذكر نجاح وساطة ولي عهدنا القوي بالله الأمين، أخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، في فك أسر السجناء بين أمريكا وروسيا من جهة، وبين روسيا وأوكرانيا من جهة أخرى؛ وجهوده الدءوبة لوضع حدٍّ للحرب الروسية – الأوكرانية التي راح ضحيتها مئات آلاف القتلى، فضلاً عن تدمير البنية التحتية؛ إضافة إلى جهوده الحثيثة المشهودة حتى اليوم لإحلال السلام في السودان.
والحقيقة الأمثلة كثيرة على إنجازات بلادنا المدهشة وقادتنا في صمت، وكراهيتهم للخطب الرنانة الجوفاء، ويبقى أصدق مثال على هذا: الاتفاق الذي توصلت إليه قيادتنا الرشيدة مع إيران، وفاجأت به العالم كله، حتى الدول (العظمى)، لم يسمع به أحد إلا بعد أن تم كل شيء على أحسن مما يرام، وسُحِبَ البساط تماماً من أي متطفل؛ الأمر الذي عزَّز ثقة العالم في قيادتنا الرشيدة، وجعل الجميع يشد الرحال صوبها، طلباً للدعم والمساندة والرأي السديد، لصدق قادتها، وإخلاص نيتهم، وصراحتهم وحيادهم، وقول الحقيقة مهما كانت مرة، وتقديم حلول عبقرية عملية مقبولة للأطراف المتنازعة كلها. مما أكسبها ثقة العالم واحترامه، فعوَّل الجميع عليها.
أجل، ليس هذا كلام مرسل، بل شهد به كثيرون في الغرب نفسه، فها هي الإكسبريس الفرنسية تصدِّر غلاف عددها الأخير بصورة بارزة لولي عهدنا القوي بالله الأمين أخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، تبرزها أكثر مما تبرز صورة ترامب نفسه، إلى جانب ثلاثة صور أخرى؛ كاتبة عنواناً بالبنط العريض: (محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، الرجل الذي يمتلك مفتاح الشرق الأوسط). وفي هذا دليل واضح على الاعتراف بدوره الكبير، فالذين يعملون في مجال الصحافة والإعلام، يدركون جيداً معنى الصورة الكبيرة والبنط العريض.
والحقيقة تجاوز تأثير ولي عهدنا القوي بالله الأمين المحلية والإقليمية ليبلغ العالمية، كما أكد غابريال صوما، العضو السابق لمجلس ترامب الاستشاري إذ يقول: (للسعودية اليوم نفوذ قوي، ليس في المنطقة العربية فحسب، بل في دول العالم كله. وهي تبذل جهوداً كثيرة كبيرة مقدرة في إيجاد حلول لأزمات العالم).
فلاغرو إذاً إن لم يجد زعيما العالم، ترامب وبوتين، بُدَّاً من شد الرحال إلى عاصمة الخير، عاصمة القرارات الحاسمة المؤثرة، التي مثلما ليس لديها جريمة ضد مجهول، بالمقابل ليس في قاموسها مشكلة إلا ولها حل. طلباً لوضع حدٍّ لتلك المشاكل المستعصية التي جعلت العالم كله اليوم يغلي على صفيح ساخن.
وهكذا سيظل طحيننا إن شاء الله إلى الأبد، يشبع جوع العالم، ويحل فيه السلام، ويوفر الأمن والأمان، دونما ضجة أو جعجعة فارغة.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: العالم کله

إقرأ أيضاً:

تحذير جنبلاط من المكائد الإسرائيلية.. ما الذي يخشاه البيك؟!

في المؤتمر الصحفي الذي عقده نهاية الأسبوع الماضي، دعا الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أحرار سوريا إلى الحذر ممّا وصفها بـ"المكائد الإسرائيلية"، مشدّدًا على أنّ الذين وحّدوا سوريا من أيام سلطان باشا ورفاقه من كل المناطق السورية، لن يستجيبوا لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتخريب لعزل العرب الأحرار عن كل المحيط العربي والإسلامي، ولجعلهم فقط حرس حدود.
 
وفيما أكد جنبلاط التعويل على الشخصيات العربية السورية من أجل مواجهة هذا المخطط الذي وصفه بـ"الجهنّمي"، نبّه إلى أنّ إسرائيل تريد أن تستخدم الطوائف والمذاهب لمصلحتها، وتريد تفكيك المنطقة، لافتًا إلى أنّ "هذا مشروع قديم جديد، ومررنا عليه في لبنان في مرحلة معيّنة، وفشل في لبنان"، وذكّر بأنّ مشروع إسرائيل التوراتي ليس له حدود، من الضفة الغربية إلى السامرة، من يهودا إلى بلاد كنعان"، في إشارة إلى ما يسمّى بـ"إسرائيل الكبرى".
 
وقد جاء كلام جنبلاط التحذيري هذا بعد ساعات على تلويح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالتدخل عسكريًا في سوريا، تحت مسمّى "حماية الدروز"، وذلك بعد انتشار قوات الأمن السورية في بلدة جرمانا جنوبي البلاد، على خلفية حادث وقع فيها، ما يدفع إلى السؤال: ما الذي يخشاه "البيك" تحديدًا، وعن أيّ "مكائد" يتحدّث، وهل ينبغي التوجّس فعلاً ممّا تخطّطه إسرائيل لسوريا، بعد لبنان وغزة؟
 
 "المكائد الإسرائيلية" لا تنتهي
 
هي "المكائد الإسرائيلية" إذاً التي استشعر بها جنبلاط بالتلويح الإسرائيلي المتجدّد بالتدخل عسكريًا في سوريا، وهي جبهة إسرائيلية "مفتوحة" منذ الساعات الأولى ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، حين منح الإسرائيليون أنفسهم "الحقّ" بالتوغّل داخل الأراضي السورية، باستغلال الفوضى التي وقعت، نتيجة الفراغ الذي تركه السقوط المفاجئ للنظام، فوسّعت المنطقة العازلة، ووصلت إلى قمّة جبل الشيخ، من دون أيّ حسيب أو رقيب.
 
ولعلّ "المكائد الإسرائيلية" التي يتحدّث عنها جنبلاط ليست محصورة في سوريا، ففي لبنان مثلاً، يستمرّ الخوف من المخططات الإسرائيلية على الرغم من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يبدو واضحًا أنّ إسرائيل تريد أن يلتزم به لبنان حصرًا، فيما تعطي لنفسها الحقّ بتجاوزه كيفما ومتى تشاء، تحت مسمّى "حرية الحركة" التي تزعم أنّ الاتفاق كرّسها لها، بعد الخسائر القاسية التي مني بها "حزب الله" في الحرب، ولو لم ينصّ الاتفاق على ذلك صراحةً.
 
وفي غزة أيضًا، تستمرّ "المكائد الإسرائيلية"، وآخرها القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف إدخال المساعدات إلى القطاع، في مخالفة فاضحة لنصّ الاتفاق، مع المزيد من التهويل بالعودة إلى القتال والحرب، إذا ما شعر أنّ المفاوضات "غير فعّالة"، علمًا أنّ مؤشرات عدّة توحي بأنّ إسرائيل الرافضة للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، لا تريد سوى أن تكتمل صفقة التبادل، لتنهي العمل بالاتفاق.
 
خشية على "دروز سوريا"
 
وإذا كانت "المكائد الإسرائيلية" لا تنتهي، فإنّه لا يخفى على أحد أنّ ما يتوجّس منه جنبلاط تحديدًا يرتبط بالواقع في سوريا، في ضوء التصريحات الإسرائيلية "المريبة" حول التدخل العسكري بذريعة "حماية الدروز"، وهو ما ردّده كلّ من رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، الذي حذر النظام الجديد في سوريا، من "المساس بالدروز"، مضيفًا: "في حال أقدم على المساس بالدروز، فإننا سنؤذيه".
 
ولعلّ خشية جنبلاط هنا تنبع من أمرين، أولهما إدراكه أنّ إسرائيل تريد "استغلال" الدروز في سوريا، من أجل المضيّ بمخططها التوسّعي، وصولاً إلى "تقسيم" سوريا في مكانٍ ما، وهو هدف لا يخفى على أحد، خصوصًا أنّ إسرائيل ماضية كما هو واضح في مشروعها الأساسي، وهو مشروع "إسرائيل الكبرى"، والطريق إلى ذلك تمرّ عبر زرع بذور الانقسام والفتنة بين الطوائف والمذاهب، وهو ما تسعى إليه من بوابة الدروز.
 
أما الاعتبار الثاني الذي تُفهَم من خلاله خشية جنبلاط، فتكمن في أنّها ليست المرة الأولى التي تستغلّ فيها إسرائيل الواقع الدرزي تحديدًا، من أجل تحريك الواقع، بما يمنحها الفرصة لقلب الحقائق والوقائع على الأرض، وهو ما حصل مثلاً في معركة "طوفان الأقصى"، مع حادثة سقوط الصواريخ الشهيرة في مجدل شمس، التي كانت عنوانًا لتوسيع المعركة ضد "حزب الله"، على الرغم من نفي الأخير أيّ دور له في تلك الحادثة.
 
لعلّ جنبلاط حين يدعو "أحرار سوريا" إلى الحذر من "المكائد الإسرائيلية"، التي تتلطّى خلف عنوان "حماية الأقليات"، من أجل المضيّ بمخططاتها التوسعية الاستعمارية الاستيطانية، أو "الجهنمية" كما يصفها، يدعو أيضًا القادة العرب الذين يجتمعون هذا الأسبوع، إلى التصدّي لمثل هذه المخططات، ومعها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتهجير، وهي مخططات تتطلب موقفًا عربيًا موحّدًا وقويًا، وهنا بيت القصيد.. 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • الوحش الذي أرعب العالم: من هو محمد شريف الله الذي أعلن ترامب عن اعتقاله أمس
  • ما الذي يجعل القطايف مقرمشة؟‎
  • العراق يتلقى دعوة للمشاركة في أكسبو 2027 الذي ستنظمه صربيا
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • تحذير جنبلاط من المكائد الإسرائيلية.. ما الذي يخشاه البيك؟!
  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • الدور المصري الذي لا غنى عنه
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • عبد الله: ودعنا اليوم رفيقنا علي عويدات الذي تشهد له الساحات والمواقف